أقلام حرة

العراق الفدرالي والشك في قدرة الحكومة الإتحادية عل? تأمين ورقة الإصلاح / سامان سوراني

ذلك الشك الذي يبحث دوماً عن الحقيقة ويعترف نادراً بأنه وجدها، وعندما يجدها فإنه لا يستريح مطلقاً بل يبدأ إل? الأمام في مسألة جديدة متابعاً نظره إل? ماهو أبعد وأعل?.

أما الإصلاح الذي هو نقيض الفساد يعني أيضاً إزالة الفساد بين القوم، والتوفيق بينهم. والإصلاح هو التغير الى إستقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة. لغوياً تفسر الإصلاح بالانتقال أو التغير من حال إلى حال أحسن، أو بالتحول عن شيئ والانصراف عنه الى سواه. والإصلاح السياسي هو العمل عل? تحسين النظام السياسي من أجل إزالة الفساد والاستبداد. فهو ركن أساسي مرسخ للحكم الرشيد أو الصالح وتعتبر الشفافية والمشاركة الشعبية في إتخاذ القرار والعدل وفعالية الإنجاز وكفاءة الإدارة والمحاسبة والمسائلة والرؤية الإستراتيجية مظهر من مظاهر سيادة القانون بما يضمن التوافق العام للدستور. والخطاب الإصلاحي يجب أن يستند إلى عقيدة أيديولوجية يتميز بوضوح الرؤية وقوة الحجة عند المبادرة أو المشاركة أو حتى عند النقاش. ويمكن لقادة الإصلاح الإستناد عل? إيديولوجيات مثل العلمانية والديمقراطية والعقلانية والمواطنة في دفاعهم أو تبريرهم لتوجهاتهم الإصلاحية وإقناع المجتمع بأهميتها.

أما في العراق الفدرالي فقد ركز رئيس "دولة القانون" وللأسف عل? إغتصاب السلطة بصورة من الصور، إذ نراه يسع? في تبرير هذا الإغتصاب بالمخادعة حيناً وبإعلاء نداء "اللامنتمين" و"العابثين" أحياناً بالقول للمطالبين بالإصلاح وتنفيذ بنود الدستور، كف? معارضتكم وتظاهراتكم، فقد وصلت رسالتكم وتفهمنا مطالبكم وإتركوا الفرصة للحكومة كي تُقَلِّب الأمور، وتُرسي قواعد الإصلاح، ليبدأ بالبطش، إذا كان ذلك ممكناً، لكي تبتعد المسافة بين ما كان واجباً أن تكون عليه الأمور، وما تصل إليه على الحقيقة أو لكي يعود البلاد الى عهود الاستبداد والدكتاتورية والإرهاب والتكفير ومصادرة الاخر.

إن عملية الإصلاح لا تحدث في فراغ ولا تنطلق لمجرد الرغبة في التغيير، إذ لابد من توافر بيئة مناسبة أو ظروف موضوعية تدفع باتجاه الإصلاح. فهو فكرة نشتغل عليها ونصبح ثمرتها، بحيث نتحول معها ونتخلّق بها، بقدر ما نسهم في إغناءها وإعادة إبتكارها.

فإحداث تغييرات رمزية أو صورية أو تجميلية إنتقائية ذات قيمة ومغزى لمن يقف وراءها، مثل الإعلان للنية في إجراء حوار مع الأقليم لحل المشاكل العالقة بينه وبين الإتحاد أو رفع شعارات مثل الشفافية والمساءلة أو التنمية السياسية، ماهي إلا إصلاحات سطحية مبتورة بلا جدوى أو مضمون، وبالتالي لا تندرج تحت مفهوم الإصلاح أو التغيير. فالإصلاح يوازي فكرة التقدم، وينطوي جوهرياً على فكرة التغيير نحو الأفضل لحل المسائل بشكل موضوعي للوصول ال? الأهداف الموضوعية.

نحن نعرف بأنه‌ لا وجود لحلول قصو? وأن التغيير، أيّا كان الشعار، لا ينجز عل? نحو نهائي، خاصة ونحن في عصر التحولات المتسارعة والطفرات المفاجئة في المعلومات والمعطيات. فمن يخش? الإصلاح والتغيير في مواجهة الضغوط والمتغييرات يلقي سلاحه ويشهد عل? قصوره، وسط كل هذه التحولات الكاسحة والمتغيرات العالمية.

وطالما هناك تيارات دينية أو قوموية وأحزاب بأيديولوجيات شمولية لا تريد الخروج من القوقعة للتحدث بلغة العصر، إذن يبق? المشهد السياسي العراقي غير مستقر والانسجام والنوايا الصادقة تجاه تنفيذ العهود والمواثيق ضرب من الخيال وورقة الاصلاح، التي يظن دعاتها بأن محتواها "كتاب مقدس"، بمثابة طلسم لا يمكن فك تعويذته والمجتمعات الكوردستانية لم تعد على استعداد لأن تُخدع من قبل الحكومة الإتحادية أكثر، فقد لدغت من هذا الجحر آلاف المرات.

و إن رفع الوصاية ليس ممكناً من غير التنوير وشعاره "كن جريئاً في إعمال عقلك"عل? حد تعبير الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط ، فالرهان هو إذن أن نتغير لكي نسهم في تغير سوانا ومن يريد تقديم ورقة الإصلاح، فعليه أن يصلح أوضاعه أولاً قبل أن يسهم في إصلاح العراق الفدرالي، الذي بات بأشد الحاجة ال? الإصلاح وإعادة البناء.

?ف? رئيس الحكومة الإتحادية بنفيه للوقائع وقفزه فوق الحقائق والعمل عل? مفاقمة الأوضاع وشهادته عل? جهله بالواقع. ليترك الفضاء للآخرين الذين هم أجدر منه في توظيف المكتسبات وكشف الإنسدادات وتفكيك الأزمات وإطلاق ديناميكيات جديدة وفتح خطوط للمساهمة في ورشة التعايش السلمي عل? أرض العراق الفدرالي وصوغ المصائر عل? نحو يكون أقل خوفاً ورعباً وأكثر أمناً، بكل معاني الأمن.

وختاماً نقول: "الإصلاح يعني ممارسة الإعتراف المتبادل، لكي ننمو سوياً ونبتكر أطر وآليات للعمل المشترك ونفكر بعقلية المداولة والوساطة والشراكة لزحزحة الثوابت المتحجرة والتحرر من المسبقات المعيقة والنماذج الجاهزة ونتعامل مع الواقع كمجاز للعبور أو كحقل مفتوح للتفكير الحر والعمل المثمر، بالتدخل والتدبر عل? سبيل الإختراع والإبداع."


الدكتور سامان سوراني

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2221 الاربعاء 19/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم