أقلام حرة

دولة كوردستان المستقلة بين التحدي والإستجابة / سامان سوراني

الذي إستلهم نظريته في "التحدي والإستجابة" من عِلم النَفس السلوكيّ لمؤسس علم النفس التحليلي السويسري كارل غوستاف يونغ (1875-1961) والذي كان متأثراً في فكرته حول دور الاقلية المبدعة في بناء التقدم الحضاري بمفاهيم الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون (1859-1941) يقول:

"إنَّ الفَرد الذي يتعرَّضُ لصدمةٍ قد يفقدُ توازُنَه لفترةٍ ما، ثمَّ قد يستجيبُ لها بنوعَين من الاستجابة: الأُولى النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسُّك به تعويضًا عن واقعه المُرّ، فيُصبح إنطوائيّاً؛ والثانية، تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها ثمَّ مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيّاً. فالحالة الأولى تُعتَبرُ استجابةً سلبيَّة، والثانية إيجابيَّة بالنسبة لعلم النفس".

الكوردستانيون، الذين يمثلون كيان تاريخي، له هويته القومية الواضحة، يربو عددهم الآن أكثر من 40 مليوناً، هُم حسب منطوق نظرية تقرير المصير أكبر شعب في العالم ليس لديهم دولة، تعرضوا ال? أقس? المجازر وحشية وأعنف قصف بالغازات السامة ومورس ضدهم أساليب لاإنسانية في تهجيرهم بشكل جماعي قسري من مناطقهم الجغرافية وسياسة التمييز اللغوي لكسر شوكتهم وحسهم الوطني، لكنهم وبحكم إمتلاكهم لحركات قومية قوية باتوا في الآونة الأخيرة أحد العوامل الأساسية في السياسة الداخلية والخارجية لتلك الدول التي تحتل ال? يومنا هذا أجزاء كبيرة من وطنهم كوردستان.

بناء الدولة الكوردستانية ليست مجرد فكرة تقتبس أو صيغة تطبق، وإنما هو عمل شاق ومتواصل يقوم به كل فرد من أفراد المجتمع الكوردستاني عل? نفسه، عل? غير مستو? أو صعيد، من أجل تحويل الإختلافات الفطرية أو العصبيات الجمعية أو التكتلات الفئوية الغير مسؤولة ال? علاقات وطنية تتيح التعامل مع السلطة الوطنية في جميع دوائرها ومستوياتها.

فالقوَّة الخلاَّقة والوعي بالذات تصنع الوحدة في كيان المُجتمع، الذي هو بمثابة وسط للتعدد وفضاء للمداولة بقدر ماهو شبكة من التأثيرات المتبادلة والعلائق المتحوّلة. الوعي بالذات يسهم في تكوين طبيعة الدولة المستقلة، ومن ثم الانتماء إلى إشارات ثقافية وجغرافية.  

لقد ولّ? زمن المثل القائل، بأنه ليس للكورد صديق غير جباله، أو ذكر ححج واهية من قبل المثقف الأبله، الذي يُرجع أسباب عدم بناء الدولة الكوردستانية ال? التضاريس الأرضية، كون معظم أراضي كوردستان جبال وسهول أوالموقع الجغرافي والظروف الإقليمية والدولية. فالذي لايعرف الرقص يقول دوماً بأن الارض ليست معتدلة.

نحن كشعب نعرف بأن الماضي هو زمن من أزمنتنا المتداخلة والمتعاصرة، بل هو طبقة من طبقات وعينا المركب الذي يمكن قراءته عل? نحو جيولوجي، نمتلك إرادة التضحية والتاريخ شاهد عل? مانقول. لكن الذي نحتاجه اليوم في عصر التغيير هو خلق إرادة المجازفة، لمواجهة التحولات والإستحقاقات والإشتغال عل? الهوية والذاكرة والتراث من أجل تحويل ذلك ال? عمل منتج أو ال? ممارسة إبداعية تتجسد في صناعة الإستقلال ونسج علاقة مع العالم راهة وفاعلة، سيما أن العالم لم يعد كما كان عليه، بل هو يتغير بصورة جذرية وبنيوية متسارعة. علينا بتثوير الإدراك وحرية الإنسان وإمتحان القِيَم قبل تبنِّيها، فثورة الإنسان على داخله، كما يراه الفيلسوف الياباني المعاصر دايساكو إكيدا، هي الشرط الضروري للتقدم والمساهمة الفعالة في سبيل بناء الوطن. فالقضايا الوطنية والمصالح العمومية يجب أن تدار بسياسة جديدة من مفرداتها ومفاهيمها وقواعدها الخلق والتحويل والتجاوز بعد أن سجلت نهاية لنظرية المؤامرة والأجندات الخارجية.

ومن المعلوم بأنه لا ينهض ولا يتقدم من لا تفضي به تجاربه إل? تغيير مفاهيمه عن النهوض والتقدم ولا ممارسة بلا نظرية، ولا فاعلية من دون شكل من أشكال العقلنة، للنشاطات والتصرفات، يتيح الحصر والضبط والتنظيم، نمذجةً أو قولبةً أو برمجةً. وعقلية العصر الرقمي تطلب منّا بناء أفراد لهم الإيمان الكامل بذواتهم، أحرار قادرين عل? بناء مجتمع قوي قادر، أفراد لا يؤمنون بالإقصاء الذي يلازم كل فكر ضعيف أو متستر أو مداهن، ليستمد قوته من تهميش الآخرين.

الهدف من بناء الدولة الكوردستانية المستقلة، التي هي حقيقة وسلطة الواحد عل? الآخر والتي نبنيه اليوم بجهودنا وعقولنا ليعترف بها الآخرون غداً، هو تحرير الأفراد والحفاظ على أمنهم وتمكنهم من ممارسة حقوقهم الطبيعية ممارسة عقلية وحمايتهم من كل أشكال العنف والتسلط وتنمية قدراتهم الجسدية والذهنية، شريطة عدم إلحاق الضرر بالآخرين. لنصرف الإنتباه إلى عالم ما تحت الوعي الكامن وراء الأعمال والأفكار والرغائب البشرية ولنعشق السلام ونناضل من أجله  ولنجعل القرن الحادي والعشرين فضاء للأمل والسلام والحياة الحرة الكريمة لشعوب كوردستان والمنطقة ولنخرج من قوقعتنا الفكرية ونهتم بكل ما يجري في هذا العالم من تغييرات وأحداث ونصنع حداثتنا وحقيقتنا من خلال خلقنا ما نتفرد به من التجارب التاريخية ونجدد أدواتنا في الفهم والتفكيك ونقتحم العالم بفكرنا الجديد. الفرد الكوردستاني قادر عل? هذا، لأنه صاحب إرادة، عليه أن لا يهاب المجازفة، من غير ذلك يسهم الواحد في إنتهاك شعاراته وإعادة إنتاج مأزقه وخسارة قضايا والتواطؤ مع ضده، لإنتاج المساو?ء والتهم المتبادلة أو الدمار المتبادل. وختاماً: " إن الثورة العظيمة في حياة فرد واحد قادرة على تحويل مصير مجتمع بأسره، لا وبل على تغيير قدر البشرية جمعاء."

 

الدكتور سامان سوراني

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2239الثلاثاء 09 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم