أقلام حرة

العراقيون.. في الخارج / قاسم حسين صالح

اننا اذا استثنينا الذين غادروا الوطن لأسباب علمية أو اقتصادية، وتوفقوا واستقروا حيث وجدوا ان (الغنى في الغربة وطن) فأن اكثر من مليوني عراقي هاجروا لأسباب سياسية، هربا" من (جمهورية الرعب) زمن النظام السابق، أو من الاحتراب الطائفي وعدم استقرار الوضع الامني، بعد التغيير..وهؤلاء هم الاكثر معاناة نفسية لصعوبة تكيفهم لمجتمع اجنبي يختلف في قيمه عن مجتمعنا وعلاقاته الاجتماعية الحميمه..بل وفي مناخ وطنهم الذي كانوا يرون فيه حتى الظلام جميلا"!

ومع ان القانون في المانيا، السويد، الدنمارك، النرويج، كندا، هولندا..حيث يكثر العراقيون، يساوي بين رئيس الوزراء وعامل التنظيف، ويمكن للأنسان العادي أن يقاضي وزيرا" اذا تصرف معه بطريقة عنصرية، فأن العراقيين لم يتكيفوا،واكثرهم يردد: (شجابرك على المر غير الامر منه). وتضيف الرسالة: صحيح ان المجتمع الالماني على مستوى شعب أو مؤسسات أو حكومة ، لا يتدخلون في امور الاجنبي المقيم، وان الدستور الالماني يضمن الحرية الشخصية للجميع، لكن العراقيين صاروا يتعرضون لمضايقات وتجاوزات فردية منظّمة غير قادرين على ايقافها. واذا شكوا الامر للشرطة ردت عليهم بشعارات الحرية والديمقراطية حتى ليبدو وجود اتفاق ضمني بين السلطات واصحاب الافكار والممارسات التجاوزية الذين امتلكوا الآن قدرة كبيرة على التحكم في حريات الاجانب وتنغيص حياتهم..انعكس بشكل واضح على العراقيين بتعرّض كثير منهم الى اصابات نفسية كالقلق النفسي والتوترات العصبية والأمراض العضوية الناجمة عن الأذى النفسي، وصار اليأس يخيم على العقول، فتوزعوا بين من يتمنى العودة لحياة المجتمع العراقي حتى في هذه الظروف الصعبة، وبين آخرين يقولون: (نحن فقدنا الوطن وفقدنا الحياة الطبيعية في الوطن الثاني، المانيا)...

وينبه السيد خليل الى مشكلة خطيرة، هي ان معظم اطفال العراقيين المهاجرين قد ضاعوا نتيجة ما يعانيه المجتمع (الاوربي) من تشوش نفسي واجتماعي وقيمي وخاصة انتزاع او قمع الافكار التي تخص قومية الطفل ووطنيته وديانته وحتى لغته، فصار مستهدفا" ومحاصرا" نفسيا"..وحدث ان انتزع اطفال عراقيون من عوائلهم واودعوا الملاجيء كأجراء وقائي!.

ان محنة العراقيين في الخارج لا حلّ شاف لها الا بعودتهم للوطن..وهذا مرهون بتثبيت دعائم النظام الديمقراطي وتشكيل حكومة خدمات بكفاءات تخصصية وطاقات مقتدرة تعمل على تحقيق عراق آمن مزدهر..

وما يؤاخذ علينا، حكومة ومنظّمات مجتمع مدني، اننا انشغلنا بأهلنا في الداخل وتركنا اهلنا في الخارج، متصورين انهم يعيشون حياة النعيم، ونسينا ان الغربة تجلب الكربة واليأس، وان الاختلاف في القيم يؤدي الى صعوبة التكيف، بل انه يؤدي احيانا" الى الجريمة..فهنالك اكثر من حادثة، في السويد مثلا.. قتل عراقي ابنته. وعليه فأننا ندعو سفاراتنا في الخارج الى الأهتمام بالجوانب النفسية للجاليات العراقية.ونقترح عليها تبّني مشروع اجراء دراسة للكشف عن الضغوط النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها العراقيون في الخارج، وسبل معالجتها،وسنقوم من جانبنا متبرعين، بأعداد الادوات العلمية لهذه الدراسة..فلأهلنا في الخارج الحق علينا في ان نكون معهم..بغض النظر عن اسباب مغادرتهم..اعزّ وطن.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1500 الاحد 29/08/2010)

 

 

في المثقف اليوم