أقلام حرة

البعثي الذي لم يرتكب جريمة قتل يكون فوق الدستور

1- الإنسجام الإعلامي المنظم والقوي

وأول ملاحظة لتلك الحرب الإعلامية هي الإنسجام الشديد في تصريحات رموزها. هذا الإنسجام يدل على "قيادة مركزية" منظمة وقوية، بالرغم من أن رموز تلك "الجبهة" بعيدة عن بعضها في مواقفها السياسية والقومية وحتى الجغرافية، وكأنها جهة ما اتصلت بكل فرد فيهم تبلغه ما يجب أن يقول وما يجب أن يترك، وكيف يرد على التساؤلات المهمة. لقد شاهدت قبل قليل مقابلة للهاشمي على الجزيرة، ثم خبر نقل وجهة نظر المطلك، مع تظاهرات "حاشدة" مؤيدة، ولا شيء يمثل رأي الجانب المقابل، الذي يمثل أغلبية ساحقة من الشعب العراقي.

 

2- التشكيك بـ هيئة المساءلة دون هيئة التمييز

يحاول المعارضون لقرار هيئة المساءلة إلى أنها هيئة مشكوك بدستوريتها. وليس الغريب في الأمر هو في أنهم لم يحتجوا على هذا الأمر قبل أن تصدر تلك الهيئة قراراتها الأخيرة، وأنهم قبلوا منها قرارات سابقة أيضاً دون اعتراض، لكنهم يجدون أن "هيئة التمييز" المرتبطة بها دستورية لا غبار عليها!

 

3- الإحتجاج على تدخل البرلمان وليس السفارة

وهم يحتجون على الإعتراض على قرار هيئة التمييز، باعتباره تدخلاً في شؤون القضاء، لكن ضغط موظفي السفارة الأمريكية على اللجنة لمدة أربعة ساعات متواصلة، لم يكن "تدخلاً في شؤون القضاء". ورغم أن البرلمانيين برروا احتجاجهم على قرار اللجنة, وبينوا أنه كان سياسياً وخارج مهمة أو صلاحية اللجنة، وأنه كان بتأثير السفارة الأمريكية وممثل الأمم المتحدة أد ملكرت، ورغم أن السفارة لم تقدم أية مبررات لتدخلها بل تبرأت منه وأنكرته فوراً، رغم أن بعض المؤسسات الأمريكية نفسها لم تستطع إنكاره لصلافة طريقة تنفيذه وفضائحية نتائجه، فـ "ذكر تقرير (دور ريبورت) أن قضاة هيئة التمييز، طبقوا بشكل كبير المبادرة التي طرحها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، بتأجل قرار المساءلة لما بعد الإنتخابات البرلمانية. واشار التقرير الاسبوعي أن الهيئة التمييزية لم تجر أي تعديل على ما تحدث به بايدن مع الزعماء العراقيين، مما يثير الشكوك حول مدى استقلالية هذه الهيئة وتعبيرها عن رغبة الشعب العراقي. ووصف قرار الهيئة بأنه تأثر الى حد كبير بوجهة النظر الأميركية، وكان على اعضاء (الهيئة) أن يأخذوا بالحسبان موقف الاطراف السياسية من مبادرة بايدن، لكي يتوقعوا كيف ستكون ردة الفعل أمام قرارهم." (1)

لكن لسوء حظهم أنهم كانوا متهورين جداً، ونجحوا في إرهاب أو رشوة الهيئة أكثر من اللازم، فافتضحوا! ورغم ذلك فـ "جبهة الدفاع عمن لم تتلطخ أيديهم"، لا يجدون في ذلك تدخلاً، فهم على ما يبدو يعتبرون أن ضغط "البرلمان" تدخل من قبل غرباء، أما السفارة الأمريكية فـ "أهل الدار"  وأكثر حقاً بالتدخل من البرلمان المنتخب، حتى أن البعض منهم كان يتوسل بالسفارة لمساندته علناً ودون خجل!

 

4- الإصرار على استعمال كلمة "الإجتثاث"

بالرغم من أن هذه "الجبهة"هي التي أصرت على قباحة كلمة "إجتثاث" والحت على استبدالها بـ "المساءلة والعدالة"، وتم لها ذلك فتم إلغاؤها رسمياً، لكن أعضاء الجبهة يصرون اليوم على استعمال الكلمة القديمة التي كانوا يشمئزون منها!  وليس ذلك غريباً، فما يريده هؤلاء هو "إثارة الإشمئزاز" لدى الناس مما يجري وتصويره على أنه عمل شرس متخلف يوحي بقطع الرقاب، وفي هذا الأمر تكون الكلمة الملغاة أكثر فائدة.

هذا يذكرني بالحملة الأمريكية على قضية "دار الحنان لشديدي العوق" في بغداد، والذي أسمته الحملة الأمريكية بلا مناسبة بـ "ملجأ أيتام" لأن هذا الإسم يناسب الحملة بشكل أفضل لإظهار الحكومة (الجعفري) كمجرمة بحق الأيتام، (أملاً في زيادة فرص أياد علاوي في الإنتخابات اللاحقة) وتصوير أشكال المعوقين وأوضاعهم وكأنها جراء تلك الجريمة. ولحد اليوم والصحافة تطلق عليهم إسم "الأيتام" رغم معرفة اسم المركز الحقيقي ونزلائه.

.الإصرار على استعمال "الإجتثاث" في الحديث عن المشكلة، يثبت من خلال حديث جميع أفراد الجبهة عن أنهم يؤيدون "اجتثاث" من "تلطخت أيديهم بدماء العراقيين"، ومن "تثبت عليه ارتكاب جريمة" مشيرين إلى أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. هذا الإستعمال المزدوج لـ "الإجتثاث" و"الجريمة والبراءة" يوحي بأن "عقوبة الإجتثاث" يتم تطبيقها على أبرياء غير الذين تلطخت أيديهم بالدماء.

وهنا نذكر أن الحرمان من الترشيح للبرلمان، ليس إجتثاثاً، ولا "يحرم الأبرياء من قوتهم وقوت أولادهم" كما يذهب البعض. إنه بالدرجة الأولى مسألة "عدم ثقة" بهم من قبل الشعب العراقي (معبراً عن ذلك بالنص الدستوري والتظاهرات الشاملة وتوافق الكتل التي تمثل غالبية سكان العراق) من تسليمهم مراكز حساسة، وليس حرمانهم من العمل في أي مكان. ومسألة "عدم الثقة" ببعض فئات الأبرياء، لا تقتصر على الأنظمة الدكتاتورية، بل تشمل حتى أشد النظم الديمقراطية. وسأكتفي بمثالين من البلد التي أعرفها أكثر من غيرها، من هولندا: مهندسين من أصل عراقي قدما طلباً للعمل في شركة لصناعة الأسلحة فرفض طلبهما كما توقعا، لكنهما سألا الشركة عن السبب فقال لهم مدير القسم بصراحة : "نحن لا نقبل منتسبين من أصل بعض الدول ومنها العراق". وقبل فترة قصيرة أصدرت الحكومة الهولندية منعاً للطلاب الإيرانيي الأصل من دراسة الطاقة النووية!

ومما لا شك فيه أن متسللاً إلى شركة الأسلحة أو دراسة الذرة في هولندا أقل أذى بشكل كبير من متسلل إلى البرلمان العراقي، ومع ذلك منعتهم دولة ديمقراطية ولم يطلق أحد على العملية إسم "إجتثاث"!

 

5- البكاء على الديمقراطية التي يحطمها الدستور!

إن الأصوات التي تعالت متباكية على الديمقراطية التي يتم "تدميرها" من خلال تنفيذ الدستور(!)، تذكرني بالأصوات التي تباكت على حق مثال الآلوسي في زيارة إسرائيل، كما لم تتباكى على أي حق منتهك للعراقيين، وحتى البرلمانيين منهم، بالرغم من أن إسرائيل "الديمقراطية" جرّمت نائب عربي في إسرائيل لمجرد زيارته لدولة عربية، وبلا شك فأن خطورة تعامل مثال مع إسرائيل على العراق، أكبر بكثير من زيارة نائب عربي لدولة عربية، على إسرائيل.

 

6- الإصرار على أن العملية طائفية تستهدف السنة.

 ولا يقتصر هذا النهج على "نيوزويك" وهيلاري كلنتون في الدفاع المستميت المدهش عن السنة، وإنما يشمل جميع أعضاء "الجبهة" بدون استثناء، بالرغم من أنهم يعلمون جيداً، بأن "الإجتثاث" كما يسمونه شمل الشيعة قبل السنة! وأن "الإجتثاث" شمل اعضاءاً في جميع القوائم الكبيرة حتى الجبهة الكردستانية! لكن الحقائق التي لا تخدم دعم الفكرة التي يدافع عنها الإعلام، يجب أن تختفي!

 

7- البعثي الذي لم يقتل، يصبح فوق الدستور.

أما بالنسبة لـ "من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين" ومن "يثبت إرتكابه جريمة بحق العراقيين" فليس مكان حسابه "هيئة المساءلة والعدالة"، وإنما المحاكم العراقية، وليس عقوبته الحرمان من الترشيح للبرلمان وإنما الحرمان من الحرية أو حتى من الحياة نفسها. ليست القاعدة أن كل من تلطخت يده بالدماء يحرم من البرلمان، ومن لم يفعل فله أن يترشح بغض النظر عن طبيعة فكره وماضيه وما يوحي به من ثقة أو عدم ثقة. فليس الشرط الوحيد للترشيح للبرلمان أن لا تكون يدك ملطخة بالدماء!

ولا ننسى إننا هنا أمام نص دستوري، فماذا تريد السفارة الأمريكية وعلاوي والهاشمي والمطلك ومن لف لفهم أن يقولوا؟ هل يجب أن يعامل كل بعثي لم يرتكب جريمة قتل، وكأنه فوق الدستور؟

 

......................

(1) http://iraqshabab.net/index.php?option=com_content&task=view&id=31624&Itemid=1

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1314 الخميس 11/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم