أقلام حرة

دور سياسة التعليم في بناء المجتمع الكوردستاني المعاصر / سامان سوراني

تكوين الإنسان عقلاً وشخصاً وذهناً ونفساً وتمكينه من الدخول ال? فضاء العقل العام، أي فضاء البحث الفكري والنقد الإجتماعي.  

فمن المعلوم بأنّ بناء مجتمعات حيّة يبق? ضرب من الخيال إذا ما تُرك العلم والمعرفة جانباً وأنّ المعايير التي تقاس بها عصرية أيّ‌ مجتمع هي تطوره التقني ومستواه العلمي والتربوي. فالبحث العلمي هو نتيجة تعليم مزدهر وهكذا بالنسبة ال? عمليات التحديث والنمو الاقتصادي والاجتماعي، إذ لا يمكن وقوع التحديث من دون أن يأخذ العلم والتقنية دورهما في أيّ مجتمع يرنو إلى التقدم والمعاصرة.

ويمكن إعتبار البحث العلمي بآلية ضرورية للوصول ال? حلول ناجعة لمشكلات وقضايا حياتية كالإسكان والتربية والصحة وتأمين المياه والزراعة والنقل والبيئة والتلوث أو أمور أمنية كالحرب والسلام، ناهيك عن قضايا مرتبطة بالتنمية والخطط المستقبلية في دراسة الفضاء والغور في علوم الحاسوب والبرمجة وعلم الهندسة الوراثية. وهو وسيلة مهمة لتنوير المجتمعات البشرية للأخذ بأسباب المعرفة والاستفادة منها. وبإمكان التقنية أن تحوّل التراكم المعرفي للمجتمع، الذي هو عنصر فاعل في الحياة المعاصرة، ال? منفعة ملموسة بهدف التحكم في الطبيعة وعناصرها لصالح الإنسان.

إن عدم ممارسة البحث العلمي أو إهماله سوف تنعكس بشكل سلبي عل? عملية التعليم الجامعي وفي النهاية تجعل من الجامعات مراكز لتفويج خريجين غير قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل وهكذا يتحول الخريج، الذي لايستطيع اليوم أن يواكب كل مستجد في علوم تخصصه بعد إنفصاله من الجامعة، ال? عاطل عن العمل وال? عالة عل? المجتمع الذي ير? نفسه في طور النشوء والنمو.

التعليم هو عملية إعادة إنتاج للمجتمع ذاته ولا يمكن لمجتمع أن يعلّم أبناءه سوى ما يعلمه أو يؤمن به. إقليم كوردستان بحاجة ال? نهضة علمية مبنية عل? الرؤية المستقبلية والعدل، فأساس النهضة، التي نحن بأشد الحاجة اليها، هو إعلاء الثقافة والحفاظ على الهوية الكوردستانية أولاً وأخيراً والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وتهيئة المناخ والحياة الكريمة للباحثين والعلماء وتقدير عملهم والسعي في تعميم العدل وتطبيق القوانين عل? الجميع. فالمجتمع الذي لا يدرك بأن العصر الذي نعيشه هو عصر العلم والمعرفة، لا يستطيع أن يبني دولة ثابتة الأقدام.

و من الصعب عل? مجتمع إذا كان ممسوس بالتطرف الديني ومحاط بالخيوط العنكبوتية الناعمة للتيارات الإخوانية أن  يمنع نفوذ تلك المشاعر ال? قلب المؤسسات التعليمية، فعل? المؤسسات التربوية في إقليم كوردستان إذاً إرساء دعائم ومبادئ الفلسفة التربوية بما يتلائم مع النهضة الإنسانية والديمقراطية التي يشهدها العالم والعمل الدؤوب في سبيل تغير المناهج الدراسية في مختلف المراحل الدراسية بشكل تدريجي لكي تترسخ نواة الديمقراطية ومفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان والتعايش السلمي والمساواة والحرية والحق في الحياة وحق الحياة الكريمة لد? الجيل الجديد والمجتمع العصري بهدف مسايرة المتغيرات الاجتماعية والفكرية  في العالم المتحضر.

فالتعليم يجب أن يبتعد عن التلقين، الذي يؤدي في النهاية ال? تشكيل عقل أصم يعمل كمخزن للمعلومات وليس كطاقة رائعة للتفكير. أما النظام المدرسي الحكومي  فله‌، بالرغم من سعي الحكومة في تطويره، مشكلات شت?، منها بؤس الأبنية وقصر الوقت المتاح وتدنى مستويات المدرسين والحشو المبالغ في المقررات التعليمية وقلة الصلة بين التعليم وحاجات ومهارات العمل المتاح وإنفكاك الصلة بين المعرفة والأخلاق الرفيعة فضلاً عن الشعور بالمسؤولية الاجتماعية.

الأجيال القادمة بحاجة إلى بناء ثقافي صحيح. فلكي لا نظل نفكر بالمقلوب ونعود ال? الوراء أو نتأخر عن الإنخراط في العالم الجديد بثوراته وتحولاته وإنعطافاته التقنية أو المعرفية أو الثقافية، نر? من الضروري عقد ندوات تربوية وفتح ورشات تدريبية خاصة للمعلمين والمدرسين، كونهم حلقة الوصل بين الفلسفة التربوية والمتلقي، بغية تجهيزهم بمفاهيم جديدة يتناسب مع أهداف خلق ثقافة لمجتمع مدني يؤمن بالمفاهيم الديمقراطية والإنسانية، تلك المفاهيم التي تنبني عل? تعزيز فكرة المواطنة الكوردستانية بأساليب تواصلية بعيدة عن المنازع والممارسات والمؤسسات الأصولية والنرجسية النخبوية.

وهكذا سوف يكون الفكر في إقليم كوردستان قادراً عل? إجتياز مراحل متعددة الحقول والإتجاهات للمساهمة في إتقان صناعة التنمية وهندسة العلاقات الإجتماعية بفتح خطوط للتعايش والتواصل أو خلق مجالات للتداول والتبادل. ومن لا يحسن فهم حاضره لا يحسن توظيف الماضي من أجل الإعداد للآتي.

وختاماً يقول جبران خليل جبران: "الشعوب العظيمة تبدع أفكاراً عظيمة، لكن الأفكار العظيمة لا تبدع شعوباً عظيمة."


الدكتور سامان سوراني

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2223 الأحد 23/ 09 / 2012)


في المثقف اليوم