أقلام حرة

نزاع طائفي في البعث العراقي: بين "سُنة" الدوري و "شيعة" الكرافي / علاء اللامي

التي يرجح مراقبون متخصصون بالشأن العراقي أن يكون حامد منفي الكرافي أحد قادتها لأسباب ستتضح لاحقا. البيان يكرر اتهامات سابقة، وتحذيرات مكررة مما وصف بسيادة النهج الطائفي في قيادة البعث/ جناح عزت الدوري، نائب الرئيس المعدوم صدام حسين. اتهامات يمكن أن نأخذ عنها فكرة أولية من عنوان  البيان فهو يقول حرفيا (منظمات البعث في الفرات والجنوب تستهجن وترفض تعيين قيادة أصلية من "السُنة" وقيادة احتياط من  "الشيعة"). نفهم من البيان، أنّ قيادة جناح الدوري عقدت اجتماعا تنظيميا مصغرا لعدد محدود من أعضاء "قيادة قطر العراق" قبل نهاية العام الماضي. الهدف من الاجتماع، كما يقول البيان، كان معالجة الأخطاء وسياسة التهميش والإقصاء التي سبق لهذه المنظمات الناشطة في المحافظات ذات الغالبية العربية الشيعية قد اشتكت منها في عدة بيانات وتصريحات مماثلة صدرت عنها. البيان الجديد يعتبر قرارات الاجتماع المصغر خاطئة، ولذلك فهو "يستهجنها ويرفضها ويعتبر الاجتماع المذكور غير شرعي". السبب في ذلك، كما قيل، هو أن تلك القرارات نصت على (تشكيل قيادة أصلية من الرفاق "السُنة" فقط، وقيادة احتياط من الرفاق "الشيعة" فقط) البيان اعتبر هذا الإجراء  (كفراً واستهانة غير مسبوقة بشريحة مهمة من التنظيم ، فلا يصح أن يعتبر البعثي بعثياً من الدرجة الأولى أو الدرجة الثانية حسب طائفته، بل يكون التقييم نتيجة العمل والجهاد والتضحية ، فان حصل التقييم وفق معيار "السُنة والشيعة" فهذا يعتبر خط أحمر وتجاوز خطير وغير مقبول). بيان منظمات الفرات والجنوب اعتبر العبارة الواردة في قرارات الاجتماع المصغر والقائلة "إنّ عدم تنفيذ هذه القرارات يعني التمرد على الشرعية"، اعتبرها ( تهديدا صريحا عن عمد ودراية ومحاولة فرض واقع مرٍّ من خلال قرارات ذات صبغة طائفية ومناطقية) ويلمح الكرافي في مداخلات صحافية أخرى، لاحتمال أن تعمد قيادة الدوري للوشاية بالرافضين لقراراتها إلى "جهات معينة" كعقوبة لهم. وقد خُتِم البيان بقرار لهذه المنظمات ينص على (عدم التعاطي أو الارتباط بأي من أعضاء قيادة قطر العراق في الداخل والخارج ومواصلة العمل التنظيمي وفق مقررات قيادة تنظيمات الفرات الأوسط والجنوب المتخذة خلال العام الماضي وحسب التفاهمات المسبقة مع القيادة القومية). محللون اعتبروا أنّ قيادة هذه المنظمات، وإنْ كرست انشقاقها عن جناح الدوري، ولكنها لم تنظم إلى الجناح الآخر المنافس للدوري والذي يُدعى " قيادة قطر العراق / المؤتمر الاستثنائي ". معلومٌ أن قيادة حزب البعث العراقي انقسمت إلى جناحين: الأول، يدعى "قيادة قطر العراق" بزعامة عزت الدوري و الثاني هو "قيادة قطر العراق/ المؤتمر الاستثنائي"، نسبة إلى المؤتمر الاستثنائي الذي عقدته مجموعة محمد يونس الأحمد وقررت فيه فصل عزت الدوري لأنه كما زعمت خان الرئيس المعدوم صدام حسين بعد أنْ وشى بعثيون من أقارب عزت الدوري بمكان اختبائه  لقوات الاحتلال. المحللون استغربوا أن مجموعة الكرافي  لم تنظم  إلى الجناح الثالث في البعث والذي نشأ نتيجة اندماج أو تحالف مجموعة من المنظمات البعثية في تيار يدعى "تيار الانبعاث والتجديد" ومن أشهر قياديه الدكتور عبد الخالق الشاهر، أستاذا للعلوم السياسية سابقا في جامعة عسكرية تابعة لنظام البعث.

عارفون بالشأن البعثي العراقي قالوا إنّ الحديث عن نزاعات وخلافات ذات جذور أو دوافع  طائفية في البعث ليس أمرا جديدا، فقد سبق لقيادات بعثية انشقت عن الحزب أنْ انتقدت أو لمحت إلى وجود ميول طائفية "سُنية" لدى قيادة جناح الدوري. فبعد مؤتمر الأحمد الاستثنائي وقرار طرد الدوري بدأت قيادة الأخير تغمز من قناة الأحمد لكونه "من أصول شيعية، وينحدر من مناطق يسكنها الشيعة في محافظة نينوى". وقد ردّ بعثيون مؤيدون للأحمد بأن الدوري "يتشبث هو ومجموعته بقيادة الحزب تاركا للرفاق من الشيعة الوظائف الإعلامية والإدارية التي لا أهمية لها ومن هذا القبيل إصراره على  تنصيب شخص شيعي كناطق رسمي باسمه هو خضير المرشدي، وهو شيعي من أهالي مدينة الحلة، و حتى عندما سرت إشاعة استبداله قبل فترة، تردد أن بديله سيكون شيعيا أيضا و من محافظة ذي قار".

من أوائل البعثيين الذين  تكلموا صراحة حول هذا الموضوع عبد الخالق الشاهر ، قائد جماعة " التوحيد والمراجعة" والذي انضم لا حقا لتيار "الانبعاث والتجديد". الشاهر اتهم الدوري ( بإثارة الحساسيات الطائفية جراء خطابه السلفي، على عكس صدام حسين الذي كان يتجنبها حفاظا على علمانية حزب البعث) ولكنه أرجع الصراع بين الدوري والأحمد على الزعامة وليس بدوافع طائفية صريحة.

ردود الأفعال على البيان وتداعياته وخصوصا بين  البعثيين العراقيين وعلى صحفهم الإلكترونية ومواقع التواصل جاءت لتعكس  خلفيات وطبيعة النزاع موضوع الحديث وتنوعت بين توجيه الاتهامات للبيان ومن ورائه  وبين مدافع عنه وعن مضامينه .

فقد اعتبر أحد البعثيين المقيمين في سوريا أن البيان ركيك ومفبرك من قبل مخابرات النظام الحاكم في بغداد ليس إلا. وإن ما ورد فيه "كذب ودجل"، بل هو أنكر أن يكون مصدروه بعثيين أصلا. وقد رد عليه شخص آخر يدعى رياض المحاويلي بحدة وطالبه "بالاعتذار من الرفاق في منظمات الفرات والجنوب". ردود أخرى مناوئة للبيان كررت هذه الاتهامات وغيرها وقد رد عليها حامد الكرافي الذي يرجح المراقبون انه هو الناطق المخول باسم تك المنظمات وسرد أمثلة موثقة بالأسماء والحيثيات، الأمر الذي يشي بكونه على اطلاع تام ببواطن الموضوع. من ذلك أنه قال، ردا على من احتج على عدم نشر القرار الخاص بتنصيب "قيادة أصيلة من السنة واحتياطية من الشيعة" في مواقع الحزب الرسمية  كالبصرة نت والمنصور، قال إنّ  من غير المعقول أن تقوم تلك المواقع بنشر قرار بهذا السوء ، إضافة إلى أن نشر قرارات تنظيمية علنا في مواقع الحزب أمر غير مألوف.  الكرافي في رده جاء ببعض الأمثلة على كوادر حزبية معروفة من بينهم راضي حسن سلمان وقائد العوادي ملمحا إلى أنهما من أسر شيعية، وكيف تم انتخابهما عضويْ احتياط في قيادة الحزب في عهد صدام حسين، وأنهما ظلا بتلك الصفة حتى انتبه صدام نفسه إلى هذه الحالة غير الطبيعية فأجرى، كما قال الكرافي " "موازنة ، ولو محدودة على القيادة ".

صحيفة " الرشيد" الإلكترونية ذات التوجهات البعثية، والتي تبدي غالبا تعاطفا مع جميع الأجنحة والجماعات البعثية المنشقة، كانت باشرت منذ عدة أشهر نشر سلسلة وثائق قديمة وجديدة تحت عنوان معبر هو "ويكيلكس البعث"، ثم نشرت ردا آخر للكرافي تناول فيه قرارات قيادة الدوري الأخيرة، و أورد عددا منها لتوثيق الاتهامات الموجه  من قبل منظمات الفرات والجنوب معلقا عليها وناقدا لها ومما قال ( إن الحزب وقواعده الحقيقية في واد، وبعض الأشخاص الذين يتحكمون في مصير الحزب في واد أخر). الكرافي كشف أيضا عن بعض القرارات التنظيمية التي صدرت عن الاجتماع المصغر والتي لم يكشف عنها البيان، ومنها تنسيب الكادر البعثي صبار المشهداني وهو من أسرة سنية كما يقول لقبه ليكون  مشرفا على تنظيمات محافظات  البصرة، ذي قار، واسط ، بابل، كربلاء، النجف ، القادسية، ميسان، المثنى  وتتم مفاتحة مكتب أمانة سر القطر من خلاله حصرا. كما رفضت قيادة الدوري تصعيد " الرفاق مسؤولي تنظيمات تلك المحافظات إلى عضوية القيادة بذريعة أنهم بحاجة إلى فترة تأهيل واختبار .

وقد اعتبر الكرافي هذه القرارات "كارثية وغير محمودة العواقب". كادر بعثي آخر هو سليم الخالدي علق على البيان بالقول " من الممكن أن نجد تفسيرا لكل الأمور السابقة التي تم تداولها، ولكن هذا الموضوع مرفوض، لكونه فضيحة بكل ما تعنيه الكلمة. والآن، أنا أقرأ هذا الكلام تدمع عيني مما وصل له حال الحزب".

 إلى جانب أحزان بعثيين كالخالدي، نجد أيضا شيئا من خفة الدم لدى بعضهم إذْ علق أحدهم في"الرشيد"  متهكما وساخرا وقال ( إن الدستور العراقي الذي كتبه بريمر لا يسمح للبعث بالعمل السياسي، وكثير من الرفاق تفنن في تغيير الاسم فالبعض أسماه حزب العودة، والبعض الآخر ما يزال حائرا، واعتقد أن الاسم الجديد المقترح هو "حزب البعث الشيعي لصاحبه حزب البعث السني" وبذلك يمكن استحصال إجازة للحزب بهذا الاسم الجديد!).

 

 

 

 

في المثقف اليوم