أقلام حرة

ياني..في المنطقة الخضراء! / قاسم حسين صالح

بحدود (300)،والمستشارون الذين لا يحصى عددهم. وهّيء المسرح لأن يكون شبيها" بمسرح الحفلتين اللتين اقامهما في الهند والصين.

ولأني مغرم بموسيقى ياني..الذي يتنفس روح العبقري موزات الذي رصفت  سمفونياته في (أي بود) لا يفارقني في أسفاري..فأنني ضغطت على نفسي ان اتوسط لدى الصديق (جلال الماشطه) ليحصل لي على بطاقة دعوة، لأنني "حالف يمين" أن اكون على مسافة واحدة من الكتل السياسية! وعلى بعد مناسب من الحكومة!.

وحضرت.كان ياني بثيابه البيض يتوسط المسرح وعلى يمينه ويساره جهازا بيانو بطوابقهما الثلاثه!..وتقف قبالته الجامايكيه السمراء عازفة (الكمان) التي شدت شعرها لأعلى ونثرته فبدت كنخلة بصرية.

كان ياني يريد أن يبدأ..لكن همهمة سرت في القاعة..فتقدم نحوه عراقي عمل ملحقا ثقافيا بسفارتنا باليونان..وأوضح له أن ثمة اشكال بسيط هو أن المعممين وبعض اصحاب اللحى مجتمعون بأحدى القاعات يتداولون أمر حضور الحفلة. تسللت اليها، فسمعت كبيرهم يقول: (ان ياني هذا يوناني..وان ابو الفلسفة اليونانية..سقراط..كافر وملحد..فقاطعه معمم شاب تخفي عمامته نصف وسامته، وقال: مولانا قابل هاي موسيقى شيطانية ونكفّر ياني مثل ما كفروا سلمان رشدي..لو بيها رقص شرقي وهز بطون حتى نكول حرام؟!..آني شخصيا" راح احضر الحفلة عالاقل حتى يقولون ان المتدينين السياسيين العراقيين..متحضرين..ومنفتحين عالعالم. وتبعته عمائم سود ولحى..وحين رأى اصحاب العمائم البيض، الذين كانوا يراقبون المشهد عن بعد، نهض كبيرهم وقال: يلّه ياجماعة..لا نطلع احنه المتخلفين.

واكتمل الحضور..وابتسم ياني..وافتتح الحفلة بصوته الرقيق قائلا:(سعيد ان يثبت السياسيون العراقيون للعالم هذه الليله انهم أبناء البلد الذي اخترعت فيه أول آلة موسيقية في التاريخ..وأول اغنية..ويسرّني أن نبدأ سهرتنا بمقطوعة تحمل أسم جدكم..جلجامش).

استمعنا..وصفقنا..وفي الفاصل توجّه نحو ياني "الملحق الثقافي" وهمس بأذنه، علمت بعدها انه أفهم ياني بأن الجالسين موزعون على أربع "سكشنات" كل سكشن محجوز "لجماعة" وخامس "لملوم".

وحصل ما لم يكن بالحسبان، فحين عاد ياني بعد الفاصل قال:ارجو من الجالسين ان يغيروا اماكنهم..ويمتزجوا..وشبك انامله الخمسة بالخمسة..اشارة لأن يختلطوا، فكان مشهدا" كوميديا"..اذ تبادلت الكتل الاربعة مواقعها!..فابتسم ياني وقال: ما هكذا.. بل هكذا(مكسد بليز). وتكرر المشهد بأستثناء (سكشن اللملوم) الذين توزعوا هنا وهناك. ونهض (الملحق الثقافي) قائلا: لا اتّعب نفسك ياني..اذا ما يشكلون حكومة..لن يختلطوا.

قال ياني: كثيرا" ما يسألونني هل أنت يوناني ام امريكي؟ فأجيبهم أنا انسان احب الموسيقى والسلام والحب، وانا على يقين ان جميعكم كذلك..صح؟ .

همّ المعمم الوسيم ان يجيبه: صح، فلكزه الذي بجانبه وقال:

- عيب مولانا ..شلون يصير تحب الحب!

وعزف ياني مقطوعة موسيقية بعنوان (الحب) تراءى لي أن النخلات المحيطة بنا اخذت ترقص..لكن المدهش المستحيل ان الجالسين غيّروا اماكنهم، واختلطوا وتشابكت ايديهم.. ورقص الفرح على وجوههم..بل أن بعضهم راح يقبّل الذي ما كان يطيق رؤيته.

لحظتها تمنيت ان أصل اليه لأقبّل انامله الساحره واقول له: شكرا" ياني..غدا" ستشكّل الحكومة!!.

كنت ليلتها جزعت من التلفزيون فاغلقته، وشاهدت على (دي في دي) آخر حفلة لياني، اهداها لي طالبي (ئلان) من جامعة دهوك..ومن وحيها كان هذا الخيال الفانتازي!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1496 الاربعاء 25/08/2010)

 

في المثقف اليوم