أقلام حرة

اللغة الكوردية الموحدة توحد الكوردستانيين / سامان سوراني

فاللغة لم تعد كما كانت في الماضي مجرد تمثل للأشياء، بل أصبحت إمكاناً للوجود بقدر ما تجسد بيئة للفكر أو وسطاً للفهم.

اللغة ماهي إلا كائن حي قابل للتطور والإستحداث وفق ما يقرره الناطقين بها، كونهم أصحاب مصلحة في هذا التطوير. وهذا التطوير يجب أن يكون إستجابة لتطور المجتمع الكوردستاني ونابعة عن واقعه المعيش. إن المبادرة القيمة للسيد رئيس إقليم كوردستان مسعود بارزاني في ضرورة العمل على طرح لغة كوردية موحدة تأتي من هذا المنطلق وتأكيداً بأن الأمم التي إستطاعت في النهاية من إيجاد لغة موحدة مرّت بتجارب تماثل التجربة الحالية للكوردستانيين.

اللغة هي عنوان الهوية الثقافية ورمز السيادة الحضارية، لذا نراه من الضروري إستلهام تضحيات الخَلَف الذين حافظوا على اللغة الكوردية بعد ما حوربت لأسباب عنصرية وشوفينية من قبل الأنظمة التي سلطت حكمها بسياسة الحديد والدم عل? أرض كوردستان لغرض وحدة اللغة.

في هذا العصر، عصر تشابك المصالح والمصائر، بعد أن فتحت العولمة بأدواتها الفائقة وشبكاتها العنكبوتية ووقائعها الإفتراضية إمكانات هائلة أمام الشعوب، نر? إنفتاح الكوردستانيين عل? المستجدات في العالم، خاصة في مجالات العلوم والتقانة والمعلوماتية وعلوم اللغة بكافة فروعها وحقولها البحثية المرتبطة بها، بعد أن تمكنوا من تحرير أنفسهم من الاستبداد، الذي كان يتجسد في استبعاد العقول والسيطرة عل? الأفكار. فهناك سعي ال? الإقتباس والإستفادة من نتائج هذه العلوم بهدف إغناء اللغة الكوردية وربطها بحركة الفكر الإنساني.

ومن أجل نقل المصطلحات العلمية والتقنية الاجنبية ال? اللغة الكوردية علينا باستخدام وسائل كالاشتقاق، بمعن? صياغة لفظة من لفظة أخر? شرط وجود تناسب بين اللفظ والمعن?، أو المجاز بطريقة إنتقال الكلمة من معناها القديم ال? معن? جديد، أو تكريد اللفظ الدخيل مع تغيرات معينة ينسجم مع النظامين الصوتي والصرفي للغة الكوردية. وفي حالة نقل معن? المصطلح الاجنبي ال? اللغة الكوردية، يمكن إستخدام هذا المعن? بشكل مستقل يعيش جنباً ال? جنب اللفظ كمرادف وبمرور الزمن سوف يكون أحدهما غالباً عل? الآخر، أو يظلان كلفظين مترافين. وفي حالة نحت الكلمات، أي إنتزاع كلمة من كلمتين أو أكثر، يجب أن يكون هناك تناسب بين اللفظ والمعن? بين المنحوت والمنحوت منه، مثل (نشونما) في الكوردية من نشأ ونما. وهناك وسيلة أخر?، هي اختراع كلمة لم توجد من قبل بسبب الحاجة الماسة والملحة لمفردات لغوية جديدة تعبر عما يستجد من أمور ومفاهيم اجتماعية جديدة، هذا الأمر يحتاج ال? المبدعين في اللغة.

ليس خافياً عل? أصدقاء الكورد والمهتمين بالقضية الكوردية بأن تخلف اللهجات الكوردية وعدم تطورها الى لغة موحدة لايمكن إرجاعه إلا ال? أسباب سياسية، ثقافية، اجتماعية تاريخية، جغرافية، عنصرية وإقتصادية. نحن لا نريد أن ندخل هنا في تفاصيل هذه الأسباب، فإنها تحتاج لشرحها وتحليلها ال? مجلدات. 

فلو أخذنا بلدان أوربية كالمانيا، أو إنكلترا أو فرنسا كمثال، فإننا نر? بأن موضوع تبلور اللغة الموحدة بدأ بعد الثورات المجتمعية والاقتصادية والقضاء عل? الإنظمة الاقطاعية ومخلفاتها، بعد أن ربط ولا?ات هذه الدول بعضها ببعض عن طريق المواصلات والمدارس والمراكز الإعلامية وبحكم الواقع تمكنت لغة السلطة الجديدة من فرض نفسها كلغة رسمية في كل من هذه الدول.

 

إن تعدد اللهجات في اللغة الكوردية دليل عل? عراقة هذه اللغة وأصالتها، فمن الضروري أن لا نفضل لهجة عل? أخر?، بل علينا في سبيل خلق لغة كوردية موحدة جامعة الاستفادة من جميعها دون إستثناء. 

صحيح بأن هذا الأمر يحتاج ال? التفكير بصورة تخرج عن المألوف وتكسر المسبقات ويحتاج ال? خيال خلاق وحدس خارق وكذلك ال? حدث يكون بمثابة الشرارة أو الولعة التي تحرك القو? الكامنة وتكسر الثنائية الممسكة لد? الكوردستانيين، بحيث توقظهم من سباتهم الثقافي ليكونوا قادرين عل? توحيد صفوفهم لمواجهة الأنظمة التي حاولت أن تجردهم من لغتهم. تلك الأنظمة التي لا تحسن بأساليبها البائدة وسياساتها العنصرية سو? خلق المشكلات وتجديد الأزمات للكوردستانيين والقضية الكوردستانية العادلة.

والعمل لهذه الحملة الوطنية الكبر? يجب أن يبدأ بإعداد لجنة علمية دائمية مستقلة مكونة من خبراء اللغة تشرف عل? مؤسسة اللغة الكوردية الموحدة. وإدارة هذه المؤسسة يجب أن تكون بعيدة عن كل هدف أو إتجاه حزبي ضيق ويمكن لإنجاح هذه المهمة القومية الجبارة الإستعانة والإستفادة من خبراء عالميين مختصين بعلوم اللغة. عل? هذه المؤسسة إعداد كوادر لغوية تبعث ال? جامعات عالمية لغرض دراسة علم النفس اللساني وعلم الاجتماع اللساني واللسانيات الأنثروبولوجية والجغرافيا اللسانية وجمع طرق صناعة المعاجم والموسوعات اللغوية. ومن أجل إثراء كنز مفردات اللغة ال?وردية بالاستفادة من اللهجات الكوردية المتعددة عل?ه بتأسيس البنك الـمعلوماتي للكلمات والمصطلحات. وهناك إجراءات علمية أخر? يمكننا إضافتها بعد أن تمكنا من إجتياز المرحلة الأول? وهي تأسيس مؤسسة اللغة الكوردية الموحدة. ومايفرحنا اليوم هو النية الخالصة لبرلمان وحكومة كوردستان في دعم ومساندة هذا العمل الجبار بصورة كاملة والقيام بتشريع قانون خاص باللغة الكوردية وتفيذه. فللمحافظة عل? الثوابت والخصوصيات في واقع كوني سمته الحراك الدائم والتغيير المتسارع، يجب التعاطي مع القضايا الجوهرية بطريقة نموذجية وفهم المجريات وفك الشيفرات عل? المستو? الداخلي والخارجي وإدارة التحولات بشكل يتناسب مع لغة العصر وثوراته.

وختاماً يقول فيلسوف اللغة لودفيغ فيتجنشتاين (1889-1951) في البند السابع من رسالته المنطقية الفلسفية  (tractatus logico-philosophicus): "إن ما لا يستطيع الإنسان أن يتحدث عنه، ينبغي أن يصمت عنه."

 

د. سامان سوراني 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2134 الاثنين  28 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم