أقلام حرة

حزب الدعوة ... (الإسلامي).. حقا ؟!

من المعروف أن المرء يمكن أن يعرف بصفة تشتق من اسم الدين الذي يتبعه، فيكون اليهودي هو من يتبع الديانة اليهودية والنصراني أو المسيحي من كان دين آبائه وأجداده المسيحية وقد سار على آثارهم، والمسلم من أعتنق الإسلام دينا . وقد يكون المسلم وشأنه شأن بقية أهل الديانات الأخرى، مسلما بالاسم فقط، من دون أن يطبق الإسلام شرعة أو أن يلتزم بما جاء به الدين ووصى به الشارع ولهذا جاءت صفة الإسلامي لتستخدم من قبل الذين يؤكدون على صفة الالتصاق بالدين منهجا وعملا

 

وجميعنا قد يعرف أن الإسلام جاء بنظرية سماوية سمحاء غاية في الرقي الأخلاقي لتتكامل بتلك النظرية الإلهية جميع الصفات الحميدة للإنسان ويسمو بخلق عال في معاملاته مع جميع خلق الله سبحانه وتعالى في أرضه وسماءه . ولهذا فأن الإسلام لم يترك ترك النظرية بدون تطبيق، بل جسدها النبي الكريم محمد (ص) بتطبيقها على أرض الواقع منهجا واقعيا من خلال خلقه وقوله وعمله الشريف ليس فقط مع المسلمين كافة أو البشر عامة، بل مع جميع خلق الله جل وعلى. وقد رأينا كيف أن هذا التطبيق لم يكن ليتناقض والنظرية التي جاء بها، حتى أنه كان(ص) أول من يطبق أي حكم على نفسه أولا وأهل بيته ثم على بقية المسلمين .

 

ونعود لتساؤلنا الذي أثرناه ولكي نمعن النظر بعين فاحصة محققة وليس جارحة مخدشة ونختبر أي أمر من خلال العمل والتطبيق كي نصل إلى نتيجة قد تكون هي غاية المتلقي، والمهم في كل هذا هو  أن تحترم تلك الغاية، لأنها وببساطة شديدة تنشد الحقيقة .

 واقعا لم يكن يعرف أي عراقي ممن انتمى إلى حزب الدعوة في أيام حكم الطاغية المقبور أو قبل، إلا بالتدين والالتزام والخلق الرفيع والى جانب ذلك كان أغلب ممن أنتهج ذلك الطريق إما باحثا أو متفقها وأن لم يكن أكاديميا فهو طالب علم في أحد الجامعات أو الحوزات العلمية . ولم تسجل على أي من أتباع هذا الحزب أية شائبة ليستنقص من قدره أو يخل بكفة ميزان تضحياته، ولكن المراقب بدأ يشكك بمصداقية ذلك الالتزام الذي صبغ طبيعة وأسم هذا الحزب خصوصا بعد أن فتح المجال أمام أتباعه لكي يجدوا فرصتهم في أثبات مدى واقعية منهجهم وبعدهم أو قربهم من ذلك المنهج في أول فرصة على أرض الواقع ومن خلال التطبيق العملي الذي مورس بتسلم السلطة ولا نقول الحكومة.

 

ولربما قد يغفل المرء في حساب التقييم عدة ممارسات صحيحة أو خاطئة ولكن مؤشر الصواب من الخطأ يبقى واضحا فيما إذا كان ذلك المؤشريتقفى مسألة وجود التناقض بين المبدأ والتطبيق أو النظر في مدى الإخلال ما بين العمل والنظرية. وهذا الميزان لعله يكاد أن يكون قاعدة شرعية في معرفة الإنسان المؤمن من غير المؤمن، حيث أن المؤمن وكما هو معروف لاتجد بين فعله وقوله ومعتقده، أي تناقض، بل أنه في كل الأمور تجده لايخالف عمله قوله. ولو تخطرنا قليلا إلى الوراء في ذاكرتنا لوجدنا، أن هذا المؤشر قد سجل ويسجل علامات فارقة في حساباته من جراء اعتماد مبدأ المخالفة في الفعل والممارسة عن القول أو المبدأ وتكرار لحالة التشضي التي يعيشها حزب الدعوة في البعد عن المنهج الذي تأسس من أجله وعمل على أساسه المضحين من المجاهدين الأخيار الذين قدموا أرواحهم قرابين في سبيل أعلاء كلمة الله ونشر رسالته الإنسانية بين البشر كافة . وبدلا من أن يتواصل جهد الحاضرين وفاءا لإخلاص جهاد السابقين، فأننا نجد شيئا مغايرا تماما عن تلك الحالة المشرقة وإذا بسياسي حزب الدعوة يركزوا جل أهتماهم على كسب الغث والسمين ليكونوا قاعدة لهم ويكون الفوز بالانتخابات همهم الأوحد والتمتع بالمناصب الحكومية والمخصصات والمنافع حكرا على أتباعهم في نفس الوقت الذي يلعن به رئيس حزب الدعوة الإسلامية نظام المحاصصة الحزبية أو الطائفية والعنصرية ويتهم الآخرين بالتخندق الطائفي ضده. وبدؤا يشعروننا وكأننا نعيش أيام حكم الطغاة البعثيين في حقبة جديدة وبشكل جديد ولكن بنفس المنهج الذي أقره الطاغية، بل أتعس منه.

 

 بعد أحداث تفجيرات الأربعاء الدامية، وعلى أثر استشهاد العديد من موظفي وزارة الخارجية، أراد المعنيون مليء الشاغر الموجود فعملوا لفتح التقديم خلسة إلى الانتساب والعمل بالوزارة وتقدم الكثير ممن يجد في نفسه الكفاءة للعمل بهذه الوزارة من عراقيين أكاديميين، حيث خريجي اللغات والقانون والإدارة والاقتصاد هم ممن يندرجون ضمن المرغوب بهم للتقديم.وكان أحد المتقدمين من خريجي كلية اللغات هو صديق لمدير احد الدوائر في وزارة الخارجية و من نفس دورة التخرج من الكلية، إلا أنه لم يحصل على فرصة بالتعيين أيام الطاغية المقبور وفر بنفسه خارج الوطن. وبعد اجتيازه لجميع الاختبارات التي أجريت له في الوزارة والمقابلة التي خاضها مع بقية المتنافسين ممن تقدموا للتعيين تبين أنه لائق للعمل ولكن لايمكن قبوله والسبب كون عمره تعدى الثلاثين ...!!!! وحينما سأل صديقه المدير في الوزارة نصحه، رد عليه قائلا:(عليك برئاسة الوزراء لان استثناء العمر هي فقط من صلاحية رئيس الوزراء وإذا تمكنت من أن تجلب هذا الاستثناء فأنك ستحصل على الوظيفة فورا)

فما كان من المتقدم إلا أن يسأل صديقه مجددا وقد أخذ الفضول مأخذه منه: (وأنت كيف حصلت على وظيفتك هذه ووصلت وأنت حامل شهادة البكالوريوس مثلي إلى درجة مدير دائرة؟!) فرد عليه ضاحكا: (لقد حصلت على هذا كله بسبب انتمائي لحزب الدعوة) ورد صاحبنا بخفي حنين ولم يحصل على الوظيفة لأنه وببساطة شديدة ليس أحد المنتمين لحزب الدعوة ولم يحض باستثناء رئيس  الوزراء، وخاب أمله مجددا وأمل عائلته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجته بالعودة لأحضان الوطن الذي فر من جبابرته سابقا وحاليا ليرمى في مهجر أختاره سابقا ولم يختاره لنفسه مجددا.

 

وهذه واحدة من القصص التي تروى عدم مبالاة ساسة العراق الجديد بمصير ومستقبل الإنسان العراقي الذي كان ولازال مطية السياسة القذرة والتي ليس له فيها ناقة أو جمل غير أنه كان عراقيا. والأغرب من تلك القصة أن أحد أبناء شهداء حزب الدعوة والذي انتمى إلى جهة سياسية أخرى غير حزب الدعوة وهو على اتصال دائم بشخص رئيس الوزراء ولكونه شقيق لوزير من نفس حزب رئيس الوزراء أبدى امتعاضه أمام رئيس الوزراء يوما من الأيام وقال له بالحرف الواحد وهو ممن يسكنون بالإيجار في بيت صغير متهالك آيلا للسقوط على رأسه وعائلته وأطفاله: (لقد كنت متيقنا أن جميع شهداء حزب الدعوة سيدخلون الجنة وأننا ذويهم سنلتحق بهم كرامة من الله لهم، ولكنني بدأ الشك ينتابني من أن هذه الفكرة ليست صحيحة لأن ما أراه في حزبكم قد جعلني أشكك حتى في والدي الذي استشهد قبل أن تأتوا إلى السلطة وبدأت أصلي له كل يوم مع صلواتي صلاة عوضا عن صلاته قبل وفاته) عندها أستغرب رئيس الوزراء من حديثه وبانت عليه علائم الانفعال والدهشة رافعا حاجبيه إلى أعلى هامته ومرددا في نفس الوقت: (لماذا ..لماذا..هذا غير صحيح)

أن مسألة التزام نهجا ما والتمسك بمبادئه ليست أمرا سهلا، ولكن الإنسان الذي خلقه الله ليكون خليفة في الأرض ويحكم بين الناس بالعدل، يسمو ليكون أفضل من الملائكة في حال تغليبه العقل والحكمة وتقديمه المصلحة الإنسانية على مصالحه الخاصة، وهذا بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون ضربا من الخيال وصعب المنال خاصة ونحن لنا في تراثنا الإنساني والإسلامي الكثير من النماذج الفذة من قادة ورجال سهروا على بلوغهم درجات الرقي ليكونوا قدوة حسنة لأتباعهم، وبل للعالم أجمع وسطر التأريخ الإنساني لهم بين صفحاته غاية الإعجاب والامتنان والخلود .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1203 الثلاثاء 20/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم