أقلام حرة

لماذا لا يغلق اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة ويترك النادي مفتوحا؟ / علاء اللامي

والذي أعيد تشكيله بعد الغزو، وقيام حكم المحاصصة الطائفية، هو قطعا، ليس اتحاد الأدباء الذي شارك في تأسيسه الجواهري وربعه الميامين من استقلاليين وطنيين فجعلوا منه مثابة من مثابات العراقيين ضد الهيمنة الغربية والأنظمة التابعة لها. الاتحاد الحالي فُصِّلَ على قَدِّ السادة الذين يتربعون اليوم على منصة قيادته فيصفقون لهذا المسؤول أو ذاك، ويحضرون اللقاءات معهم لالتقاط الصور والمنح وقطع الأراضي والامتيازات الخاصة. مع ذلك ، أعبر عن احترامي للكثيرين من زملائي الأدباء المنتمين لهذا الاتحاد لأسباب أخرى كثيرة، ولكني لا أعفيهم من مسؤولية السكوت على الوضع الحالي للاتحاد.

أما لماذا أقول لا لإغلاق نادي الاتحاد، وهل لأنه الجزء الوحيد الحي والناشط من أجزاء ومؤسسات هذا الاتحاد الطويل العريض، حيث أصبح ملاذا للشبان الهاربين من المخدرات التي يبيعها صبيان المليشيات الطائفية المحمية جيدا من فوق، أم لأسباب من نوع آخر؟ نعم، لهذا السبب، ولكنه سبب واحد من عَذْق أسباب، ثمَّ أن تقاليد صناعة وتناول المشروبات الروحية في العراق – أيها السيد رئيس حكومة بغداد كامل الزيدي – لم تأتِ إلى العراق مع فيصل الأول أو صدام حسين أو بول بريمر أو رئيسك الحالي بل إنك لواجدٌ لها نصوصا وتفاصيل تأسيسية كثيرة في سرديات الحضارة الرافدينة العريقة، ولعل أشهرها تلك المشيرة إلى أن البابليين، وقبلهم السومريون، هم رواد صناع الجعة " البيرة يعني" في التاريخ البشري، ولعلك قرأت أو سمعت عن محاولات صاحبة الحانة "سيدوري"، في ملحمة جلجامش، لترويض أنكيدو، وإخراجه من حالة التوحش والافتراس البرية إلى الاجتماع الإنساني والألفة والحميمية حيث بدأت السيدة العراقية "سيدوري" بأن أذاقته خبز الحنطة وجعة الشعير!  لا أريد أن أحلل أو أحرِّم في هذا الصدد فهذا ليس شأني، بل أردت فقط أن أثبت لك حيثية تاريخية صغيرة تغيب في العادة عن بال من أسكرتهم السلطة والوجاهة والثروة وهم القادمون من القاع الصفصف ثقافيا وحضاريا!

طوال عهود الحضارة العربسلامية الزاهرة وخصوصا في ذروتها العباسية، بقيت تقاليد الشراب وصناعة المشروبات الروحية ماكنة ومستقرة، وفي منأى عن تحرشات واستفزازات المتعصبين غالبا. وظل أهل الديانات الأخرى، وخصوصا أشقاءنا الكلدان والآشوريين والصابئة وغيرهم موضع حماية السلطات والتعامل الطبيعي الحميمي من قبل الغالبية العربية المسلمة، إلا في فترات مضطربة عكست الوضع العام المضطرب آنذاك كفترة المتوكل وبعض ولاة المماليك، ولك أن تعود إلى أمهات الكتب التراثية حول هذا الموضوع ومواضيع أخرى صارت لصيقة به كشعر الخمريات لتكون على بينة.

في الأوان العثماني وهو المعروف بانغلاق والتعصب المذهبي، استمرت الحال على ما كانت عليه، أما بعد الثورة العراقية الكبرى 1920 واستيلاد النظام الملكي العميل للغرب فقد "أخذ العراقيون جميعا راحتهم" في هذا المجال، ومع ذلك فلم نسمع يوما عن مجزرة أو جريمة واسعة النطاق تسبب فيها مَن تسميهم المخمورين والموبوئين أو مَن أسماهم الشيخ اليعقوبي "ثلة من الأشرار السكيرين المعربدين الذين يبولون على بعضهم"... وحتى في زمن حجاج العراق الثاني في القرن العشرين أعني صدام حسين، والذي شن حملته الإيمانية التي تستعيدها أنت اليوم ،أيها السيد كامل الزيدي ومَن معك، فهو لم يحرم الشرب قطعا،بل منع تناوله علنا، بل واستثنى اتحاد الأدباء خاصته وهو اتحاد  لا يفترق مضمونيا عن اتحادكم القائم اليوم، ولم يغلق ناديه .. ربما ستحتج، وتقارن، بدول كانت فيها تقاليد الشرب وصناعة المشروبات رائجة ثم انتهوا منها كما هي الحال في إيران... فالواقع يا سيد كامل أن العراق هو العراق و إيران هي إيران – وإن شئت الدخول في التفاصيل فأنا مستعد - ومَن يريد أن يجعل العراق، الذي هو الرس والأس والجذر الحضاري لعموم الشرق الراهن صورةً لإيران أو السعودية فقد خاب فأله، و خير له أن يبحث عن عراقه ذاك في تلك البلدان.. وتالله لن يجده!

ثم، هل ثمة  ضرورة لوزارة ثقافة في عراق تجوع فيه ثلاثة ملايين أرملة ومليون يتيم ونصف مليون معاق ؟ قطعا لا . ولكي لا أكون متجنيا فمديرية صغيرة باسم الثقافة كافية لهذا الغرض. مديرية للثقافة تهتم بالمهرجانات الثقافية التي يخربها المعممون في أيامها الأولى والحفلات السمفونية والمؤتمرات ودور النشر وما أكثر منها إلا البرك والمستنقعات في قلب العاصمة، أما وزارة للمثقفين، بوجود هذه الملايين من الجائعات والجائعين فهي مزيج من العته والتخبط، والأفضل من ذلك أيضا إلغاء عدة وزارات لا نفع فيها كوزارة العشائر ووزارة الاستثمار ووزارتين للتعليم في حكومتكم و بدلا من ذلك المبادرة إلى إنشاء وزارة للتضامن الاجتماعي تعيل هذه الملايين الجائعة  من أموال نفطها الذي هو ليس نفط آبائكم وأجدادكم..

سؤال آخر، وطوِّل بالك عليَّ قليلا:  هل من ضرورة لاتحاد الأدباء في عراق يزخر بكل هذه الطاقات الإبداعية؟ نعم... ولكن من شروط قيامه الواجبة أن يقوم ويتأسس باستقلال تام عن الدولة والحكومة – ثمة فرق بين الدولة والحكومات طبعا، أم إننا نسينا حتى الألفباء؟-  ثم، وعلى الضد منها، وقبل هذا وذاك ضد الاحتلال الأجنبي وكافة إفرازاته التي دمرت شعبنا، ليكون اتحادا للأدباء المستقلين النقديين لا للقّامة والصفاعنة والمتآدبين المصفقين والمطبلين لمن في السلطة والأجهزة الحكومية، والذين كتب رئيس اتحادهم أطول نص في حياته "الأدبية" في مديح الاحتلال كما كتب الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف ذات يوم. ويوم سيلتئم شمل أدباء عراقيين بهذه الصفات والقيم والجذور ويقررون بناء أو إعادة بناء اتحادهم سأكون واحدا منهم.. ويومها سأقترح على زملائي أن نحرق أو نغلق "البار" القميء الذي فيه أو النادي كما تسميه بياناتكم، ونذهب إلى نادي بغداد الكبير،الحنون، المبتهج، النامي و المتقدم نحو الأفق..بعيدا عن الخنق والتهديد والإكراهات والذبح المادي والمعنوي.

 

 

 

 

في المثقف اليوم