أقلام حرة

العراق: مقام الرئيس الفخري يهزم حصانة النائب المنتخب / علاء اللامي

هشاشة وتناقض المنظومة السياسية القائمة على قواعد المحاصصة الطائفية والإثنية التي خلفها الاحتلال الأميركي وراءه، كما كشفت عن عمق تأثيرات تجربة الحكم الشمولي السابق، و وترسخ الكثير من طرق التفكير والممارسات القديمة في أذهان حكام اليوم.

تقول القصة باختصار، إن النائب الأسدي  صرح للصحافة باعتقاده أن إيواء الرئيس الطالباني لنائبه المطلوب للقضاء طارق الهاشمي،  تنطبق عليه الفقرة باء من المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب والخاصة بمن يؤوي المتهم بالإرهاب. تصريح النائب الأسدي، أثار جلبة  شديدة وردود أفعال متناقضة: نواب وساسة "التحالف الكردستاني" ثاروا ورفضوا هذا التصريح وطالبوا صاحبه بالاعتذار.  أحدهم، وهو النائب والقيادي الكردي محمود عثمان، وازنَ، بحصافته المعهودة، بين أمرين فقد دان تصريح الأسدي واعتبره تصعيدا غير مبرر من جهة،  و طالب الرئاسة بعدم السماح للهاشمي بمغادرة  كردستان إلى خارج البلاد من أخرى.

موقف عثمان هذا، فسّره أكثر من مراقب بأنه يعني أن تصريح الأسدي أدى مهمته بنجاح. فهو وإنْ كان مصدر توتر إضافي وموضعَ رفضٍ كرديا، ولكنه جعل من شبه المستحيل على الزعامة الكردية أن تغامر بالسماح للهاشمي بالخروج من مناطق سيطرتها بعد الآن. في اليوم التالي، وخلال جلسة للبرلمان طلب الأسدي الكلام، وأدلى بمداخلة كرر فيها حرفيا تصريحاته الصحافية فثارت ثائرة نواب "الكردستاني" وأحدثوا ضجة ثم انسحبوا من الجلسة احتجاجا فأسقطوا النصاب ورفعت الجلسة. كان حضور نواب الكردستاني قد أفشل مقاطعة قائمة علاوي وجعلها من دون مسوغ عدة مرات، غير أنّ مشكلة تصريح الأسدي غيّرت الأمور على الأرض.  نواب قليلون من "التحالف الوطني"، الذي ينتمي إليه الأسدي تضامنوا معه، ودافعوا عن حقه في إبداء رأيه كنائب ذي حصانة في البرلمان وتحت قبته ومن هؤلاء النائب سعد المطلبي، أما الكثيرون فقد سلطوا عليه ضغوطا قوية، كما اعترف هو شخصيا، بهدف إجباره على الاعتذار للطالباني، ولكنه رفض. "الكردستاني" صعّد من لهجته، وطالب على لسان نائبه خالد الشواني الذي يصفه بعض المتابعين للشأن العراقي بالمتخصص في  الصراخ والتعامل المتشنج، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البرلمانات، بمنع الأسدي من دخول البرلمان حتى يعتذر عن تصريحه المناوئ للرئيس. أوساط سياسية وصحافية علقت بمرارة وغضب على هذا الشرط الذي اعتبرته مُذِلا لنائبٍ ذي حصانة. في السياق، علقت صحيفة عراقية إلكترونية معارضة على الحادثة بافتتاحية تحت عنوان "هل سيطالب التحالف الكردستاني بقطع لسان الأسدي؟"، ذكّرت فيه القارئ بما كان يفعله النظام السابق بمن يجرؤ على التطاول على رأس النظام حيث كانت مليشيات "فدائيي صدام" تقطع لسانه علنا أمام الجمهور، وهناك العديد من تسجيلات الفيديو على موقع "يوتيب" توّثق تلك الممارسات.

كتاب ومسؤولون مؤيدون لائتلاف "دولة القانون" تساءلوا في الصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي قائلين: لماذا ثارت ثائرة البعض في الكردستاني والعراقية وطالبوا بطرد نائب من البرلمان وحرمانه من دخوله لأنه طرح رأياً بخصوص قضية واضحة تتعلق بالرئيس الفخري للدولة، ولكنهم سكتوا و لم يقولوا شيئا حين اتهم النائب صباح الساعدي رئيس الحكومة نوري المالكي بقتل المسرحي والناشط الديموقراطي العراقي هادي المهدي؟ مثقفون مستقلون سخروا من هذه الأزمة برمتها، وأرجعوها إلى طبيعة الحكم الطائفية الإثنية، مقارنين بينها وبين أحداث مشابهة اتهم فيها رؤساء دول كبار ومعروفون وتمت إدانتهم كالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والأميركي الذي أجبر على الاستقالة نيكسون.

  القائمة " العراقية" بزعامة علاوي لم تكن غائبة عن المشهد إذ جاء رد فعلها مثلما هو متوقع فقد سارعت إصدار بيان تلاه رئيس كتلتها سلمان الجميلي دانت فيه  تصريح الأسدي بشدة رابطة بينه وبين نهج المالكي وقائمته دولة القانون بعبارات قوية انطوت على اتهام المالكي بالتواطؤ مع النائب صاحب المداخلة للنيل من مقام الرئاسة. أما الناطقة باسم كتلة "العراقية" ميسون الدملوجي فقد رأت في تصريحات الأسدي "محاولة جديدة في التفرد بالحكم وأن الاستهداف السياسي، سيمتد إلى كل الكتل المشاركة في العملية السياسية مما ينذر بتردي مخيف للأوضاع وتقويض واضح لأركان الدولة العراقية). الدملوجي لم تترك الفرصة تمر من دون أن تُطري وتمتدح الرئيس فوصفته بالرمز الوطني وحامي الدستور وأبي العراقيين جميعا والمناضل العنيد ضد الدكتاتورية، وختمت تصريحها بالقول " إن تأريخ الطالباني النضالي ضد الدكتاتورية يزيد على عمر حسين الأسدي كله". مراقبون فسّروا هذا التصريح بمحاولة لاستثمار الأزمة من قبل قائمة علاوي ودق إسفين بين  الكردستاني ودولة القانون ولكن هذه المحاولة لم تنجح كما يظهر فقد أكد مسؤول في الكردستاني أن "خلافنا مع دولة القانون لن يجعل منا خصمين ولن يؤدي إلى تحالفنا مع العراقية".

 في جلسة الخميس، 5/1/2012 ، بدا وكأن الطرفين، دولة القانون والكردستاني، قد توصلا إلى حل وسط لأزمة النائب الأسدي ومقام الرئاسة. قبل هذا الحل، كان الكردستاني قد رفض اعتذارا بالنيابة قدمه ثلاثة نواب من قيادي التحالف الوطني هم خالد العطية و بهاء الأعرجي وحسن السنيد، وقد شاهد المتابعون تفاصيل الحل الوسط وهو يطبق عمليا: قادة التحالف الوطني العطية والأعرجي والسنيد ونواب آخرون يصطحبون النائب "المتمرد" الأسدي ويتوجهون به إلى مكتب كتلة الكردستاني في البرلمان. الأسدي يدلي بمداخلة جديدة خلال الاجتماع في مكتب الكردستاني. التحالف الكردستاني اعتبر هذه المداخلة اعتذارا رسميا وأنهى مقاطعته لجلسات البرلمان، ولكن الأسدي خرج من الجلسة ليقول للصحفيين "لقد وضّحت موقفي من قضية علاقة الرئيس الطالباني بقضية الهاشمي ولم أعتذر للكردستاني ". ردُّ الأسدي أعجب البعض ولكن مشهد اصطحابه إلى مكتب الكردستاني من قبل زملائه لم يعجب الكثيرين لما انطوى عليه من إذلال و تَشَبُهٍ بتقاليد قبلية بالية كما قالوا.   مساء ذلك اليوم، حسم رئيس كتلة الكردستاني  فؤاد معصوم، المعروف باعتداله وبعده عن التشنج، الموقف حين قال لإحدى الفضائيات العراقية  " لقد اعتبرنا مجيء الإخوة في وفد التحالف الوطني ومعهم الأسدي إلى مكتبنا اعتذارا"! معصوم أضاف أيضا ما يهدئ الأعصاب المتوترة حين قال إن التحالف الكردستاني لم يرفض مداخلة الأسدي في البرلمان بخصوص رئيس الجمهورية لأنها قانونية" ولكننا نرفض بعض الكلمات التي تفوه بها والتي كانت تنطوي على القذف بحق الرئيس". ورغم أن معصوم لم يذكر تلك الكلمات المرفوضة فقد اعتبر المراقبون أن الأمور ستهدأ و تتوقف عند هذا الحد برلمانيا، خصوصا وأن خبيرا قضائيا هو طارق حرب  حسم الجدل قانونيا وقال "إن توجيه تهمة إيواء متهم بالإرهاب لا يمكن توجيهها إلى الطالباني لعدم توفر القصد الجنائي في حالته". أغلب المحللين اتفقوا على أن هذه الأزمة يجب أن تنقضي سريعا على قاعدة أن الأكراد بحاجة إلى التحالف الوطني وإلى استمرار عمل مجلس النواب لحسم عدد من الملفات ومشاريع القوانين في أجواء مريحة له، مثلما أن التحالف الوطني بحاجة للكردستاني لذات السبب. ولكنّ مفاجآت النائب الشيخ الأسدي لم تنته عند هذا الحد، بل أضاف أخرى لن تكون ،كما قال معلقون، من مصلحة "العراقية" أو متشددي الكردستاني حين كشف عن انه تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الطالباني  دعاه فيه إلى زيارته لتوضيح رأيه فيه وفي قضية الهاشمي عموما! بعض المراقبين عبروا عن دهشتهم واستغرابهم من هذه المفاجأة ولكنّ مراقبين ومحللين آخرين، ملمين بطباع الطالباني وطريقة تفكيره، لم يستغربوا ذلك لأسباب منها ما يتعلق بذكريات الماضي العراقي ككل، ومنها ما له علاقة  بما وجهه البعض للطالباني من اتهامات بارتكاب مجازر لعل من أشهرها مجزرة "بشتآشان" ضد حلفائه الشيوعيين العراقيين سنة 1983.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1998 الأربعاء 11 / 01 / 2012)

 

 

 

في المثقف اليوم