أقلام حرة

الوصاية الفاشلة ومكامن عجز العقلية السياسية في العراق الفدرالي / سامان سوراني

فيه بمختلف قواه ومستوياته وهيئاته وعناصره‌، لبناء معادلة مركبة تؤلّف بين الاتحاد والإقليم، بين المحلي والكوكبي، لتحويل الخوف المتبادل والظنون السلبية ال? مجالات ومساحات وأسواق للتعايش السلمي والتبادل المثمر.

إن الذين يتصدرون واجهة الدفاع عن طوائفهم ومذاهبهم ومعسكراتهم بالأفكار السائدة والأنظمة المتحكمة والشعارات الخاوية والمقولات المستهلكة لا يستطيعون القيام بمهام قضية العيش المشترك. الطرف الذي ينهض بها هو من يخلع عباءته الأيديولوجية المقدسة بثوراتها ومقاوماتها وإنقلاباتها وأحزابها وهو من يحسن الإشتغال عل? خصوصيته وتحويل هويته للإنخراط في بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل، عل? نحو سلمي تبادلي في أطر وطنية أو اقليمية أو عالمية، ولنا في إقليم كوردستان وحكومته اليانعة نموذج إيجابي نشيط في بناء مجتمع ديمقراطي سلمي التوجه مزدهر بإنجازاته العمرانية والحضارية.

ومن أجل التصدي لمظاهر التفرد والبربرية المعاصرة نراه إنضواء الساسة في العراق تحت سقف رمزي خُلُقي ولكن دنيوي، أرضي وكوكبي لزاماً، يستنجدون بقيم التق? والتواضع والإعتراف الحقيقي بالآخر المختلف بعيداً عن النظرة المتعالية والإبداع في الشوفينية بعد أن تعولمت الأفكار والثقافات والهويات.

فبعد سقوط الأقنعة الحديدية المزنجرة في بغداد عام 2003 واجه الشعب العراقي تحديات في الداخل بقدر ما كانت هناك تصارع من أجل إدارة العلاقات والصراعات مع القو? الأقليمية والخارجية وبدأت فنون صياغة الدستور من أجل السيطرة عل? نظام الدولة ومنع  تعارض القواعد القانونية الدنيا القواعد القانونية العليا.

 حيث تم الإتفاق عل? إجراء انتخابات عامة لقيام نظام سياسي وطني ديمقراطي تعددي غير طائفي أو محاصصي وتكوين حكومة شراكة وطنية بتحالفات سياسية واسعة تبتعد عن السياسات الفردية والاستبداد وتأخذ بجماعية مجلس الوزراء وتحترام إرادة الشعب والبرلمان والقضاء وتلتزم بتفعيل المادة 140 من الدستور لإنهاء المشاكل العالقة بين إقليم كوردستان والإتحاد الفدرالي لغرض تعزيز وحدة العراق وتطوير حقوق القوميات المختلفة فيه وزرع الأمن والإستقرار الإجتماعي والإقتصادي.

لكن عقلية الشراكة والمداولة والإحساس بالمسؤولية المتبادلة عند بعض التيارات التي قادت العملية السياسية والتي أخذت بعدها زمام السلطة في بغداد لم تكن ناضجة بعد، فشاركت تلك العقلية في تضخيم حجم تفاقم عدم الثقة بالحياة الديمقراطية والدستورية. أما المخاتلة والنفاق والتآمر فكانت تلك الأعمال نصيب بعضهم، نذكر منهم التموزيين، الذين أرادو بتاريخ 2008.07.22 الإنقلاب عل? الدستور داخل البرلمان ومنهم من حاول بحكم منصبه إصدار أوامر غير دستورية لمعاقبة الشعب الكوردستاني وفرض حصار عل? المشتقات النفطية المرسلة إلى كوردستان، ومنهم من أراد الإستنجداد بقو? خارجية وشراء طائرات حربية لمقارعة الفكر التجددي المعاصر في كوردستان. أعمالهم ونياتهم الغير صافية خلقت الأزمة السياسية والإجتماعية الراهنة، فإذا بالأمور تتعقد وإذا بقو? الإرهاب المدعومة من الداخل ومن قبل أطراف تؤمن بالهيمنة الهجمونية والتي ظلت عدواً لفكرة الفدرالية وبناء قبول تعددية الهويات الثقافية والحضارية المختلفة، تستثمر هذه الحالة المستعصية لتكثير أعمالها الإجرامية قتلاً ودماراً والترويج للثقافات المحلية أوالجزئية وثقافة التضحية والشهادة.

لا تنفع الحكومة العراقية إستخدام النماذج السياسية المستهلكة والبعيدة عن الشعور الإنساني العميق، المدرك لحكم المأساة وطبيعة الحياة وثقافة الحوار والتعددية والتعايش وقبول الآخر المختلف ولا تنفعها النماذج القائمة عل? فلسفة الاقصاء والتهميش وحرب الآخر والداعمة لهواجس وحسابات الربح والخسارة.

الكلام عل? الأزمة في العراق أمس? من نافل القول وتكرار الكلام، فالطرف الذي يريد التحاور من أجل البقاء في الحكم يجب أن يبدأ بإتخاذ خطوات عملية تترجم ما اتفق عليه من قبل الأطراف التي تحاورت معه على أرض الواقع، لتنمية الثقة بينه‌ وبين الأطراف. مالنفع في الحوار، إذا لم تستبعد العوائق والموانع ومالنفع بالقول نحن ضد الدكتاتورية، إذا كان الدفاع عن النظير الإيراني والسوري جزء من السياسة، التي تؤدي أخيراًّ ال? الإخفاق في ممارسات العقلنة والديمقراطية عل? ساحات العمل؟

الأزمات والكوارث ليس مصدرها الأقدار فقط، فهي تتجسد في الأفكار بشكل خاص والعقليات والمرجعيات والنماذج والمقولات أو التصنيفات والطقوس التي تهيمن عل? المشاهد الثقافية وتتحكم في الخطابات فتنتج عوائق ومآزق وتلغم المساعي الوجودية والمشاريع المدنية أو الحضارية.

منطق الكشف العلمي يثبت لنا بأن حل المشكلات يخلق مشكلات جديدة ومعالجة الأزمات تولد المزيد من التعقيد والتأزم، لذا نقول للعقول السياسية في العراق، من أراد النجاح للديمقراطية والتجربة الفدرالية، عليه أن لا يتعامل مع الحقائق والوقائع عل? سبيل التبسيط والتهوين أو التهويل والتضليل أو التلفيق والتزييف وعل?ه نبذ الشعارات الخاوية والدعوات المستحيلة والاستراتيجيات القاتلة وعليه أيضاً إستخدام أطر وأدوات في النظر والعمل البعيدة عن مذهب القصر والإستهلاك والعقم وهنا يكمن سر النجاح.  

وختاماً يقول الفيلسوف الإنكليزي النمساوي المولد كارل بوبر (1902-1994): "نحن نعرف بأنه لا يمكن أن يكون لحجة منطقية تأثيرٌ منطقيٌّ على من لا يريد أن يتبنى أسلوباّ منطقياً."


د. سامان سوراني 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2181 السبت 14/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم