أقلام حرة

حكومة شَراكة أم شَرِكَة حكومية مساهمة؟ / علاء اللامي

قال (لا يعادل الهزيمة التي قادنا إليها قادتنا إلا حجم الانتصار الانتخابي الذي قدمته لهم قاعدتنا الجماهيرية) وقد يُفَسَّر هذا التقويم بدوافع نفسية وذاتية أكثر مما هي موضوعية، ولكن ذلك لا ينفي حقيقة حلول هزيمة سياسية بقائمة العراقية والتي عبر عن حالتها أحد المحللين البغداديين يوم أمس بكلمات قليلة حيث قال: أصبحت العراقية تطالب اليوم بما كان يعرض عليها وترفضه بالأمس.

 وبعيدا عن تقييم النتائج النهائية ِسيَّما، وأن غبار المعركة السياسية لم ينجلِ تماما بعد، فإن ما يستأهل الفحص والتحليل أكثر من غيره هو مقدمات وطبيعة الحكومة العراقية قيد التشكيل كيما يكون ممكنا استشراف مآلاتها على أرض الواقع. لقد كفَّ ساسة العملية السياسية الاحتلالية عن اعتماد ماركة "حكومة الوحدة الوطنية" التي وصفوا وعرَّفوا بها حكومتي الجعفري والمالكي من بعده، لكونها أضحت أبعد ما تكون عن الوحدة إذْ انفرط عقد مكوناتها الرئيسية بعد بضعة أشهر على تشكيلها، و عن الوطنية التي استبدلت بنسخة معدلة من "المحاصصة الطائفية" التي أصبح الجميع يهجوها بعد انتخابات المجالس المحلية في كانون الأول 2009 التي كادت تطيح بالقوى الطائفية التقليدية، وحين كفّوا عن استخدام هذا التعبير فهم لم يعدموا بديلا له، بل وجدوه في صيغة "حكومة المشاركة" أي التي يشارك فيها جميع أطراف العملية السياسية، ولكن هذا التعبير ما لبث أن عُدِل بعد أسابيع إلى "حكومة شراكة"  على اعتبار أن المشاركة بحد ذاتها في الحكومة ليست هي المطلب الحقيقي "وطنيا"، بل الشراكة التي تحقق التوازن بين شركاء ذوي حقوق وواجبات كما فسَّر وبرَّر ذلك أحد مؤدلجي التحالف مع الاحتلال والمحاصصة الطائفية التي جاء بها.

 ومع أن كلمات من قبيل مشاركة واشتراك وشراكة، بل وحتى اشتراكية، تأتي من جذر لغوي ثلاثي واحد هو"ش ر ك"، فيمكننا بالتالي التساؤل جديا عن ماهية هذه الحكومة في ضوء المقدمات التي سبقت تشكيلها أو في ضوء برنامجها وطبيعة مكوناتها، وفيما إذا كانت فعلا حكومة شراكة كما يزعم صُناعها والشركاء فيها، أم هي – ومازلنا ضمن الجذر اللغوي الثلاثي ذاته – شركة حكومية سياسية مساهمة، الهدفُ منها تحصيل الأرباح للمشاركين "المساهمين" فيها؟ وهل يمكننا بالتالي استشراف مسيرة ونهاية شبيهتين بمسيرة ونهاية حكومة الوحدة الوطنية المنتهية؟

لنسجل أولا أن مقدمات مجيء هذه الحكومة لم تختلف كثيرا عن مقدمات سابقتها من حيث كثرة وكثافة الصفقات غير المبدئية والاستقواء بالأطراف الأجنبية والتدخلات الخارجية الفظة غالبا، غير أن أمورا جديدة ومهمة حدثت  في الإبان، وأثرت بهذا الشكل أو ذاك على مسارات ولادتها وأفرزت ظواهر جديدة منها:

- محدودية التأثير الإيراني على الوضع العراقي بعامة، وعلى الإسلاميين الشيعة بخاصة، وأبلغ دليل على هذه المحدودية هو موافقتها – وإن على مضض-  على ترشيح "صديقها اللدود" نوري المالكي الذي تميز بنوع من الاستقلالية السياسية الواضحة عنها، وسبب لها بعض الصداع خلال فترة ولايته الأولى، أو في الأقل لم يسمح لها بتحقيق كل ما أرادت تحقيقه في العراق. كما أن تأثيرها على أقرب حلفائها "حزب المجلس الأعلى"  أصبح في حكم المنتهي بعد التمرد الكبير والذي لا أفق له الذي قام به زعيمه عمار الحكيم ووقوفه حتى اللحظة الأخيرة مع علاوي ضد المالكي والذي نظر إليه بعض المحللين كنكتة سياسية أكثر من كونه خطة قابلة للتنفيذ.

- محدودية تأثير الولايات المتحدة كدولة احتلال على الوضع العراقي بعامة وعلى حلفائها في قائمة العراقية وعلى الزعامات الكردية أيضا فقد رفضت قيادة العراقية التنازل عما أسمته "استحقاقها الانتخابي" و تقاسم السلطة مناصفة مع قائمة المالكي وتشكيل حكومة قوية حتى خسرت كل شيء تقريبا، وباتت تنافح من أجل الحصول على الفتات. والواقع فإن ما حدث يمكن أن يكون وداعا مبكرا لعلاوي من قبل أطراف قائمته، فهذه الأطراف اختارته زعيما لها ليس فقط لأنه "شيعي علماني" كما قيل بل طمعا بعلاقته المتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية، وبوصفه " رجل أميركا القوي في العراق"، أَمْا وقد تراجع التأثير الأميركي عراقيا، وبات أوباما عاجزا عن ضمان منصب بروتوكولي كرئاسة الجمهورية له فإن الوداع أو الانزواء في منصب إداري حكومي قد يكون مقدمة لمسيرة أخرى ستنتهي بالخروج من الميدان.

-  أما الزعماء الأكراد فقد رفضوا كافة الضغوط الأميركية، والتي بلغت كما قال مُخطِّط سياسيات التحالف الكردستاني د. محمود عثمان درجة "غير دبلوماسية بالمرة" لثني الطالباني عن الترشح لرئاسة الجمهورية وتركها لمرشح العرب السُنة، ولكن الأخير أثبت أنه لا يختلف عن أي رئيس دولة عربية فلا يرحل عنها إلا بتدخل مباشر من عزرائيل أو انقلاب عسكري ورفض تلك الضغوط. إضافة إلى رفض الزعامات الكردية للتوجيهات الأميركية بفكِّ تحالفهم مع قائمة المالكي والتحالف مع قائمة علاوي وقد بلغ الرفض درجة قول الطالباني أنه رفض أوامر أوباما بالتحالف مع العراقية وقرر عدم السماح  لما أسماه "حصان طروادة البعثي" بالدخول إلى العملية السياسية.

 والواقع فإن الطالباني كان تحت تأثيرات عدة لاتخاذ هذا القرار ومنها: الكرم الحاتمي والخطير الذي أبداه المالكي والتحالف الوطني بموافقته على ورقة الشروط الكردية التسعة عشر وبنسبة فاقت توقعات الكرد أنفسهم وبلغت مئة بالمئة، إضافة إلى العوامل النفسية والشخصية الدافعة  للاحتفاظ بمنصب الرئاسة بوصفه الدجاجة السياسية التي تبيض ذهبا حقيقيا واستغلال المناسبة والظروف "الجيو سياسية" العامة  لترسيخ مبادئ المحاصصة الطائفية والعرقية التي جاء بها الاحتلال حتى بلغ الأمر بأحد زعماء حزبه أن صرح أخيرا لجريدة سعودية بأن القيادة الكردية قررت تبني اللَبْنَّنَة " الصيغة الطائفية اللبنانية " لحكم العراق، ولعل هذا أخطر إفراز من إفرازات تجربة الحكم المحلي في العراق.

أما بخصوص المكاسب الكبيرة التي انتزعها التحالف الكردستاني من تحالف المالكي فمن الواضح، ربما حتى لبعض السياسيين الكرد، هو أنها لن تكون طويلة العمر، وذات غطاء "ذهبي" فعلي يمنحها قيمة تنفيذية ما، وذلك لأن مشاركة قائمة "العراقية" في الحكومة ووجودها في البرلمان إلى جانب القوى البرلمانية الخارجة على طوع وتوجيهات المالكي والمستقلة عنه، سيجعل من العسير جدا تمشية تنازلات التحالف الوطني للكردستاني، وخصوصا في ما يتعلق بالأمور الإستراتيجية كموضوع عائدية كركوك ومناطق أخرى و إنتاج وتصدير النفط وتمويل وقيادة مليشيات البيشمركة إذ من المتوقع أن تجد الزعامات الكردية نفسها أمام معارضة واسعة لتنفيذ طموحاتها وصرف "الشيك السياسي" الذي وقعه لها المالكي.

إن الكلام عن محدودية وتراجع الدور الأميركي، يدحض العديد من الأساطير العتيقة عن قدرة أميركا غير المحدودة بوصفها اللاعب الأول والأخير، السري والعلني، المرئي والمخفي، والتي يأخذ بها عشاق نظرية المؤامرة "المتطرفون" في الساحة العراقية ويعيد الحديث إلى أرضيته الواقعية التي لا تؤمن بالخرافات كثيرا، وتحسب حساب الوقائع والقوى بميزان العقل لا بمسطرة المقولات الستينية والسبعينية الجاهزة، فأميركا اليوم ليست جنيا كُليَّ الحَول والقدرة بل هي دولة إمبريالية فشلت في مشروعها الاحتلالي للعراق، ولكنها تريد الآن أن تحول احتلالها المباشر إلى هيمنة اقتصادية وسياسية وثقافية وتسحب قواتها العسكرية فعلا من بلد أصبح خطرا أكثر فأكثر عليها وعلى غيرها.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1577 الاثنين 15 /11 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم