أقلام فكرية

فيزياء الروح الكونية

akeel alabodأن علاقة المخلوق بالخالق، علاقة تلازمية، تكاملية، يحتاج الكشف في مفردات معانيها الى البحث عن اسرار المجهول.

فالانسان لا يعرف معنى الشمس، ومدارات الكواكب، وحركة إلافلاك، والأجرام، الا من خلال عملية تبصره، وإستكشافه لاقطاب تلك المدارات، وخطوط مساراتها الأفقية، والعمودية، مع بعضها البعض، ذلك من خلال علاقته مع نظام هذا الوجود، فهو الموجود في دائرة الوجود.

وبما أن الكون منظومة لعوالم ومقادير مختلفة ومتغيرة، فهذا يعني، ان المخلوق أمام مصير مجهول.

والبحث عن الكلي عملية تثبت عظمة ذات المخلوق، وهو يسعى لان يتأمل ذات الخالق، من خلال ذاته.

فالعقل الإنساني يشبه (دالة رياضية) في عمليات استعداده الذهني، باعتبار ان طريقة التفكير حالة متغيرة غير ثابتة.

والسبب يعود الى ان الانسان، بهذا العقل، إنما يسعى لاستكشاف ما يتم استبطانه، ما يجعله مفتقرا الى تحرير ذاته ، والارتقاء بها اولا، ذلك لكي يتمكن ان يرتبط بطريقة أقوى مع ما يحيط به، من خلال البحث الدائم والسؤال، والاستكشاف، بعيدا عن الجهل، والكسل، والإذعان.

فقد ورد في سورة الانعام مثلا، عن نبي الله ابراهيم (ع): " فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي، فلما أفل قال لان لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين"[1].

فنبي الله ابراهيم(ع). كان بحاجة الى معرفة ربه، لكنه لم يقدر على استكشاف اللغز المحير لهذا الرب الا بعد حين، ليؤمن بعدها بهذا الذي فطر السماوات والارض، ذلك بعد مشاهدات، وصور ارتبطت في مدياتها بحالة سعي ومثابرة دائمة، بحسب السورة؛

حيث تكمن انظمة العلل، والمعلولات الكائنة، والكامنة في "ملكوت السماوات والأرض"كما ورد في سياق النص القراني للآية[2].

ان نظام الموجودات العاقلة، وغير العاقلة، ترتبط بدائرة اشمل، وأوسع من نظام ارتباطها مع ذواتها مع بعضها، فالسماء في امتدادها، وسعتها، انما انشأت، إوخلقت بهذه الهيئة، لتستوعب تلك الوجودات الفلكية، التي ترتبط مع بعضها من جانب، ومع ذلك الفضاء الممتد من جانب اخر، بحسب مبدأ الأسبقية.

وهذا ما تنوقش على لسان السيد محمد حسين الطبطبائي، عن صدر المتالهين، في الفصل الاول، والفصل الثاني، اذ قيل : "الوجود مشترك معنوي بين الماهيات"، وكذلك، كما ورد في موضوعة اخرى، وفصل اخر، حيث قيل: "اصالة الوجود واعتبارية الماهية"[3].

اما الاول، فيعني ان جميع الاشياء لا يمكن أن تستقر إلا بحركة الكلي المؤثرية، لا التأثرية، فهو (يفعل) في الاشياء دون ان (ينفعل)؛ يؤثر في مسمياتها، وعناوينها وصفاتها، يغيرها، دون ان يتغير، ما بجعله منفردا، "قائما بذاته"، من غير ان يفتقر الى غيره"[4].

فالمشترك المعنوي هو الوجود المحيط بالموجودات، اما اصالة الوجود، فهي تعني أسبقية الاشتراك المعنوي، لا (اللفظي للوجود). وهذا ما يمنح الوجود صفة العلو وعدم الافتقار.

وفي الاشتراك اللفظي خلاف، حيث بعض المدارس قالت ان كلمة الوجود لفظ، ولهذا فهو له الأسبقية، لذلك بعكسه قال صدر المتالهين بالوجود المعنوي على اساس النسبة في الاشتراك، لا المعنى بين الماهيات، والوجود، باعتباره ليس ماهية كباقي الماهيات، انما جوهر.

ففي دعاء الصباح للإمام علي (ع) ورد: "يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته وجل عن ملائمة كيفياته"[5].

والتنزه في المعجم، معناه "الترفع"، اي ان الله مترفع عن العيوب والآثام، فهو المتسق، المتصف، بأعلى درجات كماله، وعلمه، مع كماله، وعلمه، وجميع أسمائه، التي تدل على صفاته، حيث ان من شروط اتصاف الكلي، هو تلك الدرجات السامية المتحدة مع جوهره.

فهنالك نسبة حاضرة بين الخالق، والمخلوق، هذه النسبة، بها يستدل على عظمة الخالق، ومنها يصبح للمخلوق شانا، كونه يمتلك القدرة، لان يغور في محيط هذا الخالق بحثا عن (كنهه)، اي حقيقته الجوهرية بحسب مبدأ "القابلية والاستعداد"، ذلك في مفهوم القدرة، والاستعداد التأملي لدى المخلوق[6]؛

متحديا تلك الحواجز التي تفصله عن (الذات المتعالية)، وهذا التحدي، يحتاج الى صبر وحلم وإيمان وتفان، ذلك سعيا، وبحثا عن جوهر الوجود، وحقيقته الكلية.

وبين محاولات البحث الشائق في مكنونات، ذلك المحيط، ومدى قابلية العقل على البحث الدائم ، تبقى الذات المتعالية، متنزهة متفردة شامخة في بحر جبروتها، وأسرارها الملكوتية، لا يمكن ان توصف اوتدرك من قبل المخلوق، الا بنسبة معينة.

المهم، ان الخالق في مورد بحثنا، لا يمكن وصفه، بل التامل في صفاته، لإدراك بعض المعان.

فالخالق يفيض على المخلوق، اي يعطيه من فيض صفاته، فبجعله عارفاً حكيما فاضلا، من خلال ذاته المتعالية، ليبقى هو خارجا عن ذات المخلوق مترفعا، بهيا، عالما، جميلا.

فقد ورد في هذا الدعاء، " اللهم أني أسالك من بهائك بابهاه، وكل بهائك بهي، اللهم أني أسالك ببهائك كله"[7].

هنا بإعتبار ان الانسان كائن عقلي، تراه يحتاج لان يوظف عقله، لتحقيق التوازن الروحي، أوالإطمئنان الذي يربط بينه وبين خفايا الوجود، ما يدفع بالعقل الى التزود بالقوة التي تؤهله لإستكشاف عظمة تواصله العقلي والروحي مع تلك الخفايا (وتجلياتها)[8]، ومدلولاتها عبر المواظبة على ممارسة التأمل والتفكر المرتبط (بالذات المتعالية)،

فكلما إزداد العبد تأملا وتفكرا، وجد نفسه متحررا من قيود ذاته، مقيدا مأخوذا بأسرار البحث عن الوجود ومكنوناته.

وفي الدعاء أن الخالق جلّ في ملائمته لطبيعة الموجودات من حيث كيفياتها. والكيفيات هنا قد تنوقشت من قبل العلماء والفلاسفة بعنوان طبيعتها التكوينية، فالأشياء والموجودات، لها صفات، وهذه الصفات، قد جعلت بناءا على فيزياء التناسب.

والروح هي جزء من هذه الفيزياء، فهي الرابط بين لغة العقل وحقيقتها المتشخصة في الخارج، وفقا لحقيقة الكلي وارتباطه مع الموجودات وهذا بحث لموضوع ثان.

 

عقيل العبود

نشرت بتاريخ 7/11/2013 على موقع المثقف نقحت مع الإضافة والتغيير، بتاريخ 14/8/2015

.........................

هوامش البحث

[1]سورة الانعام، اية 77.

[2]سورة الانعام ابة75

في المثقف اليوم