أقلام حرة

نوابنا ونوابهم .. الى أين؟ / عبد الجبار العبيدي

حاولت ان أقرأ وأتابع جلسات هذا المجلس قراءة معاصرة بعيدا عن فكر الاخوان الفلسفي ومناهجهم الانتخابية التي أوصلتهم الى هذه النتيجة الممتازة في حكم الشعب والدولة، كمراقبين على الحكومة.انطلقت في المتابعة والتقييم لهم من الارضية الفلسفية والمعرفية للقرن الواحد والعشرين وكيفية تعاملهم مع الزمن الحاضر، وهل سيعرضون وجهة نظر جديدة في سلطتهم التشريعية كمراقبين على السلطة التنفيذية، أم سيبقون على فلسفتهم الدينية المتعالية على الشعب والدولة وهذه هي طبيعة المتدينيين السياسيين؟.

 

من خلال جلسة الافتتاح تابعت الكلمة التي القاها رئيس المجلس المنتخب السيد  محمد سعد الكتاتني لاحظت ان الاخوان قد تغيرت نظرتهم للسياسة والتشريع والاقتصاد والتاريخ، استنتجتها حصرا من كلمة رئيس المجلس وهو منهم اخذا بعين الاعتبارشمولية النظرة الفلسفية في حكم الدولة، لم يطرح احد منهم مشروعا مغايرا لما طرحوه قبل الانتخابات، لابل كان التركيز على هموم الشعب في العيش والامان وبناء مصر الحديثة بعد ان خربتها المصالح الشخصية للنظام السابق.

 

حقيقة القول ان الاخوان المسلمين لا يمكنهم ان يتنصلوا عن التأسيس القرآني، لمشروعهم الحضاري الاسلامي الجديدعند التطبيق حتى وان كانوا حاكمين. في هذه الحالة عليهم ان يعرضوا للناس الجانب التأسيسي والتطبيقي معاً في تصورهم لحكم الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين من حيث تأسيس الرؤية المفهومية

والقابلية للفعل في ظروف العصر الحديث.لذا فالامر يجب ان يعتبر في النظر او العمل يحوي المنهجين دون تغيير.

 

ان الاعتقاد السائد لديهم من خلال متابعة المناقشات والطرح الجدي للتغيير يشدنا الى الانتباه الى انهم يريدون تفعيل الترابط بين المنطلقات والتوجيهات لتحديد المسارات المستقبلية لبناء الدولة .مركزين بالدرجة الاولى على وحدة المجتمع واخلاقية التعامل بي نتحديد السلطة عن حقوق الناس، وبين السلطة والعالم، وبين القانون وتطبيقه. وهذا مفتاح النجاح لهم بنظر العارفين.

 

من هنا على المؤرخين ان يتابعوا بجدية القوانين التي سيطرحونها للنقاش والتي ستحكم الظاهرة التي ستفرض نفسها على ميلاد مجتمعهم الجديد بعد التغيير، الذي أوصلهم الى سلطة الدولة.بهذا التوجه الصحيح والخالي من كل مصلحة شخصية،  سيعرفون مواطن الخلل وشروط ميلاد المجتمع الجديد وفي القوانين المحددة المطروحة.على من يتابع نقاشاتهم حول العملية السياسية في مصر بعد التغيير، عليه ان يدرس الظاهرة الجديدة بكل دقة في أوضاعها تحررا من أي تشويش خارجي او داخلي كما يفعل علماء الطبيعة في بحوثهم العلمية. ونتمنى ان يكون التطبيق الرسولي الصحيح يمثل عندهم مكانة المُثل والأسوة، وان يبقى هدى الانبياء والرسل عندهم قدوة.

 

ان اول ملاحظة ايجابية تلاحظ عليهم ان لاغياب بينهم ابدا، فالمجلس المكون من أكثر من اربعمائة نائب كانوا كلهم من الحاضرين، رغم ان مرتباتهم ليست بالتي تستحق كل هذا الأهتمام من العلم والعمل.وهذا مؤشرصحيح افرزه التغيير حين اصبح الشعور بالمسئولية الوطنية يسبق كل شيء عندهم دون طمع او تغيير .

 

من هنا فأن أهمية مشروعهم الوطني اصبح قابلا للفعل في ظروف العصر الحالي واوضاع العصر وحقوق المواطنين. بهذه الرؤية وبهذا المنهج ، اصبحوا يملكون مشروعا وطنياً له منطلقُ وتوجهات وقسمات، هي بكل تأكيد ستحدث في وطنهم مصر تغييرا جذريا في مستوى النظر والعمل معا، وفي مستوى الرؤية التاريخية لمرحلة ما بعد التغيير، وستفشل كل الحركات المناهضة للتغيير.

لو تفحصنا الرؤية التاريخية لمشروعهم الوطني كيف نستطيع تقييمه ومدى اختلافه عما سبقه من رؤى وتطبيقات عملية في مستوى القوانين. وكيفية حصول التغييرات على مستويات النظر والعمل في بلادهم التي مزقتها الاحداث؟

 

اعتقد ان فيهم من المنظرين وخاصة جماعة الاخوان الذين يملكون منهجا ورؤى استراتيجية في التطبيق انهم بدأوا يرون ان للتاريخ بعدان : الاول المعايير التي تحدد خط الارتقاء على المستوى الانساني المطلوب، والثاني هو البعد الزمني الذي يحدد مسار تفاعلات العلاقات الفردية والجماعية على مستوى الامر الواقع.

 

معيارهم المرجعي هو التشريع الديني الذي يمنع من يكون في مسئولية الدولة من المقصرين، بعد ان اتم الله عليهم النعمة بالانتصار والتحرير، والبعد الزمني هوان دورهم ونضالهم من اجل الشعب والوطن قد بلغ سن الرشد ومرحلة تحمل الاعباء فلا مجال امامهم الا الاخلاص والتنفيذ.

 

بعملهم هذا وتوجهاتهم الصحيحة اصبح العقل حرا مختارا بتوجهات التشريع، فلا بد لهم من التأسيس بالتطبيق الرسولي الذي يدعون.

 

من هذه التوجهات الوطنية والشرعية اصبح لزاما عليهم المواظبة والحضور، والعمل بيد جماعية لتلافي النقص في القوانين التي ظلت معطلة طيلة حكم الفاسدين، وتطبيق القسم الذي اقسموا عليه قبل التعيين، والقسم بنظر المخلصين ثقيل لا يمكن التنصل عنه عند المخلصين.انها مسئولية اخلاقية عليهم تطبيقها واجب دون هروب.وانا واثق انهم سيكونون من المطبقين.

 

لو اخذ نا الحالة العراقية عندنا بعد التغيير واجرينا مسحا تقييميا لاعضاء البرلمان العراقي منذ التاسيس عام 2004، لوجدنا الامر كان مغايرا تماما لماحصل في مصر. فأنتخابات الجمعية الوطنية التأسيسية كانت تعيين لا أنتخاب، فكانت البداية تجاسرا على حقوق المواطنين احتلت القوائم التي رافقت الاحتلال مكان الصدارة في التعيين دون كفاءة او تقييم، لا بل تركت جرحا في التبذيرلأموال المواطنين حين سمحوا بتهريب المال العام وسرقت اصول الدولة دون مسئولية من ضمير. .

 

بعدها كانت انتخابات عام 2006 التي حشروا لها كل الامكانيات التي اضاعوها بانتخاب نواب لا يمثلون الشعب في معظمهم رغم صناديق الانتخابات وما صرف عليها من الملايين، كلها ذهبت هباءً عندما تم تعيين النواب على القائمة بالتدليس، فافرزت الانتخابات من النواب والوزراء امثال الشعلان وايهم السامرائي والبدران ما يندى لها الجبين، لكنها كانت فترة الامتيازات والرواتب والمنافع الاجتماعية التي قبضوها كلها تجاوزا على القانون، وأكلوها حراما من قوت المواطنين.

 

ثم جاءت انتخابات عام 2010 وكلنا شاهدنا وراقبنا المعارك الشخصية التي حدثت وتجاوزت القانون بتعطيل المجلس اكثر من ثمانية اشهر من اجل التوافق على انتخاب رئيس الجهورية ورئيس الوزراء ودور المحكمة الاتحادية في اتخاذ القرار، وهكذا جاء المجلس الجديد وليدا لمجلس سابق عليل، همهم المال والحماية والرواتب والتقاعد واستغلال السلطة لهم ولمن هم في دوائرهم دون تحديد.اما سكنهم وايفاداتهم الفارغة وما يصرف عليهم في مكاتبهم وحراساتهم وسياراتهم المميزة فحدث ولا حرج، وكأن التغيير جاء من أجلهم لا من اجل الوطن والشعب والوطنيين.حذاري ايها المواطن من أن تنتخب واحدا منهم وان اغروك بالمغريات فالوطن أنمى للمال والجاه منهم.

 

ومن يتابع جلسات المجلس برئيسه النجيفي الذي كنا نأمل منه كل جديد يرى كيف ان التوافقات خلقت كل هذه الهلمة من تجاوزات القانونوالذي اصبح لا همَ له الا ولاية الموصل أملا بالأتراك الرابضين.وتقف غيابات الغالبية منهم المتسكعين في خارج الوطن لدرجة ان ما اجتمع المجلس مرة الا واعلن عدم اكتمال النصاب/325 لم يحضر منهم في كل جلسات المجلس سوى 175-200 والباقي في خبر كان، هؤلاء هم الذين يشرعون القوانين. يبدو ان الغالبية أتخذت من المجلس جسرا للأثراء والسلطة دون اية مسئولية من ضمير .

 

لقد صدق الحاكم الامريكي بريمر في كتابه (سنتان في بغداد) ص58 وما بعدها حين قال: ان مجلس الحكم لم يجتمع مرة ابدا الا في حالة بحث مخصصاتهم ومنافعهم المادية ولا غير.صدق بريمر الحاكم المحتل اللا أمين. والمجلس النيابي هو الوريث لمجلس الحكم الذي اوقع العراق في كل هذه التجاوزات القانونية على الثوابت الوطنية التي احيوا بها الطائفية البغيضة والمحاصصة الوظيفية اللعينة والعنصرية الشوفينية المرفوضة التي اضاعت الحقوق.هذه التجاوزات التي رفضها كل العراقيين منذ عهد كوكس ومود عام 1918 .فهل سيصحى المارد العراقي اليوم ليعيد الامة الى وضعها الطبيعي أم سنبقى نركض وراء سراب الأخرين ؟

 

هذه هي المجالس التي منها سيبنى الوطن للمواطنين؟ ان فاقد الشيء لا يعطيه ابدا عبر الزمن والتاريخ.

 وتبقى نقطة هامة نقولها على مضض حين كنا نأمل من السيد المالكي ان يجتمع بالعراقيين في زيارته الاخيرة لواشنطن لا في بعضهم من المقربين لننقل له كل خبر يقين، لكن السفارات تبقى هي هي لا تريد لها الا المقربين.ولو فعلها المالكي واجتمع بالعراقيين لكسب من التأييد له ولمستقبله السياسي ما لا يمكن كسبه ولو خسر الملايين.لكن مع الاسف ان القيادات المخلصة احيانا تخسر الفرص المتاحة بسبب ما يحيط بها من المنتفعين.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2030 الثلاثاء 14 / 02 / 2012)


 

عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم