أقلام حرة

تكنولوجيا الأزلام لكشف الألغام: فضيحة هائلة لم تخبرك الصحافة بأبشع تفاصيلها!

ولأن العراق كان قد اشترى منها أكثر من ألفي جهاز بمبلغ 85 مليون دولار من شركة بريطانية، فلا بد أن تكون تلك الأجهزة قد فحصت جيداً، ومن الطرفين.

 لكن ما أثار انتباهي قولهم أن الأجهزة تعمل على "الكهرباء الستاتيكية"! أنا كمهدنس كهرباء لم أسمع يوماً بجهاز يعمل على الكهرباء الستاتيكية، فهذه تكون لها طاقة تافهة جداً، رغم فولتيتها العالية جداً. كذلك فأنها لا تعمل في كل مكان، وغير مستقرة وتتأثر برطوبة الجو كثيراً، فهل يعقل أن تتوقف هذه الأجهزة في المطر والمواسم الرطبة؟ وإن كان الجهاز يكفيه تلك الطاقة التافهة، فلماذا لا يستعملون بطاريات عادية وستكفيهم لأكثر من سنة، بدلاً من خفض الفولتية الهائل، والقفازات العجيبة والتأثر بالجو؟ لم أكن قد سمعت بعد بالعجائب الأخرى (1) من أن الشرطي يجب أن يبقى يتحرك وأنه يجب أن يكون "هادئ" جداً وأن لا يكون نبضه سريعاً ولا حرارته عالية، وأن الأجهزة تتحسس للعطور..ألخ...

 

شعرت أن في الأمر ما هو مريب! لكن ما اكتشفته كان يفوق كل الخيال العلمي وغير العلمي الذي أمتلكه، ويجعل ولعي بنظريات المؤامرة لعب أطفال...أكتشفت فضيحة لم أسمع بمثلها قبلاً ولم أتخيل أن تحدث مثلها على أرض الواقع، ولو أن احدهم أخبرني بها لأتهمته بالجنون!

لقد سمعتم يا اصدقائي الكثير من وسائل الإعلام العراقية والعربية، لكني أقول لكم، أن ما سمعتموه ليس إلا صيغة مخففة مقصوصة الأجنحة، وأن الحقيقة أفضع بكثير، وأن الصحافة العربية انقسمت بين متآمر على هذه الحقيقة وبين مخدوع بما وصله منها.

 

لنبدأ من البداية: تصريحات متفرقة تشكك بجودة أجهزة كشف المتفجرات التي تستعملها القوات العراقية، وتقول أن مدير عام مكافحة المتفجرات في وزارة الداخلية اللواء جهاد الجابري دافع عن الجهاز في مؤتمر صحفي، وقال أنه لا يهتم بـ "سانديا" وأنه يعرف عن المتفجرات أكثر من الأمريكان. " وأضاف: "إذا كان سحر أو علم، لايهمني، ما يهمني أنه يكشف عن القنابل".

اللواء جهاد الجابري عرض خلال مقابلة مع قناة العراقية الفضائية، عبوة ناسفه قال انها عبرت الفحص  و"انه لا يوجد اي خلل في تركيب العبوة ولكن مشيئة الله سبحانه وتعالى وبركات اهل البيت عليهم السلام عطلت هذه العبوة "!

كذلك قرأت تصريحاً غريباً لضابط أمريكي بأن الأجهزة هذه لا يعتمد عليها، وأنها لوكانت كذلك لأشتراها الجيش الأمريكي! وتكلف أجهزة رصد المتفجرات التي تُستخدم في المطارات، مئات الآلاف من الدولارات، وتزن عدة أطنان!

واستغربت أن يمر هذا القول بهذه البساطة فلا يحاول الجانب الأمريكي أن يبين ويبرهن للعراقي هذا الأمر الخطير!

 

ثم جاءت سلاسل إنفجارات كان أخرها في الفنادق الذي سارع جهاد الجابري بإلقاء اللوم فيه على السعودية وسوريا، كما القى اللواء قاسم عطا اللوم على أطراف مشابهة, وانفجر الموضوع من جديد، وصارت انتقادات الضباط الأمريكان أكثر وضوحاً، وازدادت حدة التساؤل الصحفي والبرلماني خاصة من قبل الصدريين وحزب الفضيلة، وأثار البعض قضية الأسعار، فقال عقيل الطريحي المفتش العام بوزارة الداخلية، إن المسؤولين العراقيين دفعوا ما يصل إلى 60.000 دولار مقابل الجهاز الواحد، على الرغم من أنه يمكن شراء هذه الأجهزة مقابل 18.500 دولار، وقال آخرون بأقل كثيراً.

ورداً على كل هذا وعلى حقيقة فشل تلك الأجهزة في فحص أجراه مختبر ساندينا، قال اللواء الجابري أن ما يهمه أن الأجهزة تكشف المتفجرات ولايهمه كيف، سواء كان ذلك عن طريق العلم أو السحر، و«لا أكترث بما تقوله أي من (سانديا) أو وزارة العدل (الأمريكية)، وأنا أعلم عن هذا الموضوع أكثر مما يعلمه الأميركيون».! بل أنه أعطى الفضل لهذه الأجهزة في التراجع في التفجيرات داخل بغداد منذ 2007. ورفض فكرة استعمال الكلاب باعتبار أن عملية فحص السيارات باستخدام الكلاب تتسم بالبطء، فيما يستغرق فحص السيارة باستخدام هذه العصي "ثواني قليلة"!

وانضم المتحدث باسم خطة فرض القانون اللواء قاسم عطا إلى المدافعين (2) عنها فقال ان الاجهزة الكاشفة عن المتفجرات حققت "نتائج ملموسة على الارض". وانها كشفت 29 سيارة ملغمة، و27 دارا سكنيا مفخخا"، وقال ان وجبة اخرى منها ستصل قريبا.

 

من الناحية الثانية فأن أخبار مصادر موثوقة تقول أن الحكومة البريطانية ألقت القبض على "مخترع" الجهاز وصاحب الشركة المنتجة له ثم أطلقت سراحه بكفالة مالية، وأنها منعت تصدير الجهاز إلى كل من العراق وأفغانستان بداً من الأسبوع التالي! وتتساءل: إن كان في الأمر غش فلماذا أطلق سراحه؟ فهو غش تسبب في قتل الكثيرين. والمنع لماذا لا يكون فورياً ويشمل كل الإنتاج وليس المصدر إلى العراق وأفغانستان؟ وما هو موقف العراق الآن؟

البرلمان يغلي، مثلاً سليم الجبوري عن كتلة التوافق قال (3) ان صفقات أجهزة الكشف عن المتفجرات ... ورائها طرف معين على حساب مصلحة الناس ودماؤهم وأرواحهم. وأضاف "ان عدم جدوى استخدام هذه الأجهزة ثبت بعد الكشف عليها وأنها لا تصلح وإنها نافذة المفعول ونتائج هكذا أعمال متعمدة قطعاً نتج عنها دماء والاستمرار بها ينتج عنها دماء أخرى.

فحصت التايمز الجهاز فوجدته لا يعمل!. ماكورميك قال للتايمز أن جهاز ينتقد لأن له شكل غير لطيف، وأنه يتعامل مع الشكاكين منذ عشرة سنوات، وأنه يعمل على إضافة "أضوية لامعه" له! (4)

وتقرأ أنه لا توجد حكومة غربية تستعمل هذا الجهاز!

ثم تأتيك المفاجأة التالية: مدير شركة ATSC  ينفي الأنباء التي تحدثت عن اعتقاله ..و اعتبر أن هذه التسريبات تقف وراءها دوافع تجارية من شركات أمريكية منافسة. وقال ماكورميك أن "الأخبار التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام البريطانية والدولية والعراقية ومنها تلفزيون (السومرية) عن اعتقالي بسبب بيع شركتي أجهزة لكشف المتفجرات إلى العراق غير صحيحة وأن "أجهزة كشف المتفجرات التي باعتها شركته إلى العراق ذات فاعلية عالية وساعدت على إنقاذ حياة آلاف الأشخاص"، مؤكدا أن "شركته على استعداد لإجراء تجربة حية تؤكد الكفاءة التي تمتاز بها أجهزتها".

ونفى جيم ماكورميك أن "تكون شركته لقد تسلمت أي قرار من السلطات البريطانية يمنعها من تصدير منتجاتها إلى العراق أو أي بلد آخر". ! (5)

اللواء جهاد الجابري وصلت به الحمية أن يتهجم على قناة البغدادية ويهدد بغلقها لانها تحدثت عن أجهزة كشف المتفجرات ودورها في مذبحة الصالحية، وقناة البغدادية تقيم دعوة قضائية ضده  (6) ودافع الجابري حتى عن السعر المضاعف بالقول إن عقود وزارة الداخلية تتم وفق الضوابط والقوانين. (7)

اللواء طارق العسل، الوكيل المساعد في وزارة الداخلية العراقية، بيّن أن «إلقاء القبض على مدير الشركة البريطانية لم يكن بسبب عدم فاعلية الأجهزة بل لأن الجهات البريطانية وقبلها الأميركية حاولت أن تعرف سر عمل هذه الأجهزة، الأمر الذي رفضه مدير الشركة»، حسب قول العسل.

وقال العسل لـ«الشرق الأوسط» إنه قام «بتجربة الجهاز بشكل عملي وهو يعمل بشكل فاعل وبصورة مؤكدة وبدرجة 100%»، وأضاف أن «المشكلة تكمن في اتباع تعليمات تشغيله وحسب ما هو موجود في خارطة العمل المرفقة معه، إذ يجب أن يكون العمل بمواصفات وحركة معينة كما يجب استبدال الشرطي أو الجندي الذي يقوم بالتفتيش عبر هذا الجهاز كل ساعتين مع ارتداء قفازات خاصة»، وأكد أنه قام بتجربة الجهاز بنفسه وقام بالكشف عن المتفجرات والمخدرات وأجسام غريبة.(8)

 

عجيب! من تصدق؟

ثم تأتيك الأخبار بين السطور....

اللواء قاسم عطا الموسوي الشديد الحماس خفف لهجته:"الاجهزة ساعدت العراقيين في أجزاء من عملهم لكنها ليست مفيدة في بعض الجوانب." وأضاف أن هناك نسبة من الخطأ في عملها ويتعين تطويرها. (9)

وفي تصريح آخر، وبعد أن كال المديح للأجهزة لينسجم مع تصريحاته السابقة أضاف بان بعض الاجهزة تخضع لعوامل فنية وتأثيرات مقابلة من الجهات المعادية التي تمكنت من صناعة بعض "الاجهزة المضادة"، لها القدرة على التشويش على الاجهزة المستعملة حاليا. (10)

لماذا إذن لم ينصحنا "اصدقاءنا" الأمريكان أو البريطانيين؟ المسؤولون الأمريكان عبروا عن رأيهم في الحقيقة، إنما بصوت منخفض، ومن خلال الصحافة حسب علمي، وليس من خلال قنوات التنسيق العسكرية والأمنية كما يفترض في هذا الأمر، ولأسباب عديدة!

فقال الميجور جنرال روبرت راو للصحافيين في بغداد إنه "يختلف مع المسؤولين العراقيين حول فعالية هذا الجهاز الذي يطلق عليه اسم «العصا السحرية»."، وقال «لا نوافق على القدرة التقنية للجهاز الذي يستخدم هنا على نطاق واسع من قبل القوات العراقية». وقال راو الذي خدم سابقا في العراق كقائد لواء مشاة إنه يفضل استعمال وسائل أكثر تقليدية للكشف عن المتفجرات. وأوضح «لا علم لي بوجود أجهزة ذات تكنولوجية عالية مضمونة لكشف المتفجرات » وأشار إلى أن الكلاب البوليسية وغيرها "يمكن أن تكون أكثر فاعلية.". لكنه لاحظ أن استعمال الكلاب يستغرق وقتاً أطول. (11)

وإذا بالدباغ يتحدث عن مقاضاة الشركة التي قدمت لنا تلك الأجهزة العظيمة التي تعمل 100% ، و "أنقذت الكثير من الأرواح" لكنه يتحدث عن "مقاضاة عبر غرفة التجارة"(!!)، أي أن الموضوع موضوع سعر بضاعة قياساً بكفاءتها، وليس المذابح التي نتجت عن ذلك! وليس احتمال القصد في المووضوع! ومع ذلك فالدباغ "يخشى أن تكون الشركة وهمية، وأصحابها أسماء وهمية."  واعرب عن استغرابه من أن “الشخص الذي تم التعاقد معه لا يمتلك مكتبا ولا شركة في بريطانيا فكيف تم التعاقد معه، وبعقد بهذا الحجم الكبير”، لافتا إلى ان “هناك اجراء فوريا سيتخذ من قبل جميع القطاعات الامنية اعتبارا من الغد للتحقق من مدى دقة اجهزة كشف المتفجرات تلك وامكانية الاعتماد عليها مائة بالمائة”.!

وربما كان الدباغ محقاً، فروابط مواقع الشركة لم تعد تعمل!: (12)

وتكتشف الحقائق المرة تباعاً، وهذا الفيديو من البي بي سي واحد من أمرها! (13)

وتكتشف أن الأجهزة ليست فقط مشتراة بأسعار مضاعفة عدة مرات، وليس فقط أنها لا تعمل 100% كما يقول اللواء طارق العسل، وأنه ليس لوحده كذاب صلف، وأن صلافة الكذب التي تمتد إلى اللوائين الآخرين قاسم عطا وجهاد الجابري لا تقتصر على امتداح أجهزة فاشلة ووصفها بالإمتياز وكيل المديح لها وتهديد من يتقول عليها "الأقاويل" كما أن المشكلة ليست في "دقة الأجهزة" كما يقول الدباغ بل أنه ليست هناك "أجهزة" على الإطلاق! ليست هناك أجهزة لتعمل لا 100% ولا 10%! ليست هناك أية أجهزة، دقيقة أو غير دقيقة!

لقد أسميت مقالتي: " تكنولوجيا الأزلام لكشف الألغام" ولم يكن ذلك اعتباطاً، فما يحمله الشرطة المساكين وهم يسيرون بطريقتهم المضحكة وقفازاتهم "الخاصة" ليس سوى علبة فارغة ليس فيها أي شيء يعمل أو يتحرك! "المخترع" الذي اشترى الجماعة منه الأجهزة، باعهم "عصي" قال أنها "سحرية"، تعمل بالسحر وبالتعاويذ لتكتشف الجن والعفاريت! وكما كانت الأزلام ، تلك العصي الصغيرة التي كان العرب يستعملونها لترشدهم إلى "القرار السليم" من خلال نوع من القرعة العشوائية، وكل منها مكتوب عليه "نعم" أو "لا"...الخ لتقف عند الخيار الذي تختاره الآلهة، فأن أجهزة جهاد الجابري التي يحملها الشرطي المسكين الحريص على أن يبقى هادئاً، وأن لا يتسارع نبضه ولا ترتفع حرارته لألا تزعل "آلهة" ماكورميك، وترفض أن تخبر الشرطي فيما إذا كانت السيارة التي أمامه مفخخة أم لا!

وطبعاً كان واضحاً أن الجماعة كلما فشل الجهاز في عمله، قالوا أن السبب في أن الشرطي "قلق" أو أنه تعبان أو يجب تبديله. وكلما أشار الجهاز ولم يكن هناك شيء، عزوا السر في قنينة عطر أو قلم أو قطعة نقد، فلا بد أن يحمل من يفتشونه شيئاً ما! اليست بلاهة مثيرة للإعجاب؟ ألا تذكركم بقصة ملابس الإمبراطور؟

نعم هذه هي الحقيقة...ليس جهاز كشف المتفجرات المستعمل في العراق سوى مؤشر وهمي..يعتمد على "الهبل"! والحقيقة أن مخترع الجهاز لم ينكر ذلك تماماً، فلقد قال أن تكنولوجيته تعتمد على نفس "مبدأ" الـ (Dowsing) فما هي هذه "التكنولوجيا"؟ إن كنت رأيت يوماً في فلم قديم، أو فلم كارتون قديم، رجلاً يحاول أن يكتشف الماء بواسطة عصاً بشكل حرف واي الإنكليزي (Y) فيسير بها حتى "تتحرك"، ويبدأ بحفر بئر. هذه هي "تكنولوجيا" الـ (Dowsing) فهل من فرق بينه وبين استخارة الأزلام؟

جهاز قاسم عطا والعسل، ليس سوى عصا فارغة. لا يحتوي الجهاز حتى على بطارية لتشغيله، أما أنه "يشتغل على الكهرباء الستاتيكية" فهي نكتة أخرى.

الجهاز يفترض أن يعمل بتوجيه بطاقات مختلفة حسب ما يراد كشفه. فحص الدكتور ماركوس كن، بروفسور الماني يحاضر ويبحث في جامعة كامبرج، إحداها، ووجدها فارغة من أي شيء الكتروني يمكن برمجته أو ذاكرة يمكن خزن أية معلومات فيها!...لا شيء عدا أسلاك الألمنيوم التي تكلف المجموعة الواحدة منها بضعة سنتات!

هذا "المخترع" لم يكلف نفسه حتى وضع قطعة ذاكرة فارغة للخداع..وكان يدعي أن الجهاز يمكنه بمساعدة المعلومات في تلك البطاقة أن يكشف أي شيء، لأنه "ينظم نفسه على ذبذبته"، أي شيء يخطر ببالك، حتى الإنسان، وورقة الدولار، و... الفيل، وعلى بعد يصل إلى مسافة كيلومتر! عليك فقط أن تستعمل البطاقة المناسبة. هذه هي أجهزة جهاد العجيبة!

تحدثنا عن العديد من البشر المثيرين للقرف في هذه المقالة، لكن وراء كشف الفضيحة، رجل عظيم نقف له احتراماً، هو "الساحر" الأمريكي السابق «جيمس راندي»، والذي أنشأ مؤسسة تعليمية، تسعى لكشف زيف الإدعاءات غير العلمية، وقد فعل ذلك بإبداع. أنظرو الفيديو الملحق بالمقالة: (14)

لقد كان راندي هو من أثار موضوع كاشفات المتفجرات المزيفة، عندما كان ماكورميك يعمل في أميركا، ونبه إليها وكالة الطاقة الأمريكية (DOE) والتي طلبت التحقيقات التي أجراها مختبر سانديا عام 1995 وتوصل إلى أنه "لا يوجد جزء في الجهاز يعمل". إشتغل جيمس راندي كـ "ساحر" على المسارح، واشتهر بتحطيمه أرقاماً قياسية مثل البقاء لحوالي ساعتين في تابوت مغلق تحت الماء، والبقاء 55 دقيقة داخل قالب من الثلج. لكن الإنسانية وحب الحقيقة كان لا يقلان ارتفاعاً عن فنه. فقد رفض تقديم عرض وضع المشاهدون السود فيه في مكان أدنى من البيض، وأسس مؤسسة تهدف إلى محاربة الشعوذة "العلمية"، وطارد عدداً من هؤلاء المشعوذين ومنهم، لحسن حظنا، المحتال ماكورميك.

ويقول جيمس أن وسائل الإعلام والسي آي أي  والـ (FBI) تجاهلت الأمر جميعاً!! لكن بعد ذلك علمت الـ (FBI) أن أحد موظفيها المتقاعدين قد اشترى وكالة لتوزيع الجهاز في فلوريدا، وكان يطلق على الشركة إسم "كوادرو"، فأغلقت الـ (FBI) الشركة خلال 48 ساعة! وعندها انتقلت الشركة إلى بريطانيا باسم جديد (ذي مول)، واستمرت في بيع منتوجها الزائف (ذي مول ديتكتور). وقام جيمس بتنبيه مهندسي القصر الملكي الذي كان قد اشترى من تلك الأجهزة، لكن أحد لم يلتفت إليه.

يطالب جيمس راندي أن يحاكم صانع الجهاز المحتال "جيم مكورميك" بقسوة على كل ما تسبب به من ضحايا في كل مكان في العالم. وتعجب أن السلطات البريطانية أطلقت سراحه بكفالة، فقد حصل هذا على مئات الملايين ويمكنه أن يهرب بها إلى جزيرة من جزر المحيط الهادي، حيث لا تصل إليه يد العدالة.

وأخيراً يتوجه جيمس في هذا الفلم إلى اللواء جهاد الجابري، ويسخر من تصريحاته التي تؤكد أن الجهاز يعمل بشكل ممتاز، ويسأله لماذا إذن لم يقبل عروضه المتتالية واستعداده لإرسال فريق متخصص لفحص الجهاز في بغداد نفسها، قائلاً أنه عرض عليه مبلغ مليون دولار في حالة إثبات أن الجهاز يعمل! (وهو العرض الذي قدمه في أميركا وفي بريطانيا أيضاً متحدياً الشركة المصنعة وزبائنها على السواء).

ويقول راندي أخيراً غامزاً: هل يا ترى أنك من رتب عملية شراء الجهاز، وبسعر أعلى بكثير من السعر الإعتيادي له أيضاً، دون الإهتمام لأرواح الكثير من الناس المدنيين والعسكريين؟

أخيراً نسأل: من يقف وراء هذا؟ هل هو الجشع والبلاهة فقط؟ ما دور الإحتلال في الموضوع؟ لماذا لم يخبروا الجانب العراقي بالحقيقة وهم يعرفونها منذ زمن طويل؟ لماذا انتظروا وهم يراقبون دماءنا تسيل وأرواحنا تتفجر، حتى أثارها راندي مجدداً وتحركت الـ بي بي سي؟ هل شعروا أن الفضيحة قادمة فارادوا الإفلات من مسؤوليتها؟ يتفق أصدقاء الأمريكان وخصومهم على أن الأمريكان هم أصحاب المصلحة الوحيدة في التفجيرات: الأولون يرون أن من يقوم بها هم "الإرهابيون" لحماقتهم، فيخدموا الأمريكان دون إرادتهم، والجماعة الثانية ترى أن من يقوم بها هم أصحاب المصلحة نفسها، وأن ليس هناك أي "حمقى" في الأمر.

لماذا إذن وقع المالكي المسكين معاهداته المهينة مع الأمريكان والبريطانيين والناتو، ولماذا وضع هؤلاء مستشاراً منهم أمام كل مسؤول أمني عراقي؟ بأي شيء كان هؤلاء ينصحون العراقيين إذاً؟

بلا شك يستحق كل من يثبت تورطه من العراقيين في هذه الفضيحة، مشاركة أو سكوتاً، حكم الإعدام بلا رحمة، فهذه المخلوقات المخيفة البشاعة لا تستحق الحياة. لكن التركيز على المخلوقات البشعة قد يضيع المجرم الأكبر، القادر دائماً على إيجاد وتنظيم المزيد من المخلوقات البشعة، ليستمر نزيف الدم والألم والقهر العراقي.

يقول الأطباء أن جيمس راندي العجوز، الساحر الأمريكي الطيب، قد يكون في طريقه إلى مثواه الأخير، فهو مصاب بسرطان الأمعاء، وقد أزال الأطباء له ورماً بحجم كرة المنضدة، وهو يعالج الآن كيميائياً. لكنه في كل الأحوال، حقق حلماً كبيراً له في فضح مجرمي الإحتيال العلمي، وحقق لشعب العراق ما سوف يذكرونه له.

لقد كشف جيمس الحقيقة، فهاهم المسؤولون أمامكم! لا عفاريت ولا "إرهاب" ولا "قاعدة"، وليس الأمر بحاجة لا إلى تخطيطات معقدة ولا قدرات خارقة ولا دعم دول الجوار، فالباب مفتوح لكل من يريد أن يفجرنا، و"أصدقاءنا" تركوا ذلك يمر أمام عيونهم، وربما بإرادتهم أيضاً.

لقد قدم لنا جيمس حقيقة ثمينة، قيمتها بقيمة حياة وطن أو موته، ولنا أن ننظر في عينيها بشجاعة، أونغض الطرف، ونبقى ندفع الثمن، كما فعلنا قبل خمس سنين في البصرة وغيرها كثير.

 

............................

(1) http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11300&article=543047

(2) http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=25701

(3) http://www.albaghdadia.com/n/iraq-polotics/12897-2010-01-26-10-35-35.html

(4) http://www.timesonline.co.uk/tol/news/uk/article6997859.ece

(5) http://www.failyoun.com/wesima_articles/index-20100124-25056.html

(6) http://www.albaghdadia.com/n/iraq-polotics/10346-2009-10-27-12-06-34.html

(7) http://www.burathanews.com/news_article_85639.html

(8) http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11380&article=554138&feature=

(9) http://iraqshabab.net/index.php?option=com_content&task=view&id=31266&Itemid=1

(10) http://alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=97008

(11) http://www.iraqvoice.com/forum/showthread.php?t=8559

(12) http://www.ade651.com/   http://www.atscltd.co.uk/

(13) http://www.youtube.com/watch?v=rQMwXo1SSVo

(14)  http://www.randi.org/site/index.php/swift-blog/844-randi-responds-to-the-arrest-of-james-mccormick.html

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1299 الاربعاء 27/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم