أقلام حرة

الديموقراطية.. والناخب العراقي

مرورا بظهور الكتل والاحزاب السياسية العراقية وتنافسها الشديد لاستلام دفة الحكم مصحوبة بعشرات المحاكمات التي اودت برؤوس قيادات الحكم السابق الى القبور.

الاحزاب والتشكيلات السياسية التي انبثقت في عراق ما بعد صدام بلغت اكثر من 750 بعضها لم يتعد الانفار وفيها ما استطار يغطي نصف العشيرة والريف او لفيف من نخبة درستها عجلة استشاطة الاحزاب الكبيرة وتمددها السريع في مناطق العراق خلال السبع سنوات الماضية. كما عايش العراقيون العملية الانتخابية الديموقراطية المتكررة بعيد فترة حكم مؤقتة (ديموقراطية) تزعمتها شخصيات معارضة للنظام المدروس، كلها كانت تعيش في المنافي. وتشكيل برلمان عراقي ديموقراطي واخر اداري (ديموقراطي) لجميع محافظات العراق الثمانية عشر. مع وزارات (ديموقراطية) بنسبة وزارة لكل مليون عراقي كلها (ديموقراطية) وفيها نسب كبيرة من البعثيين. اضف الى جميع مؤسسات الدولة (ديموقراطية) حتى منظمات المجتمع المدني.. الى اخر الكلام وصولا الى الغطاء العراقي العام والخاص فهو ديموقراطي، فبلغ بالعراقي حينما يتحاور مع صاحبه ويختلف معه يتبسم قائلا انها الـ (ديموقراطية). والحمد لله.

لا نشك بذلك مادامت الديموقراطية حديث التلفزيون ومادة الصحافة والفضائيات العراقية وجميع قنوات اعلام الدولة. كما انه صار ديباجة برامج الاحزاب السياسية بما فيها الدينية والصحوات والميلشيات وكل مكونات الشعب الاخرى.

لكن السؤال المهم هو: هل يعرف ابناء العراق واعضاء المكونات السياسية المعنى الحقيقي للديمقراطية؟ وهل برئت ذمم التشكيلات القائمة واجنحتها بعد صدام ورجال السياسة باستيفاء مصطلح الديموقراطية وانزاله لافهام الناخب الذي جاء بهم عبر اصبعه البنفسجي الى ما هم عليه الان؟ وهل ان الديموقراطية تتقوم بوجود ومشاركة من لا يؤمن اصلا بالديموقراطية كالبعثيين ووضعهم على قمة هرم الحكومة؟ وهل ان الديموقراطية كانت السبب في تعطيل حركة هيئة اجتثاث البعث من العراق؟

هنا مورد شكنا الاكيد. وهو مورد لا اظن بوجود من سيخالفني عليه.! لذا سأتناول الديموقراطية كمصطلح ومفهوم اريد له ان يغطي مساحة العراق الكلية مجاراة لما موجود من انماط الحكم الديموقراطي الذي يحكم ثلث دول العالم المتقدم. وهنا لا اتنكر لديموقراطية الحكم العراقي الحالي بنسبية مقبولة نوعما مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف العصيبة التي تمخضت عنها هذه التجربة والمطبات التي سبقتها مع كوارث عصفت بالعراق جراء تهور نظام صدام وحماقاته في حرق العراق ارضا وشعبا مدعومة بتوجه الطوق العراقي المقيت، مما ادى الى يباب الفكر والتنوير والثقافة العامة في العراق. كما اني لا اتردد في اتهام كل الطوق العراقي وتسببه في اذى العراق حتى اليوم. وكذا كل انظمة الحكم القائمة في بلاد العرب - باستثناء تجربة لبنان. فالانظمة العربية قد خذلتها تجربة العراق المعاصر واقلقها هاجس انتقال عدوى الديموقراطية عن طريق الحث او الحمل الى شعوبها المتطلعة نحو الانعتاق من تلك النظم المتخشبة.

وبالعودة الى منظومة الحكم العراقي الديموقراطي ومسؤولية التثقيف الواعي لهذا الاصطلاح السياسي، وهل انه يعني حرية المواطن في التعبير اللفظي؟ حري ان نوجز تعريفا عن المصطلح واستحقاقاته:

الديموقراطية: مصطلح يوناني يعود لزمن افلاطون، ورأي كشف انها اغريقية تعود للقرن السادس قبل ميلاد السيد المسيح وقد طبقت كواقع مورس انذاك في بعض الحواضر. والكلمة تتألف من (ديموس) اي الشعب، و(كراتوس) الحكم والسيادة فهي تعني حكم الشعب. وفي الاصل فان الديموقراطية يمثلها النظام السياسي والاجتماعي الذي يوفر لابناء الشعب الحرية التامة لحكمهم ومشاركتهم الواقعية بالتشريعات التي تنظم حياتهم وتتكفل حقوقهم التامة عن طريق الترشيح او ترشيح من يمثلهم (افراد، جماعات ومنها الاحزاب) لحكومة الشعب.

من هنا فان الديكتاتورية تعاكس الديموقراطية، وهي ما تمثلت في حكم صدام ومؤسساته وكذا في أكثر من ثلثي حكومات عالم اليوم. والديكتاتورية يونانية كذلك وهي نظام حكم عتيد رافق تأريخ الانسان منذ القدم. وابرز تجليات الديكتاتور ان تكون السلطة والحكم برمته بيده حسبما تشتهي ارادته دون ادنى مؤثر وارادة للشعب فيها، تتبعها بطبيعة الحال سطوة تصطلي الناهض من الشعب. وبذا تنتهك مقدرات المواطن وحقوقه.

كما ان الديموقراطية الحقيقية تتقاطع مع نظم منها:

الأوتوقراطية: وتعني استفراد شخص بالحكم او حزب معين او مجموعة منتظمة تنفلت من اي قانون او حاكمية، بل ان القانون صناعة لرغبتهم. ويمثل حكم الأوتوقراط الفاشية المعتمدة على ولاء الجمهور، بمعنى ان الناس تتآلف هذا القبول وان استعبدهم بصورة واخرى. وفرق الاوتقراطي عن الدكتاتور ان الاخير يخضع الجمهور لسلطته بالقوة والبطش.

كما ان (الأرستقراطية) تتقاطع مع الديموقراطية بالمرة، وهي تعني تندر طبقة اجتماعية معينة تثقف على انها (الخواص) وتتمكن من حكم الشعب لحظوتها عنده، وهي طبقة افراد استورثوا مواقعهم عن طريق الوراثة، واول ما تمثلت به الارستقراطية عند طبقة الأشراف في القرون الوسطى، وتقلص نفوذهم في الحكومات الحديثة. مع انها لازالت تحتفظ بميزات المنفعة الخاصة في بعض الدول.

التعددية: فكرة للمذهب الليبرالي الناظر للحكم كمنظومة ونسق كتل متعددة سياسية وغير سياسية تتأمل المصالح المشروعة. ويرون ان التعدد هذا يمنع حدوث الديكتاتور او الاستئثار والتفرد بالحكم. والتعددية بهذا العنوان ربما تخضع لاصطلاح الديموقراطية من زاوية الحكم فقط.

الثيوقراطية: حكم قوامه الافكار الدينية، وقد اطلق على حكومات اوروبا في العصور الوسطى قامت بموجب الحق الإلهي الممنوح لطبقة معينة من الدينيين منها الاتجاه الكنسي المتعصب والاتجاه اليهودي المتطرف وقد استفالا بواسطة كبت الحرية الفردية على صعيد الفكر والاعتقاد والسياسة. وهنا تتوضح مشاكسة الثيوقراط للديموقراطية.

هناك مجموعة كبيرة من المصطلحات السياسية التي تخدم مفهوم الديموقراطية وتتخادم مع بعضها في خندق الضد مع الديموقراطية ربما نتناولها مستقبلا.

ملبورن- 9-5-2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1399 الاثنين 10/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم