أقلام حرة

نحو موقف مبدئي وسياسي سليم للتيار الصدري من العد والمفاوضات

 وكان وحيداً في إبداعه الفعاليات الديمقراطية مثل التصويتين الذين أقامهما لأخيتار مرشحي التيار للإنتخابات ولإستقصاء المفضل الشعبي لرئاسة الحكومة القادمة. ولولا فشل التيار الصدري في كسب الشارع خارج المنتمين إليه مباشرة، وبسبب الطبيعة التدخلية في شؤون الناس لجيش المهدي، واختراقه من قبل الكثير من العناصر الطائفية والتخريبية، لكان للتيار شأن آخر في تأريخ العراق الذي يبنى اليوم.

 

ورغم ذلك يعتبر التيار الصدري الورقة الأصعب في حساب الإحتلال، وكان الصراع المسلح بينه وبين الإحتلال الأكثر خطورة وقسوة. كل هذه النقاط تضع التيار الصدري أمام مسؤولية خطيرة للغاية، لا يبدو لي أن قادته يعون أبعادها بشكل دقيق. فمن يمثل جماهيره بالشكل الذي يمثله التيار الصدري، فتتبعه تلك الجماهير بنشاط وتضحية، ليس في تنظيم التظاهرات والفعاليات السياسية فقط، وإنما في تعريض أنفسهم للخطر أيضاً في مواجهة الإحتلال، ومن يضع نفسه كواجهة "مفتوحة الصدر" بمواجهة الإحتلال، عليه أن يعي الخطر الذي يتعرض له، ويعي بأنه سيكون دائماً موضوعاً للتآمر من قبل قوة شديدة التنظيم والشراسة ولا تعرف الكلل، هي قوة الإحتلال، وأنها لن تفوت أية فرصة تتاح لها لتوجه إليه وإلى جماهيره الضربات "التأديبية" لكسر شوكته، وأن "السلام" بينهما ليس سوى سلاماً وهمياً، وليس سوى فترة لإعداد المؤامرات والمواجهات.

 

وفي هذه النقطة يشبه التيار الصدري موقف الشيوعيين، ويشبه أيضاً في ذلك النقص بالإحساس بالخطر، وضرورة التصرف بحزم حياله، معظم التيارات التي رأت في القوى الكبرى خصوماً مبدئيين لها، فسقطت الواحدة تلو الأخرى بسبب ذلك، امام حزم تلك القوى التي تحتل بلادها، ونشاطها التخطيطي وقسوتها. بالتالي فأن تجربة الحزب الشيوعي من هذه الناحية، رغم الإختلاف الإيديولوجي الكبير بينهما، تصلح مؤشراً تحذيرياً لما ينتظر التيارمن مؤامرات دموية خطيرة.

 

إنطلاقاً من هذه الصورة، فأن على التيار أن يعمل بجد على منع الإحتلال من الوصول إليه، وأن يجد الأدوات اللازمة لجعل مهمة القضاء عليه وعلى إرادته أكثر صعوبة. عليه أن يركز اهتمامه على المذابح القادمة التي تنتظره أكثر من تلك التي حدثت له في الماضي. وبالطبع فعليه أن يعي تماماً، وبعيداً عن المجاملات السياسية، أن أقرب الجهات إلى الإحتلال، ستعمل على تنفيذ أجندة الإحتلال، بكل ما فيها من قسوة، في اللحظة المناسبة التي يقررها ذلك الإحتلال.

 

هذا الأمر يحتم على التيار الصدري أن يسعى جهده لمنع أياد علاوي وبعض قيادة القائمة العراقية من الوصول إلى السلطة بكل الطرق السياسية الدستورية الممكنة، وأن يعتبر ذلك الهدف مسألة في غاية الخطورة بالنسبة إلى المنتمين إليه، ولذلك كان على التيار الصدري أن لا يقف متصلباً في مفاوضاته مع إئتلاف دولة القانون.

تصريحات معظم قيادات التيار الصدري لم تكن تشير إلى وجود أي وعي بالخطر الشديد الذي يتهدده من جراء حكومة يلعب فيها أياد علاوي دوراً قيادياً، او أمنياً، بل أن بعض تلك القيادات راحت تشجع هذا اللقاء وتصرح بشكل غريب بأن اتفاق العراقية والقانون سوف يؤدي إلى استقرار العراق. ولو كنا في بلاد لا تغلي بالمؤامرات الخطيرة لكان الكلام معقولاً، ولو كان الأمر سباق وصول إلى السلطة فقط، لكان أيضاً معقولاً، لكن وبوجود قوة الإحتلال التي تسير أحد التيارين تماماً وتؤثر على الآخر كثيراً، فأن جمع هاتين الكتلتين المتضاربتين في المصالح والمتنافرتين في العواطف، في حكومة تحكم العراق، غاية الخطر وعدم الإستقرار.

يجب أن يعي السنة أن اياد علاوي والنجيفي وبقية الشلة الغريبة المتنافرة، لا يمثلون مصالحهم، وإنهم ينظرون إليهم كوسيلة للوصول إلى الحكم فقط. وتاريخ علاوي غني بالأمثلة عن لحظات الإنقلاب لمن أراد أن يقرأ، أما من يريد أن يحلم فسوف يستيقظ على داره تلتهمها النيران. علاوي لم يهتم في أية لحظة من تاريخ حياته إلا بنفسه، شأنه في ذلك شأن صدام، ولن يهمه السنة، ولا مصيرهم أكثر مما كان ذلك يهم رئيس الوزراء الإسترالي براون الذي كان يترك العراقيين يموتون في سفينة عند سواحل بلاده دون أن يسمح لهم بالدخول، لكنه يقلب الدنيا صراخاً دفاعاً عن "السنة" بعد ذلك! ما يريد علاوي وزمرته، هو ما يريد الإحتلال من علاوي، وهو السيطرة على الأمن والقضاء على خصوم الإحتلال وأي من تسول له نفسه الحديث عن طرد الإحتلال أو تنفيذ الإنسحاب. والمهمة المباشرة للحكومة التي يريدون حقن علاوي بها بأي ثمن هي تمديد المعاهدة بلا شك.

 

الصدريون معذورون في سعيهم لكي يمنعوا المالكي من رئاسة الحكومة، فهم يعتبرونه الرجل الذي عض يدهم التي امتدت إليه ورفعته إلى رئاسة الحكومة، وهم يجدون اليوم الفرصة متاحة لـ "الإنتقام" مما سببته لهم حكومته من أذى وألم. لم يكن المالكي معذوراً في تصرفاته في "صولة الفرسان" لأن تلك "الصولة" لم تسبقها أية محاولات جدية لحل المشكلة بدون ضحايا وبدون قنابل وقصف وإحتلال. لم تكن صولة الفرسان عملاً مبرراً أبداً وكان يعطي انطباعاً بأن المالكي كان حريصاً على استعراض عسكري أكثر من حل المشكلة بواسطة الطرق الحضارية السلمية. لقد حقق المالكي بذلك هدف الإحتلال، فصفق له الأخير ورفع عن حكومته صفة الطائفية، فرددت الصحافة العراقية المشتراة صدى ذلك التصفيق، ولم يعد أحد يتهم المالكي بالطائفية إلا اياد علاوي، الذي ليس لديه ما يقوله إن حرم من هذا السلاح. هذا رأيي في صولة الفرسان، وقد كتبت حوله مقالات قاسية أيضاً.

 

على الصدريين أن يفهموا بأن عملية قصفهم كانت مشروعاً أمريكياً نفذ بواسطة القوات العراقية والحكومة العراقية، وأنه لو كان علاوي أو عادل عبد المهدي مكان المالكي لما كان الوضع مختلفاً، إن لم يكن أسوأ كثيراً. إدراك هذه الحقيقة يزيح بعض الذنب من على صدر المالكي، ويجعل التفاهم معه أقل صعوبة. كما أن هذا الإدراك يبين أن حرمان المالكي من رئاسة الوزارة لا يعني بأي شكل من الأشكال ضمان الصدريين لحماية أنفسهم من هجوم جديد للقائد الجديد، خاصة إن كان أياد أو عادل.

من يريد الصدريون لرئاسة الحكومة ليضعوا هذا الأمر كشرط لا يتزحزحون عنه؟ ليس بينهم هم من هو مناسب للمنصب، وباعترافهم بأنفسهم في مناسبات سابقة. أما الجعفري، فهو في تقديري الشخص الأنسب، وكنت قد دعوت الإئتلاف الوطني أن يصرح قبل الإنتخاب بأنه مرشحه لرئاسة الحكومة، لكنه الآن هدف شبه مستحيل، ليس فقط لأن المالكي الذي يمتلك الكتلة الأكبر بين الأثنتين لن يتنازل عن رئاسة الحكومة، وإنما لأن الأمريكان لن يسمحوا به، وكلنا نذكر أن كونداليزا رايس جاءت شخصياً إلى العراق لإزالته، وهي العملية التي أدت إلى استبداله بالمالكي.

 

بدلاً من إيصال المفاوضات بين الإئتلاف الوطني ودولة القانون إلى طريق مسدود وفتح كل الطرق لأياد علاوي الخطر، كان على الصدريين أن يتنازلوا عن مسألة إسقاط المالكي، فهي مسألة لم تعد لها أهمية سوى أهمية الإنتقام. كان عليهم العمل على استبدال ذلك الهدف بضمانات عدم تكرار المعاملة القاسية وغير القانونية التي اتبعها المالكي معهم في حكومته الأولى. كما أن اشتراطهم الحصول على وزارات كافية، ربما تكون إحداها سيادية، هو بحد ذاته ضمان إضافي لحماية جماهيرهم وقيادييهم من ضغوط الإحتلال على الحكومة لتجاوز القانون بشأنهم.  كذلك كان عليهم أن يطالبوا بإطلاق سراح سجنائهم المعتقلين بدون محاكمة فقط، وليس الجميع، وأن توجه للباقين وعلى عجل التهم التي اعتقلوا بسببها وأن يحصلوا على محاكمة عادلة وبدون تأخير.

 

إضافة إلى الضمانات لأنفسهم ولسجنائهم، كان على الصدريين في تقديري أن يهتموا بضمانات لتنفيذ اهدافهم الأساسية. فـ "جوهرة أهداف الصدريين"، تنفيذ إخراج القوات الأمريكية، مهددة تماماً اليوم، وأجزم أن حكومة تتكون من المالكي وعلاوي ستمدد بقاء القوات، وأن علاوي لن يدخل في حكومة تكون هذه أول أهدافها، حتى لو أعلن العكس، كما فعل في فترة المناقشات حول المعاهدة. كان على الصدريين أن يحسبوا لذلك جيداً ويكونوا أكثرإهتماماً بذلك الهدف السامي الذي الزموا أنفسهم به، فقد كان بإمكانهم أن يضعوا شرط "عدم تمديد المعاهدة تحت أي ظرف"، كشرط أساسي للمشاركة.

 

شرط آخر حول هدف صدري آخر هام للغاية هو الإتفاق على رفض إقليم الجنوب، خاصة وأن هناك مؤشرات خطيرة لعودته إلى الحياة، حتى بين جانب المالكي. لقد كان للصدريين شرف الوقوف ضده وضد بقية مشاريع بايدن الخطيرة على البلاد، وكان عليهم أن يستمروا في الدفاع عن هدفهم بمنع تكوين الإقليم. فكرة الإقليم فكرة في غاية الخطورة، والسبب الرئيسي لذلك هو التجربة الكردية التي دمرت إمكانية إقامة أية فدرالية معقولة، وجعلت من الفدرالية وحشاً يهدد بافتراس العراق. فالإقليم الجديد سيطالب بكل "الحقوق" التي حصل عليها الإقليم الآخر، والذي بذلت فيه حكومته جهداً كبيرا وطويلاً لنهب كل ما يمكن نهبه من العراق وابتزازه في كل مناسبة ممكنة، وثبتوا ما سرقوه بكل الطرق الممكنة، والتي سيحتاج تعديلها سنيناً طويلة وصراعات طويلة وكراهية قومية ستتزايد بلا شك مع زيادة الوعي بكل ما تم نهبه من قبل حكومة تمثل قومية معينة على حساب القومية الأخرى. لكم أن تتخيلوا ما يمكن أن يحدث عندما يكون هناك إقليمان فدراليان في هذا البلد بدلاً من واحد. فحتى الفكرة السخيفة في إعطاء حصة من النفط إلى المحافظة التي تنتجه، هي من إيحاء ابتزازات الكرد للحكومة المركزية، بدلا من توزيع الثروات حسب الحاجات. والفكرة سخيفة لعدة أسباب، أحدها أن بقية المحافظات ستبحث عن سبب للحصول على شيء مقابل، فالمحافظات الحدودية ستطالب بحصة من الكمارك، وتلك التي تمر بها أنابيب النفط ستطالب بحصة، والتي لها ميناء ستريد جزءاً منه وليس بعيداً أن تشترط المحافظات التي لا تملك شيئاً من هذا الحصول على شيء مقابل سماحها بمرور ماء دجلة أو الفرات إلى المحافظة التالية!

 

إضافة إلى كل ذلك، وكشخص يرى في لبرلة السوق خطراً إقتصادياً يتهدد حياة فقراء البلاد بشكل خاص فليس لي سوى أن أراقب بقلق الإندفاع نحو هذا النوع من الإقتصاد، وبقيادة الولايات المتحدة من قبل الحكومة الحالية، كما تشير إليه العديد من التصريحات، آخرها كان اليوم للدباغ. وأتمنى أن يتمكن الصدريون، خاصة وأنهم يمثلون شرائح الفقراء في  البلاد، أن يضعوا بعض الكوابح لهذا الإندفاع الخطير لتسليم الولايات المتحدة قيادة القرارات الإقتصادية في البلاد، والتي سترتبها بلا شك بعيداً عن مصلحة أهل البلد. فهي لم ترتب إقتصاد بلادها نفسه لمصلحة شعبها، بل لتمكين الشركات من نهبه وإفقاره، وانتهت حكمتها الإقتصادية هذه بالكارثة التي تمر بها أميركا حالياً على مستوى تزايد الفقر والديون من جهة والإغراق في الأموال والثروات لمليارديراتها من جهة أخرى.

 

هذه الأهداف والشروط للمفاوضات كانت ستكون أهم كثيراً للصدريين من استبدال رئيس الحكومة بآخر ليس هناك أي ضمان أنه سيكون أفضل. ولو عمل الصدريون على هذه الأهداف لكانوا أكثر إخلاصاً لخطهم القديم وانسجاماً معه، ولأقتربوا خطوة كبيرة من التحول إلى قوة حاسمة التأثير في مستقبل العراق وتخليصه من الإحتلال.

 

الحكومة التي تتشكل من هاتين الكتلتين ستواجه طبعاً بتهمة الطائفية بشدة. وبالفعل فأن الكتلتين قد أصيبتا بالرعب من هذه التهمة مقدماً، وفضلتا الإبتعاد عن بعضهما البعض تجنباً لتلك التهمة. لكن في رأيي أنها كانت ستكون فرصة ذهبية للبرهنة أن حكومة شيعية القيادة، ليست بالضرورة حكومة طائفية ضد السنة، رغم صعوبة الهدف. هذه هي الطريقة الوحيدة لإقناع الشعب العراقي بأن الطائفية قد تم ترويضها فعلاً. أما الحكومة الهجينة التي تنتج من شلة علاوي مع المالكي فلن تبرهن شيئاً

لقد كانت حكومة المالكي فاشلة تماماً في موضوع الطائفية. فما يدور بين اعضائها وبين المسؤولين فيها يصل في النهاية إلى الخارج ويكشف الكم الهائل من الطائفية التي في تلك الأحاديث والتصرفات والخيارات. مازال التمييز في التوظيف وتسيير المعاملات كبيراً، ومازال الكثيرون يقبعون في السجون بلا محاكمات، وما زال التعذيب يمارس بلا حساب إلا حين يتم كشفه في الفترات الإنتخابية، ويبدو أن لكل فترة انتخابية "سجن سري" تم الإحتفاظ به من أجل علاوي.

لم تكن حكومة المالكي بريئة من الطائفية ابداً، إلا أن المالكي يستحق فرصة أخرى، على أن يفهم أن هذا الموضوع موضوع حياة أو موت بالنسبة لحكومته، وأن يبرهن لا طائفيته لا من خلال ضرب شيعة جماعة أخرى منافسة أو بإرادة أمريكية، بل من خلال تقديم الخدمات للجانبين بشكل عادل، ومن خلال محاسبة الطائفيين بقسوة، وأن يشعر السنة بأن هناك حكومة يشتكون إليها تعيد لهم حقهم، وأن يعرف الطائفيون الشيعة بأن هناك يد ستضربهم بقوة إن تجرأوا على ممارسة الطائفية.

 

أرى أن التيار الصدري لم يكن موفقاً في رؤيته الإستراتيجية للموقف وما الذي يستحق الأولوية من أهداف المفاوضات. لكن الوقت لم يفت بعد فالمفاوضات إن بدأت فستطول بين القانون والعراقية. فمن ناحية أولى، المالكي يدرك خطورة علاوي ولا يثق به إطلاقاً وسيعمل جهده على أن لا تكون بيد الأخير أية أدوات يستطيع من خلالها التسبب في أذية شديدة لحكومته (أفترض أن علاوي سيوافق على حكومة للمالكي مقابل شروط أمريكية كثيرة، لعل أولها تمديد المعاهدة). ومن ناحية ثانية فأن هذا بالذات هو ما سيحرص علاوي على الحصول عليه: أدوات لتحطيم حكومة المالكي، وتحقيق اهدافه الشخصية وليس فقط أهداف الأمريكان. مجموعة علاوي ستنفذ في المفاوضات اسلوباً أمريكياً معتاداً يتميز بأنه كلما تراجع المقابل خطوة إلى الخلف من أجل التفاهم، تقدم الفريق الأمريكي خطوة إلى الأمام واستمر في تهديداته ولهجته العدائية الإرهابية وزاد شروطه، ولا يتراجع ويقبل التنازل المتبادل، حتى يشعر أن الوضع لم يعد يمكن كسب أي شيء فيه، وأن المقابل مستعد لنسف المفاوضات وأنه يستعد للقيام بذلك بالفعل.

إنهم في هذه اللحظة مشغولون بتصعيد معارضتهم لإعادة العد، وبوضع العراقيل أمام العملية، فيضع النجيفي شروطاً عجيبة لقبوله بنتائج إعادة العد وأحدها حق الإعتراض على نتائج إعادة العد، أي المطالبة بإعادة إعادة العد! والحقيقة أن الشرط الوحيد الذي يمكن أن يفرض على إعادة العد، هو أن يكون للعراقية ممثلون لها يشرفون على عملية إعادة العد، مثلما يكون لكل من يريد ذلك من المعترضين، بحيث يتم العد أمام الجميع، وليس هناك حاجة للثقة بأي أحد. ولهذا نرى أن كلام سعد الراوي وكل المرعوبين من إعادة العد، عن تلك الصعوبات "المهولة" كلام فارغ تماماً وكأن العراق هو الوحيد الذي قام بهذه العملية "العجيبة". كما أن إلحاح النجيفي وعلاوي على اعتماد ممثل الأمم المتحدة، هو دليل إفلاس آخر، فهذا الممثل، وبالرغم من أنه مفقود الثقة، له أن يحضر العد مثل الآخرين. المهم أن إعادة العد يجب أن تعتمد مبدأ "عدم الثقة" ولا تبحث عن عدادين موثوقين، لا بين العراقيين ولا بين الأجانب، بل أن يكون هناك مشرفون يمثلون كل قائمة مهتمة بالموضوع، وهذا يجعل حق الإعتراض فيما بعد، والذي يطالب النجيفي به ويهدد بعرقلة العد من خلاله، أمراً لا معنى له.

 

أشير هنا باستغراب شديد إلى مشاركة بهاء الأعرجي لدعاوي رفض إعادة العد وتصويرها كشيء عسير وغير منطقي و "قفز على الشرعية" (رغم أنها جرت بكل الطرق والأدوات الشرعية المتوفرة)، بدلاً من الإصرار على ما يطمئن الناخب حتى إن تبين أنه لم يكن هناك خطأ. موقف الأعرجي يمثل تراجعاً خطيراً عن مواقف الصدريين السابقة التي كانت تطالب دائماً بأقصى شفافية ممكنة، وتؤكد على حق المواطن في المعرفة والمشاركة.

 

وهكذا يراد أن تتحول العملية الإعتيادية التي تتم في جميع بلدان العالم بلا مشاكل، ودون أن يقول أحد أنها صعبة، إلى "شيء مستحيل" في العراق، كما قال رئيس مفوضية التزويرات. وهكذا يراد إفهام الجميع أن من يستطيع التزوير في أية انتخابات قادمة فليفعل، وليس عليه أن يخشى إعادة العد، فهي "مستحيلة"!

إلا أن هذه المحاولات تشير بالفعل إلى رعب يشمل جهات عديدة تبدأ برئيس المفوضية وحاسباته المبرمجة للتزوير، وقد لا تنتهي عند ممثل الأمم المتحدة. هذا الرعب، إضافة إلى الكذب المباشر لصالح المطلك حول تكليف المالكي للهاشمي بدعوته لترك العراقية، ثم التراجع، كلها مؤشرات إيجابية تدعوا للتفاؤل! فهي تبين بأن الغشاشين لم يتمكنوا من القيام بتزوير يمكن إخفاؤه، وأنهم يأملون أن ينقذهم التهديد والوعيد والكذب، لعله يتم غلق الموضوع بلا فضائح.

 

لذلك أتمنى أن الوقت لم يفت لكي يتخذ الصدريين موقفاً أكثر حكمة ليحرم الإحتلال فرصته الأخيرة لتشكيل حكومة غرضها الوحيد تمديد بقاء قواته، ربما إلى الأبد، وهو خطر دفع الصدريون في الماضي القريب الدم من أجل منعه عن العراق.

 

 

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1387 الثلاثاء 27/04/2010)

 

 

 

 

في المثقف اليوم