أقلام فكرية

قائد عباس حمودي: السلوك الأخلاقي في فكر باروخ سبينوزا

السلوك الأخلاقي هو مجموعة من الأفعال والقرارات التي تتعلق بالقيم والمعايير الأخلاقية، ويشير إلى كيفية تصرف الشخص وتعامله مع الآخرين بناءً على المبادئ الأخلاقية التي يعتقدها ويتبعها. وهو يتطلب احترام حقوق الآخرين ومبادئ المساواة والعدل والصدق بين أفراد المجتمع. ويعتبر السلوك الأخلاقي اساسياً في بناء العلاقات الإنسانية الصحيحة في المجتمعات المزدهرة. ويتطلب السلوك الأخلاقي القدرة على اتخاذ القرارات الصواب بناءً على المعايير الأخلاقية والابتعاد عن الرغبات الشخصية والمصلحة الذاتية عندما تتعارض مع المبادئ الأخلاقية، ويشمل تلك القدرة على الاستماع إلى الضمير والعمل بناءً على ما يعتبره الشخص صحيحاً ومناسباً من الناحية الأخلاقية.

والفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (١٦٣٢م-١٦٧٧م) عرف بنظريته الأخلاقية المادية والأخلاق الإنسانية التي تأسس عليها، والسلوك الأخلاقي يتعلق بتحقيق السعادة والرضا الداخلي من خلال فهم الطبيعة الإلهية وانسجامنا معها. ويرى سبينوزا أن الأخلاق الحقيقية تستند إلى معرفة الإنسان بطبيعة الله والعالم وحقائقهم المعرفية، والأخلاق الصحيحة تنشأ من خلال الفهم الدقيق لطبيعة الإنسان والطريقة التي يعمل بها، وفهم ما يعتبره حقا وخاطئاً بناء على الحقائق الطبيعية، والعيش وفقاً لقوانين الطبيعة والالتزام بتوازن وانسجام هذه القوانين. وسبينوزا يرى أن الأخلاق هي جزء من النظام العام الذي يتحكم في كيفية تصرف الأفراد في حياتهم، والأخلاق تنشأ من النظرة الشاملة والواعية للطبيعة الإنسانية. فهو يؤمن بأن الإنسان يمكنه أن يعيش وفقآ للأخلاق من خلال فهم وتحقيق المتطلبات الأساسية للحياة وتفاعله السليم مع العالم الخارجي. ويعتبر سبينوزا أن العاطفة والرغبة الشخصية تلعب دوراً كبيراً في تحديد سلوك الإنسان، وعليه ينبغي على الفرد أن يسعى لتنظيم وتهذيب هذه العواطف والشهوات الخاصة به من خلال العقلانية والتفكير والوعي.

وفكرة كتاب الأخلاق لسبينوزا تركز على فهم الطبيعة الإنسانية وبناء نظرية أخلاقية قائمة على الفضيلة والسعادة الشخصية. في هذا الكتاب يقدم سبينوزا رؤية عالمية تجمع بين الفلسفة واللاهوت والأخلاق، ويؤكد أن الفطرة الإنسانية تدفع الإنسان نحو الاستمرار في الوجود والسعي نحو السعادة. وهو يقدم فكرة الأخلاق من خلال فهم الطبيعة البشرية وتطور المشاعر والعواطف وكيفية توجيهها بشكل صحيح. وتوضح فلسفة الأخلاق لسبينوزا أهمية الشهوة العقلية والحرية الداخلية، حيث تقوم السعادة على معرفة الأسباب التي تجلب السلام الداخلي والرضا الذاتي، أضافه إلى ذلك يؤمن سبينوزا أن الأخلاق الحسنة والفضيلة تنبع من فهم الإنسان للواقع الذي يعيش فيه. كذلك يتضمن كتاب الأخلاق مفهوماً مهماً يعرف بالعالم الأخلاقي الذي يستخدم العقل لفهم السبيل الأفضل للتصرف في الحياة، وهو يشدد على أهمية العقل السليم في تطور الأخلاق.   عند دراسة كتاب الأخلاق نجد تحليلاً فلسفياً عميقاً للمشاعر والعواطف البشرية وكذلك قواعد وإرشادات لتوجه الحياة وأتباع المسار الأخلاقي الصحيح.

وتتمحور فلسفة سبينوزا الأخلاقية حول فهم الحقائق الأخلاقية ورؤية الحياة بطريقه تعزز الفضيلة والسعادة، وهو يعتبر أن الأخلاق هي جزء من الطبيعة البشرية وتتأثر بالعوامل المختلفة، وهو يعتمد على استخدام العقل في توجيه الحياة الأخلاقية.، ويعتبر أن العقل السليم يستطيع أن ينتج أفضل الأفعال والقرارات التي تساهم في السعادة الفردية والجماعية. وتركز فلسفة سبينوزا على الحرية الداخلية وتحقيق الوعي والتحرر من القيود والهواجر السلبية، وهو يرى أن تطور الذات وتحقيق السلام الداخلي يسهمان في التوازن الأخلاقي، والسعادة وتعتبر السعادة من المفاهيم الأساسية في فلسفة سبينوزا الأخلاقية، وهو يروج إلى أهمية تطور الفضيلة وأتباع القيم الأخلاقية السامية كالصدق والعدل، وتشدد فلسفيه على تحقيق السعادة والتوازن الداخلي من خلال التوجه والعقلاني وأتباع قيم الفضيلة والتعاون الاجتماعي. ومن وجهة نظر سبينوزا السعادة والفضيلة والحياة الكريمة أهداف تتطلب وسائل خاصة من أجل تحقيقها ولا يوجد وسائل متفقه مع تلك الأهداف غير العقل. إذ ليس بمقدور الإنسان يستخدم وسائل مختلفة في طبيعتهما عن الأهداف فالسعي نحو اللذة مختلف في طبيعته عن السعي نحو السعادة والفضيلة والحياة الكريمة، اذن العقل هو الأساس في الوصول إلى السلوك الأخلاقي الصحيح، والعقل هو القوة الدافعة والمحركة للسلوك الإنساني ويقولون إن العقل النشط والمعرفة الصحيحة يمكنهما تحقيق السلام الداخلي والتوجه نحو الأفعال الأخلاقية.

وبناء على ما تقدم تعد الفضيلة واحدة من القيم الأخلاقية المهمة من وجهة نظر سبينوزا، فهو يعتقد من خلال السعي وراء هذه القيمة يمكن للإنسان أن يعيش حياة سعيدة ومتوازنة، وأن يصل إلى السعادة الحقيقية، والأخلاق من وجهة نظر سبينوزا هي نوع من التوجه العقلاني والعملي الذي يساعد الإنسان على تهذيب نفسه وتعزيز علاقته بالعالم الخارجي.

***

قائد عباس حمودي

 

في المثقف اليوم