أقلام حرة

هل يكون الجيك مدخل إسرائيل إلى العراق؟ / صائب خليل

وآخر أخبار هذا التقارب العراقي الجيكي إختراق الجيك للحكومات المحلية مباشرة، ليس في كردستان فقط كما اعتدنا، بل أيضاً في مختلف المحافظات ولعل آخرها كان النجف

 

حيث استقبل رئيس مجلس محافظة النجف السفيرة  الجيكية في العراق ...واشاد بـ "الدور الذي تطلع به هذه الدولة الصغيرة في حجمها الكبيرة في إمكاناتها" وقال "ان الشعب العراقي يقدر مبادرات السفيره في معالجة الكثير من الحالات المستعصية في بلادها" (!!)  وان هذه الزيارة تفتح أبواب التعاون بين الحكومة المحلية من جهة وبين دولة الجيك من جهة أخرى. (0)

 675-saeb

لم يكن هذا بالتأكيد الخبر الأول الذي أثار انتباهي عن هذا التقارب غير المعتاد، فقد سبقته أخبار عديدة أمتدت طوال العام الماضي، ليس فقط في كردستان و تأسيس مجلس كردي – تشيكي لرجال الأعمال (1) لكن أيضاً في "العراق": "وزير التجارة وكالة يبحث مع نظيره الجيكي توسيع حجم التبادل التجاري بين البلدين" (2) وحديث عن تسهيلات خاصة للمستثمرين الجيك وحضور وزير الدفاع الجيكي أيضاً. ووزير المالية باقر جبر الزبيدي يريد "علاقات اقتصادية متينة في جميع المجالات  المالية والصناعية والتجارية خاصة في ميدان الصناعات التحويلية والعسكرية وكذلك مجال تكرير النفط والعمل المصرفي". (3)   وعلاقات مع النواب العراقيون ورجال الأعمال، ورغبة للشركات الجيكية للقدوم إلى العراق (4) واتفاقيات منع الإزدواج الضريبي  (5) وخطط لمستقبل تعاون أعمق وأكبر (6) واجتماعات مباشرة بين مستثمرين جيك ورجال أعمال وتجار عراقيين (7) ومشاريع تصاميم مدن أيضاً (8) ورغبة جيكية في العمل على ازالة مخلفات الحروب (9) .

 

كل هذا يبدو رائعاً، خاصة بالنسبة لبلد في أشد الحاجة إلى المشاريع والخدمات كالعراق، لكن هذا التميز الشديد وتجاهل الرأسمال الجيكي لقواعد السلامة التي يحرص عليها كل رأسمال، تثير بعض القلق أيضاً.

 

ويزداد هذا القلق لمن يعرف شيئاً عن الشريك الجديد المفاجئ. لقد بدا لي هذا القلق مبرراً خاصة وأنني من خلال تواجدي في بروكسل – بلجيكا، عاصمة أوروبا، ومتابعتي للدور الذي لعبته دولة الجيك في أوروبا، اضع يدي على قلبي حين أسمع بهذا التقارب الشديد بينها وبين العراق.

وبشكل عام، فأن إقامة علاقات مع أي من دول أوروبا الشرقية الشيوعية سابقاً، يستحق بعض الحذر، لأن هذه الدول، وقد خرجت من الحالة الشيوعية إلى الرأسمالية، قفزت غالبيتها العظمى، ليس إلى نظام رأسمالي، وإنما إلى نظام عصابات مافيا استولت على ثرواتها ومواردها ومصانعها، وخلقت فيها مناخاَ سياسياً واجتماعياً شديد الخطورة عليها بالدرجة الأولى وعلى من يتعامل معها بالدرجة الثانية. على المستوى الداخلي ينتشر الفساد والجريمة بشكل غير معهود، وعلى المستوى الدولي، تأتي حكومات مرتشية تبيع بلادها لمن يدفع أكثر، والقضيتين مترابطتين إلى درجة واضحة.

لو حصرنا اهتمامنا بجيكيا، ومستوى الفساد فيها، نقرأ لـ كريس جونستون مقالة بعنوان : "أستبيان يكشف مستويات عالية من الفساد في المجتمع الجيكي"،يقول فيها أن الإستبيان كشف أن ثلثي الشعب الجيكي قد شهد عمليات فساد بشكل أو بآخر، وأن 38% منهم قد عرض عليه الرشوة، وأن نصف هؤلاء قد قبلها. وقال ثلث المشاركين في الإستبيان، والذين كان أغلبهم من أصحاب الأعمال أنهم عرضوا الرشاوي. ولم يحتج ممن رفض الرشاوي سوى 5% فقط، وقال ثلثا المستبينين أنهم لا يثقون بمحاربة الحكومة للفساد. (10)

هذه الحقائق بحد ذاتها مدعاة للقلق حين يفكر المرء بدعوة جهة ما إلى التعامل بشكل وثيق وعميق مع بلاده، خاصة إن كانت بلاده تلك تعاني ربما من حالة رشوة تزيد عن تلك التي في الجيك.

 

ولعل الأخطر من مسألة الرشوة على المستوى الشخصي والشركات، ما تكونه على المستوى السياسي. فحكام جيكيا اليوم هم بقايا "الثورة البنفسجية"، التي دشنت ما سمي بـ "الثورات الملونة" التي كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمنظمات المدنية الممولة من قبلها تدعمها وتقودها، والتي كتبنا عنها مقالة أخرى قبل فترة وجيزة (ثورة الكهرباء العراقية وأخواتها الأوروبيات) (11) .

 

 لقد سبقت براغ غيرها في ثورتها الملونة، وهو ما جعلها فيما بعد وكراً لتصدير تلك الثورات "التآمرية" وتدريب الكوادر للقيام بـ "ثورات" في بلادها بتنظيم من الجهات المشبوهة التي بدأت الفكرة.

 

أن وضع دولة مثل هذا، يجعل منها نوع من "حصان طروادة" بيد الجهات المسيطرة على الفساد الدولي والمستفيدة منه، وهي في الوقت الحاضر، أميركا وإسرائيل وبدرجة أقل كثيراً، فرنسا وبريطانيا (هذا تقدير عام لتسلسل الدول، لا استطيع برهانه لكنه حصيلة تجمع مراقبات عديدة).

وبالنسبة لجيكيا، فقد كان لدورها في الإتحاد الأوروبي، الذي دخلته مبكرة، مثال جميل على ما يمكن أن تفعله مثل هذه الدولة الفاسدة داخلياً وخارجياً. فقد كان الخط الذي اتبعته جيكيا في الإتحاد الأوروبي تفكيكياً ومثيراً للتوترات والتطرف، ولم تكن هناك أية مؤشرات على الإنتماء إلى هذا الإتحاد، بل بدا أن جيكيا صنيعة أمريكية إسرائيلية بشكل واضح من خلال الإشكالات التي مر بها الإتحاد وموقف جيكيا منها.

فعلى سبيل المثال، ولن نطيل الوقوف هنا، كانت جيكيا من الدول الأوروبية الداعية إلى الإصطدام بروسيا في كل موقف، واشتبكت أحياناً عديدة (برفقة من أمثالها) مع دول أوروبية لها مصالح قوية مع روسيا، مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا، والتي تعتمد على الغاز الروسي كثيراً. وكانت من الدول التي ابدت حماساً لوضع الدرع الصاروخية الأمريكية الخطيرة التي كانت تثير أشد التوتر بين روسيا من جهة وأوروبا وأميركا من الجهة الأخرى، وكانت معظم الدول الأوروبية لا تستسيغ المشروع الأمريكي ولا تصدق الرواية الهزلية بأن تلك الدرع موجهة ضد "الخطر الإيراني"!

وكانت جيكيا من دول الإتحاد الاوروبي التي "لا تؤمن بأوروبا" ! وهي فيكة حديثة نسبياً، حيث دخل أمثال جيكيا بكثرة في الإتحاد الأوروبي، وكلهم من التوابع لأميركا، من الدول الشرقية، وقد سبقتهم إلى هذا الدور بريطانيا الذي لم يسمح لها ديغول بدخول الإتحاد لمعرفته بما تخفيه، حتى مات.

وقد تمكن الأمريكان من دفع إيرلندا للتصويت بالضد على معاهدة برشلونه، بدفعهم جميع تكاليف الحملة المضادة، كما كشف مسؤول أوروبي كبير قبل حوالي سنة. وبعد تسوية الأمر مع إيرلندا وهولندا – التابعة إلى حد بعيد – وقفت جيكيا حجر عثرة في طريق اتفاقية برشلونه، وكان حزب المحافظين البريطاني يدعو الحكومة الجيكية إلى الصمود بوجه الضغوط الأوروبية حتى يحصل على الحكم في بريطانيا، حيث تعهد هو باستلام عرقلة اتفاقية برشلونة. هذا كله يجري بين دول أعضاء في الإتحاد الأوروبي، وكله في العلن وليس من خفايا السياسة! وبقيت جيكيا تعرقل وتتردد في التوقيع على لشبونة حتى بعد تسلم جيكيا الرئاسة الدورية للإتحاد الأوروبي، والتي تتداور بين الدول حيث تستلم كل دولة الرئاسة لمدة ستة أشهر.

 لم تكن جيكيا الوحيدة من نوعها من دول شرق أوروبا طبعاً، فتشبهها تماماً في قضية درع الصواريخ، بولونيا، وفي تحدي روسيا وإثارة القلاقل معها، تفوقت عليها جورجيا، لكننا معنيين هنا بالتركيز على شريكنا الجديد.

 

نذكر لهذا الشريك على سبيل المرور المواقف شديدة التعصب من الإسلام، فحين قتل مسلمون قبطياً في مصر، إنبرى برلمانيون جيك في البرلمان الأوروبي للحديث الغاضب عن "الفاشية الإسلامية".. لكن غضبهم الإنساني كان غائباً تماماً في مذبحة غزة ضد "المسلمين".

 

لم يكن توقيت الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة قد درس من ناحية رئاسة بوش المغادر، والذي يعفيه من اتخاذ موقف، وإنما أيضاً تم توقيت الهجوم قبل أسبوعين من نهاية رئاسة جيكيا للإتحاد الأوروبي.

 

في غزة انقس الأوروبيون إلى معسكر تقوده ألمانيا والجيك والدانمارك يطالب بانتهاج نفس الموقف الأمريكي الداعي إلى دعم إسرائيل، بينما وقف في الجانب الآخر الدول الإسكندنافية وأسبانيا وبلجيكا يطالب بإعادة النظر في تعامل أوروبا مع حركة حماس وتوجيه تحذير أوروبي صريح لإسرائيل. الجيك سارعوا واعلنوا فوراً تأييدهم الصريح لـ "الأعمال العسكرية الإسرائيلية".

موقف الرئاسة الجيكية المساند لإسرائيل بغير شروط أثار غضب بعض الأوروبيين منها لأنها أوحت من خلال ترأسها الدوري للإتحاد الأوروبي بأن الإتحاد يؤيد أعمال إسرائيل. وتعرضت جيكيا حينها إلى إنتقادات كثيرة، لكنها لم تتأثر إطلاقاً.

وكان موقف وزير الخارجية الجيكي كارل شوارزنبرغ: "يجب أولاً وقبل كل شيء أن يكون هناك وقف غير مشروط لهجمات الصواريخ من جانب حماس".

وإثر الإنتقادات للموقف الجيكي، أصدرت الرئاسة الجيكية بياناً عن استعدادها لرعاية مؤتمر للمانحين لغزة، وهو ما فهم على أنه محاولة لكسب الوقت ولفت الأنظار بعيداً عن إسرائيل.

وفي الوقت الذي كانت فيه النائبة لويزا مورغانتيني تقنع البرلمانيين الأوروبيين بضرورة وقف المذبحة فوراً، كان وزير الخارجية الجيكي يؤكد على ضرورة البدء بوضع استراتيجية شاملة تعالج الوضع الفلسطيني الداخلي! وبينما كان حتى البرلمانيون البريطانيون يؤكدون أن "إسرائيل حولت غزة إلى جحيم" ، كان الوزير الجيكي يصرح بأنه "صديق أبدي لإسرائيل" وأن قرار رفع مستوى العلاقات معها في الإتحاد الأوروبي لا يمكن تغييره، مناقضاً المبعوث الأوروبي لدى إسرائيل. وقال في مكان آخر أنه لايجب فتح أي اتصال مع حماس حتى تتخلى عن "ألإرهاب". وكان يضغط باتجاه التعامل مع حماس من خلال مصر فقط. أي الموقف الإسرائيلي تماماً!

 

وبعد نهاية المعارك  وفي إطار مطالبات في الإتحاد الأوروبي والعالم بالتحقيق مع إسرائيل، قال وزير الخارجية الجيكي في مؤتمر صحفي مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني، وفي إطار حماية إسرائيل من محكمة الجزاء الدولية، أنه يفضل قيام إسرائيل بمهام التحقيق، وانه يثق في المحاكم الإسرائيلية أكثر من ثقته في العدالة الدولية. وقال أيضاً أن الإتحاد الأوروبي لا يملك أدلة كافية بأن إسرائيل استعملت الفوسفور خلال عملياتها، و "ما لدينا من معلومات لا يستدعي رد فعل رسمي". !

وكانت الرئاسة الأوروبية في فترة جيكيا تضع النقد لإسرائيل متى ما كان لا مفر منه بأرق العبارات. فاعلنت الرئاسة الجيكية أن القصف الإسرائيلي لمقر الأمم المتحدة في غزة "غير مقبول". وأعلنت احتمال تنظيم مؤتمر أوروبي لتمويل إعادة إعمار غزة، مما أثار غضب بعض الجهات الأوروبية التي أعتبرت أنه حماية لإسرائيل التي يجب أن تدفع تلك الخسائر وأن تعاقب.

وفيما بعد وأثناء الرئاسة السويدية للإتحاد كانت جيكيا ضمن الدول التي سعت لإفشال المقترح الشهير الذي تقدمت به السويد باعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة.

 

البعض، سيقلب شفاهه غير مهتم، ليس فقط بموقف جيكيا من رفاقهم الأوروبيين ولا دفع أوروبا إلى الإصطدام بروسيا، لكن أيضاً ولا بالفساد ولا الدعم التام للجيك لإسرائيل، ولا موقفهم غير الإنساني من غزة، ولا تدنيس المقدسات الإسلامية في العراق (12) وسيقول أن هذه "شؤونهم الخاصة" ونحن سنتعامل بالتجارة والتعاون.

لكن من المفيد دائماً أن تعرف شيئاً عن "الصديق" قبل الطريق، فلربما تعامله من خلال تلك المعرفة بثقة أكبر أو حذر أكبر، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشؤون الأمنية أو الإتصالات. فمثل هذه الدول التي لم تقل "لا" حين تقبل من أميركا مهمة تخريب أوروبا التي تمثل مستقبلها، أو حين تلتزم بالموقف الإسرائيلي حتى في أشد لحظاته وحشية ولا إنسانية. هؤلاء لن يقولوا "لا" لو طلبت منهم إسرائيل ترتيب شبكة تجسس على الإتصالات العراقية أو تنظيم الجواسيس أو أية حاجة إسرائيلية أخرى، لم تصلها إسرائيل بنفسها في العراق. 

 

ويبدو أن الحكومة الجيكية تفضل لسبب ما، إرسال "سفيرات" رشيقات القد، يذكر المرء بالجواهري و "غادة الجيك"،  إلى بلد صعب للغاية، وتضطرهم إلى لباس ملابس ثقيلة لم يعتدنها، وفي حرارة لم يعتدنها، لحكمة ما، أو لتقدم صورة عن حضارة وأدب الجيك إلى شركائهم الجدد المندهشين لهذا الصديق المتحمس. لكني أدعوكم أيضاً، لمن لم يشاهد هذا من قبل، أن ننظر إلى "شدة أدب" والجو السياسي الحضاري في جيكيا، قبيل الإنتخابات، حيث يحاول كل أن يقدم أفضل صورة عن نفسه، في هذا الفيديو (13) الذي أترككم معه لتتعرفوا على أصدقاءنا الجدد عن قرب.

 

.......................

(0) http://nahrain.com/d/news/10/06/100630ad.htm

(1) http://www.iraqhurr.org/content/article/1679223.html

(2) http://www.alfayhaa.tv/news/economy/18924.html

(3) http://www.yanabeealiraq.com/news_folder/n29100920.htm

(4) http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=90935

(5) http://www.khabaar.com/news.php?action=view&id=3865

(6)  http://ar.aswataliraq.info/?p=157319

(7) http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=copy&sid=77134

(8) http://www.4thpa.net/ar/index.php?act=artc&id=1864

(9) http://ar.aswataliraq.info/?p=72038

(10) http://www.radio.cz/en/article/121120

(11) http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=15820

(12) http://www.alfikralarabi.org/modules.php?name=News&file=article&sid=6055

(13) http://www.youtube.com/watch?v=7wJhRvgWUp0&feature=related

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1445 الجمعة 02/07/2010)

 

 

في المثقف اليوم