أقلام حرة

بأي ثوب سيعود (البعث) العراقي للحكم؟

 فيما ترحم في لقاء سابقا له في "العربية" على ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث، بدا الدكتور اياد هاشم علاوي المرشح البارز المنافس في قائمته العراقية لخصمه العنيد السيد نوري المالكي في قائمته دولة القانون، بدا علاوي قبل يومين منتشيا بارتفاع رصيده لزعامة كارثية ستغير وجه التأريخ السياسي العراقي حسب اجاباته المتضاربة في مقابلة متلفزة اجراها معه قبل ثلاثة ايام المحاور غسان بن جدو في فضائية الجزيرة القطرية من العاصمة بيروت التي تجول في ازقتها السياسية اياد علاوي لترتيب حال وضعه المستقبلي في بغداد. اجتهد علاوي ان يغطي على تشرنق اجاباته بابتسامة ما فارقت فمه الكبير فتلعثم في احايين وتكسرت كلمات خجلى في اخرى حينما حاول الدكتور البعثي القديم التركيز على مسألة الوطنية والدين وكذ دغدغة مشاعر الاخوة الكورد ضمن اجابات على تشكيلة اسئلة كلاسيكية وجهها اليه بن جدو.

 

 ما بين الوطن والدين، استطار علاوي للخروج من مأزق انتمائه البعثي العتيق، وههنا لم تصمت بعض الرؤى عن فضيحة الاندساس في المعارضة العراقية مطلع تسعينات القرن المنصرم وبأمر من الرئيس المعدوم صدام حصين لاجل فت عضد هذه المعارضة التي ما انفكت تتوزع انتشارا في اصقاع العالم العربي والاسلامي والغربي. كما ان فصولا مهمة من حياة الرجل تؤشر بطريقة واخرى الى هذا المعنى تتجلى واضحة في معاداة علاوي وسعيه الدؤوب للتشنيع والاطاحة بكل اجندة الدكتور احمد الجلبي ومؤتمره الوطني صاحب الرتبة الاولى في خلاص العراقيين من طغمة البعث الصدامي الفاسدة في العراق. وغير خافية ارتباطات علاوي وملف (الوفاق) مذ تشكيلها في التسعينات بالمخابرات الاميركية. وحاشا علاوي وغيره ان ينكر دور السيدة امريكا في لمعانه المفاجئ الاخير في الانتخابات البرلمانية الجارية رغم الاعتقاد بان السعودية وراء هذا البريق وهذا اللمعان. وفيما يقترب الاعتقاد شيئا من الصحة لكن الامر برمته مرهون بمن احتضن علاوي واعده في مختبر خاص ليكون واحدا من ثنتين: اما ورقة ضغط سلبية في اروقة البرلمان القادم في حال عدم فوزه بهذه الصورة (المتهمة)!! او القدوم الذي سيقتلع اي جذع يقف بوجه امريكا بنحو وغيره في العراق. والامران معا طرقتهما امريكا علانية تحت بند المصالحة الوطنية وعودة البعثيين.!

 

 وطنيا: ركز السيد علاوي على "قوانة" خدمة المواطن العراقي بعيدا عن اي جنبة قومية او مذهبية دينية، ويا ليته استفعل هذه القضية ابان رئاسته المؤقتة بعد خلع نظام حزبه العتيق  ولو بنحو ضئيل.

 دستوريا: فالمادة 77 من الدستور العراقي الحاضر تشترط فيمن يطمح لتولي منصب رئيس الوزراء وكذلك الجمهورية ان يكون عراقيا بالولادة ومن ابوين عراقيين اصليين. وأكبر الظن ان ذلك ما ستتولاه جهات عديدة متمددة في الوسط العراقي وتفعله وطبعا لا يخفى ما ستؤول اليه الامور فيما لو حصلت المطالبة الجادة.

 

 تأريخيا: وفي تجارب مريرة سابقة تكاد تكون متكررة كل عشرة اعوام لسياسة حزب البعث المتأمل مسك زمام الحكم من جديد. وقد شهدها جيلنا بصورة واضحة منذ الخمسينات ومنتصف واواخر الستينات وكذا ما جرى في منتصف السبعينات ومنتصف الثمانينات، ومن ثم منتصف التسعينات حتى الاطاحة التامة بهذا النظام وحزبه واتهاوي رأسه الاول الرئيس المعدوم حوالي منتصف العشرة الاولى من الالفية الجديدة. كلها فترات عرضت المأساة الانسانية التي ألمت بالمواطن العراقي الذي يتباكى اليوم عليه الدكتور اياد علاوي.

 

 لا اعتقد لزوم الحاجة لتذكير من يهم باتفاقات او تفاهمات كما يسميها البعثيون الجدد، باحداث مثل الانقلابات الموهومة داخل صفوف هذا الحزب تنتج في كل مرة عن رؤوس عديدة تتدلى من اعواد المشانق، وتنتهي برؤوس مظلومة من مختلف اوساط الشعب العراقي. فتلك هي المؤامرات الملفقة ضد اناس ابرياء حتى في حزب البعث منهم محي عبد الحسين الشمري وقتله مع مجموعة كبيرة من المخدوعين، وكذا مهزلة ( تفجير الحرم الحسيني) لتروح على خلفيتها ارواح بريئة من العراقيين ولتختتم باتهام حافظ الاسد وحزبه في سوريا وتتم القطيعة لمدة جاوزت العقدين من الزمن. ومؤامرات البطش برجال الدين السنة ومراجع الشيعة وقواعدهم هذا غير ما اقترفته تلك الايادي من جرائم يندى لها جبين البشر في قتل وارعاب الزوار الحسينيين. وهتك الاعراض واالبطش بالكورد وفاجعة حلبجة ومن قبلها الانفال سيئة الصيت الى تجفيف الاهوار وتهجير الابرياء ثم الحرب ضد ايران واستخدام عكاز القومية والعروبة ضد الفرس.! الى التلحف بالحملة الايمانية وتسيس الحال ليتخادم مع رغبات طاغية البعث العراقي في حروبه ضد (المجوس). ثم لم يهنأ حتى مارس الجريمة ضد الكويتيين الداعمين له وقتئذ والسعوديين  ثم الهوس الصدامي بتفتيت عصب الحياة العراقي وتدميره وهو ما أنّ ويئن منه العراق وسيبقى كذلك حتى يأذن الله بالخلاص من اثره. فهل بعد هذا يمكن الاتكاء والاطمئنان ومد اليد لمثله هكذا حالات؟

 السؤال اعلاه موجه خصيصا لساسة ورجال (دين) مرموقين واصحاب تجارب وتضحيات جسام وكذلك صدور تحملت الاذى والضيم ولاتزال جراحاتها تنزف من البعث. هذا غير الخشية من نهوض الشهداء وطوامير الدفن الجماعي من اجداثها لتؤشر وتهتف وتبصق بوجه من يمد اليد او ينبطح لحثالات البعث بعد ما صنعه بالعراق من كوارث. او لسنا نعتقد ان الشهداء احياء يرزقون؟ اذن نهوضهم وثورتهم محتملة.

 

 حتى هذا السطر لم نأت بجديد عن البعث لكن مرادنا التذكير بما جناه ذلك النهج الغادر بحق العراقيين عامة، والتشديد على السؤال: هل سيغير البعثيون الجدد ما جاء به سلفهم؟ وبمعنى: هل ستتغير آلية الاستفراد والدكتاتورية وظلم الناس؟ وبتساؤل ادق: هل ستتطور ايديولوجية البعث اتجاه العراق وشعبه؟

 ان اجابونا بنعم.!! فنسأل من جديد: اذن علام عودة البعث فيما لو استفرغ كل ما جاء به وانتهجه؟ اي ما الفائدة من قربة خالية ومخروقة؟

 الاصح هو عودة شخوص اثبتت التجربة نزاهتهم وحرصهم على العراقي واسعاده. وانّى للعراق مثل هذه الشخوص في حضيرة من انتمى لحزب البعث لفترة تعود الى الخمسينات او مطلع ستينات القرن الماضي برغبة وارادة لا غبار عليها؟ الا يستحقون المتابعة وتفعيل هيئة اجتثاث البعث كليا؟ أليس هذا واقع الحال؟

 خريف ملبورن 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1353 الثلاثاء 23/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم