أقلام حرة

الإخوان وأمتحان الديمقراطية في مصر / ترجمة: مصطفى الادهم

مرسي الذي ينحدر من حركة الإسلام السياسي - جماعة الإخوان المسلمين - استطاع بإجراءاته هذه التي اتخذاها استعادة سلطات رئيس الجمهورية. في الوقت نفسه استحوذ على صلاحيات السلطة التشريعية (مجلس الشعب المنحل)، والتي كانت بحوزة المجلس الاعلى للقوات المسلحة، الذي قبض عليها بقرار صادر عنه، بعد قرار المحكمة الدستورية الشهير القاضي بحل مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة. 

 

مناورة مرسي هذه أعطت "صراع القوى" بين مؤسسة الرئاسة والمجلس العسكري بعدا جديدا وحاسما. 

 

المجلس العسكري:

تأسس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حقبة الرئيس الراحل أنوار السادات، أثناء حرب العام (1973) بين مصر واسرائيل، من أجل تنظيم عمل وادارة غرفة عمليات القوات المسلحة. يتكون المجلس من (21) عضوا، هم كبار ضباط الجيش المصري وقادة أفرعه. ويترأسه في الأحوال الطبيعية رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة.

لكن، بعد تنحي حسني مبارك في فبراير من العام الماضي انتقلت رئاسة المجلس إلى المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة المصرية منذ عام (1991) وحتى احالته إلى التقاعد في (12.08.2012). 

 

بتنحي مبارك الذي فوض صلاحياته إلى المجلس العسكري، أصبح الأخير هو السلطة الحاكمة لإدارة شوؤن البلاد. ولكن هذه الصورة تغيرت، بفعل قرارات مرسي الجريئة، التي حجمت المجلس العسكري واضعفته بشكل غير مسبوق عندما سلبته أخر أقوى أوراقه وهي صلاحيات السلطة التشريعية (مجلس الشعب) التي ضمها مرسي إلى قبضته. 

يرأس المجلس اليوم، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع والقائد العام الجديد للقوات المسلحة.

 

رئاسة طنطاوي:

خلال رئاسة طنطاوي، أتهم المجلس الأعلى من قبل قوى شعبية وثورية بأعادة انتاج حقبة مبارك الديكتاتورية والإستمرار في عملية اجترار سياساته المرفوضة شعبيا والتي كانت من أسباب تفجير ثورة "25 يناير". وكان لمحافظة العسكر على امتيازات وسياسات خاصة بهم دور في تنامي الغضب الشعبي تجاه ادارتهم للبلاد، من هنا لا يمكن تجاهل الامور التالية: استمرار المشاريع الاقتصادية والتجارية للعسكر، وادارة كبار الضباط لمصالح وشركات رسمية وخاصة، والإستمرار في استلام المعونة الأمريكية الإقتصادية للجيش، اضافة إلى دعم المجلس الأعلى لمعاهدة السلام مع اسرائيل.

 

الخمسة الأقوياء:

من أطاح بهم مرسي هم الجنرالات الخمسة الكبار (طنطاوي، ورئيس الاركان، وقادة الافرع الجوية والبحرية والدفاع الجوي) الذي حكموا مصر بعد الثورة، من هنا تبرز المفاجاة والخطورة في قرارات المرسي لإزاحتهم من على خشبة المسرح السياسي في مصر الجديدة.

الخطورة، تكمن فيما لو رفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة القرارات الرئاسية وتضامن معه الجيش، في خطوة كانت متوقعة من أكثر من جهة. الأمر الذي كان سيقود البلد إلى سيناريو الحرب الأهلية، أو اقله الإقتتال بين المعسكرين المؤيد للرئيس والمحسوب على جناح الثورة والمؤيد للمجلس الأعلى والمحسوب على فلول النظام السابق.

من جانب أخر، لا يمكن التغاضي عن فكرة "الخروج الأمن" لقيادات المجلس العسكري، والتي تم تداولها اعلاميا وسياسيا في اكثر من مناسبة. لذلك، تثار علامة استفهام عن اتفاق سري محتمل ابرم بين مرسي وطنطاوي لخروج الأخير ورجالاته بشكل هاديء ولائق من المشهد السياسي.. وهو ما تم.

 

إمتحان الديمقراطية:

الديمقراطية في مصر مازالت وليدة، لم يتجاوز عمرها سنة وبضعة أشهر.  لذلك، هي نظام جديد، يحتاج إلى فترة من الزمن كي يتعرف عليه الشعب، الأمر الذي يحتاج الى وقت.

عليه، سوف تكون بمثابة الخطوة القاتلة في الإتجاه الخاطيء، في حال ما احتفظ الرئيس مرسي بسلطة التشريع لنفسه. عندها سيتصدر المشهد كسوبر رئيس بلا منازع. 

لذلك، فانه من الأهمية بمكان أن يسلم الرئيس مرسي السلطة التشريعية إلى مجلس الشعب القادم، الذي سيتم انتخابه، بعد الإنتهاء من وضع الدستور خلال العام الحالي، وإلا تكون مصر قد عادت الى  الوراء للدخول في نفق الديكتاتورية من جديد. 

من هنا، يمكن القول بأن محمد مرسي يخوض اليوم امتحانا في الديمقراطية. ونتيجة هذا الإمتحان حاسمة، وسترسم صورة مصر وتحدد وجهتها المستقبلية.

في حال سقوط مرسي واخوانه في الإمتحان، ستكون ضربة قاصمة للديمقراطية الوليدة في البلد. 

 

السلطة التشريعية يجب أن تسلم إلى مجلس الشعب القادم. أنه مؤشر ضروري لكنه غير كاف على وجود ديمقراطية حقيقية.

من هنا، تبرز أهمية الحاجة الماسة إلى متابعة مستمرة لمسيرة مصر في المستقبل القريب.

 

......................

* نقلا عن زاوية الكاتب في صحيفة "دانكورت أفيس" الدانماركية. 

** ترجمة: الكاتب. 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2217 السبت 01/ 09 / 2012)

في المثقف اليوم