أقلام حرة

المعقول واللامعقول في السياسة .. حكومة العراق الفدرالي نموذجاً / سامان سوراني

أرشدنا أواسط القرن الثامن عشر بأن حرية المواطن السياسية تقوم عل? راحة النفس، التي تنشأ عن رأي كل واحدٍ حول سلامته. ولنيل هذه الحرية يجب أن تكون الحكومة من الوضع ما لا يمكن المواطن معه أن يخش? مواطناً آخر وكشف لنا بأن الحرية تفقد خصوصيتها المطلقة إذا ما اجتمعت السلطة الاشتراعية والسلطة التنفيذية في شخص واحد أو هيئة حاكمة واحدة. ويضيف في الفصل السادس من كتابه المذكور بأن الأمراء الذين أرادوا أن يكونوا مستبدين بدأوا بجمع جميع السلطات في شخصهم دائماً.

فبعد مرور أكثر من قرنين ونيف من الزمان عل? أقوال أمير العقل التنويري بدأ في عراق ما بعد الدكتاتورية ظهور تيار فئوي يسع? ال? تعزيز سلطته الطائفية لينحو نحو استحداث الدكتاتورية وينحرف ويتطرف عن مسار ونهج المسيرة الديمقراطية ليتجاوز القوانين وأحكام الدستور المنبثق من العقد الأجتماعي لمكونات العراق الأساسية.

نحن نعلم بأن الدستور الذي استفت? عل?ه العراقيين عام 2005 والذي وافق عليه أكثر من ثمانين في المائة من العراقيين والذي كتبه نخبة عراقية من أول جمعية منتخبة بعد ردح من الزمان وسنوات من القمع والقهر والظلم والحروب، تلك الحروب التي لم تترك للمجتمع العراقي سو? كوارث إنسانية وبيئية تسلط ظلالها السوداء ال? يومنا هذا عل? عيشهم ونمط  تفكيرهم، يحمل في طياته‌ رسم معالم المستقبل من خلال الاتفاق عل? أسس ومباد?ء جوهرية لمرحلة ما بعد الدكتاتورية.

واليوم نر? البعض يحاولون مسك الحقيقة من ذيلها، إذ يقومون بإخضاع نصوص الدستور للتأويل اللاموضوعي، من أجل التحوير والتحريف، غير مهتمين بالركن الأساسي في حكم عراق ما بعد سقوط تلك الدكتاتورية، ألا وهو التوافق السياسي، إذْ أن فقدان هذا التوافق سوف ينهي في العراق ما نسميه نحن الشراكة الحقيقية في الحكم.  وما وصف بعض وعاظ السلاطين لرئيس الحكومة بالثالوث السياسي، الذي حسب وصفهم يجمع الأقانيم ( القائد – الدولة – الشعب)، إلا القفز على تلك الحقائق، فعقلية الأنفال والحب في تكرار جرائم مثل حلبجة ما زالت متحكمة عند بعض أصحاب القرار في بغداد، أولئك الذين لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بالفيدرالية ولا بالتعايش السلمي، ناهيك عن تطبيق الشراكة الحقيقية.

نحن نر? بأن الذي يستحوذ مناصب حساسة داخل الدولة لا يهتم بالإلتزام بالدستور ولا بالعهود الموقعة، يخطط نهاراً في إرسال فرق عسكرية لتوجيه مدافعها نحو مدن اقليم كوردستان الفدرالي، فهذا النهج السلطوي والمحاولات المتكررة في إستخدام الجيش لغايات سياسية في البلد والشعب الواحد تخالف بنود الدستور، التي تجرم تلك النوايا النتنة. وليعلم الذي لايعلم بأن الحروب القادمة لا تحسم بنشر القو? عل? الأرض، بل باستخدام الشبكات الالكترونية والأنظمة الرقمية، لأن الحقيقة تصنع عبر الوسائط والصور والأرقام، لا عبر مليشيات الإسناد وحشود الصحوة والإجتماع البشري ينبني بالتعايش والتواصل لا بإزدهار أعمال الفساد والإنتهاك والإستبداد أو بنشر فنون التشبيح والشعوذة والقرصنة. فالتفرد والاستبداد كارثة عل? الشعوب، والاستبداد يضيق بالنقد البناء، والتفرد يغتال المواهب، ويقضي عل? الإبداع، ويزرع الرعب فيصبح المواطن خائفاً حت? من أقرب المقربين إليه ولا يأمن من نفسه عل? نفسه.

الحكم الفردي هو عار عل? صاحبه ووصمة سلبية في جبين الإنسانية. أما العقائد المغلقة والإدارات الفاسدة والعقليات الكسولة فهي تكبح إطلاق وتشغيل القو? الحية والخلاقة. فلا أدري أي حياة هذه بدون حرية واعية.

في عالمنا اليوم نر? تغيير في مفهوم السلطة وتوسع في معانيه. فالسلطة لا تنحصر في أجهزة الدولة ومؤسساته، وإنما هي علاقات تنتج وتمارس وتنتشر في مختلف حقول المجتمع ودوائره ومستوياته. فالدولة يجب أن تدار بعقلية السياسي، الذي يجمع بين التقليد التراثي والتحديث الاقتصادي أو بين الهوية القومية والبعد العالمي، والذي يمتلك عقلية المحترف ويشخص لكي يركب الإمكانات ويجترح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل الـمشكلات وإنهاء الأزمات.

الأزمة التي يمر بها العراق تحتاج ال? فكر مركب لمواجهة الوقائع وإعادة تشكيل المشهد وترتيب القو? عل? المسرح. أما ممارسة التفرد والتألق والنجومية فيولد رويداً رويداً التمييز والاستئثار أو الاقصاء والافتئات أو الاحتكار والإغتصاب.

و ختاماً نقول: بأن الشراكة بمفهومها المعولم تعني العمل عل? خلق مجتمع تداولي، ليحل فيه مفهوم الشبكة محل مفهوم النخبة، والفريق محل الزعيم المنقذ، بحيث يخلق للواحد فرصة التعامل مع الهويات والقضايا والمشكلات بمنهج التوسط وعقلية التسوية وبمبدأ النسبية ومنطق التداول وبثقافة التعدد. ولكي نعيش أحسن عليه‌ أن نحسن العيش سوياً. فالمقدس والمطلق والأوحد والمتعالي سواء أكان قوة أم مؤسسة يحول الناس ال? قطعان وحشود ويسمم العلاقات بين الكيانات ويدمر أسس العيش المشترك.


د. سامان سوراني

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2176 الأثنين 09/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم