أقلام ثقافية

عبد السلام فاروق: نجيب محفوظ في "أبوظبي"!

اختيار نجيب محفوظ كشخصية رئيسية لمعرض أبو ظبي للكتاب لعام 2024 كان اختياراً موفقاً وذكياً.. فمن ناحية أنه يتناسب مع اختيار مصر كضيفة شرف له. ومن ناحية أخرى أن أديب نوبل إنما يعبر في الأساس عن العرب جميعهم، وأن الأدب العربي قادر على المنافسة عالمياً..

 الروائي المصري نجيب محفوظ ربيب حي الجمالية والذي عاش عمراً مديداً قارب المائة عام فعاصر عمالقة الأدب والرواية بدأ الكتابة منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولم يتوقف عن العطاء في هذا المجال حتى قرب وفاته عام 2006 عن عمر ناهز أربعة وتسعين عاماً..

 وخلال تلك الفترة الطويلة التي امتدت عبر أجيال متعاقبة من الإبداع كتب ونشر عدداً كبيراً من الروايات والقصص تحول أغلبها لسيناريوهات سينمائية ودرامية تُعرض على الشاشتين الذهبية والفضية. بل وتحولت شخصيات تلك الروايات إلى رموز في تاريخ الرواية العربية يعرفها القاصي والداني من المثقفين وعشاق الرواية..

 إن مسيرة نجيب محفوظ هي جزء أصيل من تاريخ الرواية الحديثة في مصر والعالم العربي. لقد بدأ نجيب في نشر قصصه في مجلة "الرسالة" عام 1939 ونشر روايته الأولي "عبث الأقدار" ثم نشر "كفاح طيبة" التي تحولت إلى مقرر دراسي لطلاب المرحلة الثانوية فيما بعد، ثم تتابعت رواياته المنتمية لتيار الواقعية التاريخية، قبل أن ينفرد بالكتابة عن الحارة المصرية من منطلق ما يُدعي رواية الأجيال، فصاغ ثلاثيته الشهيرة: بين القصرين، قصر الشوق، وزقاق المدق. معبراً عن عوالم تراثية سحرية تموج بالصراع الاجتماعي بين مكونات الحارة الصغيرة من طبقات اجتماعية متفاوتة بين تجار أثرياء وفتوات وحرفيين، ومن خلال هذه الصراعات الصغيرة تتضح حالة المجتمع بأكمله في فترات تاريخية سابقة. فكأن الحرافيش الذين عبر عنهم نجيب محفوظ في رواياته يمثلون في مجملهم نسيجاً حياً يعكس روح الشخصية المصرية القوية ذات القيم الأخلاقية الراسخة كالشهامة والنجدة ونصرة المظلوم..

 تنوعت روايات محفوظ التالية بين الرمزية كما في رواية الشحاذ، والتيار النفسي كرواية السراب، وروايات أخري اتخذت اتجاهاً صوفياً أو انحرفت نحو الفانتازيا، فكأنه جرَّب قلمه البارع في شتي اتجاهات الرواية الحديثة ابتعاداً عن الجمود والنمطية.

 بدأ نجيب محفوظ في أواخر الأربعينيات بكتابة السيناريوهات السينمائية واستمر يكتبها حتى نهاية الخمسينيات، ليبلغ عدد النصوص السينمائية التي كتبها نحو 25 سيناريو. هذا بخلاف القصص القصيرة التي زادت عن مائتي قصة، والمسرحيات القليلة وسيرته الذاتية التي تناولها في كتبه. ولعل ما كتب عن نجيب محفوظ في حياته وبعد وفاته من سير غيرية وكتابات نقدية أكثر بكثير مما كتبه.

 وبخلاف جائزة نوبل حصل نجيب على عدد كبير من جوائز الدولة والجوائز العربية والعالمية كان آخرها جائزة كفافيس عام 2004. وتم تخصيص عدة جوائز أدبية باسمه بالجامعة الأمريكية والمجلس الأعلى للثقافة. وكثير من الشوارع والمدارس حملت اسمه، وأقيم له تمثال برونزي بميدان سفينكس، كما أقيم له متحف تم افتتاحه جزئياً عام 2017. وما زال اسم نجيب محفوظ يحظى باحترام وتقدير كبيرين في مصر والعالم العربي.

برنامج حافل للاحتفاء بأديب نوبل

 أعلن القائمون على معرض أبو ظبي عن برنامج حاشد متكامل حول شخصية نجيب محفوظ. لا يكتفي بعرض كل أعماله المطبوعة، ولا بالندوات والمحاضرات عنه وعن أعماله، وإنما يتوزع البرنامج على كافة فعاليات المعرض ليغطي أبرز جوانب حياة نجيب محفوظ ومسيرته الأدبية. وهناك ركن ثابت تم تخصيصه لعرض منجزات محفوظ وأعماله بطريقة جذابة، وجلسات يومية تتناول مختلف جوانب تلك المسيرة الثرية..

 تتوزع محاور البرنامج الحافل على العديد من الفعاليات: منها جلسة بعنوان: "نجيب محفوظ مرآة التاريخ والمجتمع" تناقش أعماله الروائية من منظور نقدي، وندوة "البدايات والخواتيم" تناقش الفارق بين أعماله الأولي والأخيرة.

 وبعنوان: "جلسة الحرافيش" تمت استضافة عدد من الشخصيات المقربة من نجيب محفوظ تتناول ذكرياته معهم. وسوف تقام محاضرة نقدية مهمة بعنوان: "نجيب محفوظ والنقد" لإثارة الموضوعات النقدية والجدلية التي أثيرت حول أعماله.

 كما يتضمن البرنامج الثقافي عن الشخصية الرئيسية لمعرض أبوظبي جلسات نوعية مثل: "نجيب محفوظ، ويبقى الأثر"، "نجيب محفوظ في عيون العالم"، “أحفاد نجيب محفوظ" وجلسة "عوالم نجيب محفوظ، في حين تطلق جلسة "روايات نجيب محفوظ بشكل جديد" الروايات المصوّرة للراحل، والتي تصدر لأول مرة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب وغيرها من الفعاليات القيّمة. 

 هذا ويقدم المعرض تجربة غامرة واستثنائية للتعرّف على الشخصية المحورية لهذا العام من خلال جناح متميز سيأخذ الجمهور في رحلة استثنائية صوب أعمال محفوظ التاريخية، وحياته، وأسرارها والكثير، ضمن تصميم مستوحى من روح الحارة المصرية التي اهتم الأديب الراحل بتجسيدها في أعماله الخالدة.

 التكريم الاستثنائي الرائع شكلاً ومضموناً لنجيب محفوظ أديب نوبل في معرض أبوظبي يأتي في إطار العلاقات الطيبة بين مصر والإمارات، والتلاقي الثقافي المثمر بين البلدين الشقيقين.

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم