أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: تعدّد الرؤى الفلسفية لفكرة الطبيعة

تُعتبر فكرة الطبيعة من اكثر الافكار المتداولة في الفلسفة وبنفس المقدار هي الأسوأ تعريفا. فلاسفة أمثال ارسطو وديكارت استخدموا مفهوم الطبيعة لتوضيح المبادئ الفلسفية لوجهات نظرهم، دون ان يحاولوا أبداً تعريف المفهوم. حتى في الفلسفة المعاصرة، عادة جرى استخدام الفكرة بأشكال مختلفة. اذاً ماذا نعني بالطبيعة؟

الطبيعة وجوهر الشيء

التقليد الفلسفي الذي يعود تاريخه الى ارسطو يستخدم فكرة الطبيعة لتوضيح ما يحدد جوهر الشيء. الجوهر وهو احد اهم المفاهيم الميتافيزيقية الاساسية يشير الى تلك الصفات التي تحدد ماهية الشيء. جوهر الماء مثلا، هو التركيب الجزيئي، جوهر الكائنات الحية هو تاريخ أسلافها، جوهر الانسان هو وعيه الذاتي او روحه. لذلك، ضمن التقاليد الارسطية، لكي نتصرف طبقا للطبيعة يعني ان نأخذ بالإعتبار التعريف الواقعي لكل شيء عند التعامل معه.

العالم الطبيعي

احيانا استُعملت فكرة الطبيعة لتشير الى أي شيء يوجد في الكون كجزء من العالم المادي. بهذا المعنى، تحتضن الفكرة كل شيء يقع تحت دراسة العلوم الطبيعية بدءً من الفيزياء الى البايولوجي وحتى دراسات البيئة.

الطبيعي مقابل الاصطناعي

"الطبيعي" تُستعمل عادة لتشير ايضا الى العملية التي تحدث بشكل تلقائي مقابل ما يحدث نتيجة لتأثير الكائن. وهكذا، النبتة تنمو طبيعيا عندما لا يُخطط لنموها من جانب شخص عقلاني. والتفاح قد ينمو اصطناعيا عندما يُخطط لنموه وسيكون منتجا اصطناعيا في ظل هذا الفهم لفكرة الطبيعة، رغم ان معظم الناس يتفقون على ان التفاح منتَج للطبيعة (أي جزء من العالم الطبيعي، الذي تتم دراسته بواسطة علماء الطبيعة).

الطبيعة مقابل التنشئة

فكرة الطبيعة مقابل التنشئة تتصل بالإنقسام بين التلقائية مقابل الاصطناعية. فكرة الثقافة تصبح هنا أساسية لرسم الخط. أي الطبيعي مقابل ما هو محصلة لعملية ثقافية. التعليم مثال رئيسي عن العملية غير الطبيعية: في معظم التفسيرات يُنظر الى التعليم كعملية ضد الطبيعة. من الواضح جدا، من هذا المنظور ان هناك بعض المواد لايمكن ان تكون طبيعية خالصة: بمعنى أي تطور بشري يتشكل من خلال التفاعل او عدمه مع الكائنات البشرية الاخرى، على سبيل المثال، لا وجود هناك لشيء كتطور طبيعي للغة الانسان.

الطبيعة كبرية (مناطق غير مأهولة)

فكرة الطبيعة استُعملت احيانا للتعبير عن الارض غير المأهولة بالسكان تعيش على حافة الحضارة، بعيدة عن أي عملية ثقافية. في المعنى الصارم للمصطلح، الناس حاليا يمكن ان يواجهوا البرية في اماكن قليلة على الارض، ذلك حيثما يكون تأثير المجتمعات الانسانية ضئيلا، ولو أخذنا في الإعتبار ذلك التأثير البيئي الذي يحدثه الانسان على كامل النظام البيئي، فسوف لن يتبقى أي مكان معزول على كوكبنا. اذا تم توسيع فكرة البرية، عندئذ يكون حتى المشي في الغابة او رحلة في المحيط يمكن ان يشعر بها المرء كبرية، بمعنى طبيعية.

الطبيعة والله

أخيرا، في موضوع الطبيعة لا يمكن إغفال المفهوم الذي استُخدم على نطاق واسع في الألف سنة الماضية: الطبيعة كتعبير عن الإله. فكرة الطبيعة هي مركزية في معظم الاديان. انها اتخذت عدد هائل من الأشكال، بدءً من الوجودات او العمليات المحددة (جبل، شمس، محيط، النار) الى احتضان كل عالم الموجودات.

***

حاتم حميد محسن

 

في المثقف اليوم