أقلام حرة

الهلوكوست العراقي على رصيف الديموقراطية! / مصطفى كامل الكاظمي

 وهو ما جعلها المصداق الواضح للمثل العراقي الدارج (صقر بيت افيلح). فالصقور عادة ما تأتي بالصيد من اشهى الطيور وانواع البط لتلقيه في بيوت اصحابها، إلا المسكين إفيلح! فصقره يأتي بانواع الثعابين والسحالي والعقارب ليلقيها في بيت صاحبه ومربيه افيلح. ولزيادة المعلومة عما تقدمه صقور الدول لشعوبها، يمكننا تأمل الخبر الاسترالي الذي لم تمض عليه سوى ايام معدودات:

 لم يتفاجأ الشعب الاسترالي بتغيير رئيس استراليا واستبداله بأول امرأة رئيسة للحكومة في تاريخ استراليا هي المحامية جوليا غيلارد48 عاماً، خلفاً للسيد كيفن راد52 عاما الذي أقصته حركة تمرد داخل حزبه العمالي إثر تراجع شعبيته أخيراً. وأدت غيلارد اليمين في حفل أقيم بعد ساعات قليلة على الانقلاب في حزب العمال الذي تخلى كيفن راد أخيراً عن قيادته دون اي ازعاج او شوشرة وفوضى. وقالت الانسة رئيسة الوزراء الجديدة بكل هدوء: طلبت إحداث تغيير على صعيد القيادة كي لا تضيع حكومتنا الجديدة، وانه لشرف كبير رغم اني لم انتخب من قبل الشعب الاسترالي وسأطلب في الاشهر القليلة المقبلة من الحاكم العام اجراء انتخابات يتمكن الاستراليون من ممارسة حقهم الاساسي في اختيار رئيس وزرائهم وحكومتهم.

 وبالفعل فقد تلقينا دعوات رسمية لخوض انتخابات رئاسة استراليا في الشهر المقبل اب/اغسطس. وآه لو عرف أهل العراق سبب اقصاء كيفن راد والانقلاب عليه، لأنقلبوا على الديموضراطيين الجدد. فرغم ان السيد كيفن راد يمتلك شعبية كبيرة في استراليا لكنها تضعضعت امام خيارين يتعلقان بحزبه العمالي هما التخلي عن مشروع فرض ضريبة الكربون في وقت تسعى استراليا الى مكافحة التغيير المناخي، واالثاني تلكؤ راد بفرض ضريبة على الارباح الطائلة التي تجنيها مجموعات المناجم.

 أحزابنا في العراق -لا رعاها الله- ساذجة طراز اول،  ولا نقول انها بأمس الحاجة لتغيير جذري لا يبقي ولا يذر يقوم به الحالمون بالكهرباء والماء والغاز الذي تنعم به بيوت بقية البلدان النفطية عبر انابيب وعدادات منذ زمن النفط الاول، رغم انها من أبسط حقوق المواطن واسهل وظائف وواجبات الحكومة. وعليه فان التقصير يستدعي معاقبة السياسيين الحرامية بتعليق كل- محرمن- منهم على عمود من اعمدة الكهرباء على طول خط التبليط من الموصل الى البصرة جنوبا ومن الرطبة غربا الى خانقين شرقا حتى تعترف عناصر الفساد الاداري والمالي والخدمي بتقصيرهم العمدي تجاه الشعب، وعلى ان يرجع المفسد الحرامي ما سرقه من اموال العراق الى خزينة الدولة، دون الحاجة لان تقام هولوكوست البصرة لشدة ارتفاع درجة الحرارة فيها التي ربما تصل الى 58 درجة مئوية لتحرق السارقين والعابثين جزاءاً للامتيازاتهم الباطلة الجنونية والخيالية التي لفطوها من الشعب طيلة سبع سنوات. وكذلك دون ان توقد نار كركوك الازلية لاعادة نفوط العراق المهربة والمسروقة من جثامين العابثين والسارقين حقوق العراقيين.

 فيما يبدو، ان الارقام الغريبة والمدهشة التي نهشت جسد العراق بمدة قياسية ستدخل ساستنا الى نادي الغرائب والعجائب للارقام القياسية، وليس اخرها ان يبقى العراق دون تشكيل حكومة لأكثر من خمسة شهور وربما سيظل المواطن يبكي على تشكيلها حولا كاملا وعندها ستصح مقولة: (من يبكي حولا كاملا فقد أعذر).

 هذا فيما لو لم يسق سراق البرلمان الاكارم الى لعنة الاختام (المبتكرة) ووشم العار الابدي وهي عبارة عن مخاتم حديدية شعارها مجازاة الساسة الديماغوجيين، تسعّرهذه الاختام بنار عظيمة يسجرها ابطال ترابيون مخلصون ثم توشم بها إليتي العابث السياسي وكل جاعات الحرمنة ليعتبر بهم من تسول له نفسه الانغماس في بركة الرذائل السياسية والاستثراء الفاحش على حساب حرمان المواطن من ادنى حقوقه.

 ان الاصابة بالوباء السياسي المتوارث، يصح تسميته نشوة الكراسي،! وعلاجه لا يكتمل دون تلك الاختام النارية الشاملة ليتعافى البلد من هذا الطاعون الرهيب الممتوارث من النظم السابقة وخاصة النظام البعثي الارعن اكبر مسبب لهذه المآسي، وما خلفه من تكالب الاحزاب النفعية باشكال ثعلبية الزمن الاغبر التي سيقت للعراقيين بعد سقوط نظام المشنوق صدام إحصين التكريتي.

 كيف يمكن للعراقي الاستمرار بالحياة بعد كل هذا الدمار والكوارث؟ فلو ان ما نسبته 10% مما فجع به العراق يحل بشعب من شعوب المنطقة لصارت حياة هذا الشعب عبارة عن فسيخ براكين أو أشبه ما تكون بحياة اشباح ان لم توصف بحياة الكهوف القديمة.

 لن اذهب بعيدا للاستدلال، بل نذكـّر بما حصل ليوغسلافيا من بعد جوزيف بروز تيتو ومن بعد حربها وتفكك شعوبها.! وما حل بالشعوب اثر نوبة طفيفة ووعكة عابرة بالقياس الى ما حل بنا كعراقيين، فالشعب المصري انتفض فيما سمي بثورة الخبز لمجرد إرتفاع سعر الرغيف في السبعينات والثمانينات وما خلفته حكومته بعد ذلك من رزية. وانتفاضة خوزستان العربية في ايران منتصف الثمانينات لمقالة واحدة كتبها رجل فارسي من طهران ضد عرب الاهواز قال فيها: ان اصولهم غجرية (كاوليه). ثم انتفاضة هندوس الهند ايام انديرا غاندي لمجرد ذبح بقرة. وهلمجرا من اسباب لا تساوي شيئا لما إعتور الشعب العراقي من رزايا وبلايا ومذابح حتى الساعة. وكذلك مع ان النظرة العنصرية هامشية في لندن لكنها اججت ثورة السود في بريطانيا في الستينات لقضية سيدة زنجية أريد منها مغادرة مقعدها في حافلة نقل ركاب عمومية، ثم ثورة مارتن لوثر وزنوج أمريكا وثورة جنوب افريقا ضد البيض. بل ان وعكة سهلة خلعت النظام الكنسي في عموم الدول الاوربية.

 لله درك يا صبر أهالينا الكبير، وتحملهم لهذه المآسي. شعب دون كهرباء وماء في مثل ساعات الحر الجهنمية التي يمر بها العراق في هذا الصيف القائض، ودون ماء صالح للشرب وشحته مع وجود اكبر واطول الروافد التي تغطي مساحته من الشمال الى الجنوب هما دجلة والفرات وما يفيض عنهما ويتلاقى بهما من روافد واذرع منها: الزاب الكبير، الزاب الصغير، الخابور، نهر العْظيم، الصدور، الثرثار وبحيرات وشلالات وينابيع تتمنى كل دول الجوار ينبوعاً واحداً منها.

 لله درك من شعب صبرت على جراح أربعين عاما دموياً تحت نير الصداميين وظلم غير الصداميين، على أمل مجيء يوم الخلاص. وها قد جاء يوم التاسع من نيسان2003 وانتهينا من صدام إحصين التكريتي ونظامه، لتبدأ مأساة حكم ديموقراطي هزيل مع مآسي القتل وتفجيرات التكفيريين والسرقات واستحمار الناس واستغفال طيبتهم من قبل الديموضراط الذين ما انفكوا يوعدون بتحسين الحال وتوفير الخدمات وتحقيق الامن للمواطن العراقي ونقل تجارب العواصم المتطورة التي كان ساسة اليوم يقيمون فيها لعقود ببحبوحة عيشهم بدءا من لندن ونيويورك وواشنطون وباريس وتورنتو ومالمو وبرلين وبراغ الى طهران ودبي والدوحة وغيرها كثير.

 لكن العكس حصل، فبدلا من نقل سؤدد تلك الديمقراطيات وجلب خيرها للعراقيين، رحلت كل خيرات العراق وتسربت الى تلك العواصم حيث عوائل اصحاب السيادة والسعادة الديموضراط المقيمة هناك.!

 لا يضر فيما لو استثنينا ثلة قليلة من النبلاء وفيهم شخصية واحدة فقط ممن أعني، فالباقي كانوا شبه حفاة (زمن المعارضة) يعانون من شضف العيش في الاغتراب، وفيهم من كان يعيش دون مستوى خط الفقر في بلدان الطوق حيث حياة السرداب وخانات الزقازيق وجوار أقنان الدجاج والفراخ ودكات بيع الفلافل.

 فلو استثينت أحمد الجلبي مثلاً، فمن يقوى غيره اثبات ملكيته لكوخ بسيط في أي عاصمة من عواصم الغرب والشرق؟ وفي حال ارتكب حرامي منهم ادنى حماقة في التحدي فسننشر الغسيل على حبال المشرق والمغرب وسنفضح ما سكتنا عليه أملا في رؤية إنابتهم الى الله والوطن واكتفائهم بما لفط وصرط وتحرمن طيلة سبع سنين مرت عجافا على العراقيين. نسكت على امل البدء بالتفكير الجدي والسليم لصالح اهالينا (مشويي الصفحة).

 الى ما مر فاننا لا نظلم ولا نفتري على سياسي عراقي ديمقراطي بل نتساءل عن:

 هل صحيح: ان راتب النائب في البرلمان يعادل(30000)  ثلاثين الف دولار ويصل الى (40000) الف دولار باضافة رواتب الحماية الشخصية وعددهم (30) شخصا من غير صروفيات الطعام والايفادات؟.

 إن صح الخبر فذلك يعني انه شهريا يبلغ مجموع رواتب الاعضاء مع حماياتهم (11000000) احد عشر مليون دولار، وخلال سنة واحدة مجموع الراواتب يساوي (132000000) مائة واثنان وثلاثون مليون دولار، وخلال دورة برلمانية واحدة سيدفع البلد للبرلمانيين ما مجموعه (528000000) خمسمائة وثمان وعشرون مليون دولار، هذا مع عدم احتساب رواتب مجلس رئاسة البرلمان ويصل الى (50000) الف دولار للشخص الواحد وكذلك عدم احتسابنا لمبلغ المنافع الاجتماعية والنثريات الغير منظورة التي نجهل مقدارها.( اكرر إن صح الموضوع).

 السؤال الثاني: هل صحيح ان العراق يصدر شهرياً (1000) برميل من النفط وهو ما يعادل تسديد راتب نائب واحد؟ و(اكرر إن صح هذا) فبهذا فان العراق الديموقراطي يخصص (275000)  برميل نفط شهريا فقط لسداد رواتب الاعضاء (طبعا الدورة القديمة)، وسنويا حصة النائب الواحد ستصل الى (12000) برميل وخلال اربع سنوات ستصل حصته الى (48000) برميل هذا على فرض ان سعر برميل النفط العراقي يبلغ (30) دولار وفي الواقع ان العراق يبيع نفطه بأقل من هذا السعر، هذا الرقم يعادل انتاج حقول مجنون من النفط في اليوم الواحد أي اننا سنخصص واردات حقول مجنون لسداد رواتب الاخوة النواب لمدة (275) يوما واذا اضفنا الحمايات سيصبح كل انتاج حقول مجنون من النفط خلال سنة كاملة لتغطية رواتب البرلمانيين لدورة واحدة.

 السؤال الثالث: هل صحيح ان حامل شهادة البكالوريوس يتعين براتب لا يعدو (400) دولار شهريا؟ إن صح الخبر فان راتب نائب واحد (عتيق) يعادل راتب (75) موظفا شهرياً.

 ملاحظة: هذه الاسئلة وهذه الارقام استفدنا منها من مواضيع واخبار منها ما جمعناه من خلال تصريحات السادة البرلمانيين واستظهارات متابعين للشأن البرلماني والمالي العراقي.

 السؤال الاخير: هل سيمنح البرلماني الجديد نفس هذه الرواتب وهذه الامتيازات؟

 ولله در شاعرنا الاستاذ احمد مطر في قصيدته وهو ينتفض ضد حراك الظلم الديموضراطي الجديد الذي يشوي مهج أبناء العراق. وهذه مقاطع منها:

كانَ فينا قاتِلُ (صدام) يُمكِنُ أن نَهرُبَ مِن عَينَيهِ، أو نَستَغفِلَهْ.

 يُلاقي غَفلَةً مِنّا، فَيُلقينا لِفَكِّ المِقصلَهْ

غَيرَ أَنّا.. في مَدى أكثَرِ مِن عِشرينَ عاماً

لَمْ نُشيِّعْ غَيرَ مليونِ قَتيلٍ، وَسْطَ إعصارٍ ثقيلٍ، مِن عُقوباتٍ وتَنكيل، وأمراضٍ وجوعٍ وحُروبٍ فاشِلَهْ! فَلِماذا مَوتُهُ أصبحَ مَقروناً، بِميلادِ ألوفِ القَتَلَهْ؟!

ولماذا في مَدَى خمسةِ أعوامٍ، على حُكم الفئاتِ (الفاضلهْ)

ضُوعِفَ القَتلى لَدَينا، دُونَ أن يَعرِفَ منهُم أَحدُ، مَنْ قَتَلَهْ؟

[وفي مقطع اخر يقول]: وَلِماذا إذْ سَرقتُمْ مالَهُ، لَمْ تَكتَفوا، حتّى سَرقتُمْ أَملَه؟!

ولِماذا قد غَدا حاضِرُهُ، يَطلبُ مِنْ غابِرِهِ .. مُستقبَلَهْ؟؟!

نِفطُنا يَكفي لإحراقِ المُحيطاتِ، وَإبقاءِ ثُلوج القُطْبِ ألفَيْ سَنَة مُشتَعِلَهْ!

فَلِماذا نَطلُبُ الضّوءَ مِنَ الشَّمْعِ، وَنَطهو (جُوعَنا) بالمِنقَلَهْ؟!

نِصفُكُمْ يَمتَهِنُ الطّبَّ.. ولكِنَّ المَنايا بِخُطاكُمْ نازلَهْ!

فإلى مَنْ يَلجأُ الشَّعبُ، وأَنتُمْ، فَوقَ كُلِّ العِلَلِ الأُخرى غَدَوتُمْ، عِلَلاً مُستَفحِلَهْ؟!

وقَطيعُ المُستشارينَ لَدَيكُمْ، ضِعفُ حَجْمِ القَطَعاتِ الباسِلَهْ!، فَلِماذا كُلُّ حَلٍّ عِندَكُم، يَحمِلُ ألفَيْ مُشكِلَهْ؟!

[وفي مقطع اخر يقول]: أنْ زَعَمتُمْ أَنَّكُمْ لَستُمْ دُمى! حَلَّتْ مَحلَّ الدُّميَةِ المُستعملهْ

فَلِماذا لَمْ تَقُمْ، بَينَ قَديمٍ وَجَديدٍ .. فاصِلَهْ؟!

مَنْ مَضى قّد كانَ لِصاً..، فَلِماذا قَد رأى، كُلّ فَسادِ الأرضِ فيكُمْ مَثَلَهْ؟!

كانَ، بالسِرِّ عميلاً..، فَلِماذا أَنتُمُ الآنَ تُؤدّونَ، جِهاراً،عَمَلَهْ؟!

 أَتَقولونَ اضطُرِرتُمْ، فَدَخَلتُمْ باب بيتِ العِهْرِ، لاستنقاذِ وَجِهِ الطُّهْرِ ممّا فَعَلَهْ!

أيُّ دِينٍ يا تُرى قالَ لَكُمْ: إنَّ ذنوبَ المُومِسِ النّاشِزِ، تَمحوها خَطايا المُومِسِ المُبتَذَلَهْ؟!

[ ويختم بمقطع اخير]: كَثُرَتْ أَسئلَتي.. لكِنْ كُلَّ الأسئِلَهْ، ما لَها إلاّ جَوابٌ واحِدٌ:

أَنتُمْ جَميعاً سَفَلَهْ!

وَغَداً حِينَ سَتُطوى صَفَحاتُ المَهزَلَهْ، وَتُساقونَ إلى مَزبَلَهْ.. إنْ رَضِيَتْ أن تَحتَويكُمْ مَزبَلَهْ!

سَوفَ لنْ تَبقى لَكُم، فَوقَ شِفاهِ النّاسِ إلاّ جُملَةٌ مُنتَحَلَهْ، مِن مَواريثِ قَبيحٍ .. قُبحَكُمْ قَد جَمَّلَهْ:

(هِيَ هذي المَرْجَلَهْ؟)

 

ملبورن- الكاظمي- 2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1469 الاثنين 26/07/2010)

 

في المثقف اليوم