أقلام حرة

النقد، الإنتقاد وردة فعل اللا وعي.!

 وتكريم مقدم على طبق من فضة من الناقد للجهة المنتقـَدة: "رحم الله من أهدى إليّ عيوبي".

 فالنقد هو اشعار لمخاطب وإهداء العيب لصاحبه بموازين الاخلاق والشرع المستبعدة عن الازمة النفسية وخوالج التفكير السقيم. والنقد بناء وتقويم للفرد والجماعة يدفع عجلة التقدم باستمرار. ومن هنا فان موضوعنا لا يمت بصلة الى طبقة التحجر والانزواء وفقراء المعرفة الذين لا يفرقون بين النقد والانتقاد، وبين الترشيد والتسقيط.

 المهووس بصنمه لا يفقه سوى طاعة عمياء تخزيه ان أبدى رأياَ. فتراه خشبة مسنّدة تصفهر جبهته وتزبد براطمه أزيزاً اجوفاً حين يواجه فكرة منتقدة، حتى لو كانت الفكرة عبارة عن نص قرآني يدعو الى تصحيح المسار.! وأمرّ منه مع تيبس الفهم وشح الفكر حد اليباب، عدم معرفة المهووس بما يصلح حاله وحال توجهاته. فان صرخ مبجله بـ "كلا" تعلوا صراخات اللاوعي بكلا. وان عدل عن رأيه ولو بعد يوم بـ "نعم" يهتف اللاشعور بنعم وبالروح بالدم...

 إلا القلم الاصيل فانه يحرص على عهده مع شرف الكلمة ولذا احسن الشاعر حينما قال:

وما من كاتب ٍ إلا  سيفنى         ويُبق الدهرُ ما كتبت يداه

فلا تكتبْ بكفك غير  شيئ ٍ       يسرّك في القيامة أن تراه

 النقد غير التسقيط كما تفيد شروح معاجم اللغة العربية:

 المحيط: النقد (نَقدَ يَنقدُ نَقداً) نقد الشيء: ليختبره أو ليميِّزَ جيِّده من رديئه/.. نقدَ الكتابَ: أظهر ما فيه من جودة أو عيب. الانتقَاد: تبيان العيوب. هو ماهر في انتقاد اللوحات الفنيَّة.. أي يظهر عيوبها.

 الوسيط: نَقدُ الشعر: إِظهَار جَيدِه من رَديئه، وتبَْيانُ قِيمته الشعْريّة. الإنتقاد: إِظهار العُيوب.

 لسان العرب: نقَد الدراهم وغيرها ميَّزها ونظرها ليعرف جيّدها من رديئها. انتقاد الكلام إظهار ما به من العيب.

 

 

 النقد بهذا المعنى كفلتر ترشيح او عملية غربلة الرديء عن الجيد. وهو عامل بناء أكيد. الا ان الانتقاد فيما لو خرج عن الموضوعية بمثابة معول الهدم بانطوائه على ارادة التجريح وتسقيط الآخر والتركيز على عيوبه وفضحها. ولابد للناقد الاخلاص في نظرة متكافئة تعتمد الاتزان في المعالجة بعيدا عن الاصطفاف مع الرغبة والمنفعة. ويترفع عن منادمة المتسكع والهراء خاصة في شتائنا القارس حيث المتكأ وفنجان القهوة.

 النقد الهادف يرشّد فكرة الآخر ويهتم بتخطيطه ومديات تحركه. فتبرز الدوافع والخلفيات المحركة للفكرة والاداء وليس اخيرها النتائج المتوقعة منها. كل هذا كي يكون النقد قوة تعجيل وضخ لتقدم المجموع او الامة او البلد او حتى الفرد الواحد المعني بالنقد وحزبه.

 اسلوب النقد يرتكز على عوامل الشجاعة في الطرح دون تعريض وميل بسبب من الحقد والكراهية للجوانب الشخصية الصرفة لدى المنتقـَد. وللاسف هذا ما نراه في الكثير من الكتابات الناقدة. واكثر منها يستبطن التشهير والتسقيط لا النقد الذي نحن في صدده.

 نحن ننتقد البعثيين وعقيدة التكفير انتقادا لاذعا ومريرا دون الغفلة عن الدليل. ولازلنا ننتقد البعثيين وادواتهم كحثالات جلوازية للاجرام. ولم ننتقد لهم فكرة لافتقارهم لها.

 لم نهتك سرا اذا ما قلنا ان الخواء الفكري وعقيدة التكفير سببا شقاء العراق منذ العام 1963 والى يومنا الحاضر. لذا اوبخهم في مناسبة وبدونها وادعو الى استئصال شافتهم ابد الابدين. وانتقد كل من يغتر بهم او تعكزه على تمظهرهم الجديد بلبوس الوطنية.!

 من هنا نعرف الفرق بين توبيخنا ومحاربتنا للاشرار وبين نقدنا لجملة افكار وطنية تحمل اهدافا اسلامية ورسالية كبيرة، لها مجد قديم طأطأ التأريخ رأسه خشوعا لتلك التضحيات الجسام. ونحن ههنا لا ننتقد بغرض التشهير، انما هي آهات تملأ اجوافنا وتهز وجداننا لماض طاهر أقل ما يوصف انه درب ملائكي صبغته دماء الشهداء والمضحين من اجل راحة العراق والعباد من شرور البعث الارهابي الفاسد. وكم تمنينا ان تتفتح جمجمة المتخشب ليفهم انه لو  قد عاش نزرا من تلكم الاهات والآلام لسعى يتعلم ابجديات النقد وقيمته في انعتاق العراق وتقدمه. ولكن كما يزفر الشاعر فيقول:

 وا حرّ قلباه ممن قلبه شبمُ          ومن بجسمي وحالي عنده سقمُ

 أولى لنا ثم أولى أن ننتقد انفسنا فردا وجماعة وحزبا ومؤسسة كي نعرف الى أين نسير، وأية سبيل نسلك؟ وإلا فالقبور أولى بدفننا في اللحود بعد هذا التأريخ.

 

الكاظمي/14-5-2010 استراليا

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1403 الجمعة 14/05/2010)

 

في المثقف اليوم