أقلام حرة

لماذا تتعاون الحكومة العراقية مع اليمين الأوروبي ضد اللاجئين العراقيين؟ / صائب خليل

 وذلك بعد وصول جواب سلبي على طلبه من المسؤولين. (1)

 

وصلني مؤخراً إيميل من الدكتور عادل أحمد النعمة يطلب فيه المساعدة لوقف عمليات تهجير العراقيين بالقوة من هولندا. طلبت منه أن يوافيني بما لديه من معلومات حول الموضوع، فوصلتني كمية أثارت دهشتي أن يتمكن شخص من تجميعها وهو يعيش الظرف الصعب في مركز اللجوء.

 

تعيش هولندا ما قد تكون أسوأ حكومة، أو ثاني أسوأ حكومة يمينية في تاريخها الحديث، وفي ظروف إجتماعية تتدهور نحو مشاعر تقترب تدريحياً إلى النازية التي اجتاحت ألمانيا في العشرينات. فالحكومة تعتمد في بقائها على قائد حركة العداء للمسلمين في هولندا ولعله أشهر المعادين للمسلمين في أوروبا حالياً، خيرت ويلدرز.  إنها فترة لا يحسد عليها طالبوا اللجوء، وبخاصة الجدد منهم الذين لم يحصلوا على إقامة ثابتة بعد.

قمت بتصفية المعلومات (التي تعتمد هذه المقالة عليها بشكل رئيسي) ، ودراسة الموقف، وكان من بينها مجموعة اسئلة وجهها حزب الإتحاد المسيحي إلى وزير الهجرة الهولندي الجديد، وأجوبته عليها.

وحسب اتفاق مسبق معه، أرسلت إلى عضو البرلمان الهولندي عن الحزب الإشتراكي هاري فان بومل إيميلاً مفصلاً بالمعلومات وبينت فيه مواضع الخطأ في منطق وزير الهجرة، داعياً الحزب إلى اتخاذ موقف مساند لللاجئين العراقيين، كما تساءلت إن كان الحزب سيشارك في التظاهرة التي تنظمها منظمة العفو الدولية للتظامن مع اللاجئين العراقين ضد مشاريع ترحيلهم يوم الثلاثاء 2 تشرين الثاني الساعة الواحدة والربع بعد الظهر، في لاهاي، في ساحة (Het Plein).

 

وفي هذه المقالة نعطي فكرة عن أبعاد قضية اللاجئين العراقيين ونتساءل عن الموقف الغريب للحكومة العراقية منها، والتي لم يكن ممكناً إيصالها إلى هذا الموقف السيء، دون تعاون منها، والذي أسهم في إيصال حالة هؤلاء إلى أن يلقي الشاب بنفسه من الطابق السابع في بريطانيا. ندعوا العراقيين وغيرهم ممن يسكن في هولندا إلى المشاركة في التظاهرة تضامناً ودعماً لقضية إنسانية تؤكد جميع المنظمات الإنسانية الدولية على حق اللاجئين العراقيين فيها.

 

ليست التطورات في حالة اللاجئين العراقيين في أوروبا عموماً إلا إحدى مظاهر الهجمة اليمينية الوحشية على المسلمين والغرباء عامة في مختلف أقطار أوروبا الغربية، وهو ما يبعث على القلق الشديد حول المستقبل، خاصة وأن الأوضاع الإقتصادية هي الأخرى تتجه نحو وضع أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية واستغلال الحركات الشعبوية العنصرية للفقر وقلة فرص العمل.

ويؤكد هذه النظرة بيان صدر أمس عن المنظمة العالمية للتسامح عبرت فيه عن "قلقها من تفشي الثقافة العنصرية والميول العرقية في عدد من البلدان الأوربية." وتشير المنظمة إلى "بروزالأحزاب اليمينية وفوزها بمقاعد انتخابية كثيرة العدد في أكثر من بلد ووصول ممثلي هذه الاحزاب والتيارات الى مراكز مهمة في قيادات تلك الدول"، مشبهة الوضع بالحالة في النصف الأول من القرن العشرين، وبالقرون الوسطى. وأشارت إلى "موجة من الجرائم الموجهة ضد الأجانب في السويد" وأخرى في فرنسا وانتقدت البيان بشدة تصريح المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بأن "التعددية قد فشلت في المجتمع الألماني". الذي "يعبر عن فشلها هي سياسيا وفكريا في التعامل مع مجتمعها المتعدد ثقافيا".

إنعكست هذه الروحية بطبيعة الحال على تعامل حكومات هذه الدول مع اللاجئين وطالبي اللجوء، فتسارعت حملات الترحيل القسري في مختلف الدول، فرحلت شرطة بريطانيا 42 طالب لجوء عراقي بالقوة، وبالتعاون مع السلطات العراقية، في أجواء من السرية، وقامت الشرطة البريطانية بضربهم. (2) وتكررت عمليات الترحيل التي تحمل العراقيين من مختلف الدول الأوروبية (3) .

 

ورداً على هذه الحملات صدرت من مختلف المنظمات الدولية ردود أفعال تبين امتعاضها ورفضها لما يجري. فكتبت منظمة العفو الدولية: "أوقفوا عمليات الإعادة القسرية من أوروبا إلى العراق" وقالت أن "العديد من طالبي اللجوء العراقيين (لا يحصلون على) جلسات استماع عادلة لطلبات لجوئهم." وقالت أنه يتم إنتهاك مبادئ الأمم المتحدة. وأعلنت مناطق "غير آمنة"، هي: بغداد، نينوى، كركوك، ديالى، وصلاح الدين. كما نصحت بعدم الإعادة إلى المناطق الأخرى!

لكن بدلاً من ذلك فأن السلطات في هولندا والنرويج والسويد والمملكة المتحدة نسقت الإعادة القسرية بشكل مشترك!! (4)

وطالب المجلس الأوربي الحكومة السويدية وحكومات اوربية أخرى بوقف ترحيل اللاجئين العراقيين، بعد الأنتقادات الشديدة التي وجهتها مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لعمليات ترحيل طالبي اللجوء العراقيين قسرا الى العراق.(5)

وشجبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ما وصفتها بالجولة الثالثة من العودة القسرية التي تقوم بها دول أوروبية منذ شهر نيسان الماضي، ودعت تلك الدول إلى وقف ترحيل العراقيين المقيمين فيها طلبا للجوء السياسي.

ونقلت طائرة 61 عراقيا كانوا في بريطانيا والدنمارك والنرويج والسويد إلى مطار بغداد. (6)

وأشارت الجهات الإعلامية السمعية والمرئية في أخبارها إلى أن هولندا ترسل اللاجئين العراقيين إلى مناطق غير مأمونة. (7)

 

 

قصة اللجوء العراقي

لم يعرف العراقيون اللجوء بأعداد كبيرة إلا بعد استيلاء صدام حسين على السلطة وإدخال البلاد في حروب متعددة وحملات من التعذيب والإضطهاد للشعب العراقي بمختلف فئاته.

ودخلت قضية اللجوء العراقي مرحلة أخرى بعد حرب احتلال العراق من قبل أميركا لما صاحبها من حالة أمنية منفلتة، ومنذ بداية الحرب وصل إلى هولندا ما يقارب أربعين ألف عراقي. (8) وكان العراقيون يحصلون على اللجوء بشكل شبه أوتوماتيكي لفترة قصيرة قبل عام 2008، ثم وبعد تصاعد المد اليميني المضاد لللاجئين بدأت الحكومات تبحث عن طرق للتخلص منهم، خاصة أن هولندا عرفت في ذلك العام أكبر تدفق للاجئين العراقيين بالنسبة للبلدان الأوربية الأخرى، إذ استقبلت خمسة آلاف لاجئ.

وحمل حزب الليبرالي، وحزب الحرية اليميني المتطرف مسئولية زيادة الللاجئين العراقيين على وزيرة الهجرة، من حزب العمل السيدة نباهت البيرق وقالوا أن الإجراءات التي اتخذتها هي التي :"سمحت بتدفق طالبي اللجوء مرة أخرى لتصبح خارجة عن السيطرة."(9) وازداد الضغط على السيدة نباهت البيرق التي سعت، بالرغم من مواقفها الإنسانية العامة السليمة، إلى الحصول على دعم السلطات العراقية الذي لا يمكن إتمام الإعادة القسرية دونه. كذلك سعت البيرق إلى تقديم الدعم لسوريا والأردن كبلدان لجوء بديل. (10)

وفي سرية تامة، قامت نباهت البيرق بزيارة للعراق وقالت أن "بغداد .. تتوفر على فرص هائلة ... ما تزال (أوضاعها) هشة، إلا أن الحياة فيها تعرف انطلاقة فعلية". وتحدثت عن دعم هولندا للعودة والعائدين، ثم بدأت حملات الإعادة.

 

وفي الوقت الذي حصلت أوروبا على تعاون الحكومة المركزية، رفضت حكومة كردستان ذلك (أو أوقفته) وصار الأوروبيون يعيدون الأكراد قسراً عن طريق بغداد!! وهو ما احتجت عليه حكومة الإقليم.

وأعربت لجنة حقوق الإنسان في برلمان كوردستان عن استيائها من أسلوب إعادة اللاجئين العراقيين من البلدان الأوروبية إلى بلادهم. وقالت أن عددا من اللاجئين الكورد أعيدوا عبر مطار بغداد الدولي قسراً، وتعرضوا لمعاملة سيئة لم تراعى فيها حقوق الإنسان. واتهمت عضو لجنة حقوق الانسان في برلمان الإقليم هازة سليمان الحكومة الاتحادية بالتعاون مع الدول الاوروبية لأعادة اللاجئين العراقيين الى بلادهم.

وطالبت اللجنة حكومة الاقليم بإيقاف إعادة اللاجئين إلى الإقليم قسراً، كما طالبت الأمم المتحدة والقنصليات الأوروبية في إقليم كوردستان بالتدخل لمعالجة تلك القضية.(11)

 

وكتفسير لتصرف الحكومة العراقية مع طالبي اللجوء العراقيين، يرى عبد الرزاق الحكيم رئيس جمعية البيت العراقي في هولندا أن "الغرض من ذلك هو طمأنة المستثمرين وجذب المزيد من الشركات الاستثمارية الأجنبية ".ورأى الناطق باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين "أندريه ماهاسيتش" أن "إجبار العراقيين على العودة لبلادهم أمر في غاية الخطورة".(12)

 

وبدا مسلسل الترحيل القسري من سنه 2009 وازدادت وتيرته في 2010 بشكل كبير (13) (14) وأحياناً، إستثنت هولندا بعض الفئات مثل المسيحيين ومثليي الجنس (15) لكن أوضاع اللاجئين العراقيين عموماً استمرت في التدهور حتى نهاية الحكومة الهولندية السابقة، لتأتي الحكومة اليمينية الحالية لتقضي على ما تبقى من آمالهم.

 

يقول الدكتور عادل أن العمليات كانت تجري بتكتيم إعلامي قوي، وإنه لم يتم التطرق من قبل اي جهة للمرحلين قسريا يوم 8-9 -2010 من قبل هولندا والعراق حتى تم طرحها في البرلمان. وقال أنه يعرف اشخاص كانو في السجن وقت الترحيل وكذلك هنالك شخص حاول الانتحار داخل السجن. ويقول "الشرطي الذي تكلمت انا شخصيا معه وقد جاء ليقبض على ثلاثة من كمبنا انه قال لي ان الوزراة سترحل في يوم 8-9 عدد 120 شخص".

ويقول الدكتور عادل أن الحكومة العراقية تناقض ما تقوله فيما تفعله، فهي تنكر التعاون على الترحيل القسري، لكنه تتعاون عملياً، وإلا لما أمكن إنجاز العملية، على العكس من حكومة كردستان. (16)

وقد طلب نائب من حزب "الإتحاد المسيحي" الهولندي من وزير الهجرة الهولندي الإجابة عن عدد من الأسئلة بشأن هذه الحملة لتهجير العراقيين. ويدعو الحزب إلى تأجيل تهجير طالبي اللجوء العراقيين حتى تتضح الصورة بشكل أكيد. (17)

 

ويستنتج من إجابات الوزير بأنه يعلم بوجود أخبار من جهات دولية هامة تؤكد إشكالية الوضع الأمني في العراق، إلا أن الوزير على ما يبدو يحاول استعجال التهجير قبل ان تتحول تلك التقارير إلى بيانات حكومية ملزمة تعرقل ذلك التهجير. ومن الواضح من إجابات الوزير أنه يعتمد أن الخطر الأمني "غير مؤكد" في حين أن القوانين الدولية تؤكد أنه يجب أن تتأكد الحكومة من الأمن قبل ان تعيد طالبي اللجوء، وليس حين يكون الأمن "محتملاً" فقط.

وأشار الوزير بشكل ملفت للنظر أن الأخطار التي أشارت إليها التقارير لا تعني خطراً على كل عراقي تتم إعادته، إلا أنه لم يقل بأن اي عراقي لم تتم إعادته إلى منطقة خطرة في العراق، رغم ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية أن الخطر كبير بشكل خاص في بعض أجزاء العراق. (18) وتعني أجوبة الوزير أن عمليات ترحيل العراقيين سوف تستمر. (19)

 

ورغم كل جهود المنظمات الدولية (20) وتصريحات المسؤولين مثل ممثل مفوضية الامم المتحدة للاجئين المطالب بايقاف ترحيل اللاجئين (21) فقد أعدت الحكومة الهولندية طائرة اخرى للترحيل ستغادر يوم 3نوفمبر وتم ابلاغ السجناء العراقيين بموعدها. وينتظر أن يتقدم محاموا طالبي اللجوء بالشكوى إلى المحاكم الأوروبية ضد الحكومة الهولندية. (22)

 

ورداً على ذلك ستقوم منظمة العفو الدولية بتنظيم مظاهرة في دنهاخ (لاهاي) في محاولة لمنع التسفير القسري للعراقيين المقرر يوم 3-نوفمبر. وستقام المظاهرة يوم 2-نوفمبر الساعة الواحدة والربع ظهرا (23)

 

إننا إذ نلفت النظر لمعاناة هؤلاء العراقيين، ندعوا من يستطيع إلى التضامن معهم في تظاهرتهم، ونكرر تساؤلاتنا عن موقف الحكومة العراقية وسبب مساعدتها الحكومات اليمينية الأوروبية لترحيل طالبي اللجوء في عملية ليس للعراق فيها أية مصلحة، ولا تعبر عن تضامن الحكومة مع مواطنيها في الخارج بأي شكل، في وضع هم بأشد الحاجة إلى ذلك التضامن، والتوقف عن تمرير مشاريع غير انسانية، والإقتداء بموقف حكومة كردستان المسؤول، فالتاريخ سيسجل المواقف، وستبقى في ذاكرة الإنسان طويلاً مواقف الأطراف المختلفة في لحظات حياته الحرجة بالذات.

 

(1) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=4972

(2) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=4575

(3) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=5316

(4) http://amnesty.name/ar/appeals-for-action/stop-forcible-returns-europe-iraq

(5) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=4550

(6) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=5199

(7) http://nos.nl/audio/192618-nederland-stuurt-iraakse-vluchtelingen-naar-onveilige-gebieden.html

(8) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=5473

(9) http://www.rnw.nl/arabic/article/2633

(10) http://static.rnw.nl/migratie/www.rnw.nl/hunaamsterdam/immigration/08050901-redirected

(11) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=5257

(12) http://www.rnw.nl/arabic/article/68286

(13) http://www.rnw.nl/arabic/article/68286

(14) http://www.irinnews.org/Report.aspx?reportid=90616

(15) http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=33705

(16) http://www.hekar.net/modules.php?name=News&file=article&sid=5183

(17) http://www.christenunie.nl/k/nl/n27634/news/view/453372/48130/ChristenUnie-pleit-voor-uitstel-uitzetten-Irakezen.html

(18) http://www.amnesty.nl/wereldnieuws_artikel/67208

(19) http://www.inlia.nl/news/show/uitzettingen-naar-irak-niet-opgeschort

(20)  http://nos.nl/video/192643-unhcr-stuur-geen-vluchtelingen-terug.html

(21) http://nos.nl/audio/192618-nederland-stuurt-iraakse-vluchtelingen-naar-onveilige-gebieden.html

(22) http://www.inlia.nl/news/show/uitzettingen-naar-irak-niet-opgeschort

(23) http://www.amnesty.nl/wereldnieuws_artikel/67208

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1563 الأثنين 01 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم