أقلام حرة

كيف نحوّل زلة الأعرجي إلى انتصار للوحدة الوطنية بدلاً من انتكاسة لها؟

ما قاله الاعرجي كان في لقاءه مع فناة البغدادية: "الغالبية في العراق، والمذهب الذي يأخذ القاعدة أو الأغلبية في العراق كانت عليه المؤامرة منذ يوم أبو بكر لحين حزب أحمد حسن البكر". من الواضح أن العبارة لا تتضمن إساءة مباشرة إلى شخص الخليفة أبو بكر، لكن...

 

تأتي هذه الزلة في وقت سيء جداً، حيث تكثف الجهات المهيجة للطائفية جهودها بشكل غير معتاد، ربما لسببين: الإعداد للهجوم على إيران، ومحاولة الحصول على حكومة عميلة ترضى بتمديد بقاء قوات الإحتلال في العراق. وينصب الهجوم أحيانا على إيران مباشرة وأحياناً أخرى يستهدف استفزاز الشيعة العراقيين. وتسهل السيطرة الأمريكية على الإعلام العربي والعراقي هذه المهمة بشكل كبير.

اليوم وصلني إيميل يبدو أنه ينتشر، يحتوي إضافة إلى عبارات الدم والعرض وماشابه، على رابط فيديو لشخص مجهول يتصل بقناة فضائية ويدعي أنه كان متطوعاً في فيلق بدر، ويقدم مسرحية تبدو مقنعة الإنفعالات، عن رغبة الإيرانيين في احتلال العراق وتطهير الحرمين من السعوديين، وأن إيران هي العدو الأول (وليس إسرائيل: مضمون رسالة غيتس إلى دول الخليج في قمة في زمن بوش) ويدعو إلى ضرورة تحرير "الأحواز" العربية (لننس العراق المحتل وفلسطين المحتلة حالياً، فالأحواز هي ما يجب أن نثور عليه ونسفك الدماء والأعراض من أجله!) .

 

المفروض أن هذا الكلام يعتبر لا اهمية له مادام يصدر من مجهول لا يكلف نفسه الإتيان حتى بدليل كاذب. ولقد كان الإعداد المسرحي متقناً إلى حد بعيد، لكن الإعداء المنطقي لم يكن كذلك لحسن الحظ. فصار المدعي يخلط بين دين الفرس والشيعة، ويقول مرة أنه دين الفرس الحاقدين على الإسلام الذي حرر العراق من احتلالهم لثلاثة ألاف سنة، ويؤكد ثانية أن هؤلاء الفرس يكرهون الخلفاء الراشدين وعددهم واحداً واحداً (باستثناء علي) ثم أضاف إليهم عائشة. والمشكلة في هذا المنطق أنه ليس غريباً أن يحقد القوميون الفرس على عمر ، كما ذكر المدعي باعتباره قد فتح إيران ، لكن لماذا يحقدون على أبو بكر وعثمان؟ وهي رموز له أن يتهم الشيعة وليس المجوس بالموقف السلبي منها؟ ولماذا يضيفون إليهم عائشة؟ ما اهميتها بالنسبة للقومية الفارسية؟

ويدعي هذا أن الإيرانيين راحوا يسرقون بيوت حلبجة بعد أن احتلوها، قائلين أنها "غنائم". والحقيقة هي أن الإيرانيين لم يحتلوا حلبجة وإنما رحبت تلك المدينة بهم وساعدتهم، وهو ما يقر به الأكراد، وما يقر به البعثيون ويرون فيه مبرراً لقصف حلبجة التي انسحب منها الجيش الإيراني والبيشمركه، بالأسلحة الكيمياوية. فإذا كان الفرس قد احتلوا المدينة واستباحوها عنوة، فلماذ ينتقم منها صدام، بدلاً من أن يتظاهر بالثأر لها ويستغلها لتجييش العرب والكرد من أجل حربه؟

 

ولتكرار محاولة غيتس القديمة التي افشلها الخليجيين لتوجيه تركيز العرب على إيران كعدو بدلاً من إسرائيل، جاءت هيلاري كلنتون (هل منكم من يراها مثلي غبية جداً، أم أني متحيز؟) ولم نعرف مدى نجاحها مع قادة الخليج، لكني رأيت نقلاً للقاء لها مع طلبة الجامعة في قطر، وبالعربي الفصيح كان فشلها ذريعاً، بكل معنى الكلمة! لكن هذا يستحق مقالة.

 

ونذكر أيضاً محاولة استفزاز أخرى، قبل فترة قصيرة، حين تفوه العريفي من السعودية بإساءة صريحة إلى السيد السيستاني، وفي وقتها ثار الشارع الشيعي وخرجت التظاهرات وكتبت الكثير من المقالات المنددة بذلك التصريح البائس، والذي لم يكن يستحق أكثر من إدانة أو "رزالة" في بيان من المرجعية أو أية جهة مناسبة اخرى. أنا بصراحة لم أطلع على ما قاله العريفي، ولم أشعر بأية ضرورة لأن أفعل ذلك ولو من باب الفضول، لكن مثل تلك الحركات معروفة القصد وخير دواء لها هو الإحتقار، فلا أتصور أن سنة العراق، سوف يأخذون تقييمهم للسيد السيستاني من العريفي، والسيد السيستاني معروف بمواقفه الأساسية في إفلات العراق من الحرب الأهلية.

 

لكن شدة رد الفعل أثار البعض. في تلك الفترة، أرسل لي أحد الأصدقاء مقالة تطرح التساؤل: لماذا احتج الشيعة على الإساءة إلى السيد السيستاني بأشد بكثير مما احتجوا على الإساءة إلى الرسول نفسه!

لقد أجبت صاحبي إني وجدت التساؤل السنّي مشروعاً. ولكن اليوم تنطلق في الأعظمية والفلوجة وأماكن أخرى تظاهرات كبيرة وتطلق فيها هتافات وشعارات حادة مثيرة. لذا فالسؤال يطرح نفسه من جديد، لكن هذه المرة للسنة: "لماذا تحتجون على عبارة غير دقيقة عن الخليفة أبو بكر، بأشد مما احتججتم على الإساءة إلى الرسول نفسه؟" يعني، تبين كما يقول المثل المصري: "مافيش حد احسن من حد"!

 

والحقيقة أن إساءة الأعرجي لم تكن فريدة نوعها، أذكر منها، رغم أني لا أتابع مثل هذه الأمور إلا صدفة، قبل فترة كتبت عن خطبة منافقة لـ صدر الدين القبنجي، يحاول أن يبرهن فيها بالتلاعب بالكلمات، بأن "الزيارة" تعادل في قيمتها "عشرة حجات" إلى بيت الله!

 

وقبلها كتبت مقالة غاضبة جداً على الخطاب الطائفي الرهيب الذي ألقاه المعتوه الدليمي في أسطنبول.

بشكل عام، مرت بالعراق الكثير من الخطابات المسيئة، مقصودة وغير مقصودة، خلال السنوات القليلة الماضية المملوءة بالمتصيدين المتمنين للحرب الأهلية المدمرة، من إحتلال إلى سياسييه والمنتفعين من أي خلاف عراقي، مهما كانت نتائجه دموية. ورغم ذلك كانت ردود الفعل أقل شدة، فلماذا أثار كلام العريفي هذا الرد الحاد، ولماذا أثارت كلمات الأعرجي غير الدقيقة كل تلك الضجة؟ علينا بالإنتباه!

 

رشيد العزاوي من جبهة التوافق طالب الصدريين بإستبدال الأعرجي ، وطالب آخرون بمحاسبته بينما أكتفى البعض الآخر بمطالبته بالإعتذار. ومن السعودية قال الدكتور محمد النجيمي الأستاذ في كلية الملك فهد الأمنية " إن هذا الكلام الخطير طعن في أبي بكر رضي الله عنه, وطعن في صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم, وهذا ما يردده الغلاة في العراق"، مضيفاً أن كلام النائب الأعرجي يخالف قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا أصحابي" .

 

ومن الصعب إثبات أن في قول الأعرجي "طعن" في شخص الخليفة، وبالتأكيد ليس فيه أي مسبة، لكن للنجيمي رأيه.

 

ويرد الأعرجي قائلاً: "انا قلت ان العراق ومنذ ذلك الزمان اي زمن ابو بكر ولحين حزب احمد حسن البكر تكابلت عليه المؤامرات."، مشيرا الى ان الاسلام قام على دين الله ورسوله فكيف بنا التهجم على اصحاب الرسول وال البيت، وأشار إلى أن الدافع وراء الضجة هو الدعاية الإنتخابية.

وقال أيضاً “لم اتعرض لشخص الصحابي ابي بكر الصديق لاني انتمي الى الخط الصدري الاسلامي الذي يحترم كل صحابة الرسول الاعظم ، ولا يستطيع احد من ابناء هذا التيار المساس بشخصية الصحابي ابي بكر الصديق او اي من الصحابة”.

 

 

يتساءل المرء: لماذا يحدث مثل هذا الخطأ؟ أحد المعلقين في الإنترنت أسماها ظاهرة الإنتحار السياسي للسياسيين العراقيين، ".. فذلك الذي سافر الى اسرائيل مرتين وهذا الذي يمتدح حزب البعث قبل ايام من الانتخابات .. ولعل ماقاله الاعرجي هو الاحدث في سلسلة عمليات الانتحار السياسي تلك. لكن يبقى السؤال، هل يتسحق ماقاله كل تلك الضجة التي انبرت لإتثارتها قناة بغداد المملوكة لخصمه اللدود (طارق الهاشمي) غير عابئة بالعواقب الوخيمة التي قد تترتب على ذلك؟"

 

خطاب آخر يستحق الإنتباه كتبه ناصر سعيد جاء فيه: "ليس الموضوع مسألة القناعات والعقائد  بل الموضوع هو الخطاب وحصافته، فكان بالامكان ان يستبدل الاعرجي اسم ابو بكر بمصطلح صدر الاسلام وتنتهي المشكلة لان العبارة حينها سوف لاتتضمن اساءة لرمز يعتقده ويجله ويقدسه الكثير من الناس....وانا كعراقي مسلم شيعي اطالب السيد الاعرجي بالاعتذار للشيعة قبل السنة باعتبارنا الاخ الاكبر في المكونات العراقية ولانسمح لمكوناتنا العراقية بالصراع فيما بينهم ليتهدم بيتنا العراقي ...واطالب سماحة السيد مقتدى الصدر الذي عودنا على مواقف مفصلية تعيد الاتزان والهدوء بسحب ترشيح السيد الاعرجي من الكتلة الصدرية وكل مرشح يتغلب نزق الشباب عليه ولاتحضره الحصافة في وضع حرج على بلدنا وشعبنا ابسط الاثمان التي تدفع فيه هي الدماء الغالية على كل مواطن شريف". إنه كلام حكيم، وجميل فعلاً!

 

في تقديري أن الأعرجي قد قال بما يقترب من الإعتذار، دون أن يرقى إليه، وكان أفضل لو أنه أضاف إلى تفسيره لقوله، أنه يعتذر لأي شخص يكون قد جرح شعوره من خلال كلامه غير الدقيق، وإنه لم يكن يقصد ما فهم منه، وينأى عنه تماماً. كان بإمكان ذلك، ومازال ممكناً، ان يحل المشكلة ويهدئ النفوس، ويضيع الفرصة على المتربصين بها أيضاً. وليس صحيحاً أن يفكر الأعرجي بدفع المشكلة باتهام الاخرين بالدوافع الإنتخابية، ولا بأن مثل هذا الإعتذار قد يضعف موقفه الإنتخابي، بل يزيده قوة في تقديري ، خاصة وأنه قال أنه من خط إسلامي يحترم كل الصحابة، وأنه لم يكن يقصد الإساءة.

 

لكني لا أفكر في حل المشكلة فقط، بل أطمح إلى قلب الطاولة على من سعد بهذا الخطأ، وتحقيق انتصار حقيقي.

لنبدأ بالتكلم بصراحة، فأن الجميع يعلم بأن الموقف المنتشر في الشارع الشيعي من بعض الصحابة موقف سلبي، وهم مثلاً لا يسمون أولادهم بأسماء هؤلاء الصحابة، وفي هذه النقطة يسجل السنة نقطة تفوق حقيقية في مجابهة الطائفية، فالسنة يحترمون جميع الصحابة بلا تمييز, ولا يجدون أية مشكلة في تسمية أطفالهم بأسماء علي وحسين وحسن، وغيرها من الرموز الشيعية المقدسة، بل وأيضاً عيسى وموسى ويحيى...الخ.

ولا يتردد الكثير من الخطباء الشيعة بالإساءة إلى أؤلئك الصحابة علناً في خطبهم، وبشكل مثير للأسف. فإذا كان التيار الصدري وغيره من المجموعات الشيعية يكنون الإحترام والتقديس لكل الصحابة، فقد حانت اللحظة المناسبة للتعبير عن ذلك الإحترام، وحل هذه المشكلة بإصدار بيان من أعلى المرجعيات بتحريم الإساءة إلى الصحابة صراحة أو تلميحاً، ومتابعة تنفيذ ذلك الأمر بقوة.

وحان الوقت للتوقف عن قراءة تلك القصص ذات الرموز المسيئة لمن يكنّ السنة لهم التقديس. لنسأل أنفسنا عن دقة وأهمية تلك القصص بشجاعة، مهما كانت مغروسة في نفوسنا منذ الطفولة. فهل أن مصادرة بستان، سواء كان ذلك الإجراء صحيحاً أم خاطئاً، هل هو جريمة تستحق أن يتم ترديدها بهذا الحماس والتوتر بعد 1400 عام؟ الم يحدث خلال هذه القرون ما يستحق أن يحل في ذاكرة العراقيين محل هذه القصة وأمثالها، وأن تراجع دقة الإتهامات التي طال ادعاؤها ضد الصحابة الذين قسمهم البعض الى شيعة وسنة ظلماً وعدواناً، ولم يكونوا مختلفين فيما بينهم بل من أقرب الأصحاب؟

 

أورد أحد أصدقائي "الشيعة" إحدى تلك القصص "الإشكالية"، قال أن الخليفة أبا بكر قد اغتصب الخلافة من الإمام علي، فقلت له، ولماذا لم يعترض الإمام علي على ذلك وهو الرجل الشجاع الأقدر على الدفاع عن حقه؟ قال الصديق إنه لم يرد أن يثير فتنة بين المسلمين! حسناً أليس ذلك جدير بالتقليد؟ فحتى لو كان الأمر صحيحاً، فأن الإمام علي فضل التنازل على إثارة فتنة، فلماذا تثار الفتنة اليوم، والموضوع قد مات منذ 1400 عام ولم يعد هناك ما يتم التنازل عنه او القتال من أجله؟ إذا كان الإمام علي قد رأى في وحدة الأمة ما يزيد قيمة عن الخلافة حسب الرواية، فلماذا يبذر أبناءه ومن يعتزون به، تضحيته بلا مقابل، بإثارة مثل هذه القصص التي قد تكون دقيقة وقد لا تكون؟

 

هذا التاساؤل عن السر في الفرق بين تصرف الإمام علي وتصرف من يرى فيه مثالاً أعلى، جاء في مقالة قيمة جداً، أحتفظت بها لحين حاجة إليها، واليوم جاءت هذه الحاجة. كتب نبيل عواد المزيني:

"في اثناء انجازي لترجمة عن الامام ابو ابراهيم اسماعيل المزني (رحمة الله عليه) اضطرتني ظروف البحث الي الاطلاع علي بعض كتب الانساب و السير، وقد وجدت اثناء ذلك ان آل البيت عليهم السلام قد سموا الكثير من أبنائهم بأسماء الخلفاء الراشدين، بداية من الامام علي رضي الله عنه حيث كان من بين اولادة الذكور ألاربعة عشر من يدعي أبو بكر (الملقب بمحمد الأصغر) و عمر، وعثمان .

 ولـ الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ولدان من أبنائه الثمانية اسمهما أبو بكر وعمر، وأما الحسين رضي الله عنه فقد كان لة ولد يدعي ابو بكر استشهد معة في كربلاء (التنبيه والإشراف للمسعودي )، وسمى الحسن بن الحسن بن علي أحد أبناءه أيضا بأبي بكر. وكذلك فعل موسى بن جعفر الكاظم، فقد كان من ضمن أبناءه أبو بكر وعمر وعائشة. وقد كنا الإمام الثامن علي بن موسى الرضى كنى نفسه بأبي بكر( كتاب مقاتل الطالبيين للأصفهاني).

 

هل في هذا ما يشي بأن الإمام علي كان متظلماً من أبي بكر، او أن ذريته شعروا بأن الأخير ظلم أباهم أو أمهم في شيء؟  إنني أدعو المرجعيات الدينية الشيعية لإزالة هذه النقطة السوداء في تاريخ العلاقة بين المسلمين، فهي ومثلها مصدر هذه التوترات والأخطاء والخطايا. وما دامت مثل تلك القصص حية فسيكون على كل شيعي أن يخفي مشاعره وينتبه إلى زلات لسانه، ولن يتمكن من ذلك إلى الأبد.

لننتقم من هذه القصص لما سببته من ألم وتفرقة، ولتنقلب هذه النقطة التي أرادها المغرضون حجة للفتنة، إلى سبب للإتحاد والقوة. إننا بأشد الحاجة إلى أن نسجل انتصاراً ضد هؤلاء في هذه اللحظة، وأنتم قادرون على تحقيقه يا أئمة المذاهب، فلا تخيبوا أملنا، لا تضيعوا الفرصة، فإن كان هناك أمر له أجر عظيم، فلن تجدوا خيراً من هذا سبباً للحصول عليه، ولكم القرار!

 ([email protected])

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1321 الخميس 18/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم