أقلام حرة

بؤس سياسة المالكي وتلغيم المشروع الفدرالي في العراق / سامان سوراني

وتداول السلطة، عل? ما يفعله دولة رئيس الوزراء، "حارس وحدة العراق وهويته" و"حامي العروبة والإسلام" بتهويماته النضالية، لكي يهاجم الجهات التي تعمل عل? سحب الثقة منه‌.

من ي?ون قادراً عل? إلقاء خطب مطولة حافلة بالشعارات المستهلكة لكي يشنّ فيها حرباً ضد خصومه المتحالفين معه ولا يقدر عل? اجتراح الإمكانات لتأمين فرص العمل وأسواقه وشبكاته، أو لتحسين شروط العيش لأوسع الفئات من الشعب العراقي ومن يأتي بحجج مموهة أو مغلوطة أو واهية ترمي ال? التغطية والمساو?ء، بإتهام الغير وحمل المسؤولية عليه، وذلك للهروب من استحقاقات الكيانات، بإختراع أعداء، هدفه دفع عجلة تفاقم المشكلات واستعصاء الحلول نحو الأمام وهمّهُ إنتاج أناس هم أعداء للفهم، يدرّبهم عل? إتقان لغة التصديق والتصفيق والتهليل، كأرقام في حشد أعم? أو كأبواق ترجِّع صد? الخطب والكلمات، أو كدم? يتم تحريكها عند إعطائها كلمة السر. وهذا هو مصدر التخلف والفقر والتسلط والإستبداد.

الكوردستانيون ما زالوا جزء مهم من العراق ولهم الحق الكامل في التمسك بالوسائل الديمقراطية لمجابهة خصومهم السياسية، إن سعيهم لمصالحهم الذاتية في إطار اللعبة الديمقراطية  بإستعمالهم أساليب ديمقراطية ودستورية لا يقلل من شأن حقهم الديمقراطي.

من يريد أن يستخدم هذا الإختلاف كورقة توظيف للتمحور الخلاف الحالي حول قضية الخلاف الكوردستاني العربي يسع? ال? تعميق ثقافة الصِدام مرة أخرى وإلى تضييق فرص الحوار للحيلولة دون تفاقم الاختلافات ولا يريد في النهاية أن يقبل المحاولة الجدية لتقليل فرص تكون الدكتاتورية من جديد.

صحيح بأن كل مجتمع يخلق نماذجه، لكن التجارب المريرة كشفت بأن نموذج كالمالكي الذي يدعي، كونه "قائد ملهم"،  بوصايته السلطوية وأحلامه المستحيلة بإمتلاك مفاتيح الجنان وسلّم النهوض للعراق، لايمكن أن يجلب للعراق سو? الخسائر والكوارث. ما يحتاجه العراق هو نماذج فاعلة، ديمقراطية، مبدعة، خارقة، كوسموبوليتية، كالسياسي نيلسون مانديلا أو كصاحب العقل الإقتصادي كارلوس غصن،  رجل أعمال لبناني-برازيلي، أو كالبنغالي محمد يونس، مؤسس بنك جرامين، الذي حاز عل? جائزة نوبل للسلام، أصحاب المبادرات الحية والاستراتيجيات الفعالة في التدخل، التي تسهم في تحسين ظروف الحياة والعمل والخدمات.

نحن نعلم بأن الإصلاح يقتضي إعادة النظر في مسألة المصداقية المعرفية، بعيدة عن التعامل مع المعرفة بصورة أحادية نخبوية وهو يقتضي أيضا تشكل ثقافة مضادة للهدر، تفتح الإمكان لاستغلال الموارد بصورة مثمرة وفعالة، بالإضافة ال? خلق الفرص لأفراد المجتمع للمشاركة في إغناء وتطوير صيغ العقلنة وقيم التواصل وقواعد الشراكة الحقيقية.

فبعد ست سنوات من صناعة القرار بعقلية المتفرد ?رئيس للوزراء في العراق ، لم نر? في عراق المالكي تقدم غير التراجع نحو الخلف، فهو الذي عطّل إرادة الإصلاح والتغيير، وأخفق في بناء مؤسسة حية يؤمِّن حياة المواطن العراقي، ناهيك عن تأمين الظرف المعيشي المقبول، لأنه وللأسف لم يكن عل? إستعداد في إمتلاك عدة فكرية سواء من حيث الرؤ? والمفاهيم، أو القواعد والآليات أو الطرق والوسائل. ففي النظم الديمقراطية يمكن أن تجمع هذه النقاط ولتمارس حق سحب الشرعية أولاً والثقة أخيراً من حكومة، التي جلبت للعراق أسم الدولة الفاشلة.

إنه هروبه من مجابهة الذات وممارسته لأقص? درجات المكيافيلية في التهاجم عل? خصومه بثنائيات لا يمكن أن تترجم سو? في أعمال القمع والعنف والإرهاب. هدفه هو إقامة نظام شمولي يقوض بحزبه ومعسكراته العقائدية حيوية الكيانات العراقية المختلفة، التي يريدها هو أن تدين وتنتسب أو تتبع للزعيم الحاكم بأمره وهنا يتجلى بؤس التزييف في تجريد الذات الإنسانية من كل مقوماتها الفكرية ومن قدرتها على الوعي بحقيقة أوضاعها.

في السابق أعتقد دعاة الوحدة في العالم العربي بأن قضيتهم هذه هي مفتاح حل لجميع مشكلاتهم الموروثة، فكانت النتيجة المزيد من الفرقة والشرذمة. واليوم يريد السيد نوري المالكي لتلغيم المشروع الفدرالي أن يستنسخ هذه الورقة لإدارة فكرة الوحدة العراقية بطريقة غير تداولية، ويتعامل معها بصورة فئوية عنصرية أو أحادية تبسيطية، متجاهلاً بأن عمل التوحيد ماهو إلا بناء متواصل يُصنع ويُشكل بالخلق المستمر لمجالات ووسائط تتيح التداول والتبادل وإنتقال للأفكار والخبرات والأشخاص والخبراء ولايعلم بأن العولمة بثوراتها الرقمية وإنفجاراتها التقنية تسهام بشكل فعال في توحيد المصائر، بحيث بات من المتعذر عل? أي شعب أو رئيس أن ينفرد في معالجة المشكلات وإيجاد الحلول للأزمات الداخلية مها والخارجية، بل بات من المتعذر عل? أي مجتمع أن يضمن أمنه العسكري والغذانءه‌ أو البيئي عل? أرضه وحده دون شراكة الآخرين.

وختاماً: لنعترف بالحقائق لكي نحسن صنع حقيقتنا، فل?ل شيء زمنه ولكل سياسي موقعه ودوره وإيقاعه، بقدر ما يسهم بتشكيل خريطة الواقع السياسي بعلاقاته وتراكيبه أو تجاوزاته‌ وتراكباته.


د. سامان سوراني 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2161 الأحد 24/ 06 / 2012)


في المثقف اليوم