أقلام حرة

التفسير المقلق لتناقضات المالكي مع البعث

بل هذه الحركة الكبيرة المفاجئة والقصد منها.

فالمفروض أن المالكي قد خاض تواً معركة مع تحالف الإحتلال والبعث، وأنه انتصر فيها وحرم هذا الفريق من تنفيذ خططه في حقن البرلمان بعناصر بعثية خطرة في تقدير المالكي، ومشمولة بالمنع الدستوري. ومن المعروف أن هذا الثنائي: الأمريكان والبعث، كان دائماً قاسياً في انتقامه، قوياً في تعاونه. لقد وصفت صحيفة "لوس انجلوس تايمز ما حدث بأنه "فرض اختبارا على مدى النفوذ الأميركي في العراق"، وانتهى الأمر بالتهديد بطرد السفير الأمريكي من العراق، فما الذي طمأن المالكي لكي يقوم بما قام به؟ وما غرضه منه أصلاً؟

 

يرى العديد من الناس مثل كريم اليعقوبي ان دعوة المالكي لاعادة ضباط الجيش السابق ليست سوى دعاية إنتخابية. (2) لأن توقيت القرار يدل على ذلك، ولأن "كل الضباط (غير المشمولين بإجراءات المساءلة) رجعوا الى وحداتهم" فعلاً وليسوا بحاجة للقرار. أي أن القرار لا معنى له عملياً. لكن هذا التفسير لا يبدو مقنعاً جداً. فما الذي يكسبه المالكي من دعاية إنتخابية في هذا؟ أن أي ضابط لم يعد بقرار المالكي سوف لن يمنح الأخير أي صوت. وحتى بين من يمكن ان يعيدهم القرار، لا يتوقع المالكي أن يحصل على أصوات كثيرة، فهم يصوتون غالباً لجانب آخر يضمن بقاؤهم في المستقبل، مثل علاوي أو الهاشمي. بالمقابل فأن القرار يثير القلق بين ناخبي المالكي الأساسيين من الذين يرون في القرار عملاً خطراً، ويثير الشك والإحتجاج، خاصة وأن المالكي يتعرض ضمن الخط الشيعي إلى منافسة قوية جداً.

ولو كان القرار دعاية إنتخابية لا معنى عملي لها لما قفز الفريق وفيق السامرائي فرحاً وهو لا يصدق ما يسمع (1) وقال: "لوصحت هذه الانباء وكان صدور القرار واقعا ، فان ذلك يعتبر خطوة هامة ....عودة هذه الاعداد من الضباط الى الخدمة سيساهم في ضبط الامن"!.

ازهر الخفاجي تساءل أيضاً (1) عن الاسباب التي دعت رئيس الوزراء الى "إعادة هذا " الجيش " من الضباط "في ظروف اثبتت ان هناك مشروعا بعثيا مدعوما من قبل الولايات المتحدة ودول اقليمية وفي مقدمتها السعودية يقضي باعادة البعثيين الى السلطة في العراق ". واضاف بالإشارة إلى وجود 10 الاف بعثي حاليا في وزراة الدفاع، وأنه حدث قبل عرض اسماء الـ 20 الف على هيئة المساءلة والعدالة ثم مفاتحة لجنة الامن والدفاع بذلك لتدرس ابعاده وايجابياته ومخاطره ...."هذا يشكل خطرا كبيراً" مشيراً إلى احتمال تنفيذ هؤلاء "الإنقلاب المقترح لدى الإدارة الأمريكية" داعياً المالكي لكي يأخذ القرار طريقه الإعتيادي إلى المساءلة أولاً.

 

لكن ترك "القرار يأخذ طريقه الإعيادي" يعني أن لا يكون للمالكي أي فضل فيه، وبالتالي لن تكون له أية فائدة إنتخابية أو غيرها منه، فيكون أثار قلق رفاقه وناخبيه وخسر بعض الأصوات، دون مقابل! فهل كان قرار المالكي، مجرد "فلتة لسان؟" ..

 

ليس هناك مجال يصح فيه المثل العربي القديم "إن سوء الظن من حسن الفطن" كما في السياسة، وخاصة في الديمقراطية! والحقيقة أن الديمقراطية مبدأ قائم على سوء الظن، حيث أن اشتراط فصل السلطات وحرية الصحافة وتكرار الإنتخابات كل بضعة سنين ومنع تكرار ترشيح الرئيس لأكثر من سنتين متتاليتين، كلها وغيرها من الضوابط، إنما تستند إلى أن الديمقراطية تخشى السلطة وتتسلح بسوء الظن لحماية نفسها. ولا يتعلق الأمر بشخص الرئيس أو القائد، فكل الرؤساء وكل القادة مشكوك بهم في الديمقراطيات، ويعاملون على هذا الأساس. فالسلطة تفسد أصحابها، والشك والمراقبة تبطئ الإفساد بعض الشيء. والحقيقة أن "المؤمنين بقائدهم" في الديمقراطية، أناس عديمي الفائدة في بنائها أو الحفاظ عليها، فهم يتقاعسون عن إداء واجبهم في المراقبة والمحاسبة، إن لم نقل أنهم يلحقون الضرر الشديد بها.

 

إضافة إلى مبدأ الشك العام، لنتذكر أن المالكي أعطى في الماضي كل الأسباب للشك في نواياه، فقد تحرك في الماضي بشكل سري أوحى لخصومه باتجاه معين ليفاجئهم بانقلاب سريع مباغت، يشل قدرتهم على الرد. في كل الحالات كان ذلك مع الأمريكان. إضافة إلى ذلك فلا يمكن الإعتماد على تصريحات المالكي لمعرفة نواياه.

 

فحين استلم السلطة، شكا إلى أنه ليس له أن يحرك دبابة أو سرية بدون موافقة الإحتلال، وبدا وديعاً مسالماً، لينقض بدون أي سابق إنذار بقطعاته لتقصف الصدريين في البصرة ومدينة الصدر، وبدون أن يبذل أي جهد لتحقيق أغراضه التي أعلنها لاحقاً وهي القبض على مجموعات محددة من عصابات سرقة النفط وغيره. لم يحاول أن يقدم قائمة بهم إلى التيار الصدري مثلاً، ويبحث طرق الضغط لتسليمهم له شهر أو شهرين أو ثلاثه، فتجنب قصف السكان بالمدفعية والطائرات يفترض أن يستحق ذلك! كان فخوراً بعمله العسكري الإستباقي لأية محاولة قانونية لحل المشكلة. لا نملك إلا أن نشك بأن الهدف كان التخلص من جيش المهدي لأسباب أخرى هي أنهم الخصم الأكثر إزعاجاً للإحتلال.

 

بعد ذلك فاجأنا المالكي بلعبة لتفادي البرلمان، معروفة لدى الحكومات الأمريكية في تفادي الكونغرس: تسمية الأشياء بغير أسمائها، فوقع "مذكرة تفاهم" خطيرة مع أميركا بدون مصادقة أو علم البرلمان! ثم أرسل رسالة إلى مجلس الأمن،وبدون التشاور أيضاً مع البرلمان" حول تمديد القوات لمرة واحدة فقط. ولم تفهم الحكمة منها إلا حين تبين لاحقاً أنها مصممة "لتوقعه في أزمة" مفتعله، ليستطيع أن يقول أن لا حل لدينا سوى توقيع معاهدة مع القوات المحتلة! وفي هذه الأثناء مدد حالة الطوارئ مرتين بدون موافقة البرلمان، مخالفاً الدستور بشكل صارخ، بل خطير ومخيف (ليسمي بعد ذلك قائمته بـ "دولة القانون!")

 

وحين اشتبك الشعب العراقي مع الجانب الآخر المتمثل بالإحتلال وهوشيار زيباري، فهم المالكي أن الضغط الشعبي خطر للغاية، فوقف موقفاً متردداً في ا لبدء، وأعطى الإنطباع بأنه المسكين الذي لا حول له ولا قوة، وأن زيباري وحده هو المشكلة، وأنه غير راض عنه، لكن الأمر ليس بيده، فالإحتلال هو الذي يقرر من هو رئيس الوزراء ومن هو الوزير. ولم يكن صعباً إقناع الناس بهذا، فقد كانوا مازالوا يتذكرون أن كونداليزا رايس هي التي استبدلت رئيس الوزراء الذي انتخبه البرلمان، إبراهيم الجعفري، واجبرت البرلمان على التصويت من جديد، وكان المالكي!

 

لكن المد الشعبي ضد المعاهدة تصاعد وتصاعد، وخشي البرلمانيون، حتى عديمي الضمير منهم، خشوا أن يخسروا مقاعدهم إن هم صوتوا لصالح المعاهدة، كما قال محمود عثمان. وغيرت المعاهدة إسمها ثلاث أو اربعة مرات وربما خمسه، لتكون أسهل هضماً، دون جدوى. في كل هذه الأثناء، كان المالكي منزعج ويبدو معترضاً بشدة على المعاهدة. أسموها أخيراً بما يعاكس معناها تماماً، وسيروا التظاهرات التي تطالب باتفاقية "لسحب القوات"!! قال المالكي أنه لابد من أتفاقية تنظم انسحاب القوات، فلا يمكن لكل هذه القوات أن تغادر العراق فوراً! وفجأةً أنقلبت لهجة الحكومة، ولم يكتف المالكي بالتوقيع من خلال وزيره بتحد صارخ لإرادة الناس، بل وقف يهدد الشعب العراقي بأنه إن لم يوقع البرلمانيون، فأنه سيطلب من القوات مغادرة العراق فوراً!! في هذه الأثناء كان وزير دفاعه الوضيع يهدد الشعب بالقراصنة إن لم توقع الإتفاقية.

 

نعم إننا لم ننس تلك الأحاييل، ولا الذين صنعوها ولا الذين شاركوا فيها أو وافقوا عليها دون أن نفهم لماذا. لن ننساها، لكننا نعيدها هنا لمن نسيها لنتذكر مع من نتعامل اليوم...ووقعت المعاهدة، ووقعت معها معاهدة سرية لا يعلم بمضمونها أحد ولا حتى الكونغرس، الإتفاقية الإطارية....ولم يدخل القراصنة إلى شط العرب...ولا خرجنا من الفصل السابع....

 

وجاء البريطانيون والأطلسي، كلهم يريدون أن "يحمونا" فـ "جوج وماجوج" يقفون على الحدود، ولا يكفي الجيش الأمريكي لحمايتنا، بل يجب إدخال كل زناة الأرض إلى حجرتنا من أجل ذلك...ومرة ثانية تظاهر المالكي بالرفض الشديد، وقال بصراحة أن العراق ليس بحاجة إلى تلك الإتفاقيات....ثم مرر المالكي الإتفاقيات السرية مع بريطانيا والأطلسي، وفي غمرة الإنشغال بقانون إنتخابات المحافظات، وبمساعدة حصان البرلمان الثاني، أياد السامرائي، الذي اتهمه الصدريون بأنه مرر القرار دون نصاب، مرت هذه في البرلمان أيضاً.

 

هل يخدعنا المالكي مرة ثانية هنا؟ هل هي تمثيلية تظاهر بالرفض والصراع مع الإحتلال للوصول إلى شيء ما؟ وإلا ما معنى هؤلاء الـ 20 الف ضابط؟

 

لنتذكر أن المالكي لم يبد يوماً قلقاً من قوائم البعثيين التي ملأت قائمته الإنتخابية ودوائر الأمن والمراكز الحساسة (المشمولين بالمساءلة، أو التي لم تبرئهم المساءلة بعد)، كما أكد العديد من النواب والعديد من التقارير، فنشرت المدى (22-01-2010) تصريحاً لرئيس لجنة النزاهة في مجلس النواب الشيخ صباح الساعدي، بأن هناك 6500 اسم قيدت ضدها مؤشرات، ومن ضمنهم وزراء ووكلاء وزارات ومدراء عامون، بما فيهم وزير الدفاع عبد القادر العبيدي الذي ظهر اسمه في القائمة الاولى للمشمولين بالاجتثاث”.

ولو كان إعادة هؤلاء الضباط إلى الجيش بالتدريج المتأني، بالإستفادة من وجود "أصدقاءنا" المحتلين، لكان الأمر مفهوماً، أما أن يقذف بعشرين ألف شخص مرة واحدة في الجيش؟؟

قال عضو ائتلاف دولة القانون النائب عبد الهادي الحساني، موضحا أنه ضمن ظرف التحديات الكبيرة العسكرية وعند خروج القوات الاجنيبة من العراق سوف يترك فراغا أمنيا ويجب ان يكون هناك بديل لسد الفراغ الامني. وأكد الحساني ان العراق بحاجة الى القوة الجوية و البحرية و البرية وذلك لحماية الحدود، خصوصاً ان بعض الدول العربية تتأمر على العراق."

في العراق، يبدو الأمر أحياناً وكأننا جئناً من زحل، وكأن المشاكل التي نواجهها لم يواجهها أحد في السابق، لذا يجب أن يبقى الإحتلال زمناً طويلاً لنبني جيشنا ليحمينا من القراصنة، ويجب إعادة البعثيين إلى الأمن بالآلاف وضباط الجيش بعشرات الآلاف.....؟؟ اليست مشكلة الجيش والأمن والثقة، مشاكل اعتيادية يواجهها كل نظام حكم جديد انقلب على نظام سابق، فيجد نفسه بلا جهاز أمني وعسكري لأن كل المنتمين إلى هذه الأجهزة موضع شك ويجب التعامل معهم بحذر؟ كيف نجحت الثورة الإيرانية في ذلك؟ كيف نجح البعثيون أنفسهم في العراق في ذلك بعد انقلاباتهم؟ هل استدعى أي منهم جيش أحتلال لحمايته ريثما "يؤسس جيشه" على أحدث طراز كما يقول بينوشيت العراق؟ هل أدخل أي منهم ضباط الأمن السابق بالألاف في جهاز أمنه؟ إن في القضية كذب كثير كثير وضحك على الذقون!

وبالعودة إلى المالكي وعودة البعث، نذكر أن موضوع التنكر لأمر ما ليس قضية غريبة. ففي هذا الموضوع بالذات تقلبت السفارة الأمريكية بين المواقف حسب الظرف بلا خجل. ففي الوقت الذي فرضت على الحكومة العراقية قبول مفاوضاتها في تركيا مع البعث، عادت لتنكر فعلتها بعد أن رأت رد الفعل الشعبي والسياسي، وقدرت أن خير طريقة لإيصال البعث هي أن تتظاهر بأنها ضده اولاً لتستطيع خدمته، وهذا يحدث كثيراً. وبعد توكيدات كثيرة على موقفها الجديد بالضد من البعث الذي أحرج كتابها المدافعين عنها الذين لم يعودوا يدرون ما يتخذون من موقف، عادت لترسل بايدن وتضغط من أجل البعث، ولتصرح كلنتون وتكتب الصحف بضرورة إعادتهم إلى الحكم. ثم حين فشل مشروع بايدن الثاني لتدمير العراق، عاد السفير بكل صلافة ليقول أنه لم يتدخل، بل وأن الحكومة الأمريكية لا تريد البعث في العراق!!

 

ولم يكن الأمريكان وحدهم في هذا التقلب. ولنتذكر أن المالكي إفتتح هذا الفصل بخطاب قوي اللهجة يدعو لمصالحة البعثيين، حتى من ارتكب منهم "جريمة بالأمس"! يذكرنا بذلك رياض البغدادي، (3)  الأمين العام للحركة الشعبية لإجتثاث البعث، حين كتب: "اصاب العراقيين الذهول والحيرة عندما سمعوا السيد رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يدعوا الى مصالحة البعث وتجاوز كل جروح الماضي الاليمة , تلك الصيحة التي اطلقها المالكي في فندق الرشيد (4) يوم 9 / 3 / 2009 والتي قال فيها :

'' نعم لابد ان نتصالح، واقول أكثر من ذلك ولا أخاف أحداً ممن يتصدون بالمياه العكرة ويوظفون كل شيء من أجل المصالح الذاتية والفئوية، لابد ان نتصالح مع الذين أخطأوا، .....، اليوم ينبغي ان نتصالح مرة أخرى ولكن ان نطوي هذا التأريخ السيئ ولا نسمح لإنفسنا يتذكره وليس العودة اليه ومن يعود إليه يرتكب جريمة مضاعفة، جريمة إرتكبها بالأمس وجريمة العودة اليوم ولكن إذا ما عاد إلى العراق والى شعبه ووطنه فمرحب به، كل الناس خطأ وخير الخاطئين التوابون ''

 

يكتب رياض البغدادي: "لذلك اجتاح الشارع العراقي موجة عارمة من الغضب , التي اجبرت رئيس الوزراء بأن يصدر توضيح لكلامة ويحاول ان يتراجع ويمتص موجة الغضب التي تفجرت , وصار ينتقد البعث في مناسبة ومن غير مناسبة ليثبت بأنه تراجع عن موقفه السابق".

 

واليوم، هاهو الرجل غير مفهوم المواقف، يقوم بحركته الجديدة التي لايملك أحداً تفسيراً لها. وإثر ذلك أتهمته هيئة المساءلة والعدالة (5) بالتستر على البعثيين وانتهاك القانون من خلال رفضه تطبيق إجراءاتها ضد المشمولين بالاجتثاث من العسكريين والأمنيين، مؤكدة وجود آلاف من عناصر الأجهزة الأمنية المشمولين بإجراءاتها.  وقال المدير التنفيذي للهيئة علي اللامي إن "استثناء هؤلاء من إجراءات المساءلة والعدالة ليس من صلاحيات رئيس الوزراء بل من صلاحيات مجلس الوزراء والبرلمان". 

إلا أن وزارة الدفاع مضت في تنفيذ الأمر ودعت المشمولين بالأمر لمراجعة مراكز الاستقبال ومباشرتهم اعتبارا من الأحد الموافق 28 شباط 2010 ".

 

هل صحيح أن لرئيس الوزراء حق الإستثناء أم أن الأمر كما قال علي اللامي؟ في هذا البلد الذي لا يعرف أحد فيه صلاحية أحد ولا يعرف الناس إن اكتمل النصاب في البرلمان أم لا، ليس غريباً أن يختلف البعض حول مثل هذا السؤال البسيط. رئيس الوزراء طالما خالف الدستور في الماضي، فليس غريباً أن يكرر ذلك. لكن لنفرض أن القانون يتيح له هذا الإستثناء، لماذا يصر المالكي على استخدام حقه القانوني في الإستثناء من قرارات لجنة المساءلة بالنسبة للضباط الأمنين؟ وهل أن خطر هؤلاء في هذا الظرف أقل من خطر بضعة مرشحين يمكن أن يصلوا إلى البرلمان، أو يصل غيرهم من جماعتهم إليه؟

 

هل يمثل موقف المالكي من البعث، موقفه المتمثل في مواجهة الإحتلال ورفض تدخل السفير من أجل رفض البعث، أم يمثله موقفه في إعادة 20 الف ضابط دفعة واحدة وبلا أي مبرر معقول، ولا حتى الدوافع الإنتخابية؟ وأين الإجراءات التي اتخذت بحق السفير واحتمال طرده؟ بل أين القانون الذي أصدر، أو الإجراء الذي اتخذ لكي يمنع التدخل الأجنبي في شؤون البرلمان ولجانه، وكان بالإمكان بلا شك إصدار قانون عام بهذا الأمر؟ التاريخ القريب للمالكي، وتصرفاته السابقة في موضوع المعاهدة وغيرها، لا يتيح لنا أن نستبعد مثل هذه المناورات منه. كما أننا لا نجد تفسيراً لإعادة الـ 20 الف ضابط غير أن المالكي يقوم بتمثيلية ثانية كما فعل في الماضي فيتظاهر بأنه يقود الحملة ضد عودة البعث، لكي يتمكن من إدخالهم فعلاً وتمكينهم من الأمن وغيره.

 

لو أن أياد علاوي أو صالح المطلك أو ظافر العاني وصل إلى السلطة، وقام بإصدار أمر بإعادة 20 الف ضابط جيش مرة واحدة، لقامت الدنيا عليهم ولم تقعد، لكن أن يقوم المالكي بذلك فهو لا يثير الكثير من القلق! فهل أن الأمريكان أدركوا أن لا أحد يستطيع إعادة البعث بهذه السرعة غير من يكسب ثقة الناس أولاً بأنه ضد الخصم الأشد عناداً للبعث؟ إن كان المالكي غير متفق مع الإحتلال على شيء، فمن أين له هذه الثقة ليقوم بكل هذه المخاطرة الشديدة وبدون أي مبرر على الإطلاق؟

 

لا أرى إلا أن التحالف البعثي الأمريكي، يهاجم هذه المرة بشوكة ذات رأسين من أجل إدخال البعث إلى السلطات الأمنية وغيرها لفرض قوة في الحكومة تكفي لرفض تنفيذ الإنسحاب والطلب من القوات الأمريكية البقاء بحجة الحاجة إليها، وقد بدأ بينوشيت القراصنة بالفعل التصريحات التحضيرية لذلك، بعد أن مهد لها قادة الجيش الأمريكي.

وخطة التحالف البعثي الأمريكي قد تكون أن تدفع بمجموعة البعث (ومن شابهه أخلاقاً) المتمثلة بأياد علاوي والمطلك والهاشمي وظافر العاني وأياد جمال الدين من جهة، والمالكي من الجهة الأخرى، على أن يبدو كل منهما معارض للآخر. وحين يصل أي من المجموعتين إلى السلطة، يتم إعادة البعث إلى المراكز الأمنية والعسكرية، إضافة إلى شل البرلمان بما يمكن إدخاله من عناصر عميلة وبمساعدة تزوير السبعة ملايين بطاقة، إضافة إلى بطاقات من لن ينتخب، وأدوات الشلل المعتادة من فيتو رئاسي مثلما كان دور الهاشمي وعادل عبد المهدي، واختيار حصان لرئاسته كما حدث لمرتين حتى الأن. إضافة إلى ذلك يتم تأمين كمية كافية من التفجيرات تتيح للحكومة أن تطلب بقاء القوات الأمريكية مدة أطول...ثم أطول...ثم أطول....وليس ذلك صعباً في بلد يتم فيه البحث عن المتفجرات بواسطة فتاحي الفال لمدة سنتين، ثم لا يحاسب أحد بعد افتضاح الأمر! 

 

من المحتمل أن جماعة المطلك لا يعرفون بالتفاصيل، ولذلك نرى المطلك غاضب من أميركا التي خيبت آماله كما يقول، ولم تفرضه على الشعب كما قد تكون وعدته!

ليس هناك آمال كبيرة بالنسبة للحكومة القادمة، وكل من يتحدث عن أبطال وقادة أخيار مخادع. إننا في وضع دفاع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأخطر ما سيواجه العراق في الحكومة القادمة هو تنفيذ الإنسحاب في وقته، فكل يوم إضافي يبقى فيه جندي أمريكي في البلاد، يستمر الإرهاب والتفجير والتيهان في المجهول والضباب وأخطار "القراصنة" و "الجوج وماجوج". إن إنهاء الإحتلال هو العامل الحاسم الذي يقرر إن كانت الحكومة متآمرة مع الأمريكان أم لا، لننتخب للبرلمان من ترونه يقف بوجه هذا الخطر، أما باقي الكوارث فيجب تحمله فترة أنتخابية إضافية!

 

لا أعرف كيف أفسر الأحداث بغير هذه الطريقة المقلقة، لكن تبقى كل هذه تقديرات منطقية قد تصيب وقد لا تصيب، إنما خطر إصابتها كبير جداً، لذا اقول: لننتخب واحداً ممن رفضوا توقيع المعاهدة، فهم الأكثر أماناً، والخيار لكم.

 

(1) http://www.burathanews.com/news_article_88227.html

(2) http://shafaaq.com/sh2/index.php?option=com_content&view=article&id=13746:2010-03-01-06-17-57&catid=19:2009-04-27-19-55-32&Itemid=16

(3) http://www.burathanews.com/news_article_88465.html

(4) http://www.nmc.gov.iq/pnews/2009/3/10_2.htm

(5) http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&Id=33511

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1333 الثلاثاء 02/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم