أقلام حرة

الرئيس مسعود بارزاني والدعوة الصادقة ال? إنتهاج سياسة اللاعنف / سامان سوراني

ويقطع جسور السلام والمحبة ويخلق جدران الحقد والكراهية. الفيلسوف والمؤلف الشهير ومؤسس حركة الإيكولوجيا الأمريكي Henry David Thoreau (1817 - 1862)، الذي إستخدم فلسفة اللاعنف كمنهج لحياته، كونه يبني غايته عبر أنشطته ذاتها، كان أول من حرّض على العمل بأسلوب العصيان المدني، لإنتزاع الحقوق ورفض الظلم. وكان لأعماله وكتبه في اللاعنف أثر بليغ عل? شخصيات معروفة أمثال الروائي العالمي الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي (1828-1910) ومعجزة السلم الأسطوري موهانداس كرمشاند غاندي (1869-1948) والخطيب التاريخي، قائد مناهضة التمييز العنصري مارتن لوثر كنج جونيور (1929-1968).

شهدت الآونة الأخيرة زيادة ملحوظة حول العالم في حركات اللاعنف، التي أثبتت بأنها إرادة الشعب وقوته في إستهداف تعزيز حقوق الإنسان والتحرر من أسر التاريخ وحتمياته وتفكيك الديكتاتوريات والأصوليات والإطاحة بالأنظمة المستبدة الغاشمة.  

اللاعنف هو قديم قدم البشرية، لكنه السلاح الأقدر على بناء المجتمع المدني المتحضر، الذي تُحترم فيه إنسانية الانسان وتُحفظ كرامته وحقوقه من خلال اعتماد المسؤولين عل? سياسة التفاهم والتواؤم والانسجام ومعالجة التناقضات عبر المنافذ التحاورية المتحضرة التي غالباً ما تضع الأمور في نصابها وتتعاطى مع الإشكالات بحكمة وروية وهدوء.

ومن الواضح بأن فتح ممكنات جديدة أمام العمل في سبيل حق شعب كوردستان العابر لحدود الإقليم والمستوعب لحراك المجتمع الكوردستاني ومتغييرات العالم يحتاج ال? فكر جديد تتغيّر معه المفاهيم والمواقف والممارسات. ففي الخطاب التاريخي الذي القاه الرئيس مسعود بارزاني باللغة الكوردية بتاريخ 2012.09.30 في المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية التركي، بحضور جمع غفير من أعضاء هذا الحزب الحاكم في تركيا ووأمام وفود أكثر من 90 دولة مشاركة، تم إستعراض الوضع الراهن في اقليم كوردستان وتأريخ العلاقة بين تركيا والاقليم ومختلف الشؤون المحلية والاقليمية والدولية.

لكن الذي نحن هنا بصدده، هو تأكيد سيادته عل? أن اللاعنف هو الطريق الأمثل لإدارة المصالح العمومية بعقلية السياسي المحترف وللوصول ال? ا??دف ا?????? وإستعمال فن الحوار الهاد?ء كوسيلة للتواصل ومنها نستنبط قناعته‌ التامة بسياسة اللاعنف، كأداة للوصول ال? حل القضايا الكوردستانية مع الدول التي تحتل اليوم وللأسف أجزاء من أراضي كوردستان وتسلب من هذا الشعب الخالد الحقوق الشرعية في تقرير مصيره وتنكر بسبب التفكير بمنطق الضد والإقصاء في بعض من مناطقه وجوده. هذه القناعة هي إستراتيجية عمل وسياسة لحلِّ النزاعات.

بديهي بأن العنف من صنع البشر والرئيس مسعود بارزاني يؤكد بأننا قادرين على تفكيك هذا القضاء ولنا القدرة عل? إعطاء الأجيال القادمة حقَّ الحلم بعالم تملؤه الحرية والكرامة. ففلسفة السلم تحمل في طياتها السلام الظاهري وتر? في تثبيت الديمقراطية الحقيقية طريق معبّد لضمان النفس والجماعة.

في عصر تشابك المصائر والمصالح وعولمة الحروب والهويات تثبت التجارب بأن من يستطيع التفكير بعقل تداولي يكون قادر عل? أن يتغير لكي يسهم في تغيير سواه عل? نحو مثمر وخلاق ويتمكن من أن يقرأ ويشخص لكي يركب الإمكانات ويجترح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل المشكلات. فالأفكار الخصبة والتجارب الفذة والنماذج الناجحة في مكان ما، تغدو ملك البشرية جمعاء، أياً كان مصدرها، كما يشهد التفاعل بين الحضارات منذ أقدم الأزمنة، فلتنسج العلاقات في المنطقة بعقلية السلم والشراكة ولغة التسوية وثقافة التعدد والتنوع، عل? نحو يفتح آفاق الحوار والتعاون والتضامن عل? سبيل النفع المتبادل والإثراء المتبادل.

و السلم مرتبط بسعادة الجماعة الراهنة التي تبحث عن العيش في سلام، أما الحرب والعنف والتطرف فهي سلوك يعكس ضعف الإنسان في ضبط تعامله وانفعالاته ومن الممكن أن تكون الحرب ضرورة حتمية لكنها تبق? حتمية محزنة تبرز ضعف ديناميكية الفكر الإنساني وقصور عقله.

علينا إذن بتبني سياسة اللاعنف للإنخراط في المناقشة العالمية، وللمساهمة بشكل بناء ومثمر في تطوير مفهوم الديمقراطية وفتح ممكنات جديدة أمام العمل الديمقراطي.

و ختاماً: فإن الديمقراطية تبق? دوماً رهناً لما نفكر فيه ونصنعه، فهي صيرورة مفهومها عل? مستو? الفكر وثمرة التجارب الفذة والغنية عل? أرض الواقع البشري الملغم دوماً بالأهواء والمطامع أو بالجهل والنسيان أو بالخداع والأوهام ومن لا يتقدم يتراجع لا محالة ومن لا يتغير تهمشه المتغيرات أو تنتقم منه الوقائع.


الدكتور سامان سوراني

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2236 السبت 06 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم