أقلام حرة

لغة الدكتاتور والقوقعة الإصطفائية في العصر الرقمي / سامان سوراني

من خلال الإعتقاد بإمتلاك مفاتيح السعادة والنمو التقدم والرقي الحضاري، أصحابها يتوهمون بسبب العظام الذاتي النابع من طفولتهم النرجسية بأنهم الأحق والأشرف والأفضل بين البشر، مآل عقيدتهم هو الإرهاب بأشكا‌له المختلفة، التي تبدأ بالرفض والإقصاء وتنتهي بالإلغاء الرمزي والإستئصال المادي للمختلف الآخر أو المعارض الضد.

فبعد غياب العملة الدكتاتورية في العراق نهض الشعب العراقي بكياناته المختلفة في جو موسوم بالحماسة نحو الديمقراطية والنظام الفدرالي، كي يبتسم ولو لبرهة من سلطان الإستبداد السياسي والنظام الشمولي أو الفقر المعرفي والإرهاب الفكري، معتقداً بأن أحادية المبدأ أو القطب أو الزعيم أو الرأي أو الصوت قد ولّت ال? غير رجعة. لكن الواقع أثبت عكس ذلك. فبعد مدة قصيرة من الخلاص من ممارسة التهويل الايديولوجي تشعب أذرع رأس تيار التفرّد كالأخطبوط لتجمع السلطات السيادية الحساسة في شخص واحد، بهدف الثورة عل? الكيانات الأخر? لإعادة المركزية ومورست بواسطة إعلام تسلك مسلكاً أقرب لرؤية السلطان وتنقل الحقيقة المزيفة، تقوم بإشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري أو إيهامه بعدو ما وتشجيعه ضد هذا العدو وتعمل عل? غرس ثقافة القواقع الفكرية الخانقة ونشر فيروس قاتل تمدد ليصعب السيطرة عليه من أجل سلب الهوية والإرادة.

من يريد أن يبق? عل? سدة السلطة ويتعهد بتحقيق كل شيء، وهذا ما نلمسه اليوم في العراق، هدفه تهوّن الأمور لكي لا ينجز شيئاً، مثله‌ كمثل الذي يهوّل بالمشكلات لكي يقعُد عن المطالبة ويهرب من حمل المسؤولية. من الواضح بأن كل مطلب من المطالب الإصلاحية والتحديثية يجسم مشكلة مزمنة تحتاج معالجتها ال? عمل دؤوب ومتواصل عل? الذات، درساً وتحليلاً أو تشخيصاً وتعقلاً وتركيباً وتدبيراً. الحكومة الاتحادية متفق فقط عل? ما لا يحتاج ال? تنفيذ، تعمل بذلك عل? مراكمة المشكلات المزمنة لحصد الإخفاقات المتلاحقة، إن لم نقل الهزائم المتوالية.

إن ظاهرة تسلط الفرد عل? مقومات الدولة تسلطاً شاملاً معتمداً على القوة العسكرية والأمنية التي لديه والتأثير في الناس ديماغوجياً للحصول على ثقتهم ثم قتل الروحية المتحركة والفكر المتطور فيهم وإحاطة نفسه بهالة من الحصانة والعصمة، تقف حجر عثرة أمام التوجه بنحو الديمقراطية وبناء الدولة وفق مؤسسات مستقلة، ما يعرف بالخصخصة وتضرب الفدرالية عرض الحائط.

هناك معادلة منطقية مفادها، المزيد من التأله والتوحد يفضي ال? المزيد من التعصب والتوحش والمزيد من القبض والتملك يفضي ال? المزيد من التبديد والتلوث. فالحكومة الحالية في بغداد لم تعمل وللأسف إلا بعكس ما أتت من أجله أو ضد ما أعلنت الدفاع عنه أو دعت محاربته. فهي لم تفلح لا في حل الأزمات ولا في جلب المصالح ولا حت? في درء المفاسد والمكاره، بل تكاد بتفرد رئيسها تطيح بما حققه الشعب العراقي من المكتسبات بعد سقوط الطاغية عام 2003 في سعيه ال? التحديث والمعاصرة.

إن بناء الأمل عل? حكومة تريد ممارسة الحكم بدون حدود لتنتهج الحوار البناء طريقاً للتعامل مع القضايا الخلافية العالقة بين المركز والاقليم يغرق نفسه في الأوهام والأحلام، قفزاً فوق الوقائع والحقائق ولا يجلب معه في العاقبة سو? خسارة الإنجازات والمكتسبات وذلك بسبب العجز عن تدّبر الأزمات التي تتراكم مشكلة بعد مشكلة.

من يريد في هذا العصر الرقمي أن يعيد العراق ال? المركزية لا يتجرأ عن كسر نرجسيته ولا يتزحزح عن فكرة المركزية ولا يتحرر من تهويماته الإصفائية كي يرتد عن أفكاره العقيمة ويتمرس نقذ الذات عل? سبيل المراجعة العقلانية المعاصرة والبناءة ليجدد رؤاه وتصوراته ويعيد بناء قناعاته بإجتراح لغة الديمقراطية الجذرية في تعامله مع مواد الدستور والمشاكل العالقة مع الغير المختلف.

الشواهد والتجارب المريرة والأزمات المتلاحقة في‌ العراق برهنت بأن القوة العمياء والهيمنة الفئوية وإحتكار السلطة، ?ل ذلك لم يجلب أمناً أو يصنع تعايشاً سلمياً بين المكونات الأساسية في هذا البلد أو يصون حرية وكرامة الفرد. وكانت أفعال العقول المفخخة والعقليات القاصرة التي خدمت الخطط الجهنمية والأحلام المجنونة كحماقات تاريخية ترتد دوماً عل? العراق خراباً ودماراً.

المجتمعات العراقية بحاجة ال? إنتاج ثقافة جديدة، منفتحة، مدنية وسلمية مبنية عل? عقلية المداولة والشراكة الحقيقية لبناء مشترك فاعل يقلل بالمساءلة والمداولة من ثقل الأضداد والمتعارضات ومنطق المماهاة والمطابقة.

وختاماً نقول: بأن نفايات سياسة التفرد بالتوجه نحو الديكتاتورية في العراق تكاد تلوث الأرض الفكري والسماء الروحي للمواطن وتبتلع المجتمع المدني المفتوح عل? تعدد الآراء وتعمل عل? خلق حالة طوار?ء دائمة لإستدراج الكيانات ال? الإنخراط في حرب أهلية يتحول معها إسماء الفدرالية والتعددية والديمقراطية ال? بعبع وجلّاد. التنظير للمركزية وتطبيق النظرة الأحادية والنرجسية السياسية تلغم صيغ التعايش بين الكيانات وتختزل الواقع بغناه وتعقيداته والتباساته ال? بعد واحد وحيد العنصر والرأي وتدمر البيئة الديمقراطية، التي نريد صونها والعيش فيها.


د. سامان سوراني  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2174 السبت 07/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم