أقلام حرة

الجحش القومي / صائب خليل

أو تنافساً مناطقياً بـ "الفرسان"، ولقبهم الشعب الكردي “الجحوش”، ويتفق الشعب العربي في العراق تماماً مع الشعب الكردي على اللقب الذي أطلقه على هؤلاء. وبقي هؤلاء يسمون ب”الجحوش” حتى بعد أنتهاء القتال ثم "عفى الله عما سلف" وتسلموا مناصب في السلطة في كردستان بعد استقلالها قبل 2003 واستمروا بعده.

 

ولو تساءلنا عن السبب في ذلك الفرق في التسمية، لما وجدنا مبرراً شخصياً فهم كرد أصيلين كما الآخرين ومن شيوخ العشائر الكردية الكبيرة ومقاتلون أشداء كما هم "البيشمركه"، وقد اشتركوا في قتال داخلي كما فعل الآخرون الخ.  إن ميزتهم الوحيدة التي منحتهم ذلك اللقب لدى الشعبين هي لجوئهم إلى ذباح شعبهم، وبالتحديد صدام حسين، ومشاركته في قتل أبناء شعبهم، أو العمل معه كإدلة لقتل الكرد، ولمجرد تمرير مصالحهم في السلطة والثروة. لكن ليس الجميع حمل هذا اللقب!

 

ففي مثل هذا اليوم 31 آب من عام 1996 أنقضت قوات مشتركة من جيش صدام مع قوات من مسعود البارزاني كمعاونين وأدلاء بالدرجة الأولى. لنستمع إلى هذا الوصف (1) للجريمة:

 

"في عصر الثلاثين من آب ومن على قمة منتجع صلاح الدين وعد مسعود أعضاء حزبه بأنهم سيتناولون وجبة الغداء غدا في أربيل، ... ملتحقا بقائد الفيلق الخامس ومؤديا التحية مصحوبة بكلمة (سيدي) الى المقبور قصي صدام المتواجد في ذلك المقر للإشراف على المعركة، وفي الساعة الخامسة صباح الحادي والثلاثين من آب 1996 المشؤوم تحركت جحافل الحرس الجمهوري نحو أربيل برفقة بيشمركًة مسعود الذين زودتهم قيادة الحزب الديمقراطي بشرائط قماش (صفراء اللون) ربطوها حول اذرُعهم (لتمييزهم عن بقية أفراد البيشمركًة) وهم يتقافزون فوق ناقلات الاشخاص العسكرية المدرعة الموجودة مع قوات الحرس الجمهوري المُكلفة بمهمة الإجتياح برفقة فاضل مطني ميراني الذي كان هو الآخر ممتطيا إحدى المدرّعات.. وماهي إلا ساعات وقد غطت سحب الدخان سماء المدينة (أربيل) وأصمّ أزيز الرصاص وزمجرة المدرعات وهدير المدافع البعيدة المدى مسامع الأمهات والأطفال .. جثث مترامية هنا وجرحى هناك يفترشون الأرض في شوارع أربيل وعلم بثلاث نجوم يرفرف فوق قلعة أربيل والمجلس التشريعي وإعتقالات عشوائية إكتظت بها السجون ومشاهد تقشعر منها الأبدان لايستسيغها سوى سماسرة القتل ومصاصي الدماء."

 

وقامت قوات مسعود بـ "إرشاد الحرس الخاص والمخابرات العراقية الى مقرات المعارضة العراقية ومطاردة وإعتقال منتسبيهم وعوائلهم .. وكما جاء في تقارير منظمة العفو الدولية الصادرة في الثالث من أيلول ???? حول انتهاكات حقوق الانسان أثناء اجتياح مدينة أربيل التي أكدّت على  أن عمليات الاعتقال والقتل لافراد المعارضة العراقية كانت قد شملت إقتحام وحرق مقرات ( الإتحاد الوطني الكردستاني/ المؤتمر الوطني/ المجلس الأعلى/ الجبهة التركمانية/ منظمة العمل الإسلامي/ الحركة الآشورية/ الحزب الشيوعي الكردستاني/ الإتحاد الإسلامي الكردستاني) حيث تم تسليم من ظفروا به (ذوي الأشرطة الصفراء/ بيشمركَة مسعود)، تسليمه الى الأمن الخاص والمخابرات الصدامية لينقلوا معصوبي الأعين الى بغداد حيث أجريت لهم حفلات التعذيب الجماعي وأقيمت عليهم المحاكم الصورية لينتهي بهم الحال في عداد المفقودين الذين ابتلعتهم بطون المقابرالجماعية."

 

ولم يأت هذا بسبب حالة من الغضب أو الإنفلات، بل بعد تنسيق ومفاوضات أستمرت أكثر من شهر بين مسعود ومن يمثله، مع أجهزة الأمن العراقية، وبمشاركة منظمة مجاهدي خلق وتهيئة الجو الدولي لقبول الإجتياح، فقد كانت جريمة مع سبق الإصرار والترصد!

 

بمناسبة هذه الذكرى، أدعو الأخوة الكرد إلى مراجعة تسمية “الجحوش” وعلى من يجب أن تنطبق، وأطالبكم فقط بالأمانة وبتجنب النفاق، فهذا مسعود ورفاقه، قد ارتكبوا بحق الآخرين من الكرد ما ارتكبه “الجحوش” بحق الآخرين من الكرد أيضاً، بالضبط، ومع نفس المجرم ولنفس الهدف: السلطة والثروة. ومثلما حقق “الجحوش” حينها أمنياتهم وحصلوا على السلطة والثروة، صار مسعود صاحب السلطة الأولى والثروة الأولى في كردستان، وصار له "عوجة" فيها و "حرس قومي" وحزب من المنتفعين، لا يهمه سوى بقاءه.

 

هذا الرجل لا يخجل اليوم أن يلقي بتلك الجرائم على عاتق الشعب العربي الذي وقف دائماً مع الكرد، بقدر ما يستطيع شعب مغلوب على أمره ولا يكاد يستطيع الدفاع عن نفسه، أن يفعل. ويطالب هذا المشارك بالجريمة حينما كانت تدعم مصالحه، الأبرياء المتعاطفين مع الضحية، بالإعتذار لها!

أنا لا أقبل أن أحمل جرائم صدام حسين ضد الكرد، لمجرد أني عربي، مثلما ترفضون أن تحملوا جرائمه ضد الكويت، لمجرد أنكم عراقيين! وأسوأ من هذا أن يتحذلق بذلك شخص شارك فعلاً بنفسه وبشكل متعمد بمثل تلك الجرائم على شعب لم يكن للشعب الكردي إلا المودة! كم هي نسبة العرب الذين بلغت دناءتهم، غير مضطرين، إلى القيام بما قام به مسعود تجاه الكرد؟

 

ما لا نفهمه، أن يبقى بعد كل هذا، شرفاء من الشعب الكردي، يدافع عن مسعود ويصر على تسمية بالقائد والبطل. ولهؤلاء أتوجه بالسؤال عن تعريف البطل والجحش لديهم، على أن نساوي الجميع بالحكم في النهاية، بغض النظر عن ثروته وسلطته اليوم، ونعطي كل شخص اللقب الذي يستحق، وغير ذلك يكون نفاقاً صريحاً لا مجال لقبوله. فما الذي فعله “الجحوش” ولم يفعله مسعود، ليستحقوا هذا الإسم ويستحق مسعود لقب "البطل القومي"؟ فإن قلتم أن البشر ضعيف أمام إغراء السلطة وأن مسعود بشر، ولم يستطع أن يرى سلطته تذهب ولا يفعل شيئ، فهذا مفهوم ومقبول لكنه لا يصح جعل مثل هذا البشر رمزاً فيقتدي به الآخرين. فغداً سيرتكب آخر مثل فعلته في ظرف آخر، فإن لامه أحد قال "البطل القومي" مسعود البرزاني فعل ذلك حين احتاج!

وإن قلتم أن السياسة "ليس لها أخلاق" وأن مصلحته أقتضت هذا العمل في ذلك الظرف، فهذا المنطق يصلح لتبرئة حتى صدام حسين الذي رأى أن مصلحته إقتضت ما فعل في ذلك الظرف، وبالتأكيد “الجحوش” أيضاً! فلماذا نميز بين جماعات تتبع مصالحها وتدافع عنها بنفس الطريقة بالضبط، ويتعاونون مع نفس الدكتاتور بجريمة من نفس النوع وحتى ضد نفس الشعب؟ طبعاً التزمنا بالتعريف الضيق لـ “الجحوش”، وهم من عاون صدام من الكرد على قتل الكرد العراقيين، وإذا كان اللقب يشمل من عاون أي أجنبي على قتل الكرد، فـ "مام جلال" الشديد الحنية على صدام، يشمله اللقب أيضاً.

 

فإذا لم يكن هناك فرق أخلاقي بين فعلة “الجحوش” و مسعود أو جلال، أفلا يتحتم علينا لكي لا نكون منافقين، أن نلقبهما بنفس اللقب؟ إن لم تستسيغوا أن نسميهما معاً "جحوشاً" فلنسمهم جميعاً إذن "أبطالاً قوميين"؟ وإن وجدتم اللقب الأخير صعب إطلاقه على من خان شعبه، وقلتم: صحيح أن مسعود قد فعل ما فعله “الجحوش”، لكنه أيضاً فعل ما فعله "القادة القوميون"، وليس من العدل أن نأخذه بجريرة الأولى دون مكافأة الثانية، فهذه وجهة نظر معقولة. ما تقولون لو نتفق إذن على لقب يجمع الفعلتين؟

ما رأيكم بـ: "البطل الجحش"؟... أو ربما "الجحش القومي"؟

 

  1. (1)حفلة الذئاب في 31 آب (صدام/مسعود)، أسرار وخفايا / عبد الرحمن أبو عوف مصطفى

 تعاون مسعود البارزاني مع مخابرات صدام حسين

 http://www.youtube.com/watch?v=i7N8ji6VQE8

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2218 الاحد 02/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم