أقلام حرة

عباس وأرخص أحتلال في التاريخ / صائب خليل

 

أول مرة أرى "صاحب دكان" يشكو رخص بضاعته للمشتري! ماذنب المشتري يا أخي وأنت الذي وضعت يافطة الأسعار الموحدة على البضاعة تقول "كل شيء مجاناً"؟ ليس غير المجنون من يدفع لصاحب الدكان سعراً أعلى مما يطلبه منه!

 

"الرئيس" الفلسطيني يؤكد في تصريحه التلفزيوني ما قلته بحقه في مقالة سابقة، حول مفاوضات "الأرض مقابل ماذا؟" (1)، فبينت أنه من الظلم مطالبة إسرائيل بالقبول بالصفقة فهي لا تحصل على شيء مقابل "الأرض" لأن "السلام" في يدها وهي التي تنتهكه بالإستيطان. الفلسطينيون لم يعودوا يمتلكون ورقة "السلام" ولا أية ورقة أخرى، والفضل يعود لعباس طبعاً، الذي قدم كل شيء مجاناً، وجعل الإحتلال رخيييصاً هكذا.

 

وفي نفس المقابلة، مارس عباس كرمه فتبرع قائلاً : "هناك شيء آخر مهم ، إنهاء الصراع، (يلوح بيده) إنهاء الصراع، مستعدون له، إنهاء المطالب التاريخية، مستعدون له! (لاحظ : "المطالب التاريخية" وليس "الحقوق التاريخية"! المطالب ليست بالضرورة حقوق)

عباس إذن يقول بلا مناسبة وبلا مقابل، أن هذه "المطالب التاريخية" ماهي إلا كلام فارغ نقوله لكم من أجل المفاوضات"، وطبعاً يقول هذا بدون أن يحصل على أي رد بالمقابل ولا حتى وعد بشيء! ربما مقابل الظهور في التلفزيون؟

 

ليس عباس وحده في حمى الكرم الوطني، فرئيس حكومته يعمل "بالتطوع"، مقابل الظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فتجده بلا مناسبة، يعترف في هاآرتس بالعلاقة التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل التوراتية التاريخية...!!

لاحظ أيضاً أن عباس يتبرمك بمال غيره. فما هي الورقة التي لديه ليطالب مقابلها بـ "المطالب التاريخية"؟ وما هو "الصراع" الذي هو "مستعدون" لإنهائه؟ أي "صراع" مرعب هذا، يقوم به عباس لتعطيه إسرائيل حدود 67 مقابل إنهائه؟ ربما يقصد الرجل القيام بهجوم كاسح على غزة لإنهاء بقية الصراع الفلسطيني؟ لو كان يقدر لما تأخر، ألم يكن هو من طالب الإسرائيليين بعدم وقف القصف على غزة حتى تنتهي حماس؟ على كل حال فرق أغتيالاته تقوم حالياً بالإشتراك مع الجيش الإسرائيلي بعملية أمنية مشتركة كل 3 ساعات (2) على مدار 24 ساعة في اليوم، فماذا سيقدمون أكثر من ذلك مقابل حدود 67؟ ما الذي هم "مستعدون له"؟

 

لكن لماذا يقدم عباس وشلته كل شيء مجاناً؟ يجب عدم التعجل بلومه، فالرجل في موقف صعب للغاية، وأشك بأن أي منا سيفعل شيئاً مختلفاً لو كان مكانه. فالرجل مدين بمكانته ومنصبه وحمايته وأسلحتها، بل وربما بحياته أيضاً، لوجود إسرائيل، ولن يعيش طويلاً بعدها. فقد تتم إدانته بتهمة قتل عرفات إن رفعت إسرائيل غطاءها عنه. فبالنسبة له إذن، بقاء إسرائيل قضية حياة أو موت!

 

كثرما سمعنا سؤالاً من البعض من المروجين لإسرائيل واحتلالها: "لماذا تريدون التحرر أيها الفلسطينيون؟ سيحكمكم عندها دكتاتور مثل بقية الشعوب العربية "المتحررة"! أحياناً يتفهم المرء هؤلاء.. لا يستحق "التحرر" التضحيات التي تقدم من أجله، إن سقط الشعب بعده بيد دكتاتور وضيع ليرزخ تحته كما ترزخ معظم الشعوب العربية، ولم يتمكن هذا الشعب من أن يحكم نفسه.

لكن ما للشعب الفلسطيني، وقد واتته فرصة تاريخية فحصل على قيادة إنتخبها بديمقراطية تامة، أن يستسلم لسلبه إياها؟ أما كان قادراً على الدفاع عن خياره كما دافع الفنزويليون عن خيارهم شافيز؟ لماذا تمكنوا من إجهاض الإحتلال قبل ولادته والعرب لا؟

 

ربما الشرق الأوسط يختلف عن أميركا الوسطى، وسوقه "بائرة" البضاعة؟ ليس الأمر كذلك، فهناك في المنطقة من يبيع للإحتلال بأسعار أفضل كثيراً. فحيثما لا تتوفر للمحتل "أسلحة دماره الشاملة" (3) من عملاء يقودون أجهزة اغتيالات لحسابه، يكون الإحتلال مكلفاً. فغزة كلفت الإحتلال كثيراً، إلى درجة إضطرته إلى تركها،... لذلك لا ترى هنية يشكو من الأسعار.

ولبنان كلف احتلاله الكثير الكثير، فاضطر هذا لتركه أيضاً هارباً نافذا بجلده..وحتى اليوم فعلى الإحتلال أن يدفع الثمن لكل تعامل له مع لبنان. حزب الله "يبيع" الإحتلال غالياً كل كلمة. لن تجد تصريحات مجانية لمسؤولي حزب الله عن التخلي عن "مطالبات تاريخية" أو غيرها ، لا في تلفزيون إسرائيل ولا غيره. بل يشكو الإحتلال المسكين إرتفاع الأسعار، فعليه أن يدفع غالياً ثمن كل معلومة، مهما كانت تافهة، مثلاً عن حياة وصحة جندي إسرائيلي أسير لدى حزب الله.. لذلك لم نر حسن نصر الله يوماً يتباكى ويشكو لله "رخص الإحتلال" في السوق.

إذن لمَ الشكوى يا عباس، فسعر الإحتلال يحدده ما يطلبه مقاوموه من ثمن، وطبيعي أن أرخص احتلال في التاريخ، لأرخص رئيس في التاريخ!

 

......................

(1) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=19393

(2) http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5COpinionAndNotes%5C2010%5C10%5COpinionAndNotes_issue1103_day19_id274575.htm

(3) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=71921

 

في المثقف اليوم