أقلام حرة

سنة لا يريدهم الإحتلال – مبدر الدليمي ورعد شلال كأمثلة / صائب خليل

وليس فيهم أي نفر يمثل وجهة نظر السنة المحددة، (إن أمكن أن نقرب الأمور بهذا الشكل الطائفي)؟

علينا أولاً أن نسأل ماهي مميزات "الرأي السني" على وجه العموم؟ وأستطيع أن أؤكد أن هناك خطوط عامة وعوامل أساسية في رأي وموقف السنة من قضايا العراق، وهي: القلق من التهميش من الجانب الشيعي – وهناك أيضاً الكثير ممن يخشى الإعتقال والإختطاف والإغتيال من الجانب الحكومي. وكذلك هناك الخوف من التدخل الإيراني في العراق والإعقاد بقوته، وأخيراً وليس آخراً، الكره الشديد لأميركا وإسرائيل.

 

المؤكد الذي لا مجال لنكرانه أن الحكومة فشلت في إقناع السني بعدالتها وبأنها تضمن سلامته. وسواء كان ذلك الشعور كله أو جزء منه فقط مؤسس على حقائق، فأن الحكومة تتحمل مسؤولية فشلها في تطمين هذه الفئة الأساسية من الشعب العراقي على أمنها وقيمتها، ولكن لسنا بصدد الإفاضة في هذا.

الخوف من إيران، ليس للسنة ذنب فيه، فالإعلام الأمريكي المسيطر بشكل كبير في العراق قد وضع كأول مهماته شيطنة إيران، حتى أن الكثير من الشيعة أيضاً صار يؤمن بأنها شيطان فعلاً، رغم عدم وجود أية أدلة تستحق الذكر على ذلك، مقابل أدلة واضحة على العكس.

 

في نهاية المطاف وجد الشارع السني نفسه تحت تأثير الخوف على نفسه من الحكومة، وعلى بلاده من الإحتلال، وسارع الأخير بأن قدم له من قال له أنهم يمثلون السنة. وقام هؤلاء بالترويج لأنفسهم بالطرق على الأوتار الحساسة للسنة أعلاه. فجميع هؤلاء يتحدث عن تهميش السنة والإرهاب والدكتاتورية الحكومية، والخطر الإيراني والإحتلال الأمريكي، رغم أن ألمدقق في تصرفاتهم وتاريخهم، يجد ما لا يوحي بأية مصداقية تبرر انتخابهم. ولم يكن هؤلاء من السنة بالضرورة، فزعيم الفريق الذي قدمه الإحتلال كممثل للسنة، شيعي، وهو مؤشر أن انتخاب السنة لم يكن بدافع الطائفية، بل بدافع تلك المخاوف المذكورة أعلاه، وأن من يقدم نفسه كأمل لطمأنتها، يحوز الصوت السني.

كذلك تتحمل الحكومة المسؤولية كاملة عن عدم كشفها السريع للمتورطين من "قياديي السنة" بالإرهاب، ولو فعلت لما وصل هؤلاء إلى مناصبهم، والدليل على ذلك أنها حين كشفت البعض منهم، لم يكن هناك رد فعل سني للدفاع عنهم يستحق الذكر في الشارع العراقي.

 

بهذا ضمنت أميركا أن الصوت السني سيكون صوتها في البرلمان ولجانه، وفي الوزارة وفي الأمن، حتى وإن لم يكن بالنقاء الذي ضمنت به الصوت الكردي. وقد كان هناك العديد من الشذوذات التي كان يجب قصقصة أهمها، سواءاً بالإغتيال أو بالإبعاد عن الساحة السياسية، وسأكتفي بمثال عن كل من الطريقتين في التخلص من هؤلاء.

 

إغتيال مبدر الدليمي عام 2006

من مقالة لي بعنوان "لماذا كانت جريمة قتل مبدر الدليمي شديدة الغرابة؟"(1)  أنقل المعلومات التالية:

شهدت بغداد واحدة من اخطر واغرب حوادث الإغتيال التي مرت بها على الإطلاق. إن تجاوزنا بعض تضارب الأخبار فقد قتل اللواء مبدر الدليمي في الغزالية ببغداد برصاصة قناص اخترقت خوذته أطلقت من أعلى قد تكون بناية عالية (وقد تكون طائرة هيليوكوبتر!).

إحدى نقاط الغرابة في الحادث هي ان القاتل يجب ان يكون قد توفر على كم كبير من المعلومات الدقيقة والمجددة لحظة بلحظة، تابعت حركة اللواء في تنقله، وربما نصبت اكثر من كمين وخطة ليتم اختيار احدها حسب تصرف اللواء.

النقطة الثانية صعوبة إمكان اتهام الحكومة بالحادث أيضاً فقد كانت سعيدة بهذا السني الذي تستطيع الثقة به والتعاون معه وتدافع بوجوده في منصبه الرفيع ضد اتهامها بتهميش السنة.

والنقطة الأخرى الغريبة هو أن اللواء كان بعيداً عن الطائفية ومعاد لها بتصريحاته وخطابه لمأموريه وجنوده، كما يقر الشيعة أنفسهم. لذلك لم يكن هناك اي مؤشر خاص على ان للجريمة خلفية طائفية

كذلك تواجه هذه الفرضية الطائفية تواجه صعوبة إضافية تتعلق بتنفيذ العملية وظروفها، فصلتها في المقالة المذكورة.

ورغم ذلك أكدت المصادر الإعلامية العراقية والعربية على ان الطائفية كانت وراء الجريمة متهمة الميليشيات (قدس برس ورويترز) بينما حاول الجيش الإمريكي إتهام الحكومة ضمناً بالإشارة إلى التنافس على السلطة بين الشيعة والسنة.

كذلك لم يكن سهلاً تصديق محاولات قام بها البعض لإتهام الجهات السنية (مثل "القاعدة") باعتبار أن اللواء مبدر قبل بالتعامل مع الأمريكان والحكومة "العميلة"، كتطرف في شدة كراهيتهم للإحتلال، لأن اللواء كان يتميز بوضوح بحماسه لنقل السلطة في امن بغداد من الإحتلال الأمريكي إلى القوات العراقية.

باختصار، كانت كل المؤشرات العامة المحيطة بالموضوع تشير إلى إتهام الإحتلال بقتل اللواء مبدر، وهناك أيضاً مؤشر خاص إضافي، يتمثل في الصراع بين الأمريكان والحكومة العراقية حول تعيين قائد حماية المنطقة الخضراء، (عدا حماية السفارتين الأمريكية والبريطانية ومواقع اخرى). الأمريكان أصروا على "إعادة البعث" بشخص العقيد محمد واصف طاهر، من الحرس الجمهوري ومن اوائل من عمل مع الأمريكان بعد سقوط بغداد. ورفضته الحكومة العراقية تكراراً وقدمت بدائل أخر لكن الأمريكان اصروا على مرشحهم "الصدامي" وعرقلوا تسليم المنطقة واخروه حتى رضخت الحكومة وتمكنوا من تثبيته.

يعبر عن هذا الحماس الكابتن جون أغنيللو "ان المسألة حاسمة نوعاً ما. نحن لا نريد نقل السلطات إذا لم نعرف الشخص الذي سيتولى القيادة". ولفت هذا التصرف الأمريكي صحيفة الواشنطن بوست التي علقت قائلة ان "الخلاف حول تعيين العقيد طه يظهر مدى التأثير الذي تمارسه الولايات المتحدة على التفاصيل الأساسية للأمن في العراق حتى وهي تقوم بتعزيز سلطات الحكومة العراقية".

المشكلة في الأمر ان اللواء مبدر كان قادراً على تبديل العقيد طاهر بشخص يثق به بعد انتهاء اجراءات التسليم، وربما جرى حديث بالموضوع مع الدفاع وصل الى اسماع الأمريكان.

ورغم كل هذه المؤشرات القوية فأن أحداً (غير كاتب هذه السطور، حسب علمي) لم يطرح إحتمال كون الأمريكان هم القتلة. وحين كانت الصحف تعجز عن تبرير خياراتها الطائفية وغيرها، كانت تكتب باحتيال واضح، أن القضية "غريبة جداً"! ولو كتبتم إسم "مبدر الدليمي" على الكوكل لن تجدوا مقالة تشير الى الجهة الوحيدة ذات المصلحة في اغتياله والقدرة على تنفيذها: أميركا! لكنكم ستجدون تسونامي اعلامي عن مسؤولية الطائفية عن الجريمة، أو "الحرس الإيراني" أو "حارث الضاري"... أو "قناص بغداد"!

 

وجدير بالذكر هنا أن المرحوم الممثل السابق للأمم المتحدة "سيرجيو دي ميلو"، ذلك الإنسان الرائع، كان يعمل بنفس الحماس لنفس الهدف – تسليم أمن بغداد إلى العراقيين بسرعة - ولقي نفس المصير!!

 

إبعاد الوزير رعد شلال العاني

كتبنا كثيراً عن موضوع تهمة الفساد التي أبعد بسببها أو "بفضلها" رعد شلال عن منصبه كوزير للكهرباء (*) ولن نكرر ما جاء فيها، ونشير هنا إلى انه تمت تبرئة الوزير السابق من جميع التهم المسندة إليه، وهي مناسبة لتقديم التهنئة إليه، وأيضاً لكتابة هذا الموضوع وطرح بعض الحقائق التي تجاوزناها في كتاباتنا السابقة، ونقدمها كبرهان على ان هناك قوى كبيرة تحرص على أن لا يبقى سني في موقع مهم إلا بمواصفات سلبية تناسب من لا يريد الخير للعراق.

للتذكير فقط نقول أن رعد أبعد إثر تعاقده مع شركات تبين فيما بعد أنها "غير رصينة"، وكان دفاع الوزير السابق الأساسي هو انهم فاتحوا "الشركات الرصينة" ولم تقبل أي منها بالعمل بالدفع بالآجل وكان الخيار: أما هذه أو يتم التخلي عن تلك الحصة من الكهرباء، فاختار الوزير الخيار الأول باعتبار أن العراق لن يدفع شيئاً إلا بعد إتمام العقد والتأكد منه بفترة طويلة، وأن دفع المقدمة لن يتم إلا بعد تأكد البنك التجاري العراقي، وضمانه للشركتين.

ضمن ما لم يذكر في الصحافة أن الوزير رعد لم يعط أي عقد لشركة غربية، ليس كرها بالغرب، وإنما لأن اسعارهم، حسب قول الوزير، تقارب الضعف عن تلك الشرقية، أي من إيران والصين والهند وغيرها. وأضيف هنا لمعلومات القارئ، ان ذلك شمل شركة إيطالية كبرى "رصينة" كان أخو الوزير يعمل فيها بمنصب عال، وكان من المقرر أن يتم إيفاده لتنفيذ العقد في العراق لو تم، لكن رعد لم يتدخل في الأمر ولم يتحجج برصانة الشركة الإيطالية لإعطائها العقد، ففازت شركة هندية بالمناقصة وسلمت لها. ما حدث فيما بعد يبين أن هذا كان من حسن حظ رعد شلال، وسوء حظ المتربصين به، فلو فازت الشركة الإيطالية، حتى بالحق، لرقص الإعلام لتلك القضية وصنع منها القصة التي يريد.

القضية الأخرى التي أود الإشارة إليها هي أن حرص الوزير رعد شلال على أن لا يظهر رئيسه المالكي بموقف ضعيف، هو الذي أدى به إلى ما كان. أخبرني رعد في فينا، وكان يحضر مؤتمراً عن تلك القصة، وقال أن المالكي وعد الناس بالإعلام بتحسن في الكهرباء أسرع مما نستطيع، ثم دعاه بعدها إلى مقابلته.

قال رعد لي: "قلت للمالكي، أقول لك بصراحة يا سيادة رئيس الوزراء، أنا الآن أمامك كالطالب الذي سرق أسئلة الإمتحان وجاء وقد أعد الأجوبة. أنت تريد بلا شك أن تسألني أن أجد طريقة لتوفير الكهرباء في الموعد الذي قطعته للناس، لذلك أقول لك فكرتي." ، وشرح له فكرة مشروع المولدات الصغيرة والدفع بالآجل.

كرر رعد بعد ذلك أن هذه كلها ليست مهمة وليست جزءاً من الخطة الأساسية لتوفير الكهرباء، وأن هدفها الوحيد هو استعجال التحسين في كمية إنتاجها،وإن لم تنفذ فسيتأخر ذلك التحسن لفترة محددة، وأنه يركز على الخطة الستراتيجية العامة. ورغم ذلك تمت محاسبة رعد بلا رحمة على نفس تلك الخطة التي وضعها فقط من أجل دعم كلمة المالكي، والذي كان قد قدمه دون استشارة وزير الكهرباء.

الشيء الآخر الجديد الذي اود قوله، هو أننا تحدثنا في فينا طويلاً، وبوجود وزير البيئة سركون صليو الذي كان يحضر نفس المؤتمر، وبالتالي فهو شاهد ممتاز على كلامي هذا، عن الطرق الممكنة لإستعادة بعض أموال العراق التي سلبت منه في عقود غير منصفة خلال فترة الوزير السابق. تحدث رعد عن العقود التي مازالت في مرحلة الإتفاق ودون التوقيع وقال أنه لن يوقعها بشكلها الحالي، وتحدث عن الفرق الكبير في الأسعار العالمية وتلك التي أعطيت للعراق، وكان قد استغل حضوره إلى فينا لعقد موعد مع ممثل شركة سيمنز لمناقشة الأمر. وقال أن مشكلته مع العقود التي تم توقيعها وأنها ذهبت ولا يمكن إستعادتها، وأن لديه معلومات شبه أكيدة أن الأسعار التي قدمت للعراق أكبر من الأسعار الدولية التي قدمتها نفس الشركات لآخرين.

قلت له أنه يجب أن يحاول رغم ان العقد موقع. وأنه رغم أن الشركة ستكون محصنة قانونياً، إلا أنه ربما يمكن الضغط عليها للتنازل، من خلال التهديد بكشف الحقيقة وأنها توصلت إلى عقودها في العراق بطرق غير أخلاقية وأنها خدعت الحكومة العراقية أو رشت مسؤوليها. وأيد الأستاذ سركون الفكرة وحث الأستاذ رعد على محاولة تطبيقها، واتفقنا أنها محاولة لا خسارة فيها في كل الأحوال.

وبالفعل أخبرني الوزير السابق رعد شلال، خلال اتصال بيننا اثناء الحملة الإعلامية ضده عن الفساد، بأن كتابا وصل من إحدى الشركات قدمت فيه عرضاً لتخفيض تكاليف الصيانة التي اعترض عليها الوزير، بمقدر 50 مليون دولار.

كانت الحملة قد أنطلقت بتصريح لحسن السنيد بأن هناك قضية فساد ضد وزير الكهرباء، تلتها حملة إعلامية كبيرة، اشترك فيها سياسيون وبرلمانيون وقدموا إدعاءات كثيرة تم دحضها جميعاص، نذكر منها قصة رشاوي بمليون دولار لمسؤولين، ثم طواها النسيان، وقصة سفرة الوزير إلى الشركة في كندا مع وفد من وزرارة الكهرباء، والتي تبين فيما بعد أن لا اساس لها من الصحة وأن قدم الوزير لم تطأ أرض كندا في حياته. وطلب الوزير مقابلة المالكي عدة مرات والأخير يعتذر بحجة قرب انعقاد اجتماع لمجلس الوزراء، وفي ذلك الإجتماع رفض إعطاءه الفرصة للكلام بحجة وجود قضايا أهم! وحين احتج رعد بأن الإعلام يتكلم، قال المالكي أن ألإعلام سيبقى يتكلم في كل الأحوال!

في البرلمان أشار الوزير إلى ما يراه الأسباب الحقيقية لإقالته، وهي قيامه بإلغاء صفقة بـأكثر من 12 مليار دولار للمستثمرين العراقيين والأجانب تدفعها الحكومة لهم على مدى عشرين عام، واستبدالها بمشروع يكلف الحكومة 800 مليون دولار فقط، اي 7.5 % فقط من كلفة المستثمرين، مع أفضلية أن المولدات ستكون للحكومة بينما في العقد الأول ستكون للمقاولين الذين قد يتمكنون من التلاعب بالأسعار أيضاً لاحقا.

وسبب آخر قدمه الوزير هو إلحاحه بضرورة التعامل مع إيران وكشف أن البنك التجاري العراقي بالتعاون مع بنك جي بي مورغان يعرقل تلك العملية ويرفض دفع المبالغ لإيران، ويتحكم بذلك بمصادر العراق التجارية وفق الأهواء الأمريكية. واصر كذلك على انه يجب على البنك التجاري ان يجد بنوكا أخرى إضافية تقبل بالتحويل مع إيران ولا تخضع للإملاءات الأمريكية.

هذا إضافة إلى تصريحه بأنه لم يوقع أي عقد مع شركة غربية وضغطه على من تم التوقيع معها لتخفيض الأسعار ودعوته إلى عدم المبالغة في التعامل مع جيكيا لإنبطاحها لإسرائيل، وهو ما كنت قد أوصلته إليه في اتصال سابق. كل هذه اسباب كافية لتدفع بهذا الوزير خارج الحكومة، ولحسن الحظ أنهم لم يختاروا ما فعلوه مع مبدر الدليمي، طريقة لذلك.

 

في لقاء له مع المالكي بعد الإستقالة، عاتبه رعد شلال على عدة نقاط هي إطلاق القضية من خلال عضو في حزب الدعوة وليس الحكومة، وكأن القضية قضية حزب الدعوة، وترك الإعلام يشوه سمعته دون إتخاذ أي موقف أو إجراء، أو حتى سؤاله عن حقيقة الأمر. وقال أن السياق يقتضي أن يبدأ رئيس الوزراء بتشكيل لجنة للتحقيق في القضية أولاً، وسماع تلك اللجنة رأي الوزير  ثانياً، وتقديمها تقرير لرئيس الوزراء ثالثاً، وأخيراً يتخذ رئيس الوزراء قراره بعد الإستماع الى الوزير المتهم. واعترف المالكي بتلك الأخطاء، حسب شلال.

أخيراً نذكر أن السيدة النائب حنان الفتلاوي التي ادعت بأن لديها إثباتات على فساد الوزير ورفضت التحدث إليه، وقالت انها تعلم عن رشاوي بمليون دولار لمسؤول ما، وقالت أنها ستكشف تلك الحقائق بعد انتهاء التحقيق، (غريب وحده أن يتم تشويه سمعة شخص قبل التحقيق! كيف سيمكن إعادة السمعة إن تبين في التحقيق أنه بريء؟ وهو ما حدث فعلاً...) وكذلك إدعاؤها بأن الوزير ووفد من الوزارة قد زار كندا وتبين عدم وجود شيء من هذا القبيل، لم تكشف أية دلائل أو أي شيء، ولا أخبرت الوزير أو الناس الذين استمعوا إلى خطابها، عن مصادر معلوماتها الخاطئة، فمن المؤكد أنها لم تختلق تلك المعلومات وان أحداً قد حاول توريطها بالأمر ومن حق الوزير والناس أن يعرفوا من هي تلك الجهة، لكننا لن نعلم أبداً كما أتصور. 

كذلك لم تقدم النائب إعتذارها المناسب لما تسببت به من أذى بحق بريء، ولا فسر السنيد استعجاله التصريح ولا المالكي رفضه معرفة الحقائق واتخاذ موقف ولا عن مخالفته للأصول الإدارية في التعامل السليم مع الموضوع ولم يكشف أي منهم سبب الخطأ الذي وقع فيه أو مصدره.

أما الإعلام المأجور للأمريكان فقد كان سباقاً لتثبيت التهمة قبل التحقيق، ولعله كان يعلم ان الفرصة ستفوت إذا حصل التحقيق وثبتت البراءة، لذا وضع لنفسه هدف تثبيت الجرم إعلامياً لكي لا يكون لنتيجة التحقيق أهمية. ولم يقتصر الأمر على الإعلام العراقي، فهذه العربية تنقل الأكاذيب عن إقالة المالكي للوزير، وخلال ساعتين (!) من "أكتشاف" الفساد.(2)

ويبدو لي أن الجهة التي كانت وراء الموضوع لم تقتنع بانتصارها حتى بعد النجاح في إبعاد الوزير، وأنها لم تتمكن من إقناع الناس بأن شلال مذنب، لذلك فهي تخرج إلى الإعلام بين الحين والآخر أكاذيب بطريقة لا يسهل محاسبتها عليها. فنشرت "الصباح"(3) عن "مصدر مسؤول في وزارة المالية" أنه تم حجز أموال شلال. وحقيقة الأمر هو ان قرار الحجز قديم واتخذ كإجراء روتيني عند إتهام شخص بالفساد، فهي توحي بأن الخبر جديد من هذا "المصدر المسؤول" (؟) وان قضية الفساد ثبتت على رعد شلال، وفي نفس الوقت لا تكون كاذبة بالمعنى القانوني لأن الحجز قد حدث فعلاً، لكن ضمن سياق وزمن مختلفين.

عدا هذا مازال الإعلام يشير إلى "الوزير الذي أقيل على خلفية تهم بالفساد" موحياً بان هناك قضية فساد حقيقية، دون أن يقول بذلك بشكل يعرضه للمساءلة القانونية، بفضل حشر عبارة "على خلفية" في الخبر.

ليس من المستبعد أن تلك الجهة ستعود مستقبلاً إلى محاولات أخرى لتلك الإدانة إن بقيت غير راضية عن النتيجة.

ما الذي حدث بعد ذلك؟ لا أعرف بتفاصيل ما حدث في الوزارة بعد ذلك، لكني اتصور أن احداً لم يعد يجرؤ على المطالبة برفض وصاية بنك جي بي موركان على الإقتصاد العراقي والتعامل مع إيران، كما عادت الشركات الغربية تحصل على العقود مضاعفة السعر، وقد وجدت يوماً على النت خبراً بعنوان:

"الموافقة على إحالة مشروع محطة كهرباء المنصورية الى شركة فرنسية مع رفض للعرض الايراني"(4)

 

والغريب في الخبر أنه لم يكن صادراً عن وزارة الكهرباء وإنما الناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ، الذي أعلن "قرار مجلس الوزراء في جلسته امس الموافقة على إحالة مشروع محطة كهرباء المنصورية الغازية  الى  شركة [الستوم] الفرنسية دون احالته الى شركة ايرانية منافسة"

وقال الدباغ ان سبب رفض عرض الشركة الإيرانية أنه "كان بمواد ومعدات إيرانية ليس للوزارة أي تجربة معها" وتحدث عن "توفير الغاز" الأفضل في العقد الفرنسي.

وتذكرت فوراً أن الوزير السابق قال لي أن المعدات الإيرانية هي نسخة طبق الأصل من معدات سيمنز وأنها ممهورة بختم إعتراف من سيمنز بمطابقتها لمواصفاتها والسماح لها بوضع اسمها عليها، وقد راجعت السيد رعد بالأمر ثانية فاكد ما قاله سابقاً. وتساءلت حينها: لماذا يقوم الدباغ بعرض الموضوع لو لم يكن في الأمر محاولة تمرير عقد غير مناسب؟

فعلق أحد القراء باسم "عادل" موضحاً "نعم احسنت استاذ صائب ، ولو كان هناك مرجح واحد لاحالة العقد للشركة الفرنسية لما كانت هناك حاجة لتمرير الاحالة من خلال مجلس الوزراء مطلقا . الإحالة من خلال مجلس الوزراء غالبا ما تلجأاليها الوزارات لاضفاء صبغة قانونية على مخالفة إحالات العقود  للضوابط القانونية المرعية من قبل اللجان المختصة داخل الوزارات المعنية (وبلا شك ان من اهم الضوابط هي ما تتعلق بالكلفة الواطئة اولاً ، ورصانة المنشأ ثانيا ، والسيرة الذاتية والمشاريع المماثلة للشركة صاحبة العرض) وهذه الضوابط والمرجحات كفيلة باحالة العقد بسهولة وبلا تردد من قبل اللجنة الوزارية . فلو كان العرض الفرنسي افضل من العرض الايراني لاقرته اللجنة الوزارية ولما كانت هناك حاجة لاقراره من قبل مجلس الوزراء . المسوغ القانوني الوحيد لاقرار احالات العقود من قبل مجلس الوزراء عندما يكون مبلغ العقد متجاوزا للصلاحيات الماليةالوزير ، اما بقية الاحالات بهذه الطريقة فهي مشكوك بها اما بسوء نية للتملص من الاحالة على من يرسو عليه المشروع لصالح اخر قدم عرضا غير مناسب او لان بعض الوزراء يتخوفون من احالة المشاريع الكبيرة وخاصة الوزراء غير المنتمين الى كتلة سياسية كبيرة وهذا الاخير مستبعد من وزير ينتمي لكتلة بحجم العراقية ."

أما عن "المشاريع الإستثمارية" اللصوصية، فقد وصلني مؤخراً من بغداد، أنه تم إعطاء عقود لمستثمرين ليبيعوا الكهرباء للوزارة لاحقاً بـ 7.5 (سبعة ونصف) سنت للكيلو واط ساعة، وكان الوزير شلال قد رفض إعطاءها حتى بمبلغ 5 سنت لأنه حسب أنها ستكلف الدولة أكثر من 12 مليار دولار، وبدأ مشروعاً بديلاً يكلف 800 مليون دولار كما أسلفنا، وبالتالي لا ندري عدد المليارات التي وصلت إليها تلك العقود وكم تم التعاقد عليه بالفعل.

لقد كان اللواء مبدر الدليمي والوزير رعد شلال مختلفين عن الصورة التي يريدها الإحتلال للسنة وتمكن من تثبيتها، فتم التخلص منهما، كل بالطريقة المناسبة. وإذا كانت ظروف اغتيال اللواء مبدر دليله على ذلك، فيمكننا أن نستدل على أختلاف رعد شلال عن الجوقة التي قدمتها أميركا كممثلة للسنة، من قضية بسيطة فضحت الموضوع. فالعراقية التي تدافع عن كل لصوصها حتى آخر نفس، سارعت في اليوم التالي (!) وقبل أن يلتقي أي من اعضائها بالوزير، إلى المشاركة في الإتهام والتوعد بالمحاسبة! وكذب حيدر الملا بالإشارة إلى انتماء رعد شلال للعراقية ليظهر بمظهر من يحاسب اعضاءه.(5)

وربما أحست العراقية بخطأ تسرعها الفاضح فعادت تتحدث بشكل مختلف وحاولت التظاهر بالدفاع عن شلال وإلقاء التقصير على الشهرستاني، كضحية أخرى مناسبة.

 

ربما تفسر لنا هاتين القضيتين، وربما كان هناك قصص أخرى مشابهة، كيفية تمكن الإحتلال من وضع ممثليه كممثلين للسنة، فصاروا ينادون بما يتنافى مع إرادة السنة في النقاط التي يختلف فيها رأيهم عن مصالح الإحتلال مثل بقاء القوات الأمريكية، ويبدون مرونة وتقلباً في الأمور التي ليس لأميركا منها موقف ثابت، مثل القضايا العالقة مع كردستان، لكنهم يذهبون إلى حد التطرف الشديد في تبني مواقف السنة التي تناسب الإحتلال، مثل الهجوم الشديد على إيران، والتركيز على التهميش، ولو لاحظنا ما يفعله أياد علاوي وطارق الهاشمي وأثيل النجيفي وظافر العاني لوجدنا ذلك واضحاً تماماً.

إنها مهمة السنة بالدرجة الأولى أن يغيروا هذا الوضع المشين والخطر، وواجب الحكومة كسب ثقتهم وإداء واجبها كحكومة عراقية، ومساعدتهم في تلك المهمة شديدة الصعوبة، فمستقبل العراق إلى حد بعيد، يعتمد على النجاح بها. 

..................

(1) http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/1mbdr.htm   

(2) http://www.youtube.com/watch?v=EZ6y4u3e3qc

(3) http://www.alsabaah.com/articleshow.aspx?id=22072

(4)http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=9451

(5) http://www.alsumarianews.com/ar/iraq-business-news/-3-25981.html

 (*) صائب خليل: "خطابي الشهرستاني وشلال العاني في البرلمان مع ملاحظات حولهما"

(تحتوي المقالة على روابط لبقية مقالاتي والفيديو في تغطية موضوع وزير الكهرباء)

http://baretly.net/index.php?topic=5078.0

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2166الجمعة 29/ 06 / 2012)

في المثقف اليوم