أقلام حرة

مبدأ الصراع مع الآخر في العقل الغربي / قاسم خضير عباس

عموماً لم تعرف (التصالح والتسامح) مع محيطها، وهذا ما جعلها تلغي ثقافة الآخرين وتصادرها، أو تحاول تهميشها.

لذلك فإن (الفكر الغربي السلطوي) امتد إلى كل نواحي الحياة وتشعباتها، كمحاولة لإسقاط الصراعات في صنع الأحداث. حتى في مجال الفلسفة تناول (العقل الغربي) الموضوعات والمباحث بأسلوب يتجرد كثيراً عن المثل العليا، فتراه دائماً يفترض وجود (صراع مرير ومخيف) مع الطبيعة والكون.

والإسلام غير ذلك... لأنه عندما يشرح طبيعة العلاقة بين الإنسان والطبيعة يضع شروط المصالحة والتعاون بينهما، لاستخدام الموارد بصورة أخلاقية.

وهذا هو الفرق بين ثقافتين... بين منهجين... منهج الغرب، ومنهج الإسلام الذي يتفهم إلى أقصى الحدود غاية القوانين الكونية، الموجودة أساساً في خدمة الإنسان وبقائه. وأتخطر أن (كريس موريسون) أوضح في كتابه (العلم يدعو للإيمان) طبيعة القوانين الكونية قائلاً: (إن العلاقة العجيبة بين الأوكسجين وثاني أوكسيد الكاربون فيما يتعلق بالحياة الحيوانية وعالم النبات كله، قد استرعت أنظار كل العالم المفكر... وهكذا نجد أن جميع النباتات أو الغابات والأعشاب، وكل قطعة من الطحلب، وكل ما يتعلق بحياة الزرع، تبنى تكوينها من الكربون والماء على الأخص، والحيوانات تلفظ ثاني أوكسيد الكاربون، فيما تلفظ النباتات الأوكسجين، ولو كانت هذه المقايضة غير قائمة، فإن الحياة الحيوانية أو النباتية كافة تستنفذ في النهاية كل الأوكسجين أو كل ثاني أوكسيد الكاربون تقريباً، ومتى انقلب التوازن تماماً ذوى النبات أو مات الإنسان فيلحق به الآخر وشيكاً).

وقال (موريسون) في موضع آخر: (إن الهواء سميك بالقدر اللازم بالضبط لمرور الأشعة ذات التأثير الكيمياوي التي يحتاج إليها الزرع، والتي تقتل الجراثيم وتنتج الفيتامينات، دون أن تضر الإنسان).

وأتصور أن هذه العلاقة الأخلاقية المبدعة بين الإنسان والطبيعة هي التي ولدت الحضارات على مدى التأريخ... والغرب يعرف ذلك جيداً، لكنه يحاول تمييع الحقيقة لتتناسب مع فكره وثقافته عندما يفترض (مبدأ صراع الإنسان) مع محيطه، وهذا ما تسبب في مآسٍ كثيرة للإنسانية جمعاء. فنحن نرى اليوم وبوضوح التبدلات المناخية، والتصحر، وانتشار الأوبئة بسبب السياسات الاقتصادية غير الأخلاقية للدول الصناعية، المبنية على (مبدأ الصراع) مع الآخر، واحتكار موارد العالم.

ومن هنا فإنّ (العقل الغربي) يسعى جاهداً لإيجاد وسائل مدمرة، يعتقد أنها قادرة على إخضاع الطبيعة لمشيئة الإنسان الغربي!! ويسعى أيضاً من جانب آخر لاستخدام العلم لأغراض غير شريفة للفتك بالشعوب الأخرى، والسيطرة عليها، وسرقتها مواردها وثرواتها، بحجة أن هذه الموارد ـ وخصوصاً النفط ـ لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي. ويتجه كثير من (المفكرين الغربيين) إلى ضرورة استعمال القوة العسكرية والتلويح بها، لإدامة الصراع الحضاري مع (الشرق الأوسط) وإخضاعه، للحصول على النفط بأسعار زهيدة.

إن (مبدأ الصراع في الفكر الغربي) ليس حديثاً، بل يمتد إلى العهود القديمة، فـ(هرقليطس) مثلاً كان متصوفاً مزدرياً الناس جميعاً محتقراً لهم وقد قال مرة بأنه : (لا أحد ممتاز بيننا، وإذا كان ثمة شخص ممتاز فلن يكون منا، هو في مكان آخر وبين قوم آخرين)… وقد نظم مذهبه على القوة لإرغام الناس: (فكل إنسان حيوان يساق إلى مرعاه بضربات السوط)، كما أن الحرب عنده هي السبيل إلى الحركة والنشاط وإلى التجدد والتقدم فتجعل من بعض الناس آلهة ومن البعض عبيداً ومن البعض أحراراً وإن الصراع هو العدالة، فجميع الأشياء تأتي وتمضي خلال صراع ، وقد تأثر كثيرا بهذا الفكر نيتشه .

وعند (هرقليطس) أيضاً: (الخير والشر واحد)، فهو يؤمن بعدم وجود وحدة مالم يكن هناك أضداد، فالضد عنده منبع الخير للإنسانية. ويذهب (برتراند رسل) إلى الاعتقاد بوجود ترابط بين هذا المذهب وبين أساس (فلسفة هيجل)، المبنية على (التركيب بين الأضداد).

وبنظرة فاحصة للفلسفة اليونانية نجد أنها قد أثّرت كثيراً بـ(المفكرين الغربيين)، فـ(ديكارت) مثلاً اتجه اتجاهاً لتصنيف الإنسان على أنه (السيد والمالك المطلق للطبيعة)، أما (بيكون) فقد آمن إلى حد الهوس بمبدأ (إخضاع الطبيعة) والتعامل معها بعنف.

وبرأيي ان هذا (التوجه الغربي) نحو الصراع مع الطبيعة والكون قد ولّد فكراً تصادمياً حاقداً على الآخرين، وأثّر بدرجات متفاوتة على (المؤسسة العلموية)، التي أخذت في الآونة الأخيرة تؤمن بـ(مبدأ العنف) للسيطرة على الظواهر الطبيعية، الأمر الذي تسبب في تلويث البيئة، وتغيير المناخ، والتصحر، وحودث كوارث إنسانية في العالم.

علماً أن الدول الصناعية الكبرى قد تسببت في زيادة الاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة المناخ، لأنها قد استخدمت المواد النووية والفحم والغازات السامة في معاملها ومختبراتها. والغريب أن هذه الدول قد ألقت باللوم على البلدان النفطية للتهرب من تعهداتها السابقة بتخفيض استعمال المواد المشعة والتقليل من الصناعات، التي تكون سبباً في تلوث الجو.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2174 السبت 07/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم