أقلام حرة

كيف يحصل المالكي على رئاسة الوزارة بسرعة وبلا تنازلات؟ / صائب خليل

 رغم أنه لم يكن يحتاج إلى أية سنين، بأن هذا كله، بالعراقي الفصيح: "خريط"! المهم أنه تعلم الدرس، لذا بدأ الإنتخابات وهو يصيح: سنجعلها حكومة أكثرية! كلام معقول، وكل ديمقراطيين العالم وصلوا إلى هذه النتيجة كطريقة وحيدة لحكومة فعالة. لكن هيهات! ليس الجميع يريد "حكومة فعالة"، ومصائب قوم ...لذلك وبعد شهر عاد الرجل ليقول: الوقت لم يحن بعد لحكومة أغلبية..لا مفر من تكرار الحكومات المشلولة بضعة مرات، إلى أن يكتب الله أمراً...

 

الأمريكان "شركاء في الوطن"، ويريدون حصتهم، وهم "أسود"..ومن الواضح للمالكي ولغيره من العراقيين بعد ما جرى في إنتخابات الحيدري الـ "نزيهة"، أن المالكي ليس الخيار المفضل للإمريكان، ...لكنه أيضاً ليس أسوأ الخيارات. فالرجل وقع لهم معاهدة استماتوا من أجلها، (وإن لم تكن كما أرادها السفير الأمريكي ومساعده هوشيار زيباري) وضرب لهم الجهة الأكثر إزعاجاً لقواتهم، التيار الصدري، ووقع لهم اتفاقات مع الناتو وبريطانيا وصندوق النقد الدولي، وعذب لهم منتظر الزيدي، لكن كل ذلك لم يعد كافياً، فالمرحلة التالية تتطلب على ما يبدوا تنازلات عسيرة ومخجلة، ولذا فهي تتطلب "أصدقاء" من النوع الذي لا يستحي من شيء، من أي شيء!

 

"أصدقاء" من النوع "البايع ومخلص" كما يقول العراقيون. ونلاحظ هنا بروز شخصيتين يسيل لها لعاب الأمريكان: الأولى هي "رجلهم في العراق" أياد علاوي، وفي خط الإحتياط، الشخصية الثانية عادل عبد المهدي. الأخير برز "نجمه" مؤخراً كبديل لأياد عندما بدا أن الأخير يعاني من صعوبات في الوصول إلى السلطة رغم جهود وتكاليف التزوير والرشاوي والمواجهة مع المؤسسات العراقية والشعب العراقي التي قدمتها السفارة الأمريكية، كما يقرأ معظم العراقيون الأحداث التي أحاطت بالإنتخابات، وأنا منهم.

وليست المشكلة الأساسية في إيصال علاوي مشكلة دستورية بالأساس، رغم قرار من المحكمة العليا في تفسير الكلتة الفائزة من ناحية، ومشكلة أمه من الناحية الثانية. فالأولى قد يمكن تجاوزها بضغوط كافية على المحكمة أو على من يصرّ على تنفيذ قرارها. أما المشكلة الثانية، فليس عسيراً على من زور مليون (؟) من الأصوات أن يزور جنسية لوالدته العزيزة، خاصة أنه ترك الأمر مبهماً حين أثير، فلا هو قال أنها تجنست، وأبرز جنسية، ولو مزورة، ولا هو اعترف بالمشكلة وتوقف عن المطالبة بـ "حقه" في رئاسة الوزارة. وبالطبع، فأن أعضاء كتلته "العراقية" يسيرون خلفه ولا يسألونه عن الأمر، كقطيع من الغنم، وهو ما يحتاج إليه علاوي، كما تشير التجارب السابقة.

 

حين أحس علاوي بتقارب "ألقانون" و "الوطني" وأن كل الجهود والأموال التي بذلت ستذهب سدى وربما إلى الأبد، أنفجر مع جماعته في هستيريا إعلامية غير مسبوقة بأن هذا الإتحاد بين القانون والوطني تم بضغط من إيران! لا داعي للأدلة والبراهين. لكن الناطق باسم العراقية لم يتردد في القول بأن "عادل عبد المهدي" بديل قد يكون مقبولاًَ للعراقية. وهو ما يبرهن أن القلق من "إيران" ليس سوى الحجة السياسية المعتادة لكل من يجد نفسه في حرج، إبتداءاً من وزير علاوي، الشعلان، الذي هربه الأمريكان، وإلى سلسلة اللصوص التي اقتدت به بعد ذلك. ذلك أنه إن كان هناك جهة مشبوهة أكثر من أية جهة أخرى في علاقتها بإيران فهي المجلس الأعلى. ووزير الخارجية الأيراني حين جاء إلى العراق، لم يقل لغير الحكيم إنه يتمنى أن يراه يلعب دوراً أكبر في السياسة العراقية.

 

قبول عبد المهدي كبديل، لا يدحض فقط ما يدعيه علاوي من قلق سببه "الخوف الشديد على الوطن" من إيران وتدخلها، لكنه أيضاً يدحض الإدعاء بمبدأية حق العراقية في تشكيل الحكومة. كذلك يبرهن قبول العراقية لمرشح من المجلس الأعلى بأن ادعائها القلق من التشكيل الطائفي للتحالف الشيعي، كذبة أخرى، فمن بين أحزاب ذلك التشكيل، فالمجلس الأعلى كان الأكثر أتهاماً بالطائفية! وكذلك يكشف أيضاً هذا القبول بأن قلق "العراقية" على وحدة العراق هو كذبة أخرى، فعمارالحكيم قائد المجلس هو قائد الحملة من أجل إقليم البصرة، الذي يعتبره الجميع تهديداً خطيراً لوحدة العراق، بينما وقف حزب الدعوة والصدريين والفضيلة، ضد تلك الحملة!

 

إذن كشف لنا عادل عبد المهدي الكثير من الكذب، لكن ما الذي في عادل إذن لتعامله عصبة "العراقية" بكل هذا اللطف والتضحية بـ "حقهم المبدئي" في تشكيل الحكومة، وهم الذين طالما هددوا بتدمير العراق بالإرهاب والحرب الأهلية إن لم يقدم لهم؟

 

أول ما يخطر ببال العراقي عن عادل عبد المهدي، فضيحة الزوية التي صارت لقباً له. ويمكنكم أن تتصوروا رئيس الحكومة العراقية يدخل في خلاف مع الوفد الأردني مثلاً في أحد المؤتمرات، ليصرخ به أحد أعضاء الوقد "أسكت عادل زوية!"

ونذكر لعادل أيضاً زيارته لمصر التي حاول ان يقدم فيها تبرعاً لرئيس الأزهر الإسرائيلي الذي ولى، ثم يطلب من الحكومة المصرية تزويده بمليون عامل، متعهداً بتوفير السكن والأمن والرواتب المجزية وحق تحويلها. كل هذا في الوقت الذي كان "شعبه" يتضور جوعاً ويعيش في بطالة قياسية في الصرائف ويفتك الإرهاب به! رئيس الأزهر الإسرائيلي كان أشرف من عادل، فأخبره أن العراقيين أحق بتلك النقود.

وعدا تقلب عادل بين كل الأحزاب العراقية المتوفرة على الساحة، من شيوعية إلى بعثية إلى إسلامية، فأنا أتذكر حادثتان أجدهما مليئتان بالمعاني والدلائل لما ينتظرنا من عادل إن وصل رئاسة الحكومة.

الأول هو سكوته عندما قتلت عصابة بلاك ووتر أحد حراسه الشخصيين، ولم يبلغ بالأمر حتى عائلة القتيل! والحادث الثاني الذي لا أنساه هو عملية الإحتيال التي مارسها لخداع التيار الصدري حين مرروا حزمة قوانين في البرلمان، (كان أحدها الإبتزاز الكردي للعرب وتكرار فرض إعطاء كل كردي حصة عربي ونصف من الخزانة) فتم تمرير الحزمة في البرلمان، ليقطع عليها عادل الطريق في الرئاسة التي تتمتع بصلاحيات غريبة لوقف قرارت البرلمان، ففك عادل الحزمة ليعترض على قانون الإنتخابات المحلية، والتي كانت ستحرم المجلس الأعلى من النسبة التي لم يكن يستحقها من المقاعد، في حالة إجراء الإنتخابات حسب القانون.

 

ولم تكن تلك الحركة القرعاء هي أسوأ ما في القصة بل في بقيتها. عادل عبد المهدي قدم حينها "أسباباً دستورية" للإعتراض. وكانت أسباب سليمة ومؤسسة جيداً. لكن حظ عادل لم يكن ممتازاً في ذلك الأسبوع، فقد أردات أميركا أن تسير الأمور في العراق بلا إشكالات إضافية ، لأقتراب موعد التصويت على المعاهدة. وجاء ديك جيني، وأجتمع مع عادل عبد المهدي، فتراجع هذا وانقلب موقفه! ولسوء حظ عادل وسوء تقديره، فأنه أخبر محمود عثمان، النائب الكردي، حين سأله الأخير عن سبب تراجعه، وقال له: "ديك جيني مهتم جداً بقانون الإنتخاب"!! ولسوء حظ عادل أيضاً ان محمود عثمان رغم كثرة مساؤئه، فهو ممتاز في أنه لا يحفظ سراً!

 

ماذا يعني هذا عن مرشحنا المحتمل لرئاسة الحكومة العراقية؟ أنه يعني أنه سوف يستبسل في الدفاع عن العراقيين كما استبسل في الدفاع عن حارسه الشخصي، ويعني أنه إن كان الأمريكان مهتمين بشيء، فهو مستعد فوراً لتنفيذه لهم، حتى لو كان يراه مخالفاً للدستور، وحتى لو كان ذلك يسبب له أشد الحرج امام زملائه وحزبه و"شعبه"!

 

من الواضح لماذا يكون مثل هذا الرجل ثميناً للأمريكان، لكن هنا يثار سؤالان: ما علاقة "العراقية" برجل ثمين للأمريكان؟ المفروض انه سوف ينافسهم في ولائهم ويحصل من الأمريكان على ما يفترض أن يحصلوا عليه هم؟ أنا لا يتسع خيالي المحدود إلا لجواب واحد، وهو أن الجماعة يتلقون أوامر مباشرة من الأمريكان وينفذونها بلا مناقشة، حتى إن شعروا أنها قد تحرمهم بعض المزايا. والسؤال الثاني هو، إن كان لدى الأمريكان مثل هذه "اللقطة" النادرة، فلماذا يبقون يفضلون أياد علاوي إن استطاعوا إلى توزيره سبيلا؟ صحيح أن الرجل يحمل فضائح الزوية وغيرها، لكنها تبقى أقل إشكالاً من الإنتماء لمنظمة حنين ومن انكشاف فضيحة التسبب في بقاء العراق تحت الفصل السابع وعمليات قصف مدن عراقية خلال أشهر قليلة من حكمه، وافتضاح رشوة لوبي أمريكي لتشويه سمعة الخصوم ليصل إلى السلطة وتهم بالقتل في العامرية. كل ذلك يجعل مهمة الأمريكان في تسويق أياد أكثر كلفة وصعوبة، ويجعل من التزويرات اللازمة لإيصاله واسعة النطاق وقد تسبب مشاكلاً، فما هو السر في هذا التفضيل إذن؟

 

في تقديري، وليس لدي سوى تقديري هنا، أن السبب الرئيسي في تفضيل أياد علاوي هو أن الرجل مرتبط عضوياً بالإحتلال، فليس له من يسنده للوصول إلى السلطة غيره، ولو أن الإحتلال اختفى فجأة، فسيختفي أياد في اليوم الثاني. صيحيح أن عادل عبد المهدي لن يعترض على أي قرار أو أمر يصدره السفير الأمريكي، لكن علاوي سيذهب إلى أبعد من الطاعة العمياء، وسيعمل بدافع ومبادرة ذاتية، لأن المصلحة مشتركة، وبذلك سيكون مبدعاً في تنفيذه للسياسة التي تضمن بقاء سلطة الأمريكان أطول فترة ممكنة، والإسراع إلى قطع رأس أي شيء قد يتطور مستقبلاً إلى إخراجهم، لأن الفشل في ذلك قد يعني طيران قطع رأسه هو، أعتبارياً كسياسي، او فعلياً كعميل.

كذلك فأن وراء عادل حزب، وإن كان فاسداً، (يختار قادته بالتصفيق)، وهذا الحزب قد يختلف يوماً في مصالحه وارتباطاته مع المصالح الأمريكية, وقد يضغط على عادل بشكل أو بآخر فيتردد عادل بين الضغطين خاصة في تنفيذ أوامر أكثر صعوبة قد يفرضها المستقبل، مثل إشعال حرب مع إيران، أو المشاركة في حرب أمريكية عليها، أو إرسال قوات عراقية إلى أفغانستان، أو تأييد إسرائيل في حرب على الفلسطينيين أو لبنان.

أما أياد، فليس هناك أي شيء يخشى الأمريكان أن يعادل او ينافس ضغط الأمريكان عليه، لا أخلاق ولا حزب.. لاشيء.

 

كذلك يحسب الأمريكان للمستقبل وتغيراته بعيدة المدى.. ويعلمون من تجاربهم مع العديد من الأصدقاء السابقين، مثل سوموزا ونورييغا وصدام وشفرنادزة وغيرهم، أنهم قد يحتاجون يوماً إلى التخلص من "صديقهم"، لذا فهم يفضلون ألصديق "المقطوع من شجرة"، بلا حزب ولا عشائر ولا .. أي شيء يحتاجون لحساب حسابه. (لنفس السبب اتصور أن القادة الكرد الحاليين ليسوا الخيار الأمثل "لصداقة" أميركا، مهما عبروا عن فسادهم وولائهم لها).

 

الآن يتحدث المالكي وعلاوي، (غالباً عن بعد) ويتبادلان المجاملات ويتباريان في عبارات اللطف والكياسة، من رفض "الإقصاء" و "الخطوط الحمراء" وغيرها.. وكل منهما يعلم جيداً أنه لو عبر الشارع أمام سيارة الآخر في مكان لا يراه أحد، لسحقه هذا ذهاباً وإياباً إلى أن يتأكد من أن جثته قد سويت مع الشارع! – إذا كنت تتفق معي عزيزي القارئ على هذا السيناريو السينمائي، فيمكنك أن تتصور ما ستكون عليه "حكومة الوحدة الوطنية" القادمة، فلا تتفاجأ!

 

على ماذا يتفاوض المالكي وعلاوي في تقديركم أيها الأعزاء؟ على برامج حزبيهما كما قال كل منهما تكراراً؟ هل يعرف أحد منكم هذه "البرامج"؟ أنا لم أقرأها لكني متأكد أنني أعرفها جيداً جداً: القضاء على الإرهاب وتحقيق الوحدة الوطنية والمصالحة وتقديم الخدمات للمواطنين وبناء الإقتصاد الحر المتطور وإعادة العراق إلى المجتمع الدولي وتحسين علاقاته بدول الجواروالدول العربية... هل نسيت شيئاً؟ هل يرفض أي منهما أي من هذه الأهداف ليختلف عن الآخر "في البرنامج"؟ هل قال أحدهما كيف سينفذ برامجه؟ هل قال أحدهما كم سيصرف على كل من هذه الأهداف بعد دراسة "برنامجه"؟ لماذا إذن ثقبا رؤوسنا في مباريات كذب لايتعبان منه، بأن خلافهما ليس شخصياً وإنما خلاف في "البرنامج السياسي"؟

 

لكنهما مع ذلك يتفاوضان...ليس على أي برنامج، أنا أقول لكم على ماذا. إذا كان علاوي قد يئس من الحكومة (أو أوصاه البعض باليأس منها) فهو يتفاوض من أجل نقطتين: السيطرة على الأمن والجيش، ومناصب تؤمن عرقلة وإفشال الحكومة القادمة ليكون له فرصة أكبر في "التزويرات القادمة".

المالكي، من الناحية الثانية، يعرف هذا جيداً، لذلك كان يطمح إلى حكومة أغلبية تتركه يعمل مثل بقية بلدان العالم. لكن هذا الحلم ذهب، لذا فهويتفاوض وقد وضع أمامه أن لايمنح هؤلاء سلطة الأمن، ولا فرصة عرقلة عمل حكومته. لكن كل منهما يعلم أن الآخر يعلم بما يريد هذا منه، والآخر يعلم...لذا لم تبق هناك فرصة لكسب المفاوضات بالألعاب اللفظية والمجاملات، فهي موجهة للجماهير فقط و "المجتمع الدولي". الفرصة في الكسب هي بالضغط وإظهار الأسنان. وطبعاً علاوي أسنانه أكثر حدة. يستطيع أن يهدد بالأمريكان، (حين يقول "المجتمع الدولي") وبالتظاهرات الكهربائية، حتى لو لم يكن هو من أطلقها، لكنه يقدر أن ينشطها ويوجهها، وبالحرب الأهلية وبالإرهاب، وحتى ربما بالإغتيالات، التي ربما طالت الدائرة المقربة من المالكي. (1)

المالكي لديه أسنانه أيضاً لكنه لا تنافس أسنان علاوي، لذا أتوقع أنه يفكر الآن في إيجاد صيغة يقبل بها بعض طلبات علاوي، لكن بعد دراسة إمكانية الإنقلاب عليها في اللحظة المناسبة، مثلاً بعد خروج الأمريكان. من المؤكد أن علاوي ليس بالذكاء الكافي لمواجهة المالكي، لكنه يمتلك "مستشارين" يسمعون دبيب الحشرات!

 

لذا يبدو الوضع صعباً أمام المالكي، ويمكننا أن نلاحظ أن لهجة العراقية قد انتقلت من عربدات المرعوبين قبل أسبوعين، إلى لهجة ثقة هادئة. المالكي، وقد حاصره علاوي والأمريكان من جهة، والأخوة الذي صال بهم قبل كم سنة من الجهة الأخرى، يلجأ إلى محاولة يائسة لتقديم التنازلات للجانب الكردي مثل تعيين ضباط كرد في كركوك بالألاف مرة واحدة وتقديم وعود بشأن كركوك (دون أن يحصل في المقابل على ما يبدو على تعهد واضح من الكرد)،.

 

لكن التنازلات تثير من التساؤلات أكثر مما تحمل من أجوبة، وقد تفقد الرجل اصدقاءاً أكثر مما تكسبه، وتجعله في موقف محرج يصعب الدفاع عنه. فالقيادة الكردية فقدت كل شعبيتها التي كانت تمتلكها يوماً حتى بين اليسار والمعارضة العربية، وينتظر العرب من رئيس وزرائهم الجديد أن يستعيد من تلك المجموعة من اللصوص، ما سرقته من حصص العرب من الميزانية حين استغلت وجود علاوي على رئاسة الحكومة، واتفقت معه على أن تكون حصة كل كردي تعادل عربي ونصف (من خلال اعتبار عدد سكان المحافظات الكردية مرة ونصف بقدر نسبتها وفق آخر إحصائية)، أو على الأقل أن يوقف هذا الإبتزاز الذي حدث في لحظة من لحظات الحظ الأسود العراقية الكثيرة.

العراقية تتخبط في الدفاع عن موقفها، ويمكننا أن نرى بداية ذلك في محاولة حسن السنيد من القانون بالدفاع عن قراراتهم بأنها "ضمانات" لا تتقاطع مع الدستور! (2) وكأن من المحتمل أو بالإمكان إعطاء ضمانات تتقاطع مع الدستور!

 

من جهتها، سارعت القائمة العراقية لتملأ الفراغ المبدئي، فانقلبت قمة البراغماتية التي لا تعرف اية أخلاق ورفعت أنفها بشمم وقالت: "نحن في القائمة العراقية لسنا على استعداد لان نجعل من كركوك محل مقايضة سياسية"! واو، إنهم يستحقون الإعجاب والتصفيق! وكأن الملا لم يكن هو الذي سارع قبل اسابيع بالقول أن قائمته هي التي تمتلك مفاتيح كركوك وأن من يريد حل المشكلة فعليه بالتفاوض مع العراقية! ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك سوى "مقايضة سياسية"؟ وسائل الإعلام العراقية، لا تطرح مثل هذه الأسئلة على السيد علاوي أو السيد الملا في المقابلات.

 

وهكذا بدأت الصورة ألمبدأية تتحول من دولة القانون، حين كانوا يعيبون مواقف خصومهم اللامبدئية المتجهة إلى الخارج والمهددة بالإرهاب والحرب الأهلية، إلى العراقية، كما تحول الخطاب الواثق الهادئ قبلها، وتشير المؤشرات إلى أن فرص المالكي قد بدأت تتراجع، خاصة وأن العراقية تمكنت من تجاوز النكسة التي سببها لها البطيخ بإعلانه أن تصريحات علاوي عن محاولات قتله كاذبة وأن لها أهدافاً غير شريفة، ورد علاوي عليه بخشونة أيضاً، وليس من الواضح كيف تم تجاوز مثل هذا الشق. 

 

كذلك لا تبدو هناك فرصة كبيرة للمالكي في حالة اختيار رئيس الوزراء عن طريق البرلمان، فالصدريين لا يريدونه وأمريكا لا تريده، وسيكون هناك توافق ما لا يعلم إلا ألله على من سيرسوا كرئيس للوزراء، لكنه لن يكون المالكي أو ألجعفري أو علاوي. والواقع أنه من الواضح أن علاوي قد قبل بتأجيل طموحه لرئاسة الحكومة إلى الدورة المقبلة كما يظهر من تصريحات ميسون الدملوجي "إن كان عليه فيتو". (3) والمتوقع أن يشترط علاوي بدلاً من ذلك أن يصبح وزيراً للداخلية أو الدفاع، وهي مناصب كان يسعى إليها دائماً لغاية في نفس يعقوب.

كذلك فأن أفكار "تقاسم توزيع مناصب الرئاسات الثلاث" بين القانون (الوزراء) والعراقية (الجمهورية) والكرد (البرلمان) (4)

لن تجدي المالكي، فسوف يتم محاصرته من الرئاسة والبرلمان الأمريكيتان، وستوجه جميع الدعوات للرئيس دونه ويخرج من المعركة مهزوماً. ولا تختلف أفكار "الطاولة المستديرة" في نتيجتها عن ذلك. (5)

وفي الوقت الذي كان الحديث كله يدور عن تحطم العراقية وتفككها، وهو أمر مازال أكيداً، لكن ليس بالسرعة الكافية لإنقاذ المالكي، فأن الحديث صار يدور عن تفكك التحالف الوطني نفسه! (6) وبينما كان علاوي يصرخ هستيرياً بأن إيران وراء التقاء الإئتلاف الوطني ودولة القانون، صار الجلبي اليوم يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تفكيك التحالف الوطني، من خلال الضغط على دولة القانون للتعامل مع العراقية. (7)

وفوق كل ذلك فلا شك أن تحركات البعض تلعب على أعصابه مثل تحركات عبدالمهدي في كردستان والهاشمي في قطر، (8) إضافة إلى إشاعات عن مقترح امريكي لحكومة مؤقتة وايقاف العمل بالدستور لسنتين، (9) وما يدور عن أغراض أميركا من إبدالها سفيرها في العراق و أن غرضها "تفعيل الدول الأمريكي" بما قد يعني ذلك من معان.(10)

كل هذا بدأ يسحب البساط من تحت المالكي وجعل علاوي يتخذ موقف المسيطر، ويدعو المالكي لـ "الاستعداد لتقديم تنازلات" وكرر في مقابلة مع "قناة الحرة" جنجلوتية "إنه لا يحمل أي مشكلة شخصية مع رئيس ائتلاف دولة القانون وإنما ثمة خلاف على البرنامج الحكومي"! (11)

 

هكذا يبدو الوضع لا حل له، ......لكن المالكي يمتلك طريقاً جانبيةً لم ينتبه لها !

 

***

تعتمد الطريقة التي اقترحها على المالكي على قاعدة ذهبية في السياسة، ويعبر عنها المثل العراقي خير تعبير حين يقول: "اليشوف الموت يرضا بالصخونة". وفي العادة فأن الإحتلال هو الذي يري الشعوب الموت لترضى بصخوناته، المتمثلة بعملائه ودكتاتورييه او عودته الإستعمارية المباشرة. (بالفعل طالبت إمرأة عربية بعودة الإستعمار، فألقي بها في مستشفى المجانين). وفي العراق حاول الأمريكان أن يرونا الإرهاب لنرضى بعلاوي. ماذا لو حاولنا أن نذيق هذا "الإستعمار" من سمه! 

قلنا في البداية أن المالكي ليس الشخص المفضل أمريكياً لكنه ليس "الموت" ايضاً، لذا يصح أن نصفه بالـ "صخونة". ما على المالكي أن يقوم به إذن هو أن يجد ذلك "الموت" ليقدمه كبديل، بديل وحيد! فمن هو المرشح ليكون "الموت" بالنسبة للأمريكان؟

لحسن حظ المالكي، أن "الموت" موجود وجاهز: إنه الشخص الذي جاءت كونداليزا رايس يوماً لتزيحه بالقوة عن منصب رئاسة الحكومة ليصل المنصب إلى المالكي. إنه زميله القديم: الجعفري! ولحسن حظ المالكي أيضاً، وتلك صدفة لا تقع إلا لذي حظ عظيم، أن هذا "الموت" هو نفسه مرشح الجهة التي تصر على رفض المالكي شخصياً لرئاسة الحكومة، وصاحبة أكبر كتلة برلمانية بعده وبعد خصمه أياد علاوي، كتلة الصدريين!

 

لذلك فما على المالكي إلا أن يتظاهر بالتنازل عن رئاسة الحكومة لمرشح الصدريين، وينتظر تفاعل الأحداث وهو في بيته، لا يخرج منه حتى يدق أحدهم عليه الجرس طالباً منه أن يتفضل باستلام الحكومة! فالمالكي يعلم جيداً أولاً أن أميركا وراء كل الأمور التي تجري ضده اليوم، وأن الأمريكان لا يمكن أن يتحملوا وصول الجعفري إلى السلطة، فقد أخرجوه منها بالقوة ليصبح هو رئيسها قبل اربعة سنين، والجعفري اليوم أصعب على الأمريكان مما كان في الأمس، وهو من القلة التي رفضت توقيع المعاهدة، ووقف بالضد من صولة الفرسان، ولهذا السبب فالأمريكان بحاجة إلى مثل أياد أو عادل، فلم يعد تساهل المالكي كافياً لهم فكيف بـ "الجعفري"؟

 

لذلك، فأنا أراهن أنه إن رتب المالكي الأمور للجعفري، فأنه الأمر لن يستغرق أكثر من يومين أو ثلاثة، حتى ينقلب عمار الحكيم (كأول شخص)، ويقوم بزيارة للمالكي مع عادل، متوسلين به للعودة إلى الحكم، وسيلقي الملا خطاباً فحواه أن المالكي بتنازله برهن بأنه بعيد عن الطائفية (؟) وبأنه شخص وطني يستحق الإحترام وأنهم مستعدين لقبوله كرئيس للحكومة!

ولكي يزيد المالكي من دقة المسرحية فعليه أن يبدأ بحملة إعلامية لبضعة أيام يعرب فيها عن عدم رغبته في الإستمرار في الحكومة، ويعتذر من الصدريين على أسلوب ضربهم ألذي أصاب الأبرياء، ويطلق سراح من يمكن إطلاق سراحه قانونياً منهم. كل هذه تفيد على جبهتين: الأولى تحسين علاقته بالصدريين، مما سيمثل حماية إضافية له من أية أقدار قادمة، والثانية أن تلك الحركات سترعب أميركا وعلاويها، وتجعلها ترى أن الأمور تسير بعكس الإتجاه الذي أرادته، وإنها "ما رضت بالجزة، صارت جزة وخروف"! لذلك ستسارع إلى وقف التغيير.

 

هل هناك مخاطرة في الخطة، وهل هناك احتمال أن تجري الأمور بشكل ما فتسير حكومة "الجعفري" في طريقها ويطلع المالكي بلا حمص؟ أتصور أن احتمال مرور البعير من ثقب الأبرة، أو الحمار إلى أعلى المأذنة، أقرب من ان يقبل الأمريكان بالجعفري، لكن حتى لو حدثت تلك المعجزة، وعجز الأمريكان عن إخراجه من الحكم بشكل ما، فأن المالكي لن يكون خاسرا ً جداً.

 

فمن ناحية، ليس هناك ما يضمن أن رئيس الحكومة سينجح في الخروج من مشاكل الحكومة القادمة، بريشه سالماً، سواء التزم جانب الإحتلال أم جانب الشعب، وإن خرج، فربما بعد خسارة سمعة كبيرة. أما إن تبرع المالكي بها مسبقاً، فسيظهر متعففاً قوياً، وذلك سيتيح له فرصة عظيمة للعودة إلى السلطة في إنتخابات قادمة وبتأييد أقوى من الآن بكثير! كما أن تسليم الحكومة إلى الجعفري هي أأمن خسارة ممكنة حتى في أسوأ السيناريوهات، بالمقابل، فإن خسر المالكي لعلاوي أو عادل عبد المهدي، فلا توجد أية ضمانات وكل شيء محتمل، ويصبح مصيره ومصير الصدريين (الذي يبدو لي أنهم لا يدركون خطورة ومعنى أن ينتهي الأمر بيد "بايع ومخلص" يقوده الأمريكان – أي كان) في كف عفريت، فأميركا إن بدأت عملاً تحب أن تكمله، وهي ليست مستعدة للدخول مرة ثانية في مثل إشكالات هذا العام من تزوير ورشاوي وإحراجات ومحاولات تفشل وأخرى تنجح.

 

على المالكي أن ينسى مفاوضات المشاركة أو ترشيح شخص إضافي أو أفكار الفضيلة والطاولات المستديرة، وتقاسم السلطة، وكل الخطط التي يضللونه بها، وتضمن للمقابل إفشال الحكومة القادمة وإلحاق ضرر شخصي بمن سيصبح رئيساً لها، قد لا يقوم بعده، بل عليه أن يقبل المخاطرة المنطقية، ويقوم بالحركة الشجاعة فيتنازل بشكل مباشر وواضح وينتظر تفاعل الأحداث التي ستعيد الحكومة إليه على طبق من ذهب. مادام لا يستطيع الإعتماد على تليين موقف الأمريكان من وصوله إلى السلطة، فليتوكل على الله وليعتمد على كره الأمريكان للجعفري لإيصاله إليها.

ولكي يطمئن المالكي أكثر يجب أن يحرص على أن يكون المرشح البديل له هو الجعفري دون غيره, وأن يضمن أنه لن يكون هناك طريقة للمفاجآت أو الضغط على الصدريين مثلاً، ليبرز عادل عبد المهدي، أو علاوي - لا سامح الله، أو أي شخص آخر غير الجعفري، بدلا منه! عليه أن يتنازل للصدريين مع ضمانة أن يكون البديل الوحيد هو الجعفري .. "الموت" الذي سيضمن عودة الأمريكان إلى "الصخونة"، اليه، راضين قانعين، بل متوسلين!

 

 

(1) http://www.alsumarianews.com/ar/2/8319/news-details-.html

(2) http://www.uragency.net/index.php?aa=news&id22=8814

(3) http://www.uragency.net/index.php?aa=news&id22=8802

(4) http://aljewar.org/news-25853.aspx 

(5) http://www.almowatennews.com/news_view_5157.html

(6) http://al-iraqnews.net/new/political-news/14723.html

(7) http://www.irqnta.com/news/2010/06/28/2010-06-28-10.htm

(8) http://iraq-beituna.net/show.php?sho=19135

(9) http://www.almowatennews.com/news_view_5155.html

(10) http://www.uragency.net/index.php?aa=news&id22=8763

(11) http://www.almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=15856

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1442 الثلاثاء 29/06/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم