أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: ميتافيزيقا الزمن.. تصورات كانط حول طبيعة الزمن؟

من بين أبرز التوضيحات الهامة للزمن في الغرب هو عمل عمانوئيل كانط (1724-1804). سنحاول هنا استكشاف مفهوم كانط للزمن، خاصة الطريقة التي ارتبط بها باللغة. هذا لا يعني اننا نختزل مشكلة الزمن فقط بمسألة لغة، وانما نريد إظهار ان اللغة تلعب دورا حاسما بشأن الزمن. وللقيام بهذا سوف ننظر بعمل كانط الشهير (نقد العقل المحض) وبالذات في القسم الذي ورد تحت عنوان "الإحساس المتجاوز" The Transcendental Aesthetic. ورغم ان كانط لم يتحدث بشكل مباشر عن الزمن، مختزلا الجدال الى هامش في نهاية الفصل، لكن الجدال قريب جدا لجداله المتعلق بالمكان. وحتى لو يجادل احد ان الزمان والمكان غير متطابقين فيما يتعلق بالحواس – الزمن جزء من "الحس الداخلي"، والمكان مظهر "للحس الخارجي" – لكن الزمن وحده لا يكفي ليجعل تجربتنا منظّمة ومفهومة.

سنرى بان مفاهيم الماضي، الحاضر، المستقبل هي غير ضرورية لطبيعة الزمن كما يراها كانط. الفكرة هي ان الفرق بين المستقبل والماضي – جزء لا يتجزأ من إحساسنا بتدفق الزمن – هو مفاهيمي بشكل لا ينفصم، وبهذا لا ينتمي للعناصر الحسية لتجربتنا وانما هو مرتبط بشكل وثيق باللغة.

لغة التجربة

في كتابه (انثروبولوجيا من وجهة نظر برجماتية، 1798)، يقول كانط "ان المقدرة على تمييز الحاضر كوسيلة لربط أفكار عن أحداث متوقعة مع تلك المتعلقة بأحداث الماضي هي قوة استعمال العلامات" (ص64). وعليه، قد يتحدث احد جيدا حول الزمن فقط عندما تكون اللغة جزءاً من المزيج – والذي يعني، فقط عندما نعرّض الزمن لمفاهيم. السؤال هو ما اذا كان احد يستطيع ان يتصور مفاهيميا احدهما او كلاهما -الماضي والحاضر- كغير موجودين. بالنسبة للقس اوغسطين (354-430)، من السهل ان يتصور عدم وجود الماضي والمستقبل. هو اعتقد ان الاحداث جاءت الى الوجود وخرجت من الوجود، وان الحاضر فقط هو الواقعي. كانط انتمى الى نفس الفكر، لكنه كان قادرا على صياغة المشكلة باسلوب مختلف.

وكما ذكرنا، اول تعامل لكانط مع الزمن في نقد العقل المحض في قسم بعنوان "الأشكال الاولى للتصور". لنحاول الان توضيح العنوان قبل الذهاب الى تفاصيل ما يقوله كانط عن طبيعة الزمن.

المعرفة القبلية هي معرفة موجودة في ذهن الانسان قبليا وبشكل مستقل عن التجربة بالعالم الخارجي. في تحقيقات كانط في التجربة الانسانية، مفاهيمنا عن المكان والزمان تظهر قبل التجربة بالعالم الخارجي ومستقلة عنه وهي الشرط الضروري لنا دائما لإمتلاك هكذا تجربة .

القبلي A priori يمكن ان يكون مضادا للبعدي a posterior الذي يشير للمعرفة المشتقة من التجربة، والى المتجاوز الذي يشير الى شيء يتجاوز التجربة او قبلها، لكنه غير متضمن فيها. مفردة "متجاوز" كان لها سلفا تاريخا طويلا في التفكير الفلسفي خاصة ضمن المدرسية. بالنسبة لكانط، المفردة تحدد شيئا ما لايُشتق من التجربة وانما هو "الطريقة التي يتأثر بها الذهن بفعاليته الخاصة" (نقد، ص 189). بكلمة اخرى مفردة "المتجاوز" تشير الى الطريقة التي يكيّف بها العقل نفسه. من جهة اخرى، مفردة احساس aesthetic تُشتق من الكلمة اليونانية القديمة aisthesis وتعني "احساس". بهذا التحليل، نحن نستطيع سلفا استنتاج ما سيعالجه كانط في هذا الفصل. هذا القسم في الحقيقة يعالج الاحساس القبلي الذي يشير في النقد (نقد العقل المحض) عادة الى الحدس القبلي.

الزمن كشكل من الحدس القبلي

في علاج كانط الأول للزمن، لا تظهر العلاقة بين الزمن واللغة بشكل واضح. لكننا سوف نستطلعها لسببين رئيسيين. الاول ان كانط يستطلع كل من الطبيعة المتجاوزة والطبيعة التجريبية للزمن، ونحن يجب ان نستعمل اللغة لوصف تلك الاشياء. السبب الثاني هو انه على الرغم من ان كانط لايناقش بشكل صريح الزمن واللغة باعتبارهما مرتبطين جوهريا، لكن في هذا القسم هو يتقدم ببعض الافتراضات المسبقة الجوهرية المتصلة بارتباطهما.

يصف كانط الزمن كشكل من الحدس المحض، في تضاد مع مادة العالم التي هو يجادل انها فقط "مظهر يتطابق مع الإحساس"(ص172). هو يبدأ خطابه حول المكان والزمان بجدال يُظهر ان حدس التجربة لا يستلزم بالضرورة ادراكا حسيا. لعمل هذا هو يستخدم تمييزا بين الحدس التجريبي والحدس الخالص قائلا ان الحدس التجريبي (التجربة في العالم) يتضمن بالضرورة ان الاشياء "اُعطيت لنا بوسائل الاحساس" (ص172) – أي، عبر إحساسنا بها. من جهة اخرى، الحدس الخالص لايستلزم بالضرورة احساسا، لأنه لا يُشتق مباشرة من الحواس البايولوجية. الجدال يمكن تلخيصه بالقول، انني استطيع تصوّر المكان ولا أزال ليس لدي احساس به. طالما المكان ليس شيئا اُعطي لي بواسطة حواسي. نفس الشيء، الزمن المطلق ليس شيئا في التجربة طالما نحن ليس لدينا احساس بالزمن ايضا. بدلا من ذلك، تمثيلاتنا للمكان والزمان هي محضة لأنه وبقدر ما يتعلق الامر بهما، "لاشيء يمكن مواجهته ينتمي للإحساس" (ص173).

طريقة اخرى لنفس الفكرة يمكن العثور عليها في حجة كانط الثانية حول الزمن. هو يقول "فيما يتعلق بالمظهر بشكل عام لايستطيع احد ازالة الزمن، مع انه يمكنه جيدا اخذ المظهر من الزمن" (ص162) أي يمكن القول، نحن لا نستطيع ان نتصور أي حدث كغير موجود في الزمن. في النهاية، نحن غير قادرين على تصور غياب الزمن ذاته. هناك مقارنة مبسطة لكنها مفيدة يستخدمها كورنر S.Corner في كتابه كانط (1955)، بان المكان والزمان يمكن تصورهما كـ "نظارات لايمكن نزعها"، طالما "الاشياء والاحداث يمكن رؤيتها فقط من خلال المكان والزمان. لذلك، فان الاشياء والاحداث لايمكن رؤيتها ابدا كما هي في ذاتها" (كانط، ص37). وطالما الزمان والمكان شكلان ضروريان للتجربة، نحن لايمكننا ابدا ان نشعر بأي شيء مستقل عنهما، ولا بأي شيء فيه الزمان والمكان مستقلان عن تجربتنا.

رغم اننا نعتقد ان هذا هو الجدال الأكثر إقناعا حول الزمن، لكن يجب الاعتراف ان ذلك ليس حاسما تماما. لو تصورنا اننا منذ الولادة فصاعدا دائما نرى العالم من خلال زوج من النظارات الملونة باللون الاخضر. بالطبع، العالم يبدو اخضرا. الآن تصوّر اننا بطريقة ما نجد طريقة لإزالة النظارات. نحن ربما في الحقيقة نكتشف ان العالم هو اخضر حقا، او لكي نترجم الاستعارة، ان العالم هو في زمان ومكان . لذلك، فان الزمن المطلق سيكون مستقلا عن تجربتنا بالزمن. مع ذلك، هذا الاستنتاج يذهب الى ما وراء الحدود التي يضعها كانط لقدرتنا على الفهم، لأننا لا نستطيع تجربة ما هو وراء التجربة. هو بدلا من ذلك يقول انه فقط اننا نستطيع التحدث حول الزمن فقط من منظور الانسان، ومن هذا المنظور، فان تجربة الزمن تسبق تجربة العالم الخارجي.

للحفاظ على هذه الفرضية، يجادل كانط بان فكرة الزمن لا يمكن ان تبرز من تجربة التزامن او التعاقب لأننا نحتاج لنفترض الزمن مسبقا لكي نستفيد من هذا النوع الخاص من النظام الذي من خلاله نشعر بالعالم: "فقط في ظل الافتراض المسبق للزمن يستطيع المرء تمثيل تلك الاشياء العديدة الموجودة في نفس الوقت (تزامنا) او في اوقات مختلفة (بالتعاقب)"(ص162). خوف كانط هو ان الزمن غير مشتق من شيء لا زمني، بما يعني ان الزمن لا يمكن اشتقاقه من مصدر لازمني. بكلمة اخرى، الزمن لايمكن توضيحه تماما عبر الاشارة لشيء هو ذاته غير زمني، ولذا يجب افتراضه مسبقا كمظهر للتجربة.

رغم ان هذا الادّعاء قد يبدو بسيطا، لكنه احد اطروحات كانط المركزية. ربما يمكن تلخيصه بشكل افضل من خلال بيان ارسطي. الفيلسوف القديم ارسطو يقول، "من الواضح ان الزمن لا هو تغيير ولا هو جزء من التغيير"(الميتافيزيقا، ص218 b35). التغيير في الحقيقة يحدث في شيء من خلال التعديل او الحركة. مع ذلك، عندما يصل التغيير الى نهايته، نحن لانزال نقول ان الزمن يمر او يتدفق – تصوّر للحظة كونك في غرفة مظلمة وبدون أي نوع من التجربة الحسية. حتى هنا نحن نريد الزعم بان الزمن لم يتوقف، ولانزال نشعر بتدفق الزمن. هذا يجعلنا اقرب لفكرة كانط. هذا المظهر الخاص لتجربتنا يمكن توضيحه عبر ايجاد فرق بين الزمن كما يُعاش في الإحساس (التجربة الحسية للأحداث)، والزمن كما يُعاش في سياق من الفهم المحض.

تجربة الزمن

كوننا اعتبرنا تعامل كانط مع الزمن ضمن الـ "الاحساس المتجاوز" كشكل خالص من الحدس، الآن من الضروري الإنتقال الى فهم مختلف قليلا للزمن ظهر في القسم "التحليلي". في هذا القسم من النقد يبدو ان كانط يستدعي دليلا في الكيفية التي تتولد بها التجربة بالزمن. يوضح كانط بانه ما اذا كان مصدر التمثيل خارجيا او داخليا – ما اذا كنا نتحدث حول المظاهر القبلية او التجريبية – هي مع ذلك تكون دائما تكييف للذهن، وبهذا، هي تنتمي لشعورنا الداخلي. يوضح كانط، انها طالما تنتمي دائما للحس الداخلي، فان "جميع إدراكاتنا هي في النهاية عرضة الى الوضع الاساسي للحس الداخلي، أعني الزمن، الذي يجب ان تُنظّم فيه وترتبط وتدخل في علاقات" (ص228). لذا، الزمن يلعب دورا محوريا في عمليات خلق كل تجربتنا، لأنه يشكل الارضية او الاساس لتلك التجربة. وبما ان التمثلات لا تمثل فقط شيئا ما، وانما تمثله لشخص ما، سنكون الان في موقف من الفهم لهذا "الشخص". سيصبح واضحا كيف بإمكاننا معايشة الزمن، وفي الحقيقة نفهم لماذا نحن نعيش الزمن كاستمرارية بدلا من مجموعة لحظات منفصلة، وبالنهاية، نفهم اي نوع من العلاقة توجد بين الزمن واللغة.

يقول كانط ان تركيبة الحدس هي توحيد مجموعة متنوعة من التجربة. ماذا يعني هذا؟ لكي نستعمل كلمات كانط الخاصة، "تركيبة synthesis بالمعنى العام .. أفهمها كفعل وضع مختلف التمثلات مع بعضها وفهم تعدديتها في ادراك واحد" (نقد، ص210). هنا المتنوع manifold هو تعدد الحدس او البداهات، او مختلف مظاهر التجربة. فمثلا، عندما انظر الى بناية من هذه الزاوية وتلك وفي مختلف الازمان، انا لدي تعدد بالحدس التجريبي او بالمدخلات البصرية التي تتوحد في الذهن لكي تشكل تجربة متماسكة وموحدة للبناية. وعموما، تركيبة تعدد الحدس تسمح لتجربتنا لتكون موحدة بدلا مما يسميه وليم جيمس بـ "تشويش الطنين الكبير".(1)

بدون تركيبة، ستبقى تجربتنا مجموعة غير مرتبة من المعلومات. ولكن سوف لن تكون هناك تجربة بالزمن ايضا. افرض نحن كنا نتحدث عن الزمن الذي مر بين حدث وآخر. اذا كانت اجزاء من تجربتي ليست في علاقة زمنية متماسكة مع بعضها البعض، سوف لن اكون قادرا على القول باني امتلكت هكذا تجربة، ولا ان الزمن مر مع هذه التجربة. في هذه الحالة غير المتماسكة، يقول كانط، انه "حتى أول وأنقى تمثلات للمكان والزمان لا تستطيع ابدا ان تبرز فينا" (ص85)، بالضبط بسبب اننا نحتاج "للمرور من خلال المتعدد والتمسك به مجتمعا" (ص82). ليس بالصدفة ان هذا الفعل من الذهن يسمى تركيبة (مرة اخرى، الكلمة مشتقة من اليونان القديمة "مجتمعا مع" و"يضع"). مقدرتنا في التركيب هي قدرتنا الذهنية المتجاوزة لخلق وحدة من التجارب المتعددة او الحدس. بدون هذه الوحدة، سوف لن نكون قادرين على امتلاك تجربة بالحدس الخالص بالمكان والزمان حسب كانط. وهكذا، من هذا الاساس يقول كانط تتولد التجربة بالزمن. الان، يكفي بنا القول مع كانط ان الزمن"هو الشرط الاساسي لتعدد الحس الداخلي، وبالتالي فان ترابط جميع التمثلات احتوت على متنوع قبلي في الحدس المحض" (ص272).

هل التجربة تكفي لتوضيح الزمن؟

الآن لدينا صورة عن طبيعة وتجربة الزمن . حتى الان، نستطيع القول ان الزمن هو شكل نقي للحدس، وتجربته تعتمد على ما نخلق من نوع محدد (زمني) للوحدة من تعدد التجارب. من هذا المنظور نستطيع الحديث عن الزمن كاستمرارية بدلا من نقاط زمنية منفصلة نشير لها بالماضي والحاضر والمستقبل. هناك قناعة بانه اذا كان كانط صائبا، فان صياغته تنتج فقط وحدة لتجربة الزمن بدلا من تدفق غير قابل للوصف منطويا على اوقات مختلفة. وهكذا، يبدو ان هناك عدم انسجام بين ما نقوله عادة حول الزمن وما يقوله كانط . نعتقد ان هذا ناتج عن الدور الذي تلعبه اللغة في صياغة افكارنا عن الزمن.

دعنا نتقدم تدريجيا. سوف ننظر اولا في فهم اوغسطين للزمن لنرى كيف نستطيع تمييز الزمن مفاهيميا الى مختلف الوجودات، بعد ذلك سوف ننظر في رفض اوغستين للماضي والمستقبل. اخيرا، سوف ننظر في مذكرات كانط المكتوبة باليد طالما تكمن في هذه المذكرات صياغة يمكنها ان توفر الطريق الى الامام لتصور كانط للزمن المنسجم والمتوافق. وكما ذكرنا آنفا، طبقا لاوغستين، لا وجود للماضي ولا للمستقبل، فقط الحاضر موجود. بالنسبة لاوغستين هناك يبدو تزامنا في الزمن ويصبح كما لو انه وجهان لعملة واحدة. لكننا لا نريد التركيز على هذه المشكلة كوننا، نحن الى جانب كانط توقعنا سلفا بان الزمن لايمكن اشتقاقه من شيء غير زمني. الخوف هنا هو ان ذلك بسبب فهمه المفاهيمي للزمن لدرجة ان اوغستين يستطيع القول هو فقط الحاضر. لكن اذا كان الحاضر هو الموجود دائما، فهو يكون مشابه للإبدية. اوغسطين في الحقيقة يقول، "هذان الزمنان الماضي وما يأتي، كيف يكونان، حيث نرى الماضي الآن ليس موجودا، والمستقبل لم يأت بعد؟ لكن الحاضر يجب ان يكون دائما حاضرا ولا يمكن ابدا ان يمر الى زمن الماضي، في الحقيقة انه لا يجب ان يكون زمنا وانما أبدية" (الاعترافات، فصل، 14) .

ضمن هذا التصور يصبح الربط بين الزمن واللغة واضحا. كانط في مذكراته Reflexionen يُظهر عدم جدوى جلب الزمن تحت مفهوم، لأن لا شيء هناك نستطيع ان نقارن الزمن معه بشكل كافي. كذلك، مختلف اجزاء الزمن – الماضي، الحاضر والمستقبل – هي زمن بذاتها طالما هي تشترك بكل صفات الزمن. في الحقيقة، هنا يقول كانط ان الزمن هو استمرارية فيها اجزاؤه – الماضي والحاضر والمستقبل – تُعتبر اجزاءً فقط بمقدار ما نشير الى الفرق بينها لغويا. وهذا يفسر لماذا الفرق المفاهيمي بين الماضي والحاضر والمستقبل لم يوضع على مستوى الواقع، بالطريقة التي يكون بها الزمن ذاته (اي الواقع التجاوزي للزمن). بدلا من ذلك، هذه التمايزات المفاهيمية الاصطناعية هي مظهر لتفكيرنا المفاهيمي واللغة (كما يطرحها كانط في مذكراته).

استنتاج

ان طبيعة وتجربة الزمن معقدة ومتعددة الوجوه، كما ظهر في مختلف الرؤى والمنظورات الفلسفية مثل اوغسطين وكانط. بينما اوغستين يفهم الزمن باعتباره ينشأ من الحاضر، كانط يطور نظاما معقدا لكنه أنيقاً حول تجربتنا بالزمن. هذا التمييز بين طبيعة الزمن وتجربته اللغوية - الانقسام الذي يوجد بين الزمن ذاته وتصوره المفاهيمي – هو من حيث الجوهر اجزاء لنظام اكبر فيه كل شيء مترابط وبشكل متبادل. بالنهاية، الفرق بين ما نستطيع قوله حول الزمن وما هو الزمن حقا انما يؤشر صعوبة الفهم الكامل لهذا المظهر الجوهري لتجربة الانسان. نستنتج الان ان لا شيء يمكن اعتباره إجابة نهائية للسؤال عن الزمن. نحن لا نستطيع عمل أي شيء سوى التأمل في جمال سرّه.

***

حاتم حميد محسن

............................

* Kant on Time, philosophy Now, Aug/Sep 2023

الهوامش

(1) في كتابه مبادئ علم النفس ذكر وليم جيمس عبارته الشهيرة وهي ان العالم عبارة عن "طنين مشوش كبير" لطفل رضيع يتعرّض جهازه الحسي الى هجوم بواسطة العيون والآذان والجلد والأحشاء الداخلية دفعة واحدة. وكبالغين، نحن لانزال نتعرض لكل الهجمات أعلاه، لكن بطريقة ما نحن نستطيع التعامل مع تعقيدية العالم. تجربة الرضيع بالعالم هنا هي كإحساس نقي يأتي قبل أي عقلانية.

في المثقف اليوم