أقلام حرة

حتى يكون أيلول (استحقاقا) / إبراهيم أبراش

سيتم الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية على كامل حدود 67 وعاصمتها القدس مع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وان هذا الاستحقاق بديل للمفاوضات التي وصلت لطريق مسدود .فما مفهوم الاستحقاق؟وهل بالفعل هناك استحقاق واجب في أيلول ؟ وهل استحقاق أيلول بديل للمفاوضات؟. وفي حالة صدور القرار الذي نريد فهل سيطبق تلقائيا؟.

تثير كلمة استحقاق لبسا لان الكلمة لغة  مشتقة من حق ،والكلمة تعني الحق الواجب أو التاريخ المحدد بناء على التزام سابق،وفي واقع الأمر فإن الأمم المتحدة – مجلس أمن وجمعية عامة خصوصا- ليسا دار ندوتنا أو احد دواوين العرب لتنعقد مؤسساتها متى نريد ولتصدر القرارات التي نريد ،ومن جهة أخرى لا يوجد أي اتفاقات موقعة أو قرار دولي يلزم الأطراف الدولية بالاعتراف بدولة فلسطينية بالمواصفات الفلسطينية على حدود 67 .سبتمبر لن يكون استحقاقا حقيقيا إلا بالإرادة الفلسطينية وبخلق ظروف وطنية ودولية مواتية تدفع دول مجلس الأمن أو الجمعية العامة للاعتراف بهذا الحق الفلسطيني الشرعي الذي نؤيده ونباركه.الوعود الأمريكية والأوروبية المبهمة حول الدولة الفلسطينية لا تعتبر مرجعية لاستحقاق ولا يمكن الركون إليها ،والاعترافات الدولية المنفردة بدولة فلسطينية على حدود 67 مهمة ولا شك ولكنها لوحدها لا تكفي لتحويل المطلب الفلسطيني لاستحقاق ملزم وخصوصا أن هذه الاعترافات موجودة منذ سنوات ولم تُوقِف استيطانا ولا عدوانا إسرائيليا.

 نفهم ونبارك خطوة الرئيس أبو مازن بإعادة القضية الفلسطينية  للأمم المتحدة وهي خطوة عاقلة وواقعية لان تدويل القضية يعتبر تصحيحا لخطأ بدء من مدريد واستمر لأكثر من ثمانية عشر عاما من المفاوضات العبثية،عبثية ليس لان مبدأ المفاوضات مرفوض بل لأنها كانت مفاوضات بدون مرجعية وطنية جامعة وبدون مرجعية دولية وبدون حتى مرجعية اتفاقية محددة .إعادة القضية للأمم المتحدة اعتراف بخطأ حتى وإن كان اعترافا متأخرا.

ولكن ومن باب التفكير والاستدراك وليس من باب التشكيك  فإن قلقا ينتابنا من طريقة إدارة  ملف استحقاق أيلول ونخشى أن يؤدي سوء إدارة الملف وغياب الرؤية الواضحة للهدف من الذهاب للأمم المتحدة لإفقاد هذا الاستحقاق أهميته وإفقاده قوة الدافعية قبل الوصول للتاريخ المحدد .

حتى يكون أيلول استحقاقا واجبا وحتى لا نصاب بنكسة جديدة ،و لأن استحقاق أيلول يتعلق بقضايا تمس وجود ومصير الشعب الفلسطيني ،ونظرا للتشنج الصهيوني والرفض الأمريكي لهذا التوجه الفلسطيني ،فإن استحقاق أيلول معركة حامية الوطيس يجب الاستعداد لها وحُسن إدارتها.وفي هذا السياق نبدي الملاحظات والتساؤلات التالية:-

 

1.   هل استحقاق أيلول خيار استراتيجي أم ورقة ضغط؟

كثيرا ما نسمع من الرئيس ومن مسئولين في المنظمة انه إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان أو اعترفت بدولة فلسطينية أو طرحت أية جهة مبادرة جديدة للتسوية تتضمن وقف الاستيطان فإن المنظمة ستعود للمفاوضات وستتخلى عن استحقاق أيلول !.وفي رأينا أن هذا القول خطير وخطأ من حيث التكتيك السياسي لأنه يُفقد استحقاق أيلول أهميته ويظهره وكأنه مجرد ورقة ضغط لدى المنظمة وليس خيارا استراتيجيا ،هذا الأمر يجعل كثيرا من الدول لا تأخذ مأخذ الجد التهديد الفلسطيني بالذهاب لمجلس الأمن ويجعلها تتردد في اتخاذ موقف من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

هذا لا يعنى عدم التعاطي مع أية مبادرة جديدة للتسوية تتضمن المتطلبات الفلسطينية وبالتالي العودة لطاولة المفاوضات،ولكن ما نرمي إليه هو ضرورة الاستمرار بالتمسك باستحقاق أيلول كخيار استراتيجي لا يتعارض مع المفاوضات التي ستستمر قبل وبعد صدور قرار دولي يثبت حق الفلسطينيين بدولة مستقلة .

2.   العودة للمفاوضات ليس بديلا عن الذهاب لاستحقاق أيلول.

لا نستبعد أن تطرح واشنطن أو جهة دولية أخرى -كالمبادرة الفرنسية - مبادرة جديدة للتسوية وفي حالة تضمنها الحد الأدنى من المطلوب فلسطينيا يمكن العودة لطاولة المفاوضات،ولكن يجب أن لا يكون هذا بديلا عن استحقاق أيلول .العودة لطاولة المفاوضات يجب أن لا تقطع الطريق على استحقاق أيلول ،لان استحقاق أيلول سيقوي المفاوض الفلسطيني والقرار الذي سيصدر عن المنتظم الدولي سيشكل مرجعية للمفاوضات بدلا من المرجعية التفاوضية وسيشكل ضمانة مستقبلية في حالة فشل المفاوضات ،وأكبر خطأ يقع فيه المفاوض أن يتراجع عن استحقاق أيلول أو يضع المفاوضات بديلا عنه .

3.   حتى الآن من غير الواضح هل ستبحث الجمعية العامة موضوع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية أم أن مجلس الأمن وبضغط من واشنطن سيقطع الطريق على الجمعية العامة ،وفي حالة صيرورة الموضوع عند الجمعية العامة فهل سيناقَش الموضوع ضمن اجتماع عادي للجمعية وفي هذه الحالة ستصدر الجمعية قرارا أو توصية غير ملزمة تضاف لعشرات التوصيات التي لم تنفذ حول الشأن الفلسطيني كقرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين 194 لعام 1949 ؟ أم ستجتمع الجمعية تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام )؟ وآنذاك يمكن للجمعية إصدار قرارات ملزمة .

4.   لا تجتمع الجمعية العامة تحت عنوان (الاتحاد من أجل السلام) إلا إذا كانت هناك حالة او صراع يهدد السلام العالمي،كالسابقة المشهورة في حرب كوريا 1950 ،وعلى هذا الأساس إذا أراد الفلسطينيون قرارا ملزما لإسرائيل وواشنطن يجب خلق ظروف نضالية منذ الآن تدفع العالم للمسارعة لبحث الصراع في الشرق الأوسط خوفا من تداعياته على السلام العالمي ،وفي هذا السياق نقترح تفعيل المقاومة السلمية وتصعيدها حتى سبتمبر .إن لم يحدث ذلك فلن تنعقد الجمعية العامة لتمنحنا القرار الذي نريد أو ستجتمع لتصدر توصية  مبهمة يمكن لكل طرف تفسيرها كما يريد. 

5.     حتى الآن من غير الواضح صيغة القرار الذي سيُقَدم للجمعية العامة وما هي التعديلات التي ستطرأ عليه داخل أروقة الجمعية،فهل سيكون القرار المطالبة بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة ؟أم الاعتراف بدولة فلسطينية على كامل أرضي الضفة وغزة عاصمتها القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين؟ أم مجرد قرار ينص على حق الفلسطينيين بدولة فلسطينية على حدود 67 بدون التطرق للقدس واللاجئين؟إذا كان القرار بالصيغة الثانية سيعتبر هذا تراجعا عن الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية محل التوافق الوطني وسيكون محطة جديدة من محطات التنازل مما سيؤدي لتوتير الوضع الفلسطيني الداخلي وتخريب المصالحة التي ما زالت في بداياتها.

 

وأخيرا نقول بان المنتظم الدولي لا يمنح حقوقا سياسية للشعوب تلقائيا بل يُضطر للاعتراف بحقوق الشعوب التي تناضل دفاعا عن حقوقها ويُضطر للتدخل إذا ما شعر أن السلم والأمن الدوليين  مهددان بالخطر،وعليه فدرجة من التصعيد الشعبي السلمي المدروس ضرورة حتى يأخذ المنتظم الدولي مطالبنا مأخذ الجد.

 

‏05‏/06‏/2011

[email protected]

[email protected]

www.palnation.org

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1780 الاثنين: 06 / 06 /2011)

 

 

  

في المثقف اليوم