أقلام ثقافية

علي حسين: مقهى تريانون والناس التي تصفق

قرب تمثال سعد زغلول الذي يتوسط ميدان الرمل في الاسكندرية يقع مقهى او كافيه تريانون، ما ان تدخله حتى تجد صوره معلقة على جدار تجمع بين يوسف وهبي وعماد حمدي، الصورة مشهد من فيلم ميرامار المعد عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة، انظر إلى الصورة واتذكر يوسف وهبي يقول لعماد حمدي:

عارف مين السبب في كل المصايب اللي احنه فيها دلوقتي

وعندما يسأله عماد حمدي: مين.

يشير يوسف وهبي عبر زجاج المقهى إلى تمثال سعد زغلول: سعد باشا ظل يسب في الملك ويشتم الإنكليز ويقول ثورة وديمقراطية. والناس تصفق، من ساعتها والناس تصفق على اي حاجة.4117 مقهى تريانون

المقهى يقع على ناصية الشارع ويتميز، بمظلاته البيضاء التي كتب عليها باللون الأحمر اسم المقهىً الذي أصبح علامة مميزة في قلب الاسكندرية حيث يعود تاريخ افتتاحه إلى اكثر من " 120" عاما، ونقرأ في سجلاته ان مؤسسه رجل يوناني اسمه.يورغوس بيرليس افتتح في البداية محل حلواني (بيتيت تريانون)، وقد تحولت ملكية المقهى عام 1970 إلى عائلة الحضري المصرية. لعل شهرة تريانون جاءت من اتخاذ نجيب محفوظ لزاوية فيه حيث كان يجلس ف مع توفيق الحكيم الذي ذكر المقهى في سيرته الذاتية " سجن العمر"، وكان من رواد المقهى ايضا عمر الشريف ومحمود مرسي وعبد الرحمن الأبنودي، كما مر عليه الكثير من المشاهير حيث تحتفظ جدرانه صورهم وتواقيعهم.تظهر الاسكندرية في ثلاثة من روايات نجيب محفوظ هي " ميرامار " و" السمان والخريف " و" الطريق.

أسير في شوارع الاسكندرية صديق إلى مقهى صغيرة دارت فيها احداث " السمان والخريف " هناك كان يجلس عيسى الدباغ، يفكر بمستقبله وأزمته حيث يعيش دوامة البحث عن طريق الخلاص..مثله مثل بطل رواية الطريق " صابر "، ومثل أبطال ميرامار الذين يعانون من أزمات وجودية، لكنهم جميعا يعشقون الاسكندرية، فها هو عامر وجدي احد أبطال رواية ميرمار يفتتح الصفحة الاولى من الرواية بالقول "، أخيرا الإسكندرية، قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبلَّلة بالشهد والدموع."4116 مقهى تريانون

 اجلس في تريانون واتذكر مقاهي بغداد التي كانت تزخر بذكريات أدباء وفناني العراق، من السويس كافيه، حيث يجلس جبرا إبراهيم جبرا وجواد سليم، مرورا بالبرازيلية وابطال غائب طعمة فرمان يتوسطهم حسين مردان، وحسن عجمي يذكرنا بإطلالة فؤاد التكرلي  والبرلمان ومقهى المعارف وليس انتهاء بمقهى المعقدين وحوارات جيل الستينيات الصاخبة ومقهى الراق واق الذي شهد اجتماعات نزار سليم وبلند الحيدري ونجيب المانع ونهاد التكرلي لتأسيس مجموعة الوقت الضائع التي كان ملهما مارسيل بروست وجان بول سارتر.

في حوارته مع رجاء النقاش التي سجلها في كتاب " صفحات من مذكرات نجيب محفوظ " يتحدث محفوظ عن مقاهي الإسكندرية قائلا:"القهاوي بالنسبة لي في الإسكندرية كانت قهاوي تصييف فكنت ارتادها لمقابلة الأصدقاء. ولقد جلست كثيرا مع مجموعة توفيق الحكيم بمقهى تريانون، قهاوي تمتد بطول الكورنيش وكانت مباشرة على البحر "

يرى غاستون باشلار في كتابه " جماليات المكان " الذي ترجمه إلى العربية غالب هلسا اشهر عشاق مقاهي بغداد، ان الأمكنة نستمد جماليتها من الألفة، ويبدو ان الألفة ضاعت بيننا وبين مقاهي بغداد الثقافية فاندثرت.

في تريانون سخر نجيب محفوظ من الناس التي تصفق. وفي بلاد الرافدين يصر البعض ان يصفق لكل أفاق ودجال وانتهازي.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم