أقلام حرة

الإختراع الأخير للسيد السفير لإنقاذ أياد من سوء المصير

إمكانية تشكيل الحكومة، فتحولوا إلى محاولة تحييد أنتصار خصومهم إنتظاراً لمناسبة أفضل.

 

هذا اليأس والحاجة إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أثار روح الإبتكار لدى الساسة الأمريكان، وهو ما لا ينكره عليهم لا أصدقائهم ولا اعدائهم. وكما يقال فـ "الحاجة أم الإختراع" وآخر اختراعات محاولة التحييد هذه ما أطل به السفير الأمريكي السابق في العراق زلماي خليل زادة من أفكار في مقالة نشرتها صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، تقترح "تقاسم السلطة زمنياً" سنتين لكل من علاوي والمالكي.(1).

 

والملاحظة الأولى أن هذا السفير أو غيره لم يسبق له أن عرض مثل هذه الأفكار السخيفة في بلاده، ولم يقترح أحد أن يتقاسم بوش والغور الحكم حين كان الفارق بينهما لا يرى بالعين المجردة، وحين كان التزوير مشابها تماماً لتزوير علاوي، وكان رفض إعادة العد هو الذي حدد الفائز بفضيحة مشابهة تماماً لما حدث في العراق.

 

ورغم أن العديد من القانيونيين أعتبرها بادرة مناقضة للدستور الذي لا يتحدث إطلاقاً عن فترة حكومية بسنتين، فأن ما يثير الإستغراب أن الفكرة أثارت اهتمام طارق حرب ويشير إلى أن "الدستور لا يمنعها" (2). وهذا التصريح أشبه بالقول بأن الدستور لا يمنع إنتحار رئيس الوزراء! عبارة صحيحة، لكنها بلهاء بلا مجاملة!

ويذهب طارق حرب إلى أبعد من التفوه بتلك العبارة، إلى القول بأن اتفاق دولة القانون والعراقية “سيحقق أكثر من الأغلبية المطلوبة مما يتيح لهما تشكيل السلطة السياسية بأجمعها”.

 

ويخلط حرب هنا، وكأنه شخص ضرب على رأسه، فتختلط لديه المعاني، بين قوة "تشكيل السطلة السياسية بأجمعها" لتيار محدد الأهداف ومنسجم، وبين تجميع متناقض يقول أنه يحقق ذلك! لو كان في مثل هذا التجميع الأخير أية منفعة لقامت به جميع الأحزاب في جميع الدول، فما أسهل أن تجمع عدداً كبيراً "يجمع السلطة السياسية بأجمعها" إن لم يكن يهمك إنسجام ما تجمع! فالإنتخابات في كل مكان تقريباً تنقسم بين متناقضين رئيسيين، لكنهم لم يكونوا يوماً من الحماقة إلى الدرجة التي يتصورون فيها أن اجتماعهم معاً يعني "قوة"!

من ناحية أخرى، من يضمن تنفيذ الإتفاق؟ يقول حرب : البرلمان! وماذا لو غير البرلمان رأيه ولم يتفق على أغلبية كافية لسحب الثقة من الحكومة من أجل فرض تغييرها؟ هل سيحمل المقابل السلاح لتنفيذ الإتفاق؟ هل يستطيع أحد أن يلومه على ذلك؟

 

ولنفترض أنه لم تكن هناك أية مشاكل من هذا النوع، فما الذي يستطيع كل منهما أن يفعله في سنتين؟ طبعاً التنافس بينهما سيكون تنافساً غير مسبوق الشدة لأنه سيكون أساساً للمقارنة، وسيعمل كل طرف على تشويه سمعة الآخر بأي شكل كان، خاصة أن لدى علاوي حتى اليوم على علمي، لوبي لتشويه سمعة خصومه في أميركا. ولنفرض أن المالكي أخذ السنيتن الأولين، (وهو السيناريو الأقل خطراً، باعتبار أن علاوي وتاريخه والأمن الذي وضعه والإحتلال المتحمس له ليس مأموناً لتسلم الدور الأول) وأن علاوي ورفاقه بقوا في المعارضة. والآن عندما يبدأ المالكي مشروعاً فعلى الأغلب أنه سيعطي ثماره في عهد علاوي، وبالتالي فسيكسب الأخير من جهد الأول! من الطبيعي إذن أن المالكي سينتبه إلى ذلك ولن يبدأ أي مشروع لا يستطيع أن ينتهي منه خلال سنتيه، أي سيتم إهمال أية مشاريع استراتيجية كبيرة. وبالمقابل فأن علاوي ورفاقه، سيعملون بكل طاقتهم واتصالاتهم وعلاقاتهم بالإحتلال وبالسعودية والأردن، على عرقلة إكمال أي مشروع يبدأه المالكي!

 

وبعد أربعة سنوات، سيجد العراقي نفسه، إن كان قد صمد حتى ذلك الحين، حائراً في تقييم أربعة سنوات عجيبة أخرى، لا يدري من يلوم فيها على التقصيرات ولا من يشكر فيها على "الإنجازات"، إن كانت هناك إنجازات، وسيستمع إلى الطرفين وكل منهما يلقي باللوم على الآخر لأنه خرب مشاريعه وعرقل إنجازاته...وهكذا تعود حليمة إلى عادتها القديمة، وفي رواية أخرى: "تيتي تيتي...". هذا كله إن لم ينفجر هذا الصراع الشرس بشكل صراع مسلح ينهي كل شيء!

من ناحية أخرى لا نفهم لماذا يوحي طارق حرب بأنه يقف مع فكرة السفير، متجاهلاً قراراً واضحاً للمحكمة الإتحادية سبق أن أقر به، ولماذا يكون لإقتراح السفير أهمية لديه بدلاً من تنفيذ سليم لقرار المحكمة الإتحادية؟ هل هذه سنة سليمة للعمل؟ هل نهمل قرار المحكمة الإتحادية لصالح اقتراح لسفير أمريكي سابق؟ ماذا كنا سنفعل لو كان الإقتراح من السفير الحالي إذن؟ نلغي قرار البرلمان والدستور من أجله؟ اليست هذه "الإختراعات"  في حقيقتها غير "إختراعات" للإلتفاف على الديمقراطية التي تقول بحكم الأغلبية وفق القانون، ولفترة حكم كاملة؟ وماذا عن التأثير المستقبلي لمثل هذا القرار؟ ما تأثيره على الإنتخابات القادمة؟ هل ستطالب كل كتلة ثانية في المستقبل، بأن تتقاسم نصف الفترة مع الكتلة البرلمانية الأكبر؟ هل هناك من سيلومها على ذلك؟ هل سيتحول النظام الإنتخابي العراقي إلى نظام برلماني من أربعة سنوات، وحكومات من سنتين فقط، على أن تنقلب المعارضة حكومة والحكومة معارضة في البرلمان؟

 

يمكننا أن نرى أن لأميركا مصلحة واضحة من مثل هذه الأعاجيب الديمقراطية، فإضافة إلى ما توفره لها من إشكالات سياسية وأمنية مجانية في البلاد، تتيح لها إطالة بقائها، فهي تستبعد الصدريين، الخصوم الأقوى للإحتلال، من الحكومة بشكل تام. ولعل هذا الهدف ازداد أهمية بعد تصريحات السيد مقتدى الصدر الأقرب إلى التصدي للإحتلال بالعنف، وإلى التظاهرات الأخيرة التي هتفت بخروج الإحتلال وسقوط إسرائيل ووحدة السنة والشيعة وكلها عفاريت تزعج الإحتلال.

 

العراق ومصلحته غائبان تماماً عن فكرة السفير السابق، ليس هذا عجيباً على الإطلاق، إنما العجيب أن يتحرك طارق حرب باتجاه اعتبار الفكرة معقولة! ليس مطلوب من المهني أن يكون مهنياً ممتازاً فقط، بل أن يكون له من الوعي ما يجعله يرى نتائج أقواله وتقديراته.

 

هذا "الإختراع" العجيب لزلماي زاده يعكس برأي العديدين، حالة اليأس الأمريكي من تولي مرشحهم للسلطة في العراق وتمديد المعاهدة، خاصة وأن عليه، إن نجح بالمزيد من الإبتزازات والرشاوي التي مورست بلا شك على عمار الحكيم ليقول ما قال، وشكل الكتلة البرلمانية الأكبر، فأن أمامه مهمة مزعجة أخرى هي "تزوير والدته" أيضاً وإقناع الناس بأنه قد تم تجنيسها منذ عشرات الاعوام. ورغم أن هذه لاتمثل عقبة أخلاقية أمام علاوي إن هي وقفت بينه وبين كرسي الوزارة، إلا أنه وبعد كثرة فضائح التزويرات الأخيرة، سيجد حتى أوقح رفاقه صعوبة في محاولة بيع مثل تلك الفكرة للناس. لذلك يبدو أن علاوي ومستشاريه تركوها حتى النهاية، في الوقت الذي لم يتحمل طارق الهاشمي الإنتظار وبادر فوراً بطرح "بديل" لعلاوي لم يسمه!

 

الحكومة التالية، ستتعرض لضغط وإرهاب جهاز علاوي – الأمريكان في كل الأحوال، وعليها أن تستعد لذلك بالإصرار على كل الحقوق والصلاحيات التي يتيحها لها الدستور، ورفض كل ما يمكن من قيود مسبقة تزيد صعوباتها في تحملها مسؤوليتها واضحة، لكي تحصل على الفرصة لتنفيذ مشاريعها ووعودها قدر الإمكان، ومن ناحية أخرى لكي يتمكن الشعب من تقييم أدائها بشكل واضح ومحاسبتها على كل نقص ونقيصة كحكومة مسؤولة بشكل تام عما يجري في البلاد. لن تتقدم الديمقراطية العراقية خطوة واحدة نحو الشفاء ما لم يتمكن الشعب من الرؤية والتمييز بوضوح، فيطرد حكومة مقصرة، ويأتي بأخرى يعطيها ثقته ويجربها أربعة سنوات. عندها إنني واثق من أن الطائفية والمحاصصة، كلها ستتبخر وتختفي ، كما تتبخر الأشباح عند شروق الشمس، وهو بالضبط ما يقلق الإحتلال، الذي لن يجد فرصة سوى أن يختفي هو الآخر ويأخذ معه إرهابه وإرهابييه. هكذا فقط يمكن أن يسير العراق أخيرا ً إلى الأمام لبناء ديمقراطية طبيعية قادرة على العمل بحزم بمحاسن الديمقراطية الطبيعية ومساوئها، وبلا مجاملات فارغة كاذبة ولا  أختراعات عجيبة.

 

................................

(1) http://www.nahrainnet.net/news/52/ARTICLE/15042/2010-04-11.html

(2) http://www.qanon302.com/news/news.php?action=view&id=339

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1371 الاحد 11/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم