أقلام حرة

محاولة إنقلاب سعودية على قطر تثير التساؤل: ماذا عن العراق؟

"وكان المدعي العام القطري قد أعلن في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1997 عن إحالة المتهمين في هذه المحاولة، وعددهم حوالي 119 متهماً، إلى المحكمة الجنائية الكبرى (...) وكان النطق بالحكم من قبل محكمة أول درجة في التاسع والعشرين من فبراير عام 2000 حيث تمت تبرئة أكثر من ثلثي المتهمين وإصدار أحكام مؤبدة ضد الباقين (والحكم بإعدام 19، حسب مصادر أخرى... (الكاتب)، كما جرت تبرئة المتهمين من تهمتي التخابر والتجسس وحمل السلاح ضد قطر اللتين تصل عقوبتهما إلى الإعدام، واقتصار التهمة على محاولة عزل الأمير، الأمر الذي دفع الادعاء إلى تقديم استئنافاته المضادة.

وقد شعرت السعودية بحرج شديد عندما فشلت تلك المحاولة للانقلاب, مما جعلها تخوض حربا إعلامية شرسة مع الدوحة, لكنها خسرت المواجهة واضطرت لأن ترضخ للمطالب القطرية, وقد تحسنت العلاقات السعودية القطرية بعد تلك المُصالحة, مما دفع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لمُناشد(ة) أمير قطر لإطلاق سراح ضباط الأمن والاستخبارات السعوديين الذين كانوا يديرون المحاولة من داخل قطر. ويبدو أن أمير قطر وافق على إطلاق سراحهم بعد أن حصل على ضمانات من الملك السعودي, بعدم تدخل إخوانه غير الأشقاء في شؤون قطر الداخلية.

ما جعل الملك عبد الله بن عبد العزيز يُرسل ولده متعب لمُخاطبة أمير دولة قطر وليس نايف أو أحد أشقائه الآخرين من المُتآمرين في تلك المُحاولة حتى لا تتعرقل المساعي لإطلاق سراح الضباط السعوديين." (نهاية الخبر – ملاحظة: نشر الخبر في العديد من وسائل الإعلام، حاول بعضها تجنب الإشارة إلى موضوع المؤامرة واكتفى بالإشارة إلى سجناء)

 

ورغم أن المؤامرة تمت قبل فترة، إلا أن ليس هناك ما يطمئن بأن الحكومة السعودية بريئة منها أو أنها غيرت نهجها هذا. ومما يعطي مؤشراً قوياً على ذلك، وعلى ضلوع الحكومة السعودية بشكل مباشر في المؤامرة، هو أن الملك بنفسه ترجى أمير قطر للعفو عن المتآمرين (2) (بحجة كونهم مواطنين سعوديين)، ولكن الأكثر من ذلك دلالةً، هو استقبال الملك للمتآمرين المطلق سراحهم، وتبادل كلمات الشكر والتقدير بينهما، حصل خلالها "خادم الحرمين" على لقب "ملك الإنسانية"! (3)

 

المقلق في هذا الخبر بالنسبة للعراقيين خاصة، أن "ملك الإنسانية" أستقبل قبيل فترة الإنتخابات والصراع على الحكم الذي تلاها، رئيس قامة "العراقية" أياد علاوي. ولهذا القلق ما يبرره خاصة إن أخذنا ماضي الرجل بنظر الإعتبار، إضافة إلى حاضره المتمثل بدفاعه المستميت عن رجال الأمن البعثيين وضرورة إعادتهم إلى مراكزهم، على ما يعرف من علاقة الثابتة بين البعث والإنقلابات، وإضافة إلى علاقة كل من أياد علاوي والبعث الوطيدة بالإحتلال (الذي دافع عنه باستماتة في أكثر من مناسبة آخرها الإنتخابات) وكذلك علاقتهما بالدول الأقرب إلى الإحتلال من بين العربية.

 

هذه الزيارة لا تجد مبرراً منطقياً مقبولاً لها. ونذكر أنه حين وجه اللوم إلى العراقية على كثرة زياراتها للجوار في فترة الإنتخابات وهي التي طالما انتقدت الآخرين لذلك، قال علاوي أنه كان مهتم "بتحسين علاقات العراق مع دول الجوار" (قبل الإنتخابات مباشرة!؟ ولماذا يختار "خادم الحرمين" شخصاً خارج الحكومة لتحسين علاقته مع العراق ويرفض تحسينها من خلال رئيس الحكومة كل هذه السنين؟ (4) وقدم عضو آخر في العراقية تفسير غريب آخر يقول بأنهم كانوا يذهبون "ليحذروا" دول الجوار من التدخل في شؤون العراق!" ولا يسهل تصديق أن شخصاً في مثل ظروف علاوي يذهب إلى دولة لـ "محذراً" تلك الدولة من التدخل في شؤون بلاده!، دع عنك أن هناك دولة تدعوا شخصاً ليس في برنامجه سوى "تحذيرها من التدخل.."! الأكثر منطقية وسهولة للتصديق هو أنه ذهب يعرض عليها فرصاً للتدخل إن هي ساعدته بطريقة ما، وهذا ينطبق ليس على علاوي وحده، بل على كل عراقي قام بزيارة دولة ما في تلك الفترة، سواء كانت أميركا أم إيران أم السعودية!

 

وإن كانت السعودية لم تجد مشكلة في التآمر على دول عربية شقيقة لها، ليس في العروبة فقط بل في "مجلس التعاون الخليجي" أيضاً، حيث يجتمعون باستمرار ويتحدثون عن الآخوة والمصالح المشتركة المفهومة وحيث يسمونها "الشقيقة الكبرى"، فهو أمر مقلق بالنسبة للعراق حيث لا توجد مثل تلك العواطف والتاريخ، وحيث لديها دوافع أكثر قوة لتحديد الحكومة التي تقود البلاد، كما صرح بذلك سادتها مراراً وعلناً بلا أي حياء. رغم كل هذا نقول أن زيارة سياسي إلى دولة في مثل ذلك التوقيت ليس دليلاً على التآمر. إلا أن عدم إيجاد مبرر مقنع للزيارة بالنسبة لشخص ليس له منصب حكومي، وبالذات في الوقت الذي يفترض أن يخصصه لحملته الإنتخابية داخل بلده، وليس إثارة الشكوك حول نفسه وقائمته بمثل تلك التحركات، هي التي تثير الريبة والقلق. فلا تفسير لذلك سوى أن علاوي كان لديه ما هو اكثر أهمية وخطورة من أصوات الناخبين، خاصة، كما قلنا، بربطها بماضي الرجل وبمطالبته المستمرة بإعادة رجال الأمن البعثيين.

 

وما يضيف للقلق كومة أخرى، أن زيارة أياد علاوي كانت قد شملت اللقاء مع رئيس ''المخابرات السعودي''. المؤامرة على أمير قطر كانت أيضاً تمر من خلال المخابرات والداخلية السعودية وهذا أمر طبيعي جداً. ونذكر لزيادة التأكد هنا أن الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي – الذي اتهمته قطر بقيادة التآمر - كان أيضاً قد استقبل المتآمرين من "آل مرة" بعد إطلاق سراحهم، (5) مما يدلل على علاقته بهم.

 

طبعاً لم يتم الكشف عن ما دار بين الأمير وعلاوي، لكن ما تم افتضاحه حتى الآن أن "ملك الإنسانية" أهدى علاوي مبلغاً بحدود 100 مليون دولار، وقد كشف الرشوة أحد أعضاء العراقية السابقين والذي خرج منها على الفور حرصاً على سمعته، وأعلن الخبر.

كتب الزميل صالح الطائي (6): "حقيقة هذا الدعم  يؤكدها الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن النائب عن محافظة صلاح الدين ورئيس تيار الشعب السيد علي الصجري المنسحب من قائمة الحركة الوطنية العراقية التي تشكلت من القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي  وجبهة الحوار الوطني برئاسة صالح المطلك عن دعم مالي كبير قدم لزعماء هذه من دولة خليجية وجاء فيه (وحول ما أشار إليه من استلام أياد علاوي وصالح المطك مبالغ مالية تقدر بـ100 مليون دولار من دولة خليجية أوضح الصجري: " أنا على استعداد أن اثبت ما ذكرته وأؤكد ذلك لأني علمت من احد الأخوة في مجلس النواب انه كان حاضرا في إحدى الاجتماعات التي تم الاتفاق فيها على إعطاء أياد علاوي والقيادات في قائمته مبلغ 100 مليون دولار لدعمهم في الانتخابات".

وأشار صالح الطائي بذكاء إلى أن "المطلك من جانبه لم يتهم الصجري بالعمالة للأجنبي أو بخيانة الوطن لأنه مثلا قبض مبالغ من دول الجوار وإنما فقط بسبب انسحابه من قائمته ولذا قال: "الصجري خائن للأمة والوطن ولا مكان للخونة في تيارنا الوطني الجديد، كون الصجري صعد إلى البرلمان من خلال جبهة الحوار الوطني وانقلب عليها فهو خائن لا وجود له معنا".

لو كانت العراقية بريئة من التهمة الخطيرة، لكانت لاحقت الصجري الذي تحداها، في المحاكم!

 

هذه هي السعودية وتاريخها الحديث والقديم حتى مع أقرب الدول العربية إليها، هذا هو علاوي بتراثة الطويل والمستمر في دعوته للأمن والبعث، وهؤلاء هم من التقى بهم علاوي في تلك الدولة، وهذا ما انكشف صدفة، ونترك ما خفي واحتمالاته ليقدره كل لنفسه. لقد قال أياد أن الربط بين زيارته والإنتخابات، "نتاج عقول مريضة" (7) فليخبرنا دعاة علاوي كيف تحلل "العقول السليمة" هذه المعطيات لنطمئن، فالقضية أكبر بكثير من الندم، ولطالما ندم الكثيرون في العراق خاصة، لأنهم تجاهلوا دلائل أبسط بكثير!

 

........................

 (1) أمير قطر يعفو عن ضباط الأمن السعوديين الموقوفين في قضية محاولة الانقلاب الفاشلة

 http://www.lahjnews.net/news-5071.htm

(2) خادم الحرمين يثمّن استجابة أمير قطر لطلبه العفو عن سجناء سعوديين

 http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/145577

(3) خادم الحرمين يستقبل السجناء السعوديين العائدين من قطر بعد العفو عنهم

 http://www.al-madina.com/node/250714

(4) رفض العاهل السعودي الملك عبد الله مقابلة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في السنوات الاخيرة وليس للسعودية سفارة في بغداد حتى الان.

...وجاءت زيارة علاوي للسعودية حيث قابل الملك عبد الله ورئيس المخابرات قبل فترة قصيرة من الانتخابات

 http://www.panet.co.il/online/articles/106/108/S-271761,106,108.html

(5) الأمير نايف يستقبل السجناء السعوديين القادمين من قطر

 http://www.aleqt.com/2010/06/02/article_401279.html

(6) الانتخابات البرلمانية القادمة الامتحان الحقيقي للأمة

http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=11463

(7) إياد علاوي وصف الربط بين زيارته وبين الانتخابات بأنه نتاج ''عقول مريضة''

وقال دبلوماسي عراقي رفيع مطلع على مسار العلاقات العراقية السعودية إن الزيارة ''أثارت كثيرا من الأسئلة... وخصوصا أن الاجتماع (مع الملك عبدالله) حضره رئيس ''المخابرات السعودي''.

 http://www.alwaqt.com/art.php?aid=199813

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1417 الجمعة 04/06/2010)

 

 

في المثقف اليوم