أقلام ثقافية

محمد عبد الكريم: رحلة في أدب الكاتبة اللبنانية علوية صبح

علوية صبح كاتبة ومسرحية لبنانية شهيرة قدمت مساهمات كبيرة لعالم الأدب بقصصها الآسرة. ولدت علوية في لبنان، وغالبا ما تدور أعمالها حول تعقيدات المشاعر الإنسانية والعلاقات والأعراف المجتمعية في الثقافة اللبنانية. من خلال أسلوبها الفريد في سرد القصص، تمكنت علوية من جذب قلوب القراء في جميع أنحاء العالم.

واحدة من أبرز قصص علوية صبح هي "خشب الصندل". تستكشف هذه القصة موضوع الخسارة والحزن حيث تتبع رحلة امرأة حزينة على وفاة زوجها. تصور علوية بشكل جميل الاضطراب العاطفي الذي تمر به بطلة الرواية وتسلط الضوء على الطرق التي تتعامل بها مع حزنها. من خلال الصور الحية واللغة المؤثرة، تنقل علوية بفعالية شدة مشاعر بطلة الرواية، مما يجعل "خشب الصندل" قصة قوية ومؤثرة.

في "الأرجوحة"، تتعمق علوية في تعقيدات العلاقات بين الأم وابنتها. تدور أحداث القصة حول أم تكافح للتواصل مع ابنتها المتمردة، مما يؤدي إلى توتر العلاقة بينهما. تستكشف صبح ببراعة الانقسام بين الأجيال وتحديات التواصل داخل الأسرة، مما يخلق سردًا مثيرًا للتفكير يتردد صداه لدى القراء من جميع الخلفيات.

تدور أحداث قصة "أشجار البرتقال في بيروت" لصبح حول مفهوم الذاكرة والحنين. تدور أحداث القصة على خلفية بيروت التي مزقتها الحرب، وتتتبع مجموعة من الأصدقاء الذين يجدون العزاء في أشجار البرتقال التي كانت تزين ملعب طفولتهم. من خلال عدسة ذكريات هذه الشخصيات، ترسم صبح صورة حية لعصر مضى وتلتقط المشاعر المريرة المرتبطة بتذكر الماضي.

قصة أخرى آسرة لصبح هي "طعم الملح". تتبع هذه القصة امرأة شابة تكافح من أجل التحرر من قيود نشأتها المحافظة وملاحقة أحلامها في أن تصبح طاهية. تنسج صبح بشكل معقد موضوعات التقاليد والتمرد واكتشاف الذات، مما يخلق سردا مقنعا يتحدى المعايير والتوقعات المجتمعية.

في "صانعة العطور"، تستكشف صبح فن صناعة العطور وارتباطه بالذاكرة والهوية. تتبع القصة صانعة العطور التي تشرع في رحلة لخلق رائحة مميزة تجسد جوهر تجارب حياتها الخاصة. من خلال العملية الإبداعية للبطلة، تصنع صبح بمهارة قصة تحتفي بقوة الرائحة في استحضار الذكريات والعواطف.

"البيت في شارع مونو" هي قصة جميلة ومؤثرة من تأليف صبح تستكشف موضوع النزوح والشوق. تدور أحداث القصة في بيروت التي مزقتها الحرب، وتتبع مجموعة من الأفراد الذين يجدون أنفسهم يعيشون في منزل مهجور في شارع مونو، كل منهم يتصارع مع شعوره الخاص بالخسارة وعدم اليقين. من خلال نثرها المثير، تلتقط صبح يأس وشوق شخصياتها وهم يتنقلون بين عدم اليقين الناجم عن الحرب والنزوح.

في "بيت الطيور"، تحكي صبح قصة فتاة صغيرة تجد العزاء في رعاية الطيور المصابة في قفص مؤقت في حديقتها الخلفية. وبينما ترعى الفتاة الطيور حتى تستعيد عافيتها، تبدأ أيضا في التعافي من الألم والصدمة التي تحملتها في ماضيها. إن تصوير صبح المؤثر للصمود والشفاء يجعل "بيت الطيور" قصة مؤثرة ومبهجة تتردد صداها لدى القراء من جميع الأعمار.

"صباحات في بيروت" هي قصة غنائية جميلة من تأليف صبح تجسد جوهر المشهد النابض بالحياة والصاخب في بيروت. من خلال عيون فتاة صغيرة تستكشف شوارع المدينة عند الفجر، ترسم صبح صورة حية لماضي بيروت وحاضرها ومستقبلها، وتنسج معًا موضوعات الأمل والصمود والروح الدائمة لسكانها.

في "زهرة الياسمين"، تستكشف صبح موضوع الحب المحرم والتوقعات المجتمعية. وتدور أحداث القصة حول زوجين شابين يجب عليهما التغلب على تحديات رفض أسرتيهما وإيجاد طريقة للبقاء معا على الرغم من العقبات التي تعترض طريقهما. إن تصوير صبح الحساس للحب والتضحية في "زهرة الياسمين" يجعلها قصة مؤثرة ومؤثرة تظل في قلوب القراء لفترة طويلة بعد الصفحة الأخيرة.

لم تتخل الكاتبة في روايتها الثالثة "اسمه الغرام" ، عن مجهرها في رؤية الواقع، لتبرز تفاصيل الموضوع الذي تتناوله، والتي تشكّل أهمية قصوى على درب معرفة الحقائق، وتعرية النفوس من ما يعتمل فيها، وكشف المستور الذي يبرع الآخرون في إخفائه، وحتى التشدق بعكسه. لم تتخل أيضا عن دفاعاتها المسبقة، فلم تنس الإعلان أن “الكتابة دايما ناقصة”، وأنها لا تتعدى على مسيرة حياة أبطالها ولا تتحكم بهم، ولا تفرض رؤيتها عليهم، فتعلن أن “نهلا تلكزني كي أكتب حكايتها”، “المليئة بالحب والحياة..”، فالبطلة نهلا اختفت وقد تكون ضحية من ضحايا حرب تموز على لبنان عام 2006، وهي الفترة التي تدور فيها أحداث الرواية، فأنا ـ”إن لم أكتب حياتها، ألن أجعلها تتحول إلى مجرد اسم مكتوب على كيس نايلون مثل مصير وحيوات أولئك الأطفال والضحايا الأبرياء”. لكنها تعود للشك في مصداقية الكتابة نفسها: ” لم أعد أدرك إن كنت أعرف امرأة اسمها “نهلا” حَكت لي حكايتها لأكتبها، أم أني أتخيّل حياة امرأة من بين الذين رأيتهم ينتشلونهم من تحت أنقاض منازلهم”. كما أنها لا تنفي وجود المبرر الذاتي والهدف الشخصي: “لم يكن أمامي سوى أن أطاوع نهلا لأقاوم موتي بالكتابة”.

"اسمه الغرام" رواية غنية بالقصص المتعددة والمصائر المتنوعة، وبشخصيات نسائية مركبّة بين الواقع وبين خيال التركيب الروائي. نهلا وسعاد وعزيزة ومنى ونادين وميرنا، كلهن سيعبّرن وسيكنّ إطارا للحديث عن الأهم وهو الموضوع. ألا تنتهي حياة الشخصيات والأفراد والأسماء وتبقى المواضيع…وهذه المرة كان “الغرام” هو الموضوع الأهم الذي اختارته الكاتبة. “ما اسم هذا الغرام الذي يفتك بي ويحييني في آن”؟! تقول البطلة التي تعود إلى غرامها الأول هاني، بعد أن انفصلا وبنى كل منهما حياته بعيداً عن الآخر، فتزوج وانجب. فحبهما “جمر بقي متوقدا”، وبحسب تعبيرها: “كنت مختبئة فيه، وهو يختبئ فيّ طوال الوقت الذي لم نر فيه واحدنا الآخر. ومن أجل ذلك، لم أنسه، لأن الأشياء التي نختبئ فيها لا تُنسى أبداً”.

يفيض الكلام بمشاعر الحب ويختلف باختلاف حدّتها. فالحب أنواع :”الحب هو اللي ما فيكي تقمعيه وتحديه متل النهر”، وحب الودّ والمحبة، و”الحب اللي فيه ولع وتيه ومفردات كثيرة”.

في جولتها وبحثها عن كشف حقيقة ما “اسمه الغرام”، لن تبخل الكاتبة في عرض محتوياته على أرض الميدان، ومصطلحاته المستعملة، ومفاهيمه المطبّقة، وكل ما يدور حوله: الزواج والتقاليد، والحب والعلاقة المختلفة التي تربط بين قطبيه، والرغبة الجنسية واكتشاف الجسد، وعدم الاكتفاء والحرمان، والتعويض عن هذا الحرمان..

تتخذ الكاتبة موقعا واقعيا كاشفا في طريقة تناولها لهذا الموضوع المتشعب والشديد الخصوصية. لكنها حتى في تدّخلها الذاتي ورؤيتها الخاصة، لا تدين ولا تحلل ولا تطرح حلولا، بل هي تقدم تفاصيل واقع تزج نفسها به، لتخرج بحصيلة رؤى ومشاهد، تسجل أحداثها وظواهرها وتدون تعابيرها، وتدع للقارئ المهام الأخرى من الاستنتاج والتحليل.

من جانب  آخر تتعمق الرواية في تعقيدات الحب والعلاقات، وتستكشف مواضيع الرغبة والشوق والخيانة. تدور أحداث القصة في بيروت، وتتتبع حياة العديد من الشخصيات المتشابكة وهم يبحرون في مياه الحب والانكسار.

تبدأ الرواية بتعريف نهلا، وهي شابة تكافح لإيجاد معنى لحياتها بعد سلسلة من العلاقات الفاشلة. تنجذب إلى الشاب الغامض، الفنان الكئيب الذي يبدو أنه يقدم لها الحب والاستقرار الذي تتوق إليه. ومع تعمق علاقتهما، تبدأ نهلا في التشكيك في نوايا علي الحقيقية وتتساءل عما إذا كان حبهما مبنيا على أساس من الأكاذيب.

مع تطور القصة، يتم تعريف القارئ بمجموعة ملونة من الشخصيات التي يجلب كل منها وجهات نظره الفريدة حول الحب والعلاقات. من الفنان العاطفي إلى سيدة الأعمال البراجماتية، تقدم كل شخصية عدسة مختلفة يمكن من خلالها رؤية تعقيدات المشاعر والرغبات البشرية.

في جميع أنحاء الرواية، تنسج صبح نسيجا غنيا من المشاعر، وتستكشف صعود وهبوط الحب في جميع أشكاله. من الاندفاع المسكر للحب الجديد إلى الألم المدمر لكسر القلب، تختبر الشخصيات في "اسمه الغرام" مجموعة واسعة من المشاعر التي ستتردد صداها مع القراء من جميع الخلفيات.

تتمثل إحدى نقاط قوة كتابات صبح في قدرتها على التقاط الفروق الدقيقة للعلاقات الإنسانية بصدق وحساسية. إنها لا تخجل من الجوانب الفوضوية والمؤلمة غالبا للحب، بل تختار بدلاً من ذلك مواجهتها بشكل مباشر بطريقة صريحة وحازمة.

بينما تتصارع الشخصيات في الرواية مع شياطينهم ورغباتهم، يضطر القارئ إلى التفكير في تجاربهم الخاصة مع الحب والعلاقات. كتابات صبح هي استبطانية ومثيرة للتفكير، وتتحدى القراء للنظر في تعقيدات الحب في حياتهم الخاصة.

في جوهرها، "اسمه الغرام" هي رواية عن البحث عن الاتصال والتفاهم في عالم يمكن أن يشعر غالبا بالبرودة واللامبالاة. من خلال رحلة نور والشخصيات الأخرى، يستكشف صبح الطرق التي يمكن للحب من خلالها أن يرفع ويدمر في الوقت نفسه، فيجلب الفرح والألم على حد سواء.

في النهاية، "اسمه الغرام" هي تأمل قوي ومؤثر في طبيعة الحب والعلاقات. كتابات صبح غنائية ومؤثرة، تجذب القارئ إلى عالم حيث يسود العاطفة والرغبة، وحيث لا ينتهي البحث عن الحب.

تشكل رواية علوية صبح "اسمه الغرام" استكشاف مكتوب بشكل جميل ومؤثر للغاية لتعقيدات العلاقات الإنسانية. من خلال شخصياتها الحية ونثرها المثير، تقدم الرواية تأملا قويا في طبيعة الحب وتأثيره على حياتنا. إنها قراءة لا بد منها لأي شخص تعامل مع أفراح وآلام الحب، ويسعى إلى فهم أعمق للقلب البشري.

تقدم قصص علوية صبح نسيجا غنيا من المشاعر والموضوعات والشخصيات التي تسلط الضوء على تعقيدات التجربة الإنسانية في المجتمع اللبناني. ومن خلال نثرها المثير ورواياتها المقنعة، تدعو صبح القراء لاستكشاف أعماق الحزن والشوق والحب والمرونة بطريقة تتردد صداها على مستوى عالمي.

***

محمد عبد الكريم يوسف

في المثقف اليوم