أقلام حرة

أسلحة الشلل الشامل الأمريكية في العراق والعالم

لكن بعد أن ييأس هذا عن إيجاد العلاقة يفاجئه صاحب الحزورة بشرح هذه العلاقة الموجودة بالفعل، على الأقل من وجهة نظر معينة، حتى إن كانت كوميدية.

لو نظرنا إلى "ماهية" كل من طارق الهاشمي وبريطانيا، لفكرنا أن من المستحيل أن يوجد شيء من الشبه بينهما، لكن التقدم العلمي الحالي مدين إلى تحول تدريجي استمر قروناً من السنين نقل تركيز البحث العلمي من "ماهية" الشيء إلى "تأثيره"، فأطلقت قوانين الفيزياء والحركة في عصر النهضة، ولو أننا نظرنا إلى الحزورة من وجهة نظر تأثير كل من طارق الهاشمي وبريطانيا بالنسبة لأميركا، لوجدنا الحل فوراً: فكل منهما عبارة عن أداة "فيتو" امريكية تعمل في محيطها، على إصابة منظومات ما بالشلل، منظومات تريدها الولايات المتحدة ان تكون مشلولة، لأن ذلك يسهم بطريقة ما في تنفيذ خططها في محيط تلك الأداة.

 

الولايات  المتحدة لا تريد قيام أي جهة يمكن أن يكون لها من القوة ما يهدد طموحها في البقاء القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولا أن يقترب من ذلك التهديد، وهي تراقب بدقة من اجل ذلك كل تطور في الصين وروسيا، ولكن بشكل خاص: الإتحاد الأوروبي. فبالرغم من استفادتها الكبيرة واستغلالها لهذا الإتحاد كقوة أساسية ساعدتها على الإنتصار في الحرب الباردة، وللإستغلال الإقتصادي والسياسي بعد ذلك، وبالرغم من كل الإعلام الذي يركز على "الصداقة" بين أميركا والإتحاد الأوروبي، ونفس الشيء بين إسرائيل والإتحاد الأوروبي، إلا أن كل من أميركا وإسرائيل يجدان مصلحتهما في إتحاد أوروبي مشلول، يخدم كسوق للبضاعة الأمريكية والإسرائيلية ولإبتزاز كل منهما سياسياً، وملزم بتأييد طموحاتهما العسكرية غير الشرعية رغم تلطيخه لسمعته دون مقابل.

 

من أجل أن يبقى الإتحاد الأوروبي بهذا الشكل فقد دفعت أميركا إلى هذا الإتحاد بدولة "مخلصة" لها إخلاص الكلب لصاحبه، دولة كانت يوماً "عظمى" ولها وزنها الإقتصادي والسياسي والعسكري، لكنها وجدت نفسها تنهار في كل هذه النواحي وتضطر لقبول هذا الدور "المخل بالشرف" ربما لكي تعيش، وربما لأن حكامها ومؤسساتها تم ابتزازهم أو رشوتهم.

هذا الدور واضح جداً بالنسبة للأوروبيين، فبريطانيا تقف بوجه كل مشروع أوروبي ذو قيمة في زيادة توحيد القارة ووحدة قرارها وسوقها. فهي من الدول التي عارضت العملة الأوروبية الموحدة، ولم تنظم إلى منطقة اليورو. وبريطانيا هي أقوى من يقف بوجه الطموح لتكوين جيش أوروبي، وتضع العراقيل بوجهه، وغالباً ما تدعم شراء السلاح من الولايات المتحدة بدلاً من مصانع السلاح الأوروبية، مثلا، كلما تنافس حول ذلك شركات السلاح الأمريكية والفرنسية.

 

لم تكن بريطانيا من المؤسسين للمجموعة الإقتصادية الأوروبية ولم تنتم لها بسرعة رغم المصالح الإقتصادية للبلاد، ولكنها تقدمت نحو مفاوضات المشاركة عام 1961، لكن الرئيس الفرنسي ديغول خشي على أوروبا منها، وقال أن بريطانيا تعمل بالتعاون مع أميركا على تدمير أوروبا، ورفض طلب أنضمامها لذلك مرتين في عام 62 و 67 ، لكنها عادت فتقدمت بعد استقالة ديغول، فقبلت في عام 73. ومن الملاحظ أن الشعب البريطاني يقف بقوة مع الوحدة الأوروبية، فقد صوت بأغلبية زادت على الثلثين لصالحها عام 75، إلا أنه على ما يبدو ليس له سلطة على الحكومات التي ينتخبها، والمحصورة في حزبين يتسابقان في التبعية للولايات المتحدة. 

لقد نجحت أوروبا بعد لأي وعسر، وبعد ابتزاز جيكي مخجل بتوقيع معاهدة لشبونة. وساند الموقف الجيكي تعاون بريطاني علني غريب حيث كان المحافظون يطلبون من الرئيس الجيكي أن "يصمد" للضغوط حتى الإنتخابات البريطانية لتتولى حكومتهم مهمة عرقلة معاهدة لشبونة! وهي المعاهدة التي ستعطي لأوروبا شكلاً موحداً نسبياً خاصة في العلاقات الخارجية، إضافة إلى استحداث منصب "رئيس أوروبا" وهو انتصار كبير. لكن هذا الإنتصار لم يتم بدون إرضاء "حصان أوروبا"، فلم توافق عليه بريطانيا، إلا بعد تسليمها منصب العلاقات الخارجية من خلال البارونة أشتون، والتي ستكون بمثابة "وزيرة للخارجية" الأوروبية، ولدى مكتبها الضخم جداً صلاحيات تفوق بشكل كبير صلاحيات رئيس اوروبا البلجيكي. وبالفعل فقد ملأت أشتون مكتبها بالبريطانيين دون غيرهم بشكل أثار أحتجاج فرنسا والمانيا.

ومن جهة أخرى شكل النواب البريطانيون والجيك والبولونيون مجموعة برلمانية تسمى "المشككين" في اوروبا وتهدف إلى منع توحد أوروبا "أكثر من اللازم"، وهذه تعمل داخل البرلمان الأوروبي!!.(1)  كذلك تم تكوين مجموعات "مكاتب التفكير الستراتيجية" لتوجيه الصحافة بشكل يسيء للإتحاد الأوروبي بأكبر قدر ممكن، وتنشر هذه المجموعات تقاريرها لتتناقل الصحف عنها تلك الآراء المنتقاة بشكل مقصود التحيز للإساءة إلى الإتحاد أمام الشعوب الأوروبية وبشكل خاص الشعب البريطاني.(2)

 

وبالطبع لا يقتصر هذا الدور على بريطانيا، فالإتحاد الأوروبي الهش يعتمد على مبدأ الفيتو "التوافقي" لذا يمكن لأتفه دولة فيه أن تعرقل أعماله. ومن الدول التي لعبت وتلعب دوراً في عرقلة الإتحاد حالياً، هولندا وجيكيا وبولونيا ونلاحظ أن هذا الدور يقتصر على أقرب الدول إلى السياسة الأمريكية وأكثرها تعبية لها.

 

لقد كانت هولندا في الماضي من الدول "الوحدوية" بشكل عام، لكن الأمر كان يعتمد على الحكومة المنتخبة. في فلم وثائقي عن تأثير إسرائيل على السياسة الهولندية، قال مؤسس حزب الـ "دي 66" (توفي قبل بضعة أسابيع) هانز فان ميرلو بغضب أنه حين كان يسأل بعض السياسيين الهولنديين لماذا لا يعملون من أجل توحيد القرار الأوروبي وإلغاء حق الفيتو الباعث للشلل، فإنهم يجيبونه : "يجب أن نبقى قادرين على استعمال الفيتو، لو أرادت أغلبية أوروبية إصدار قرار يضر بإسرائيل"!

وليست هذه "الأعجوبة" بغريبة في السياسة الهولندية المخترقة حتى العظم من قبل إسرائيل، حتى أن وزير الدفاع الهولندي قدم جسراً جوياً لدعم إسرائيل في حرب 73 وبدون علم رئيس الحكومة الهولندي، الذي شرح في وثائقي آخر الإحراج الذي وجد نفسه فيه أثناء لقاء له مع غولدا مائير فيما بعد، ولم يكن يعلم بقصة ذلك الدعم!

 

دول أوروبا الشرقية التي انظمت للإتحاد الأوروبي، تعمل بشكل عام لتفتيت هذا الإتحاد لصالح الأمريكان وإسرائيل، وتأخذ هذه الحقيقة شكلاً مفضوحاً وفضائحياً بالنسبة إلى "جيكيا". لقد كان من أسباب اختيار إسرائيل لموعدها لتنفيذ جريمتها في غزة أن جيكيا كانت على وشك استلام الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي، وكانت تعتمد عليها إن لم يكن في الحصول على تأييد الإتحاد لتلك المذبحة، فعلى الأقل لتحييده قدر الإمكان. وبالفعل كانت مواقف الرئاسة الجيكية محرجة للإتحاد في موضوع غزة، واضطرت جيكيا أحياناً إلى الإعتذار لزملائها لتجاوزها صلاحيات الرئيس في دفاعها عن مصالح إسرائيل، ليس فقط بالتضحية بمصالح أوروبا، بل بمصالح جيكيا أيضاً. جيكيا مثل بريطانيا، عبارة عن حصان من حصن طروادة العديدة في الإتحاد الأوروبي، مهمتها شل هذا الإتحاد بأي ثمن، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة تلك الدول.

جدير بالملاحظة هنا أن جيكيا بدأت مؤخراً بتكوين علاقات إقتصادية وسياسية غير إعتيادية مع العراق، وأنا هنا أنبه: جيكيا ليست سوى إمتداد لإسرائيل، وهي مستعدة لأن تضع نفسها في أحرج المواقف لخدمة إسرائيل. أن في جيكيا حكومة "بايعين ومخلصين" يقوم فيها رئيس وزرائهم بضرب وزير الصحة في مؤتمر أمام الناس، (3) ومثل هذه الحكومات خطيرة للغاية، مثل بعض سياسيينا الذين ليس لديهم "خطوط حمر". ليس هناك ما يستحون منه.. كالعا...

 

ومثل الدور الذي خصص لبريطانيا وجيكيا وغيرها، من أجل شل أوروبا، فقد تم تخصيص بعض السياسيين العراقيين لشل الحكومة العراقية، ما لم تكن تلك الحكومة هي الحكومة التي تريدها أميركا للعراق: علاوي! والأمثلة التي قام فيها السيد طارق الهاشمي بعرقلة قرارات البرلمان استناداً إلى قانون مضحك مبكي لمجلس الرئاسة، قانون يكون لكل من أعضاء المجلس صلاحية أكبر من العضوين الآخرين إن كان قراره يتجه إلى عرقلة قرار البرلمان (!)، من أجل شل الحكومة، وإبقاءها تحت الحاجة إلى تدخل الإحتلال لتمرير أي قرار.

 

كان الهاشمي يستفيد من دوره غير المشرف بطريقتين غير مشرفتين ايضاً: الأولى هي رضا الإحتلال عنه، وهو ما تبين فيما بعد قبيل الإنتخابات حيث عاد من الولايات المتحدة وهو يثرثر عن ضرورة تمديد بقاء القوات إلى ما بعد فترة المعاهدة، وبطريقة هستيرية وبدون أية مناسبة، فلم يكن الموضوع مطروحاً للبحث أصلاً، كما أن المنطق يقول بضرورة أن ينتظر الأمريكان نتيجة الإنتخابات قبل أن يتحدثوا مع "مسؤول" عراقي في هذا الموضوع.

 

والطريقة الثانية غير المشرفة هي أن الهاشمي الذي شارك في الحكومة في أعلى المناصب، كان يخطط كما حدث بالفعل، ليخوض الإنتخابات كمعارض. لذلك فإن أي فشل لتلك الحكومة التي كان في قيادتها، سيعمل من لصالحه. وبالفعل فقد نتج عن هذا الشلل والفشل أن انتخب الناس بشكل كبير نسبياً (إضافة إلى تزوير لم يبق أي شك بحدوثه بشكل واسع) شخص مشبوه السمعة، ماضياً وحاضراً، هو قائد القائمة التي انضم إليها الهاشمي، القائمة العراقية، بقيادة اياد علاوي. وهي بالمناسبة طريقة أمريكية متبعة كثيراً في العالم أيضاً، فكثيراً ما تدفع الجماهير نتيجة إفشال الحكومات غير المرغوب بها، إلى البحث عن "تغيير"، أي تغيير ومن قبل أي كان. بهذه الطريقة وحدها يتم انتخاب الجهات المفضلة لأمريكا، في أي مكان في العالم، وهي جهات مكروهة ومشبوهة لكن الناس لا تجد عادة بديلاً سوى ما تقدمه له السلطة الأمريكية في البلدان التي لديها سلطة كبيرة في تحديد الخيارات فيها.

لقد تناقشت كثيراً مع مؤيدي أياد علاوي، لكني لم اجد شخصاً واحداً من هؤلاء أمتدحه كسياسي وشخص، أو أدعى أنه أمين وموثوق به ولو بالحد الأدنى، لكن السبب كان دائماً، أنه البديل الوحيد الموجود الذي يؤمل منه حدوث تغيير.  لقد تم خنق البلاد إقتصادياً وأمنياً وتم شل البنية التحتية للكهرباء والماء واستشرى الفساد وكان الإحتلال يهرب المفسدين الكبارعندما يتم إلقاء القبض عليهم كما حدث لوزير دفاع الحكومة الأولى التي نصبها الإحتلال بقيادة أياد علاوي قبل بدء مرحلة الإنتخابات. كذلك لعب الإحتلال دوراً في تثبيت ديون العراق في عهد صدام في الوقت الذي كان يأخذ دور الداعي لإلغائها، إضافة إلى ما يشبه الحرص على أن تكون جميع المشاريع الأمريكية فاشلة، وربط الإقتصاد بشكل مفتعل بشروط البنك الدولي، كما كان الإحتلال يقصف المؤسسات الإقتصادية ويخربها من خلال الإرهاب أو بشكل مباشر كما حدث مع مصفى الرميلة، وكما أشار إلى ذلك وزير النفط حسين الشهرستاني غامزاً.

 

أما من الجانب الأمني فقد تم شل البلاد بطرق متعددة. نذكر منها الإصرار على إعادة رجال الأمن البعثيين الذين لا يتمتعون بثقة الحكومات التالية لحكومة علاوي التي وضعتهم، كما تم الضغط على الحكومات التالية لتستمر في هذا الإجراء. وكان علاوي أيضاً قد احبط محاولة لألمانيا وفرنسا لإعطاء العراق صلاحيات عسكرية وأمنية كبيرة، فقام بإعلام مجلس الأمن برفقة كولن باول، بأن لا يتدخل وأن يترك حكومة علاوي والأمريكان تتفقان على الأمر، وكان كذلك. لذلك فعندما جاء المالكي إلى الحكم، قال أنه لا يمتلك صلاحية لتحريك سرية. لكن بالطبع سمح له بتحريك سرايا حين كان ما يهدف إليه يناسب الأمريكان، في صولة الفرسان.

 

هكذا، عندما لا يتمكن الأمريكان من فرض حكومتهم، فإنهم يؤجلون الأمر ويسمحون للعراقيين باختيار حكومة يكون فيها عدد كاف من أمثال طارق الهاشمي، وعدد كاف من القوانين الملغومة مثل قانون الرئاسة العجيب، وهذه وتلك تتعاون بتنسيق ممتاز لزرع الشلل في الحكومة وإقناع الناس بأن خيارهم لم يكن مناسباً، وأن هناك ضرورة للتغيير، والتغيير الوحيد الممكن، هو ما تقدمه أميركا: أياد علاوي!

 

طبعاً لم يكن طارق الهاشمي وحده في هذه المهمة اللزجة، فعمل عادل عبد المهدي بهمة هو الآخر في نفس الإتجاه، بينما ترك للرئيس الطالباني مهمة عرقلة قرارات الحكومة في تنفيذ أحكام القضاء بمجرمي النظام السابق. "حرامي الزوية"، كما أطلق الناس على عادل، برهن على أن اعتراضاته وسحب تلك الإعتراضات يتم بقيادة أمريكية مباشرة، وتم كشف هذه الحقيقة حين أخطأ الرجل وأخبر زميله محمود عثمان بما كان يجب أن يحتفظ به سراً، ومحمود كثير الكلام، لحسن الحظ. (4)

 

اليوم، والعراق يستعد لولادة حكومته الجديدة، فإن الإحتلال يطمح بالطبع إلى أن يرى نتيجة جهوده المثابره لإقناع العراقيين بضرورة التغيير، وأن الطريق الوحيد المفتوح للتغيير والخروج من الإختناق الرهيب هو: اياد علاوي! لقد فشلت الخطة في إيصال علاوي إلى الحكم عن طريق الإنتخاب الطبيعي، ولم تكف الملايين السعودية لحرف الأصوات بما يكفي، فاضطر الأمريكان لقيادة حملة تزييف كبيرة وواضحة شارك فيها مبعوث الأمم المتحدة والجهات العراقية التي تم الضغط عليها أو رشوتها لتتصرف بأشكال غريبة غير طبيعية، فتلك هيئة قضائية ترفض إصدرا قرار قبل الإنتخابات، ومفوضية ترفض إعادة العد بإصرار، ثم حين تحكم المحكمة بإعادة العد، فإنها تفعل ذلك بصيغة صممت خصيصاً لكي لا تكشف التزوير الذي تم تقديم الشكوى حوله. رغم ذلك فليس من العدل القول بأن الخطة الأمريكية لرفع علاوي كمخلص وحيد ممكن، قد فشلت. فعلاوي له سمعة سيئة للغاية، كما انه لا يتمتع بأي ذكاء يستحق الذكر يساعده على إخفاء طموحاته حتى يحين موعدها، ولم يكن له من السيطرة على نفسه لكي يتحمل البقاء في العراق وحضور جلسات البرلمان، وكان تجواله غير المنقطع في دول الجوار تسليته المفضلة التي لا يستطيع التخلي عنها ولو مؤقتاً. كل هذا جعل مهمة الإحتلال في الترويج له أكثر صعوبة، ولذا ليس لنا سوى أن ننظر باعجاب إلى فعالية تلك الجهود الكبيرة في كفاءتها، إن اهملنا أنحطاط أخلاقيتها.

 

الجهود لم تتوقف والصراع على أشده هذه اللحظة وليس لنا أن نعرف ما يجري وراء الكواليس، إلا ما يتسرب من مؤشرات على رشاوي وابتزازات محتملة حين ترى مواقف متطرفة لبعض القياديين أو مخالفة لمواقفهم العامة، أو مفاجئة في تأييد الحكومة المنتخبة أمريكياً بشكل مباشر أو غير مباشر. لا نستطيع أن نرى لأن السياسة العراقية معتادة على الظلام والتخفي والمجاملات المقززة بين السياسيين في تظاهرهم الكاذب بالمودة والأخلاق العالية فيما بينهم وعدم استبعاد أي منهم للآخر، مهما تكون خطورة ما قد اتهمه به قبل أسابيع.

لقد مرت قبل فترة وجيزة الإنتخابات البريطانية، ومثل غيرها من عمليات تشكيل الحكومات الأوروبية، فإن الأحزاب التي لا تجد شريكاً مناسباً تنسحب إلى المعارضة. أما في العراق، فكل منهم يعبر عن استعداده للتحالف مع الشيطان من أجل أن يكون في الحكومة، إن ربطنا استعدادهم الحالي للتعاون مع ما سبق أن وصفوا به خصومهم قبل الإنتخابات وأثنائها، وما تبادلوه من اتهامات.

 

وآخر ما تبادله الخصوم السياسيون من تصريحات مضحكة، أن كل منهم ليس لديه "مشكلة شخصية" مع خصمه، لكنه يعترض على "برنامجه" ولا أحد يدري ماهو برنامجه، ولا ماهو الجزء المعترض عليه من برنامجه. كذلك لا نفهم كيف سيتفق سياسي مع آخر يقف برنامجه مناقضاً لبرنامج الأول! أي منهما تنازل عن برنامجه؟ وما هو التنازل؟ لم نسمع شيئاً ولن نسمع شيئاً، لأنه ببساطة لا يوجد شيء لنسمعه، وليس هناك اي اختلاف في أي برنامج إن وجد البرنامج، بل هناك عدم ثقة شديد، ليس لأي من الساسة العراقيين الشجاعة والصدق ليقوله بشكل صريح، رغم ان ذلك ليس عيباً، ولا يستدعي الكذب.

 

لا ندري كيف ستنتهي هذه المناورات والضغوط والإبتزازات، لكن من الضروري للحكومة القادمة أن تحمي نفسها من محاولات إصابتها بالشلل من قبل من يدخل الحكومة من أجل هذه المهمة، تحضيراً للإنتخابات القادمة، أو لإنقلاب عسكري محتمل. ليس هناك طريقة ممتازة لذلك لكني أقترح ما يلي:

أولاً : أن يكون الأمن والجيش في أيد تثق جهة الأغلبية في الحكومة بها تماماً، وعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية في هذا الأمر بأي شكل.

ثانياً: أن تكون الحكومة أكثر جرأة في الأخذ بنظر الإعتبار أن يكون الإحتلال وراء عمليات الإرهاب، والتعامل مع هذا الإحتمال (ألذي أجده وارداً جداً) بلا خجل أو تردد.

وثالثاً وأخيراً، أن يقسم كل أعضاء الحكومة بشرفه على التعاون، وأن يتعهد بعدم استخدام نواقص الحكومة ضدها، بل أن يعمل ما يستطيع لتحسين أدائها، فإن لم يتمكن، فله أن يخرج منها بأسرع وقت ممكن لينضم إلى المعارضة موضحاً نقاط اعتراضه، وأن تعتبر كل الفترة التي قضاها السياسي كجزء من الحكومة على أنها فترة كان راض عن مسيرتها بشكل أو بآخر، ولذا فعليه أن يتعهد بأن لا يستخدم أخطاء الحكومة في الفترة التي كان فيها مشاركاً، لأغراض أنتخابية.

 

أن من يرفض هذه الشروط يفضح نفسه بشكل كبير ويسهل على الطرف الثاني خيار قبول التحدي وتشكيل حكومة أغلبية، وهي الحكومة الوحيدة السليمة في كل الأحوال.

 

أرجو أن يكون قد أصبح واضحاً أن الشبه بين طارق الهاشمي وبريطانيا، وأنه ليس كوميدياً على الإطلاق، وهو أن كل منهما "فيتو" ضمن منظومة كبيرة من "أسلحة الشلل" في العالم، تساعد على إجبار هذا العالم على أن يسير في الطريق الذي تمده أميركا أمامه، والذي قد لا يرغب به لو ترك الخيار الحر له.

 

............................

(1) http://www.euractiv.com/en/

eu-elections/new-pan-european-eurosceptic-alliance-takes-shape/article-182769

(2) http://www.economist.com/

blogs/charlemagne/2010/03/spoon_feeding_lazy_journalists

(3) http://www.youtube.com/watch?v=zXynRvE3j9Q

(4) http://www.yanabeealiraq.com/

politic_folder/saieb-kalil200308.htm

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1415 الاربعاء 26/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم