أقلام حرة

جولات الرئيس أبو مازن الخارجية / إبراهيم أبراش

ولا يمر يوم إلا ونسمع عن بدء جولة خارجية جديدة بحيث أصبح مكوثه في الخارج أكثر من وجوده في (الوطن)، هذا النهج لم يكن حاضرا في بداية عهده بالرئاسة كما أنه يتعارض مع ما عُرف عن شخصيته  قبل ذلك من انعزال وحب للوحدة والتفكير المنعزل وقلة التواصل مع الجمهور. الرئيس أبو مازن بات اليوم يسير على خطا الراحل أبو عمار الذي كان يقال عنه إنه يقيم بالطائرة أكثر من إقامته في مقره ومسكنه.فكيف يمكن أن نفسر هذا الحراك السياسي المكثف لرئيس الشعب ولرأس السلطة؟هل هو إحساس بخطورة المرحلة التي تمر بها القضية والحاجة لمزيد من الدعم الدولي؟ أم تعبير عن إحساس بالخطر من منافس سياسي لزعامته؟ أم هو تعبير عن أزمة قيادة فلسطينية بحيث لا توجد قيادات أخرى يمكنها أن تنقل رسالة الشعب الفلسطيني للخارج وتستقطب التأييد الداخلي؟أم هو تحرك زعيم يودع الحياة السياسية العامة ويريد أن يبرئ نفسه من المسؤولية بتوضيح مواقفه قبل ترك موقعه الرسمي؟أم أن تحركه يدخل في إطار قناعة بأن هناك تسوية نهائية قادمة للصراع في المنطقة مما يتطلب كسب أكبر عدد من المؤيدين والمناصرين للموقف الفلسطيني منها ؟.

يمكن القول بأن هذه الأسباب مجتمعة حاضرة ويمكن اعتمادها كأسباب لكثافة تحركات الرئيس أبو مازن.لقد عاصر أبو مازن الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها الأولى ،عاش مرحلة الكفاح المسلح وعرف حدود إمكانيات الثورة وصعوبات تحقيقها للأهداف الوطنية التي سطرها الميثاق الوطني عام 1968 في ظل عالم عربي ودولي غير متصالح رسميا مع إستراتيجية الكفاح المسلح وحرب الشعب ،إن لم يكن معاديا،وعاش معاناة المقاتلين في الأردن ولبنان وسوريا ثم في العراق واليمن والجزائر والسودان،عاش أحداث الانتفاضة الأولى التي تواكبت مع حربي الخليج الأولى والثانية وما تركته من نتائج مدمرة على الانتفاضة وعلى مجمل القضية الوطنية ، ومنها أدرك أهمية وجود القيادة الوطنية داخل الوطن وأهمية التحرك الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوطن لتثبيت الوجود الوطني الفلسطيني كيانيا على أرض فلسطين وهو يشهد إمبراطوريات ودول تنهار وأخرى تخرج من تحت الرماد في ظل عالم جديد لا مكان فيه لمن يعمل من خارجه ولا يفهم آليات اشتغاله.

خطورة المرحلة التي تمر بها القضية وما تتطلبه من قوة الحضور الدولي ،تزامنت مع غياب القيادات التاريخية استشهادا أو وفاة طبيعية أو خروجا من ساحة الفعل الوطني الميداني ،حتى يجوز القول بوجود أزمة قيادة في الساحة الفلسطينية حتى داخل حركة فتح ومنظمة التحرير ،لو وُجِدت قيادات وطنية كبيرة تحظى القبول والاحترام دوليا وشعبيا ما كان أبو مازن مضطرا أن يتحمل لوحده عبء السفر والتواصل مع العالم الخارجي ،صحيح أن عقلانية وواقعية أبو مازن تلعب دورا في قبوله دوليا ،ولكن في المقابل فإن القيادات الوطنية الفلسطينية الأخرى إما أنها حزبية وفصائلية وبالتالي أسيرة خطابها الحزبي غير المقبول دوليا أو أنها لا تحظى بالاحترام نظرا لسلوكيات مشينة أو سمعة سيئة تلاحقها أو لأنها لا تتوفر على منطق وقدرة لتوصيل رسالة شمولية واقعية وعقلانية لها قدرة الإقناع بعدالة القضية الفلسطينية وبتمسك الفلسطينيين بالسلام المتضمن للثوابت الوطنية.حتى بالنسبة لقيادات حركة حماس وتحديدا خالد مشعل ،فإن الخطاب السياسي لحركة حماس المقيد بالايدولوجيا يشكل قيدا على قدرة السيد خالد مشعل على التواصل مع العالم الخارجي الرسمي بالرغم مما لحركة حماس من حضور فاعل في الساحة الوطنية والخارجية ،كما أن وجود حماس خارج منظمة التحرير التي يعترف بها العالم ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني يضعف من قدرة قياداتها على التواصل مع الدول والمنظمات الدولية رسميا.

ولكننا نعتقد أن أهم أسباب كثافة تحركات الرئيس أبو مازن وتحمله لكل الانتقادات والطعنات التي توجه له من أعداء وأقرباء أن الرئيس أبو مازن آخر القيادات التاريخية التي واكبت القضية منذ بداياتها الأولى وعرك الحياة السياسية والعسكرية واطلع عن كثب على واقع سياسات الدول العربية والأجنبية وحقيقة مواقفها من الصراع في المنطقة، كل ذلك شكل واقعيته السياسية الوطنية العصية عن الانجرار وراء الأيديولوجيات والشعارات،قد تبدوا واقعية أبو مازن فجة بالنسبة للبعض كإصراره على السلام ونقده للصواريخ العبثية واستمرار مراهناته على الشرعية الدولية وانفتاحه على كل دول العالم ،إلا أن الواقع أثبت صدق رؤية الرئيس أبو مازن حتى وإن لم تثمر سلاما. ليس المشكلة في رفع الرئيس لخطاب السلام كما يروج منتقدوه فلا يوجد شعب لا يتوق للسلام حتى الإسلام هو دين سلام وليس دين حرب، ولكن المشكلة في إسرائيل وواشنطن اللتان ترفضان الاعتراف بالحقوق الفلسطينية التي يؤكد عليها الرئيس أبو مازن ،والمشكلة في قوى فلسطينية وعربية وإقليمية التي بدلا من مناصرة الرئيس ودعمه في هذا المنعطف الخطير حيث يؤكد الرئيس على تمسكه بالثوابت ولو في حدود دولة على أراضي 67 وحتى  لتمسكه بالقدس وبوقف الاستيطان ،وتعمل على دعم مواقفه دوليا وتشكل معه جبهة واحدة لمواجهة سياسيات نتنياهو ،بدلا من ذلك  فإنها تشن مزيدا من الهجوم عليه وتنتقده ويصبح همها إسقاطه دون أن تطرح بديلا أو تصورا واقعيا وعمليا لكيفية مواجهة الاستيطان واستعادة الحقوق الوطنية،هذه القوى  تكرر الحديث عن التمسك بالثوابت وعن المقاومة  فيما هي ملتزمة ضمنيا بتهدئة مع إسرائيل بدءا من الجولان إلى جنوب لبنان إلى غزة ،بحيث باتت المعادلة أن الرئيس أبو مازن يقول بالتمسك بالثوابت وبالحقوق الوطنية ويعمل على استعادتها أو استعادة بعضها فيما القوى الأخرى تقول بالتمسك بالثوابت ولا تعمل شيئا من  أجل استعادتها وباتت مهمة الحفاظ  على ما بيدها من سلطة وحكم أهم من العمل على استعادة الثوابت التي تقول بها .

يجب التنويه أننا نتكلم عن نهج ورؤية سياسية واقعية وعقلانية للرئيس أبو مازن في التعامل الدولي،وهو نهج كسب كثيرا من الاحترام والتأييد بحيث بات العالم أكثر تفهما لعدالة القضية وأكثر إدراكا بأن إسرائيل هي العائق أمام السلام ،ولكن ما يُضعف ويؤثر سلبا على نهج الرئيس خارجيا هو الوضع الفلسطيني الداخلي ،ليس فقط من حيث وجود الانقسام ووجود حركة حماس دائمة الحديث عن الرئيس منتهية الولاية ،بل داخل منظمة التحرير وحركة فتح والسلطة،عدم قدرة الرئيس على إعادة بناء المنظمة وتفعيل مؤسساتها القائمة ،الحالة المتسيبة لتنظيم حركة فتح وعدم قدرة الحركة حتى الآن على استنهاض طاقاتها واكتساب احترام الشعب والعالم الخارجي وتبدد المراهنات التي بنيت على المؤتمر السادس للحركة،ممارسات بعض قيادات الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية التي تبالغ أحيانا في التنسيق مع الاحتلال ،تفلت بعض قيادات المنظمة وتصرفاتها وتصريحاتها المسيئة للشعب الفلسطيني والمشككة بوجود مرجعية واحدة للفلسطينيين بل والمسيئة للرئيس أبو مازن عندما تكون هذه القيادات من أقرب المقربين للرئيس ،عدم فاعلية السفارات والممثليات الفلسطينية في الخارج وعدم قدرتها على التواصل مع الجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية،بالإضافة إلى تعثر المصالحة الوطنية.

مع كامل التقدير لما يبذله الرئيس من جهود دولية لإبقاء القضية محل الاهتمام الدولي إلا أن البيت الفلسطيني الداخلي يحتاج لمزيد من الاهتمام ،فقيادات ومسئولو العالم الخارجي وهم يستمع للرئيس ينظرون من وراء كتفيه للمشهد الفلسطيني الداخلي وهو مشهد يضعف من قوة خطاب الرئيس  وقد يشكك في قدرته على الالتزام بما يرد في خطابه من تصورات والتزامات تجاه عملية السلام.

 

‏2010‏-10‏-19

[email protected]

الموقع الشخصي:

www.palnation.org

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1551 الاربعاء 20/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم