أقلام حرة

قانون الإنتخابات العراقي – إبتكار لتحقيق أقصى تمثيل برلماني لخيارات الشعب (2 - 2)

الحكم للأغلبية، أنها قد تصيب الأقليات بظلم شديد ما لم يتم التعامل مع هذه المشكلة بحذر شديد، والعمل على تجنب نتائجها السلبية أو تخفيفها قدر الإمكان.

 

لهذا السبب لجأت الديمقراطيات إلى "تعويض" هذه الأقليات بأساليب مختلفة تضمن تمثيلها بشكل ما في البرلمان، ومن أشهر هذه الأساليب، اسلوب "الكوتة" الذي يحدد مقعداً أو أكثر للفئات التي قد تعجز بسبب عددها الصغير، أو ضعف مركزها الإجتماعي، من الحصول على ممثل لها في البرلمان بالإنتخابات الإعتيادية، مثل كوتا الأقليات الدينية، أو كوتا النساء في القانون العراقي.

 

والحقيقة أن فكرة معالجة هذا الخلل في الديمقراطية، تتوسع لتشمل حتى تمثيل الشعوب في المجتمع الدولي. وعلى هذا الأساس تم تأسيس "منظمة الدول والمنظمات المحرومة من التمثيل" (UNPO) (1) والتي بوشر بالعمل بها عام 1990، وهي منظمة ديمقراطية تمثل أرضية مشتركة لمنظمات وشعوب غير ممثلة بدول في منظمة الأمم المتحدة، والتي ينضوي تحت مضلتها شعوب مثل الشعب الكردي (العراقي والإيراني) وكذلك جماعات من السكان الأصليين في بلدانهم وغيرها.

 

وهكذا يعتبر تجاهل المجموعات البشرية غير الممثلة بصوت ما، في أية منظمة ذات علاقة، خلل ونقص خطير في نظام تلك المنظمة أو الدولة. ولقد بينا في الجزء الأول من المقالة (2) التي كشفت نقاط ضعف أخرى وتناقضات خطيرة في القانون، أن القانون العراقي لا يكتفي فقط بتجاهل الكيانات التي تفشل في الحصول على العدد الكافي من الأصوات للحصول على مقعد في البرلمان، وإنما ينص على سلب أصوات هؤلاء، وحتى الذين اقتربوا من تحقيق ذك العدد، وإعطائها للكيانات الكبرى! ويعتبر هذا النص مخالفاً لمبادئ التعديلات الديمقراطية لإعطاء فرصة للجهة الأضعف ، بل ومناقض لها تماماً، بالرغم من تبني القانون العراقي لذلك المبدأ في أماكن أخرى، مثل كوتة النساء وكوته الأقليات الدينية.

 

يمكن القول بأن مستوى ديمقراطية طريقة توزيع المقاعد على الأصوات تقاس بقدرة تلك الطريقة على إنتاج توزيع برلماني يعكس إنتماءات المجتمع الذي يمثله، وأن يحس أكبر عدد ممكن من الناس في البلاد، إن لم يكن جميعهم، أن في البرلمان من يمثله. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن القرار بإعطاء الكتل الكبيرة، أصوات المقاعد الناقصة، قرار سيء ومعكوس الإتجاه!

 

الفكرة التي أقدمها هنا تستهدف تقديم حل أفضل وأكثر ديمقراطية لمشكلة الأصوات المتبقية الأقل من تلك اللازمة لمقعد، والخروج ببرلمان "أكثر تمثيلاً" لمكونات وخيارات الشعب الذي انتخبه. وهي في تقديري طريقة تتفوق ليس فقط على الطريقة الخاطئة المتبعة في البرلمان العراقي، كما شرحنا، وإنما أيضاً تتفوق على الطريقة التقليدية بإعطاء المقاعد المتبقية لأصحاب المقاعد الناقصة ذات الأصوات الأكثر.

 

في هذه الطريقة، لن تحصل جميع الكيانات الأصغر على مقاعد لنفسها، وهو مستحيل، لكنها ستتمكن من تحويل أصواتها لدعم كيانات أخرى تجدها قريبة منها، وتمثلها بدرجة ما، من الناحية السياسية أو الفكرية أو الدينية أو أي مقياس تختاره تلك الفئة كمقياس محدد. بهذه الطريقة يشعر كل مواطن أنه حتى وإن لم يحصل على مقعد يمثله تماماً، لكن صوته أسهم في الحصول على مقعد لجماعة قريبة منه، تمثله جزئياً.

 

ويمكن الخيار بين أن تتم التوصية بتحويل الأصوات الناقصة إلى كتلة أخرى أو مرشح آخر، أما من قبل الناخب بواسطة ورقة الإنتخاب، أو بواسطة المرشح نفسه. في الحالة الأولى يقرر الناخب نفسه من الذي يمكن أن يستفيد من صوته في حال عدم تمكين مرشحه من الفوز بمقعد، وهي الحالة المثالية من الناحية الديمقراطية. والحالة الثانية الأبسط ،هي أن يختار كل مرشح أو كيان (قبل بدء الإنتخابات)، الكيان الآخر المرشح للإستفادة من أصواته في حالة فشلها في الحصول على مقعد. ومن الطبيعي أن يختار المرشح الأول أقرب المرشحين الآخرين إلى كتلته وبرنامجها، وبالتالي فأن أصوات الناخب لن تذهب بعيداً عن خياره السياسي. ومن المناسب أن يعلن كل مرشح أو كتلة توصيتها قبل الإنتخابات، من أجل تجنب عدد من أنواع الغش المحتلمة، كأن يتم المتاجرة بالأصوات فيما بين المرشحين، بعد أن تعرف كل جهة عدد الأصوات التي لديها ولدى المقابل. وكذلك فأن من حق الناخب معرفة المرشح البديل لمرشحه مسبقاً وقبل إعطاء صوته.

 601-saib

 

وعند حساب الأصوات، يبدأ تنفيذ التوصيات بدءاً بتوزيع أصوات المرشح صاحب أقل الأصوات الزائدة، وحسب التوصية. وفي حالة أكتمال أصوات مقعد نتيجة ذلك التوزيع، يتم أعطاؤه للمرشح الذي حصل عليه وتحذف الأصوات التي استعملت من أجله من قائمة الأصوات الزائدة. بعد ذلك توزع أصوات المرشح التالي الأقل أصواتاً وهكذا حتى توزع جميع الأصوات الزائدة القليلة على الأكبر منها. ومن المنتظر في هذه الحالة أن يبقى عدد من المرشحين يمتلكون أصواتاً لم تكف للحصول على مقعد، والتي لم يتم التوصية بتحويلها إلى أي جهة تمتلك مقعداً ناقصاً يحتاج لتلك الأصوات. وعندئذ يتم العودة إلى نظام إعطاء المقاعد للأصوات الناقصة "الأقوى"  لإكمال عدد مقاعد البرلمان. كذلك يمكن استعمال التحويل للأصوات، بأكثر من مرحلة، وفي هذه الحالة نحتاج إلى أكثر من مرشح واحد للحصول على الأصوات الناقصة، فيكون لكل كيان مرشح أول وثاني وربما ثالث، لتلك الأصوات.

 

هل يمكن أن تحدث عمليات غش مثل دعم كتلة كبيرة لكتلة صغيرة أخرى، مادياً أو إعلامياً، مقابل أن تتفق معها على التوصية المتبادلة؟ لن يكون هذا متوقعاً، أولاً لأنه في هذا الموضوع لن يكون هناك معنى لكتل كبيرة وأخرى صغيرة، ففي النهاية ما سيبقى هو عدد من الأصوات التي لا تكفي للحصول على مقعد واحد، فهي الأصوات المتبقية بعد حذف عدد المقاعد الكاملة. لذا فأن الكتلة الكبيرة قد تخسر أصواتها للصغيرة مثلما هو احتمال العكس، فنسبة الأصوات المتبقية لا يعتمد إلا على الصدفة. (ما لم يكن أحد الأطراف له حظ قليل جداً في الأصوات بحيث يتوقع أن يحصل على أقل من أصوات نصف مقعد) . ويفضل أن تلجأ كل كتلة إلى الإتفاق مع أقرب كتلة اليها أيديولجياً او حسب ما يفضل ناخب تلك الكتلة، لتطمين هذا الناخب أن صوته لن يذهب إلى الخصوم.

 

 

الرسم المرفق يمثل صورة لحالة مبسطة ذات مرحلة واحدة للتوصية، وتمثل حالة انتهاء الإحصاءات بوجود 14 كيان إنتخابي يمتلك كل منها اصواتاً لا تكفي للحصول على مقعد في البرلمان، وقد بقي خمسة مقاعد لم تشغل بعد في البرلمان.

يتم انتخاب الجهات التي تحصل على مقعد في ثلاث خطوات. الخطوة الأولى وضع كل جهة أمام تلك التي ترتبط مع بعضها

 

 

بتوصيات، وقد افترضنا هنا للسهولة أن التوصيات متبادلة، ورغم أن ذلك ليس شرطاً إلا أنه الحالة الطبيعية المتوقعة.

لدينا في الرسم، 14 كياناً تتنافس على خمسة مقاعد، وقد اعطينا لكل كيان حرفاً لا تينياً (من A إلى P ). كذلك اعطينا الكيانات القريبة من بعضها البعض، (أيديولوجياً أو قومياً، أو أي مقياس آخر)، ولنسمها الكيانات الصديقة، الواناً متشابهة. وهكذا فأن (A و B) الملونين بالأحمر، هما كيانين صديقين، وكذلك (C و D) وهكذا..

والآن لنفترض من اجل البساطة أن عدد الأصوات اللازمة للحصول على مقعد = 10. ويمثل الرقم أسفل الحرف لكل كيان، عدد الأصوات الزائدة المتبقية لكل كيان بعد اعطاء الكيان المقاعد الكاملة من الأصوات التي حصل عليها.

 

إذن فحسب النظام المشروح أعلاه، فأن الكيان ذو الأصوات المتبقية الأقل عدداً، يمنح "صديقه" الذي يختاره تلك الأصوات الزائدة ليقوي مركزه التنافسي، أملاً أن يكمل مقعداً. وبعد فرز المقاعد الكاملة، يتنافس الباقون على المقاعد المتبقية. وهنا نرى أن (H) حصل فوراً على مقعد كامل، من خلال حصوله على صوتين من صديقه (G) الذي لم يكن لديه أمل بالحصول على مقعد (إضافي) في كل الأحوال. وهكذا هو الحال لبقية الكيانات ذات الأصوات المتبقية القليلة.

 

إذن، بعد خروج (H) من المجموعة، يتنافس الباقون على أربعة مقاعد، ويحصل عليها أصحاب أعلى أربعة أصوات.

 

كما قلنا، فأن فائدة هذا النظام أنه يمثل رأي الناخبين، بلا شك، بشكل أفضل من النظام المتبع حالياً في العراق ممثلاً بمنح المقاعد المتبقية إلى الكيانات الكبيرة. كذلك فأنه يمثل الناخبين بشكل أفضل مما لو جرى منح المقعد للكتل الأكثر أصواتاً مباشرة. فكما نرى في مثال الرسم المرفق، فأن مجموع الأصوات المتبقية لدى الكيانات "الحمر" أكبر مما لدى الزرق، وبالتالي فقد حصل الحمر على مقعد إضافي (لأكبر الإثنين من الحمر، الكيان B) بالرغم من أن (C) كان لديه أصوات أكثر من (B) في البداية.

 

ماذا لو كان لدى كل من "الصديقين" نفس العدد من الأصوات؟ هذا إحتمال نادر جداً في الواقع، فعندما يكون عدد الأصوات اللازم للمقعد الواحد 100 الف، فأن احتمال حصول مثل هذه الحالة هي تقارب واحد من مئة ألف حالة، ويمكن اللجوء هنا إلى القرعة!

 

من افضليات هذا النظام، إضافة إلى كونه يعكس صورة أدق لمواقف الناخبين، فإنه يتيح تمثيل الإتجاهات العامة بشكل أفضل، خاصة للكتل الصغيرة. فلو فرضنا أن اليساريين مثلاً انقسموا إلى أكثر من حزب صغير، فمن الممكن أن لا يحصلوا على أي مقعد في البرلمان ولا يكون لهم تمثيل فيه، ولن يشعروا بأنهم ممثلون في السلطة التشريعية في البلاد، وبالتالي يتكون إحساس بالعزلة لديهم، حتى إن كان مجموعهم يكفي لمقعد أو أكثر! لكن هذا النظام يصحح هذا التشوه في التمثيل ويقدم للمجموعة ما يناسب عددها من مقاعد.

 

من ميزات هذا النظام أن الكيانات الصغيرة لا تشعر بأن أصواتها مهددة بالضياع التام، وهذا يشجع الكيانات المختلفة على أن تدخل الإنتخابات لوحدها إن لم تجد كياناً آخر قريب منها، دون أن تضطر إلى تحالف مع كيان لا تتفق معه بشكل كاف، حتى ضمن الفكر السياسي أو الإجتماعي نفسه. فالنظام يقدم منفعة التحالف الذي يضمن مقعد على الأقل للكيانات الصغيرة القادرة كل منها على الحصول على نصف مقعد وتجد نفسها قريبة من بعضها، دون أن يحمل معه مساوئ ومخاطر التحالف.

 

يمكن بالطبع تطوير النظام من خلال زيادة عدد مراحل التوصيات أو التحويلات، وكلما ازدادت كان البرلمان أفضل تمثيلاً لنسب الكيانات المختلفة لدى الشعب، إلا أنه حتى نظام المرحلة الواحدة البسيط يمثل تقدماً هاماً على الأنظمة الأخرى. ويمكن تطوير النظام أيضاً من خلال استعمال آليات تحدد الحد الأدنى الذي يتبرع فيه الكيان بأصواته، وهو أمر مفيد في النظام التحويلي المتعدد المراحل..

 

 

(1) The Unrepresented Nations and Peoples Organization (UNPO)- Wikipedia, http://en.wikipedia.org/wiki/Unrepresented_Nations_

and_Peoples_Organization

(2)    قانون الإنتخابات هل يحمل مفاجآت مخيفة في التنفيذ؟(1-2)

http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/20val.htm

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1327 الاربعاء 24/02/2010)

 

 

في المثقف اليوم