أقلام حرة

العراق الفدرالي بعد المالكي نحو المبني للمجهول أم المبني للمعلوم؟ / سامان سوراني

فهي نهضت في غير مكان وغيرت الحكام وتمكنت من تغيير أنظمة وإسقاط مؤسسات حكم مستبدة بالكامل، لكنها لم تستطع ال? الآن أن تغيّر حسب تغيير الزمان والمكان والمصلحة نفوس وسلوكيات وثقافة ومواقف الكثير من الذين تسنموا زمام الحكم، كي يلتزموا بمباد?ء المراجعة والمحاسبة والتصويب.

في غضون الأزمة السياسية الخانقة ومن خلال قراءة مشاهد هذه الأزمة نر? هذه الأيام حراك سياسي نحو سحب الثقة من حكومة السيد نوري المالكي في سبيل إصلاح العملية السياسية وإنهاء ظاهرة التفرد في إتخاذ القرارات وتفعيل المشاركة الحقيقية لل?تل السياسية الشريكة. موضوع سحب الثقة هو ممارسة ديمقراطية برلمانية تمارس في الكثير من الدول الدستورية لغرض الإبتعاد من الإنزلاق في صراعات خطيرة.

إنها خطوة نحو الأمام في بلد أديرت شؤونه لعقود من الزمن عن طريق أنظمة طائفية شوفينية ملكت معجماً سياسياً وثقافياً لا يحمل في طياته سو? مصطلحات العنف والوحشية والحروب والدمار، وبذلك أضعفت روح المواطنة لد? أبناء هذا البلد. اليوم وبغياب المواطنة والمؤسسات المبنية عل? أسس الديمقراطية يكون تحقيق التداولية وتخويل الفرد وأعضاء الجماعة من المشاركة المناصفة، من دون ترك أحد على قارعة الطريق ?هدف مطلوب صعب المنال.

نحن نعلم بأن الدستور العراقي يمنح رئيس الجمهورية، السيد جلال طالباني، حق الطلب من البرلمان سحب الثقة من رئيس الح?ومة، إذا ما خرق هذا الاخير بنود الدستور، فبعد الاستجواب في مجلس النواب يمكن التصويت على الطلب بتأييده أو بسحب الثقة منه، إذا ما تعد? عدد النواب الذين وقعوا لصالح طلب سحب الثقة النصاب القانوني، أي جمع إمضاء 164 نائباً،  وهذا متعارف عليه في القانون الدولي والمواثيق والأعراف الدولية.

وإذا تم تفيذ هذا الأمر، فأن السيد المالكي سوف يكون أول رئيس وزراء عراقي تتم إقالته بطريقة سلمية وديمقراطية. وتعتبر هذه‌ الخطوة فرصة جديدة أمام ممثلي الشعب لإتخاذ قرار ديمقراطي حول من يحكم البلاد، أو سلاح لتقليص الازمة السياسية "البنيوية" لنظام ما بعد الدكتاتورية.    

البعض ينادي بأن السيد نوري المالكي لم يقم بتنفيذ النقاط المهمة من بنود اتفاقية أربيل الموقعة نهاية العام 2010، بل إستمر في تصعيد الأزمة بوقوفه ضد إقامة أقاليم وكيانات فدرالية أخر? في العراق واستقطاب شخصيات دينية وعشائرية وإجتماعية بعد أن أغرقهم بالمال والإمتيازات لدعم مشروع بقاءه‌ عل? هرم السلطة. وآخرون يقولون بأن الإبقاء على المالكي سيجلب النكوص، لأنه جرّب لأكثر من مرة ولا حاجة لتجريبه مرة أخرى ويقال أيضاً بأنه هناك أعضاء من قائمته سوف يصوتون ضده. مع كل هذا هناك حركات طفيلية تجهل بسبب سياساتها الجهوية الضيقة لحد الآن مصدر الخلاف القائم بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.

يبدوا أن ظاهرة التفرد عند السيد المالكي حولت الإختلاف بين القائمة العراقية ودولة القانون إلى اختلاف الأخير مع التحالف الكوردستاني والتيار الصدري وغيرها من التيارات والأحزاب.

و من المؤكد بأن التسميات العمومية والإنشائية لا تكفي لكشف العـُقد والملفات الخطيرة والعلل والثغرات والأخطاء التي مارستها حكومة السيد المالكي وسعيه المستمر لبناء نظام الحزب الواحد أو الكتلة السياسية الواحدة والمنفردة.

إن العمل من أجل بناء النمط الفدرالي الديمقراطي السليم يكون الضمان الوحيد للإستقرار الأمني والاقتصادي. والقلق المتواجد لد? الكيانات الشريكة في الحكم سوف يزول إذا ما قامت الحكومة الاتحادية بكسر منطق الضد وعقلية الإقصاء ولغة التخوين وكل ما من شأنه أن يعمق الشقة ويقود ال? النزاع والصدام.

العراق الاتحادي الفدرالي ليس ملكاً للمالكي فقط بل لجميع مكوناته. فأحادية التفكير من طرف أصحاب العقائد الإصطفائية تلغّم المشاريع والسياسات. لتنتهي أساليب الإنتقاص من شأن الآخر المختلف وإنسانيته والإعتداء الرمزي عليه. فلا جدو? من إلغاء الآخر المختلف الذي بات شطرنا الآخر في عصر الإعتماد المتبادل ولا معن? من التشبث والإحتماء بالهويات المسيجة والسيادات المصطنعة، إذا كانت تقضي ال? تقويض معاني الآصرة والرابطة بين النظراء والشركاء.  

وختاماً نقول: أن المصالح العمومية والقضايا الوطنية في عراق ما بعد المالكي يجب أن تدار بثقافة سياسية جديدة من مفرداتها الإعتراف الكامل بالآخر المختلف والحوار البناء والشراكة الحقيقية والتوسط والتداول والتبادل والإبتعاد عن فكرة التسلح والتجييش والميل ال? السلم، بهدف بناء علاقات التعايش والتواصل.

 

د. سامان سوراني      


 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2138 الجمعة  01 / 06 / 2012)


في المثقف اليوم