أقلام حرة

خالد القشطيني .. علامة استفهام؟ / مصطفى الأدهم

"في حوار لي في أيام صدام حسين مع خبيرة اسرائيلية متخصصة بشؤون العراق، قالت لي صراحة أن تقسيم العراق سيكون من مصلحة العراقيين. وان من مصلحة اسرائيل نقل الحكم للشيعة لأنهم أقل حماسة من السنة لموضوع فلسطين. طبعا نجحوا الأن في كلا الهدفين. لا تبدي الحكومة العراقية الان أي اهتمام بموضوع فلسطين واضطر سائر الفلسطينيين إلى مغادرة العراق. وبالطبع حققت مخططاتها في السودان بتقسيم السودان إلى شمال وجنوب". (1).

 

يورد القشطيني كلام الخبيرة الإسرائيلية (التي يفترض أنها عدوة بحسب منطقه) على أنه كلام "منزل، منزه، صادق". فهو لا ينكره بل يؤيده بحذافيره بدليل ال"طبعا" التي أضاف لها "نجحوا الأن في كلا الهدفين". أنه لمن المخزي لكاتب عراقي بلغ من العمر عتيا أن يكون لسان حاله ما يدعي أن "خبيرة اسرائيلية" قالته كرأي لها، ويجاريها دون الإلتفات إلى أنه ربما كغيره من كلام الإسرائيليين "مؤمرة لضرب وحدة العرب والمسلمين" - الغرض منها "تقسيمهم" كما يسوق هو في باقي مقالته.

 

السؤال المهم هو لماذا يفترض بالشيعة أن يكونوا أكثر حماسة من السنة في موضوع فلسطين، ولماذا يفترض أن يكون السنة أكثر حماسة من الشيعة في موضوع فلسطين؟

لماذا أصلا هذا التنافس والمقارنة؟!

فهم ليسوا في سباق ابتغاء مرضاة عقد السيد القشطيني الطائفية. فهو ليس بمركز أبحاث رصين كي يورد "الحقائق" بهكذا قطعية "بان الشيعة أقل حماسة من السنة لفلسطين" - أي بالعربي الفصيح "يا جماعة أن الشيعة خونة، وعملاء للصهيونية، وهم وهي وجهان لعملة واحدة، فهم عجم وليسوا بالعرب، وتذكروا بأنهم أحفاد أبن العلقمي".

الا يساوي ذلك الكلام الصريح الذي يحمل هذا التلميح فعل فتوى وهابية تكفيرية تخرج الشيعة من الدين وتستبيح دمائهم؟ 

الجواب، نعم. فشيخ الوهابية سلاحه الفتوى التكفيرية. والكاتب الطائفي سلاحه المقالة التخوينية. وفي النهاية يلتقيان على نفس الهدف. 

 

السيد القشطيني تناسى بأن الشيعة لا يقلون حماسة عن اخوانهم السنة في موضوع فلسطين، ولا داعي لأن يكون السنة "مسطرة" يقاس عليها دائما الشيعة، لأن هذا بحد ذاته عنصرية نازية صريحة. وتمييز واستعلاء لا مبرر له. 

يكفي ذكر الحقائق التالية:

ليس الشيعة من ابرم اتفاق سلام مع اسرائيل ولا هم السنة انما الحكام. فالسادات ابرم اتفاق سلامه مع تل أبيب (عام 1987) قبل أن يسقط الخميني نظام الشاه (عام 1979) الحليف لإسرائيل. وتركيا الأتاتوركية العلمانية حليفة لإسرائيل كما هو الحال اليوم مع تركيا الاردوغانية الإخوانية. وكما كان الحال مع ايران الشاهنشاهية. فلماذا التفريق؟ الذي لا يصب في مصلحة طائفية القشطيني.

أن ما يسمى بدول "الإعتدال العربي" هي من تقيم علاقات مع اسرائيل وتطبع معها، وتدعو إلى التطبيع معها. بالإضافة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية. وهما "يحاربان" ما يسمى ب"فصائل المقاومة الفلسطينية المدعومة من ايران وسوريا و"حزب الله" كي يطلقوا المقاومة ويخرطوا في التطبيع - السلمي" - فما علاقة الشيعة بهذا! أن الأزهر الشريف، وما يسمى بهيئة كبار علماء الوهابية في السعودية، والإتحاد العالمي لعلماء القرضاوي، من سكت عن أقامة التحالفات والإتفاقيات والعلاقات مع اسرائيل. فلم يحركوا ساكنا سوى بيانات رفع العتب التي لا تقدم ولا تؤخر في شئ. 

في المقابل فأن الشعوب السنية في دول "الإعتدال العربي" هي من رفضت كما الشيعة هذا التطبيع وهذه العلاقة من حكامها مع اسرائيل. ولم يكن لهذه الشعوب موقف طائفي تجاه "حزب الله" الشيعي الذي حرر الأرض العربية دون غيره، وحرر الأسرى من لبنان وبقية الدول العربية، حتى وصل الأمر ببعض حكومات "الإعتدال" أن ترفض أدراج أسراها في صفقة "حزب الله" حتى "لا تعطيه نصرا اضافيا" - فأي عمالة هذه؟ واية حماسة قشطينية!

 

أن صدام القائل "طريق تحرير القدس يمر عبر الكويت". والقذافي "القائل بدولة اسراطين". وآل سعود من قالوا "أنها مغامرة طائشة عن حرب تموز في لبنان". ومفتي الوهابية السعودي "من حرم الدعاء بالنصر ل"حزب الله" في حرب تموز مع اسرائيل". والقرضاوي "مفتي الناتو". وصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية التي يكتب لها القشطيني ورئيس تحريرها طارق الحميد من ينظران مع "العربية" ومديرها عبدالرحمن الراشد (ومن ورائهما آل سعود) بأن ايران الشيعية هي العدو الأول وليست اسرائيل"، والقشطيني اليوم يسير في نفس الركب. فهل يجوز حسبهم على السنة عملا بمنطق السيد القشطيني الاعوج؟ الجواب: لا.

أن الحكومات في العراق الجديد ورغم علاتها، إلا أنها منتخبة ديمقراطيا، ومن حقها النظر في مصلحة وطنها وشعبها أولا. هكذا يفترض. فشعار "الأردن أولا" حلال على عمان. وشعار "لبنان أولا" حلال على سعد الحريري، لكن أن قالت به حكومة عراقية لا تعكس الميراث الطائفي للحقبة الملكية الذي يحمله السيد القشطيني تكون عميلة وحققت نبؤة اسرائيل!

ألم تدفع الحكومة العراقية 100 ميلون دولار للسلطة الوطنية الفلسطينية على الرغم من حاجة الشعب العراقي لها؟

ألم تقيم حركة "حماس" مجلس عزاء على الطاغية وابنائه ونعتتهم ب"الشهداء" في استفزاز واضح لمشاعر العراقيين. ألم يدافع الكثير من الفلسطينيين في العراق عن المقبور صدام ونظامه بشكل طائفي واضح، والكثير منهم كان يعمل في الأجهزة الأمنية الصدامية القمعية.

لكن، مع ذلك لا ندعو إلى التعميم أو الإنتقام. القانون هو الحكم والفصيل.

هل من واجب العراق أن يحير بنفسه وشعبه في مواجهة الإرهاب وتوفير الأمن والخدمات وبناء وطن خربه صدام دون أن يحرر القدس - أم على العراق وشيعته أن يكونوا مرة أخرى وقود حرب جديدة، هذه المرة بقيادة القشطيني ل "تحرير فلسطين" التي لا يريد عرب "الإعتدال" ولا السلطة تحريرها بل تقسامها مع اسرائيل أن رضيت الأخيرة؟ مع الاخذ بعين الاعتبار تصريح شمعون بيريز الداعي (عرب الاعتدال "السنة" التحالف مع اسرائيل لمواجهة الخطر الشيعي المشترك)!

 

ختاما، يكذب عبدالرحمن الراشد "حقائق" القشطيني القطعية وفي نفس الجريدة حيث يقول عن تقسيم السودان "أن البشير هو الذي باع الجنوب (جنوب السودان) بأكمله قبل خمس سنوات عندما رأى أنه محاصر دوليا بسب جرائمه في غرب وجنوب البلاد". (2).

 

فأما ان الراشد عميل لإسرائيل يريد حرف الأنظار عنها في تقسيم السودان أو أن القشطيني كذاب؟ 

 

أنه القلم عندما يصاب بالزهايمر فيهين نفسه وصاحبه وتاريخه أن كان له من تاريخ لم يلوثه بدرن الطائفية..

 

مصطفى الأدهم 

06.05.2012



................................

(1) http://aawsat.com/leader.asp?section=3&article=675881&issueno=12213

(2) http://aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=12212&article=675852

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2113 الأثنين  07 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم