أقلام ثقافية
ثامر الحاج امين: الفوز بالمنزلتين.. الشاعر حافظ الشيرازي
قلة من الشعراء هم الذين نالوا المكانة الأدبية المرموقة الى جانب المكانة الروحية التي تصل حد التقديس، وقد يكون الشاعر حافظ الشيرازي(1315 ـ 1390 م) من بين الشعراء الذين نالوا المنزلتين عند الشعب الايراني، فقد حظي هذا الشاعر باحترام كبير ليس لدى السلاطين الذين عاصر حكمهم فحسب انما لدى الشعب ايضا، فهو يمثل " صوت الغيب " عند الايرانيين ولا يكاد يخلو بيت إيراني من ديوان حافظ، ذلك ان الفرد الايراني عندما يشعر بالقلق فما عليه الا ان يفتح ديوان " الشيرازي " عشوائيا ليجد الاجابة الشافية، فالاعتقاد السائد انه معهم في الشدائد ومن كلماته يستمدون القوة والتغلب على الحزن والألم ويمنحهم ايضا العزيمة والاصرار على السعي والمواجهة فهو يحثهم على الصبر وتحمل المشاق في مسيرة الوصول الى الهدف (ان كان عليك ان تعبر الصحراء لتصل الى هدفك، إمض دون ان تلق بالاً للأشواك الجارحة) كما ان الايرانيين ولشدة ايمانهم بحكمته وصواب رؤيته فأنهم يستخيرون بأشعاره حيث يجلس العديد من الايرانيين عند باب مقبرته وبأيديهم ديوان الشيرازي يفتحونه لمن يريد ان يقرأ طالعه او يريد الاقدام على أمر مصيري وذلك مقابل مبلغ بسيط من المال .
زرت ضريح الشاعر حافظ الشيرازي في مدينة شيراز الايرانية فوجدته تحفة فنية ومعمارية نادرة في الهندسة وصرحا شامخا بالجمال والعظمة وسط طبيعة ساحرة تحف ضريحه الورود من كل جانب وعلى لوح ضريحه المصنوع من المرمر نقشت إحدى قصائده، ومشاركة لهمه الروحي (كم أشتهي الحديث معك عن حال قلبي) جلست بأجلال حيث يرقد وقد غشيني الخجل من انني لم اتمكن من تحقيق رغبته (لا تجلس بجوار قبري دون خمر أو موسيقى، فربما أنهض من قبري راقصاً، عندما استشعر شذا وجودك) عندها شعرت بصدى قصائده يتسلل الى أعماق الروح:
إن عمرنا قصير، ولكن طالما أننا قد نفوز
بالمجد وهو الحب، فلا تحتقر
الاصغاء إلى توسلات القلب
فهو يؤمن أن الحب، عذرياً كان أو عملياً، لا يستغنى عنه الشعر:
أيها الحب اجمع بيننا
فما حاجتي بعد ذلك إلى الجنة،
إن الذي خلق غدائر شعرك من ذهب وفضة،
وجمع بين الوردة الحمراء والوردة البيضاء
وأسلم إليهما خدك في شهر العسل
أليس بقادر على أن يمنحني الصبر، وأنا ابنه
اشعار حافظ الشيرازي تعكس حكمة عميقة وهي جزء من الحكمة الروحية للشرق وتتردد فيها مضامين تدين مظاهر النفاق الديني والاجتماعي كما يرفض بقوة واقع النفاق الذي عم عصره وما يميزه عن مجموعة عظماء الشعر الفارسي الخالدين، جلال الدين الرومي وسعدي الشيرازي وفريد الدين العطار ونظامي الكنجوي وأبو قاسم الفردوسي ان ديوانه قد ترجم إلى سبع وعشرين لغة حية، كما ان الشاعر الالماني " غوته " هام عشقا بأشعار حافظ، ونسج معه علاقة روحية خاصة وفي النهاية كتب ديوانا شعريا أهداه لحافظ الشيرازي تحت عنوان "الديوان الشرقي للشاعر الغربي ويعتبر شعره إلى جانب شعر جلال الدين الرومي من المواد الأساسية للمغنين في إيران فهم يسلطنون على كلماته القائلة .
ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها
فأن الكأس للملدوغ بالعشق هي الراقي
والذي لفت نظري في زيارتي لضريحه ان هناك من يعتمد في دخله اليومي على بيع "فال حافظ" للمارة وهي عبارة عن مغلفات يحوي كل واحد منها على مقطع من شعر حافظ مع شرح ييسر على القارئ فهم المعنى، فوفقا لتقاليد قديمة فإن الإيرانيين في الأعياد الدينية وغيرها يأخذون الطالع من الديوان.
***
ثامر الحاج امين